الإخوان وأحكام الإعدام.. مأزق حقوقي يلهب معركة تكسير العظام

 

شبكة النبأ: يظهر المشهد الحقوقي الحديث في مصر صراع محموم بين السلطات المصرية وجماعة الاخوان المسلمين حول أحكام الإعدام التي أصدرتها المحاكم المصرية بحق عناصر وقيادات جماعة الإخوان المجمدة سياسيا، ويرى بعض المراقبين أن هذه الاحكام من شأنها أن تضيق الخناق على الجماعة وهو ما قد يفجر احتجاجات وأعمال عنف سياسي قبل انتخابات الرئاسة.، ويخشى بعض أعضاء الجماعة أن تؤدي الملاحقات الأمنية وأحكام المحاكم إلى دفع بعض أعضائها الشباب للعنف ضد الدولة العدو القديم للجماعة.

فيما تباينت ردود الأفعال والمواقف في مصر وغيرها من الدول الأخرى بخصوص إعدام المئات من أنصار هذه الجماعة، بينما تصاعدت الانتقادات وردود الأفعال الدولية المنددة بأحكام الإعدام الجماعي والتي اعتبرها الكثير من المراقبين، مؤشر خطير لانتهاك ملف حقوق الإنسان خصوصا وان تلك الأحكام قد تترتب عليها أثار سلبية قد تدخل البلاد في نفق مظلم، هذا بالإضافة الى انها قد تكون سببا في وتوتر العلاقات الخارجية بين مصر والعديد من الدول.

من جانب أخر أشاد البعض بأحكام الإعدام التي صدرت ضد أعضاء الجماعة باعتبارها تنظيماً إرهابياً ارتكب الكثير من الكثير الاعتداءات والجرائم بحق أبناء الشعب، مؤكدين في الوقت ذاته على ان ما قامت به السلطات والقضاء المصري، أمر طبيعي يهدف الى إرساء قواعد الأمن والاستقرار ومكافحة الجريمة خصوصا وان البلاد تمر بمرحلة خطيرة وحساسة.

في حين يتكهن بعض المحللين بأن تعلن معركة الحقوق في مصر عن تحدي وصراع جديد يضع جميع اللاعبين الرئيسيين تحت وطأة المؤامرات في الآونة المقبلة، مما اثار مخاوف كبيرة داخل الشعب المصري من انزلاق مصر في وحل الفوضى مجددا، خصوصا وانها تمر باضطراب سياسي وانفلات أمني وتراجع اقتصادي منذ إسقاط مبارك، لكنها شهدت استقرارا نسبيا خلال الاونة الاخيرة، وخلاصة القول يعكس هذا الخلاف بين السلطات والاخوان، صراعا أوسع بشأن أثبات الوجود في البلاد وهو ما ينذر باحتمال نشوب صراع طويل الأمد.

صراع حقوقي سياسي

وفي هذا الشأن فقد قضت محكمة مصرية بإحالة أوراق المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين محمد بديع و682 آخرين إلى المفتي تمهيدا للحكم بإعدامهم لإدانتهم في قضية اضطرابات وقعت بمحافظة المنيا جنوبي القاهرة في أغسطس آب.

ووصفت الجماعة في بيان صدر في لندن الحكم بأنه "صادم" وقالت إنها "ستواصل استعمال مختلف الوسائل السلمية لإنهاء الحكم العسكري." ودعا التحالف الوطني لدعم الشرعية الذي يضم الإخوان المصريين إلى التظاهر تعبيرا عن الرفض لأحكام الإعدام في شوارع القاهرة. وفي قضية أخرى قضت محكمة القاهرة للأمور المستعجلة بحظر أنشطة حركة 6 ابريل المطالبة بالديمقراطية والتي قامت بدور في إشعال الانتفاضة التي أطاحت بالرئيس الأسبق حسني مبارك عام 2011. بحسب رويترز.

