قيم التخلف: الجهل بالآخرين

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: العلاقات السليمة بين أفراد ومكونات المجتمع، تخلق الاجواء السليمة للتفاهم وتسهم في نشر الثقة بين الاطراف كافة، وهذا الامر يساعد على تحقيق فرص اكثر لترسيخ قواعد السلم الاهلي، ونشر قيم ايجابية كثيرة تقرّب بين الناس، أفرادا أو جماعات، وتسهم في البناء المجتمعي السليم، لكن الانسان بوجه عام يتردد ممن لا يعرفه أو يجهله، ولا يندفع نحوه، بل قد يقوم بعضهم بإطلاق أحكامهم على الآخرين، فينتقص من شخصياتهم ويحكم عليهم بالجهل او السوء، قبل أن تتم معرفة جوهرهم الحقيقي بسبب حالة الجهل بهم، أو لأنه لا يرتبط معهم في علاقات عمل او صداقة او دراسة وما شابه.

لذا تعد قيمة الجهل بالآخرين، من القيم التي لا تساعد على بناء أواصر الثقة بين أعضاء المجتمع، فالناس كما يقول الامام علي بن ابي طالب عليه السلام (أعداء ما جهلوا)، بمعنى أن الانسان لكي يثق بالاخر ويطمئن له، لابد أن يعرفه جيدا، بعد أن يقترب منه ويتداخل معه في الفكر والعمل وما شابه، لأن هذه الجوانب الفكرية والعملية تكشف عن طبيعة الانسان وتكوينه الاخلاقي والعرفي والديني والانساني عموما، فأما يستحق أن نمنحه الثقة والاحترام والتواصل دائما في التعاملات والعلاقات كافة، أو أن نكف عن ذلك، اذا اكتشفنا سوء شخصيته وافكاره وأفعاله!.

وثمة ظاهرة شائعة بين افراد ومكونات المجتمع، وهي من الظواهر غير الصحية، لها علاقة بقيمة الجهل بالاخرين المتخلفة، حيث يحكم الاخرون على غيرهم بالسوء والتخلف والقصور، قبل أن يتم معرفة هؤلاء المحكوم عليهم على حقيقتهم، لذلك هذه الاحكام المسبقة التي لا تقوم على دليل اكيد، واسانيد ثابتة وموثقة، لا يمكن أن تسهم في خلق الاجواء المناسبة للتعاون والاستقرار والتقدم، فضلا عن العيش بسلام والتقارب والانسجام بين مكونات المجتمع كافة، لذلك ينبغي رفض هذه القيمة المتخلفة، والابتعاد عن اطلاق الاحكام المسبقة على الاخرين، لانها غالبا ما تكون خاطئة، كونها تعتمد على الحدس او التوقع او الحسد او الغيرة او التنافس غير السليم وما شابه من اسباب كثيرة تثير التشنج والاحتقان بين افراد ومكونات المجتمع.

هذا لا يعني أننا مطالبون بمنح الثقة لكل من هب ودب، ولسنا مطالبين بإقامة علاقات ثقة مع من لا نعرفهم او اننا لم نتعامل معهم سابقا، لكننا لا يصح أن نعطي للاخرين صفات مسيئة، قبل أن نحتك بهم في علاقات إنسانية متنوعة، يمكننا من خلالها اكتشاف جوهر الإنسان، فالناس معادن مختلفة، منهم الذهب ومنهم الفضة، ويمكننا معرفة نوعهم بعد الارتباط معهم في علاقات إنسانية، في العمل او الدراسة او النسب او الصداقة وما شابه، وفي جميع الاحوال، لا يصح لنا ترك الامور على الغارب، والتخوّف من الاخرين لاننا نجهلهم، بل علينا تجريب الناس والتعامل معهم، لمعرفة صفاتهم وهل يستحقون منحهم ثقتنا أو العكس!.

فالقضية هنا محكومة بالتجربة، لكن في جميع الاحوال لابد أن نتخلى عن اطلاق الاحكام المسبقة، وأن نتخلص من قيمة التخلف التي تخص الجهل بالاخرين، لاننا نعيش في مجتمع واحد ومطلوب أن تسود بيننا علاقات مختلفة وأواصر متنوعة ووشائج قوية، تربط بيننا وتدل على اننا اعضاء متعاونون متكافلون متسامحون متعايشون مع بعضنا، بما يكفل لنا الاستقرار واتاحة فرص التقدم والازدهار، من خلال خلق الاجواء المشجعة على الابداع والابتكار بكل اشكاله وصوره.

هذا ما قامت به بالضبط الشعوب التي اصبحت الان في قمة هرم التقدم العالمي، إنها تنبذ قيم التخلف ومنها قيمة الجهل بالآخرين، وربطت بين معرفة الناس من جهة والحكم عليهم من جهة اخرى، فجاء الاحكام دقيقة، ويسهم الجميع في خلق حياة متوازنة مستقرة، قائمة على منظومة من القيم المتقدمة التي لا تسمح بوجود القيم المتخلفة الى جانبها، لهذا تمسكت المجتمعات المتقدمة بالقيم الايجابية التي نقلتها من الجهل الى النور والعلم والتطور!.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 7/آيار/2014 - 6/رجب/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م