ما بين فلسطين وإسرائيل... سلام ولد ميتا

 

شبكة النبأ: مضت تسعة أشهر على الجولة الجديدة التي أطلقتها أمريكا من المفاوضات بين الإسرائيليين والفلسطينيين لإنهاء صراع عمره عقود والمساعدة على إنشاء دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة المحتلين، لكن على الرغم من المحاولات العديدة لانعاشها الا ان مفاوضات السلام بين طرفي الصراع فشلت حتى قبل انتهاء مدة التسعة اشهر المحددة لها وفي غياب اي احتمال جدي لاستئنافها، بينما ألقت واشنطن اللوم على الجانبين كليهما في العجز عن الوصول الى حل وسط.

فلم تستطع الجهود المتواصلة من لدن راعي المفاوضات وزير الخارجية الاميركي جون كيري ان تفك شفرة الخلافات بين طرفي الخصام، ويعزو بعض المراقبين سبب فشل مباحثات السلام الى عدم القدرة على معالجة القضايا الجوهرية مثل الحدود والترتيبات الأمنية في الوقت الذي أعلنت فيه اسرائيل عن إقامة آلاف الوحدات السكنية الاستيطانية في أراض محتلة واختلف الجانبان على مسألة الاعتراف بيهودية دولة اسرائيل ولم تحرز المساعي الامريكية لمد أجل المحادثات أي تقدم.بينما يرى مراقبون آخرون امن اتفاق المصالحة بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) وجه ضربة قوية لمفاوضات السلام مع إسرائيل، إلا أن الوسطاء الأمريكيين يؤكدون أنها ليست ضربة قاضية للمحادثات المترنحة، وفي التو قرر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وقف عملية السلام التي يتوسط فيها وزير الخارجية الأمريكي جون كيري.

ويرى الكثير من المحللين أن اتفاق المصالحة جاء في توقيت حساس ليمكن رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو من إلقاء اللوم على عباس في فشل المحادثات، ويرى هؤلاء المحللين أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس لعب كل أوراقه دفعة واحدة بدلا من الحفاظ على سريتها في مسعى محير للوصول إلى هدف إقامة الدولة الفلسطينية وتعزيز شرعيته.

ورغم أن عباس يعتقد أن من الممكن التوفيق بين المصالحة ومحادثات السلام فإن الاسرائيليين والامريكيين لا يعتقدون ذلك، فمن غير المتوقع أن يتخلى المفاوضون الأمريكيون عن العملية التي استهلكت من وقت وجهد كيري الكثير. كما أن واشنطن لن تفقد كثيرا بمتابعة تطور الموقف ودفع الجانبين صوب المصالحة، أما كيري فيعتقد أن مساعي السلام في مرحلة سبات وأن تحديد الخطوة القادمة مسألة ترجع للجانبين الفلسطيني والإسرائيلي.

وبدلا من الاعتراف بالفشل قال مساعدو كيري إنه يعتزم مواصلة مفاوضاته في الشرق الاوسط بعد توقف لعدة أشهر. وتوقع مساعد كيري أن يضطر المسؤولون الفلسطينيون والإسرائيليون -بعد دفعة سياسية داخلية مبدئية- للعودة إلى مائدة المفاوضات نظرا للحاجة الطويلة الأجل لحل الدولتين.

لكن أغلب المتابعين للقضية الفلسطينية الإسرائيلية أن البناء الاستيطاني الإسرائيلي هو العقبة الرئيسية في المفاوضات. وتقول إسرائيل إنها تعتزم الإبقاء على التكتلات الاستيطانية الكبرى في أي اتفاق سلام قد يتم التوصل إليه متعللة بمخاوف أمنية وما تقول إنه روابط تاريخية وتوراتية تربطها بتلك الأراضي.

بينما اشترط نتنياهو الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية لإقرار السلام. وطغت هذه المسألة في الفترة الأخيرة على عقبات أخرى تتعلق بالحدود واللاجئين ووضع القدس. ويخشى الفلسطينيون أن يتسبب مثل هذا الاعتراف في تمييز ضد الأقلية الكبيرة من عرب إسرائيل بينما يقول الإسرائيليون إن هذه الخطوة تقر بتاريخ اليهود وحقهم على الأرض.

أما بالنسبة للولايات المتحدة فإن التخلي عن مساعي التوصل لاتفاق سلام سيكون بمثابة اعتراف لا داعي له بفشل سياستها الخارجية وبخاصة في الشرق الأوسط في وقت تحتدم فيه الحرب الأهلية في سوريا وتتواصل الاضطرابات في مصر وتجري فيه محادثات نووية حساسة مع إيران.