وقالت شاهدة عيان إن أقارب للمحكوم عليهم في القضيتين أصيبوا بحالات إغماء بعد علمهم بصدور الحكمين كما تعالى صراخ آخرين. وأضافت أن مناوشات وقعت بين أقارب للمحكوم عليهم والشرطة التي ضربت طوقا أمنيا حول المحكمة. ووجه أقارب المحكوم عليهم اللوم إلى قائد الجيش السابق المشير عبد الفتاح السيسي الذي أطاح بمرسي. ومن المتوقع أن يفوز السيسي الذي شغل منصب مدير المخابرات الحربية في الجيش في عهد مبارك بسهولة في انتخابات الرئاسة التي ستجرى.

إسقاط الحكومة

 في السياق ذاته قال محمد بديع المرشد العام لجماعة الاخوان المسلمين في مصر إن أحكام الإعدام الجماعية بحقه وأعضاء آخرين في الجماعة ستؤدي إلى إسقاط الحكومة. وقال بديع "الحكم الصادر ضدي بالإعدام هو بمثابة المسمار الأخير في نعش السلطات الانقلابية الحاكمة". وأضاف خلال جلسة محاكمته في قضية أخرى تنظر بالقاهرة أن النظام على وشك الانهيار.

وأدين المتهمون بارتكاب جرائم من بينها التحريض على العنف عقب عزل الجيش للرئيس السابق محمد مرسي المنتمي لجماعة الاخوان المسلمين في يوليو تموز بعد احتجاجات شعبية حاشدة على حكمه. وشنت قوات الأمن حملة صارمة على جماعة الاخوان منذ عزل مرسي وقتل المئات من مؤيديها واعتقل آلاف وأحيلوا للمحاكمة. كما قتل مئات من أفراد الجيش والشرطة في تفجيرات وهجمات مسلحة نفذها متشددون في شبه جزيرة سيناء وامتد نطاقها للقاهرة ومدن أخرى.

وأعلنت الحكومة الاخوان المسلمين جماعة إرهابية لكن الجماعة تقول إنها ملتزمة بالسلمية في احتجاجاتها على الحكومة المدعومة من الجيش.

وأثارت أحكام الاعدام الجماعية التي تقول منظمات لحقوق الانسان إنها الأكبر على مستوى العالم في التاريخ الحديث تساؤلات جدية حول التزام مصر ازاء الديمقراطية بعد ثلاث سنوات من الانتفاضة الشعبية التي اطاحت بالرئيس الأسبق حسني مبارك الذي اتسم حكمه بالاستبداد. وأصدرت المحكمة حكمها في هذه القضية أيضا لكنها قضت بإعدام 37 متهما والسجن المؤبد لبقية المتهمين. وتابعت أن هذه المحاكمة الجماعية انتهكت بوضوح القانون الدولي الذي يتطلب إجراءات تقاض سليمة. وبعد يوم من إدانة بديع قال أمين لطفي رئيس جامعة بني سويف بصعيد مصر إن مجلس الجامعة وافق بالإجماع على قرار بفصل مرشد الاخوان من الجامعة التي كان يعمل فيها استاذا بكلية الطب البيطري. بحسب رويترز.

وكان الجامعة أوقفت بديع عن العمل بعد عزل مرسي. وقالت مصادر قضائية إن محكمة جنح بحي مدينة مصر بالقاهرة قضت بسجن 29 من مؤيدي جماعة الاخوان المسلمين خمس سنوات وبدفع غرامة 100 ألف جنيه (14367 دولارا) لكل منهم وسجن آخر سنة ودفع غرامة خمسة آلاف جنيه (718 دولارا). وأضافت المصادر أنهم أدينوا بتهم من بينها البلطجة والانضمام إلى جماعة ارهابية والتظاهر بدون تصريح. وكان ألقي القبض عليهم في مظاهرة العام الماضي.

واشنطن منزعجة

على صعيد متصل أعرب البيت الأبيض عن "انزعاجه الشديد" من أحكام الإعدام التي أصدرها القضاء المصري. ووصفتها الخارجية الأمريكية بـ"غير المعقولة". وأكد وزير الخارجية المصري، نبيل فهمي، أن بلاده "لن تقبل بضغط خارجي". ودعت الولايات المتحدة مصر إلى إلغاء أحكام الإعدام. وصرح المتحدث باسم الرئيس الأمريكي باراك أوباما في بيان "أن حكم اليوم، على غرار الحكم السابق، يشكل تحديا لأبسط قواعد العدالة الدولية".

