دفع الظلم وإصلاح ذات البين

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

 

شبكة النبأ: المخاصمة والظلم أمران لا يمكن التخلص منهما، أو التهرّب منهما طالما يتحرك الانسان وسط شبكة من العلاقات والمصالح، يتطلبها تحصيل الرزق والعيش، حيث يطمح الانسان الى تحقيق مصالح مادية اكبر واكثر لتحسين حياته وعائلته، وهو أمر مشروع تماما، فالجميع يتحرك من اجل الرزق، بل هناك امر إلهي بالعمل، وهناك تأكيد على الكدّ والسعي في الدنيا، على الرغم من الله تعالى يتحكم بالارزاق، لكن السعي الى الرزق أمر لا مناص منه، لذا يحدث نتيجة لذلك نوع من التصادمات، تؤدي الى المخاصمة والظلم.

يأمل الانسان المؤمن أن يتحاشى الظلم دائما.. فقد ورد في كتاب سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، وهو كتاب قيّم بعنوان (حلية الصالحين)، ورد فيه حديث للامام السجاد عليه السلام يصبّ في هذا المسار: (يقول الإمام السجّاد سلام الله عليه: اللهُمَّ صَلّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَاجْعَلْ لي يَداً عَلى مَنْ ظَلَمَني، وَ لِسَاناً عَلى مَنْ خَاصَمَني). إذاً هذا الدعاء يهدف لتجنب الظلم، بالاضافة الى التعامل بصورة سليمة مع المخاصمة من خلال الحوار والكلام المتبادَل.

إن المخاصمة قد تقود احيانا الى المواجهة بين الاطراف المتخاصمة، وقد يؤدي هذا الى حدوث الفرقة بينهم، وقد تخلق مشكلات تتنامى وتكبر مع مرور الوقت فيصعب حلّها، خاصة اذا حدثت حالة من العزلة بين الاطراف المتخاصمة، لذلك يحاول اهل التقوى التقريب بين وجهات النظر، واحتواء المشكلات والصراع بالحوار والتفاهم وحل المعضلات من خلال إبداء التنازلات المتبادلة بين الطرفين.

يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال بكتابه المذكور نفسه: إن (الفرقة تعني الانفصال، فالناس إذا كانوا مجتمعين على أمر فلا توجد فرقة فيما بينهم، أمّا إذا اعتزل بعضهم بعضاً وصار بعضهم منفصلاً عن بعض فهذا يعني حدوث فرقة بينهم. ويطلق أهل الفرقة على من ديدنه الافتراق، أمّا من حليته الصلاح وزينته التقوى فإنّه يحاول أن يجمع ويضمّ إليه جميع أهل الفرقة حتى يعيدهم إلى صفّ الحقّ).

الحيلولة دون حدوث الفرقة

من الامور التي ينبغي مراعاتها في المجتمع، كما يؤكد ذلك سماحة المرجع الشيرازي، هو معالجة الاسباب التي تؤدي الى الفرقة بين الافراد او الجماعات، فطالما اننا نسعى نحو مصالحنا وارزاقنا، فإن هناك احتمالات كبيرة لحدوث التصادمات، وهو امر طبيعي جدا، هنا يتميز دور المصلحين من اصحاب التقوى والاخلاق الرصينة، حيث يسعى هؤلاء دائما الى اصلاح ذات البين.

كما يؤكد ذلك سماحة المرجع الشيرازي في قوله: (ممّا يعنيه البين هو الصلة والحال التي عليها أفراد المجتمع، وهو نقيض الفرقة. فإصلاح ذات البين يعني: صيانة الألفة والمحبّة من خلال إدامتهما ومعالجة أيّ شرخ ممكن حدوثه قبل اتّساعه مهما كان حجمه سواء بين الإخوة، أو الزوج والزوجة، أو الأصدقاء، أو بين الأُستاذ وتلميذه، أو الأب وابنه أو غير ذلك).