وقال البيت الأبيض إنه يشعر "بالانزعاج الشديد" للمحاكمات الجماعية ولأحكام الإعدام، محذرا من أن قمع المعارضة سيغذي التطرف ويزعزع الاستقرار في مصر. وأضاف أنه "رغم أن استقلال القضاء هو جزء مهم من الديمقراطية، إلا أن هذا الحكم لا يمكن أن ينسجم مع التزامات مصر بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان". وتابع "ندعو الحكومة المصرية إلى إنهاء المحاكمات الجماعية وإلغاء الأحكام الجماعية الحالية والسابقة، وأن تضمن حصول كل مواطن على الإجراءات الواجبة".

بدورها، أعربت الخارجية الأمريكية عن "قلقها العميق" منددة بأحكام الإعدام، ووصفت المتحدثة جنيفر بساكي هذه الأحكام بأنها "غير معقولة". وردت السفارة المصرية في واشنطن على هذه "الانتقادات من جانب الولايات المتحدة"، مؤكدة أن القضاء المصري مستقل ويمكن الطعن بهذه الأحكام أمام محكمة الاستئناف.

وكان وزير الخارجية المصري نبيل فهمي دافع في وقت سابق عن نظام بلاده أمام مركز أبحاث في واشنطن عشية لقائه نظيره الأمريكي جون كيري. وأقر فهمي بأن العلاقات بين القاهرة وواشنطن تدهورت منذ ثورة شباط/فبراير 2011 التي أطاحت بالرئيس الأسبق حسني مبارك وأعقبها انتخاب الرئيس الإسلامي محمد مرسي في ربيع 2012 قبل أن يعزله الجيش في تموز/يوليو 2013.

ولفت وزير الخارجية المصري إلى أن علاقات بلاده مع الولايات المتحدة لا تزال صعبة. وقال فهمي، وهو سفير سابق لبلاده في الولايات المتحدة، إن العلاقات شهدت و"يمكن إن تشهد مراحل اضطراب". وتدارك الدبلوماسي "ولكن من مصلحة البلدين إحياء الأسس الفريدة للعلاقة بين مصر والولايات المتحدة والتي يبدو أنها شهدت انحرافا في السنوات الأخيرة". ورأى فهمي أنه لتحقيق ذلك، "على (واشنطن) أن تقر بوجود مصر جديدة مع شعب قوي (...) لن يقبل بضغط خارجي".

الى جانب ذلك اعلن سناتور اميركي ديموقراطي نافذ انه يعرقل دفع المساعدة المالية التي اعلنتها وزارة الدفاع (البنتاغون) للجيش المصري وذلك احتجاجا على الحكم بالإعدام الذي صدر بحق انصار الرئيس المصري المعزول محمد مرسي. ويرئس السناتور الديموقراطي باتريك ليهي اللجنة الفرعية المسؤولة عن موازنة الشؤون الخارجية والمساعدات الدولية، ويمكنه بهذه الصفة ان يعرقل دفع 650 مليون دولار طلبها البنتاغون.

وبعد ان ندد في كلمة القاها امام مجلس الشيوخ ب"محاكمة مزيفة" ادت الى صدور نحو 700 حكم بالاعدام، اعتبر باتريك ليهي انه "صدم الى اي حد تم انتهاك حقوق الانسان والنظام القضائي " في مصر. وقال "لذلك لست مستعدا للموافقة على دفع مساعدة اضافية للجيش المصري". واضاف "لست مستعدا للقيام بذلك طالما لا نرى دليلا مقنعا ان الحكومة ملتزمة بدولة القانون". بحسب فرانس برس.

وتابع السناتور الاميركي "لا يمكننا الاكتفاء بالقول: نحن قلقون حيال الحكم بالاعدام ضد مئات الاشخاص في ختام محاكمة استمرت بضع دقائق، لكن بما اننا اصدقاء منذ وقت طويل، سنرسل مع ذلك مئات الاف الدولارات كمساعدة. كلا". وخلص باتريك ليهي الى القول "لا اعتقد ان المكلفين في هذا البلد يمكنهم التساهل حيال ذلك، وانا كذلك".