إن منهج الاصلاح والتقريب بين وجهات النظر، واحتواء حالات الصراع وحل النزاعات الصغيرة او الكبيرة، لابد أن يتم بطريقة متحضرة، وهي طريقة الحوار والنقاش مهما كانت صعوبة المشكلات او اختلاف الآراء حولها، ففي النهاية سوف يتوصل الجميع الى حل يرضي جميع الاطراف بالحوار وليس التصادم، لذلك فإن مسؤولية الانسان المؤمن تتركز في نشر وترويج منهج معالجة المشكلات بالحوار والاصلاح.

لذا يؤكد سماحة المرجع الشيرازي في هذا الجانب على: (انّ الأُمور التي ينبغي للإنسان المؤمن أن يعنى بها في المجتمع، أي على الصعيد العامّ والواسع، أن يكون ديدنه الحيلولة دون حدوث الفرقة والاختلاف، كما عليه أن يسعى أيضاً من أجل الإصلاح على صعيد العلاقات الاجتماعية الصغرى كالعلاقات بين الإخوة والأقارب والزملاء، فهاتان الخصلتان ـ ضمّ أهل الفرقة، وإصلاح ذات البين ـ تعدّان من حلية الصالحين وزينة المتّقين).

بين الحق والباطل

يتساءل سماحة المرجع الشيرازي في كتابه (حلية الصالحين): (قد يتبادر إلى الذهن سؤال، وهو: هل الإمام السجّاد سلام الله عليه يدعو للاجتماع وعدم الفرقة دائماً من دون نظر إلى الحقّ والباطل؟ حاشا أن يكون الإمام يريد ذلك؛ لأنّ الإمام السجّاد عدل القرآن، والقرآن يقول: *كَانَ النَّاسُ اُمّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ*. وهذا معناه أنّ الناس كانوا مجتمعين على الضلال والباطل، فبعث الله تعالى الرسل ليمزّقوا وحدة الباطل فيهم ببيّنات الوحي والتنزيل. أجل، الوحدة من الفضائل ولكن إذا كانت في إطار الحقّ والفضيلة لا في إطار الباطل والرذيلة).

من الواضح هنا أن الدعوة الى وحدة المجموع، لا تعني الوحدة على المخالفة او العصيان، أو على المنهج الخاطئ، إنما الوحدة هنا تعني اتفاق الجميع على الحق، وتقارب آرائهم وتمحورها في هذا الجانب، جانب الحق حصرا، ولا يصح أن يتوحد الناس على الاساءة والمنهج الرديء، وعليهم نبذ الرذيلة، والتمسك بالفضيلة، لأن هذا التمسك سوف يبرر وحدتهم ويدعمها، أما التوّحد بين الناس على قضية خاطئة، فهو أمر مرفوض تماما.

وثمة إشكالية تنطوي عليها النفس البشرية، تتعلق بالشهوات بأنواعها كافة، أي الشهوات الجسدية الغريزية والمادية ايضا، إذ تدفع الانسان الى مزالق خطيرة، تجعله يظلم الاخرين، ويخاصم الجميع، ويبتعد عن حل النزاع بالتفاهم ويعتمد القوة والبطش، فيكون من اشد الظالمين، معالجة هذا الغرور يتمثل بتذكّر الانسان للموت، فهذا كفيل بأن يطفئ فيه الرغبة للانتقام والظلم والمخاصمة مع الاخرين، فيلجأ الى معالجة المشكلات بالتفاهم.

يقول سماحة المرجع الشيرازي حول هذا الموضوع بكتابه نفسه: (إنّ على الإنسان أن يضع الموت نصب عينيه دائماً، فإذا فعل ذلك خفّت حدّة شهواته واستطاع أن يعمل على ضمّ أهل الفرقة وإصلاح ذات البين بنحو أحسن، ولا يكترث للأعذار غير الصحيحة).

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 8/آيار/2014 - 7/رجب/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م