ورفعت الولايات المتحدة بشكل جزئي تجميد مساعدتها العسكرية للقاهرة البالغة قيمتها 1,3 مليار دولار سنويا، والذي فرض على اثر عزل الجيش المصري للرئيس محمد مرسي وقمع انصاره. وسيتم تسليم مصر عشر مروحيات هجومية من طراز اباتشي، كما اعلن البنتاغون لكن دفع 650 مليون دولار للجيش المصري يبقى رهنا لموافقة الكونغرس.

القانون الدولي

من جانب اخر قال المكتب الإعلامي للأمم المتحدة في بيان إن الامين العام للمنظمة الدولية بان جي مون عبر عن الهلع من التقارير عن أن محكمة مصرية احالت إلى المفتي اوراق المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين المحظورة و682 من المؤيدين. وقال البيان "يشعر الأمين العام بالهلع من الانباء عن إصدار عقوبة إعدام جماعي أولية أخرى اليوم في مصر.. وكانت الاولى من هذا القبيل يوم 24 مارس."

وأضاف البيان "الأحكام التي يبدو واضحا أنها لا تفي بمعايير المحاكمة النزيهة.. وخاصة تلك التي تفرض عقوبة الاعدام.. من المرجح ان تقوض احتمالات الاستقرار على المدى الطويل." ووصفت جماعة الإخوان المسلمين في بيان صدر في لندن الحكم بأنه صادم وأنها ستواصل "استخدام كل الوسائل السلمية لإنهاء الحكم العسكري" في مصر.

من جانبها نددت نافي بيلاي مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الانسان بقرار اصدرته محكمة مصرية وقالت إن هذه المحاكمة الجماعية انتهكت بوضوح القانون الدولي الذي يتطلب إجراءات تقاضي سليمة. وقالت بيلاي في بيان "إنه لأمر شائن أن تفرض الدائرة السادسة بمحكمة جنايات المنيا للمرة الثانية خلال شهرين عقوبة الإعدام على مجموعات كبيرة من المدعى عليهم بعد محاكمات صورية". وأضافت أن الضمانات الدولية لمحاكمة نزيهة "تسحق بشكل متزايد على ما يبدو" في مصر مشيرة إلى قرار المحكمة ذاتها بإحالة أوراق 528 متهما للمفتي لاستطلاع رأيه بشأن اعدامهم في مارس اذار. بحسب رويترز.

وقالت رافينا شامداساني المتحدثة باسم مكتب مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان في مؤتمر صحفي "لا يمكن اعتبارها بصراحة وعلى الاطلاق محاكمة عادلة. حوكم معظم المتهمين غيابيا ولم يتسن لمعظمهم لقاء محامين ويبدو أن الدفاع لم يكن لديه فرصة لاستجواب الشهود. هذه هي الضمانات الأساسية جدا جدا للمحاكمة العادلة".

في السياق ذاته قالت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الاوروبي إن أحكام الاعدام في مصر تنتهك القانون الدولي وحثت السلطات المصرية على ضمان حق المتهمين في محاكمة نزيهة وبكفاءة أعلى. وقالت كاثرين اشتون مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الاوروبي "من الواضح أن هذه المحاكمات الجماعية انتهاك قوانين حقوق الإنسان الدولية." وأضافت "التهم المحددة ضد كل متهم ما زالت غير واضحة واجراءات المحاكمة تفتقر لأغلب المعايير الاساسية للإجراءات الواجبة وتبدو الأحكام غير متناسبة بصورة فادحة ولا تصل الى حد الالتزام بمبدأ المحاكمة الفردية."

وقالت اشتون إن الاتحاد الاوروبي قلق إزاء وفاء مصر بالتزاماتها الدولية في مجال حقوق الانسان وأيضا "جدية تحول مصر إلى الديمقراطية." وأضافت "يدعو الاتحاد الاوروبي السلطات المصرية إلى التراجع فورا عن ذلك الاتجاه الذي يعرض للخطر أي احتمالات للتغلب على الانقسامات داخل المجتمع والى ضمان التقدم تجاه مصر ديمقراطية ومستقرة ومزدهرة."

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 7/آيار/2014 - 6/رجب/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م