من جهة أخرى ومع دخول محادثات سلام الشرق الأوسط مرحلة جمود وبلوغ التوقعات بالتوصل لاتفاق من خلال المفاوضات لأدنى مستوى لها على الإطلاق .. يعتقد عدد متزايد من السياسيين الإسرائيليين أن الوقت حان لأن ترسم الحكومة من طرف واحد الحدود التي تراها مناسبة. البعض يريد ضم معظم أراضي الضفة الغربية المحتلة ويرى آخرون أن التكتلات الاستيطانية الكبرى هي فقط التي ينبغي أن تقع في دائرة السيادة الإسرائيلية بينما تدعو مجموعة ثالثة لانسحاب جزئي لإفساح المجال لقيام دولة فلسطينية.

بينما يرى بعض المحللين أن انهيار جهود السلام مع إسرائيل ربما كان الضارة النافعة في عيون الفلسطينيين إذ فتح السبيل أمام اتفاق مصالحة طال غيابه بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) التي تدير قطاع غزة.

لذا يرى الكثير من المحللين أن السلام الفلسطيني الإسرائيلي حلم أمريكي بعيد المنال يسير في طريق مسدود عند نقطة البداية تجسده لعبة التخلص من المسؤولية من لدن طرفي الخصام حتى بات الشك في جدوى المحادثات العامل الوحيد الذي يجمع بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

وفي مواجهة العقبات المتلاحقة التي ضربت المفاوضات تراجعت واشنطن عن حديثها عن اتفاق نهائي باعلانها في كانون الاول/ديسمبر السعي الى التوصل الى اتفاق اطار حول القضايا الاساسية، الامر الذي يجعل السلام مجرد أضغاث أحلام.

فشل متوقع

وبالرغم من فشل المحادثات، الا ان وزير الخارجية الاميركي جون كيري "غير نادم ابدا على الوقت الذي قضاه" في العمل من اجل عملية السلام، بحسب ما افادت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الاميركية جين بساكي، واقرت بساكي بان تاريخ الـ29 من نيسان/ابريل، آخر يوم في مهلة التسعة اشهر المقررة سابقا، فقد كل معنى بعدما علقت اسرائيل المفاوضات ردا على اعلان المصالحة الفلسطينية في 23 نيسان/ابريل، وينص اتفاق المصالحة بين منظمة التحرير الفلسطينية وحركة حماس على تشكيل حكومة كفاءات خلال خمسة اسابيع.

اما الرئيس الفلسطيني محمود عباس فاعرب عن استعداده استئناف المحادثات ولكن على اساس تحديد حدود دولة اسرائيل ووقف الاستيطانن وقال عباس في رام الله خلال حفل اطلاق صندوق دعم مدينة القدس منذ عدة ايام ان "اخطر شيء هو الحدود، واسرائيل منذ ان انشئت لا احد يعرف حدودها، مصممون على ان نعرف حدودنا وحدودها والا فليس هناك سلام".

ومن جهته اوضح كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات انه "بالتوافق مع سياستها على الارض رفضت حكومة (بنيامين) نتانياهو الاعتراف بحدود العام 1967 او حتى وضع خريطة على الطاولة تعكس وجهة نظر اسرائيل حول حدودها النهائية".

اسرائيل بدورها ادانت المصالحة الفلسطينية، واعتبرت ان عباس اطلق "رصاصة الرحمة" على عملية السلام. ولخص رئيس حكومتها بنيامين نتانياهو الموقف بالقول ان اسرائيل لن تتفاوض مع حكومة التوافق الوطني الفلسطينية الا اذا اعترفت حماس باسرائيل.

وصرح في حديث الى شبكة سي ان ان "اما ان تتخلى حماس عن (مبدأ) تدمير اسرائيل وتتبنى السلام وتتخلى عن العنف، او ينبذها عباس"، وعمد الرئيس الفلسطيني الى توضيح ان حكومة التوافق الوطني التي سيشكلها اثر توقيع المصالحة ستعترف باسرائيل والاتفاقات الدولية وتنبذ العنف، ولكنها لن تعترف بـ "يهودية الدولة".

وقد تازمت المفاوضات الهشة اساسا اثر اعلان اسرائيل رفضها الافراج عن الدفعة الرابعة من الاسرى الفلسطينيين في 29 أذار/مارس، لتعلن من بعدها عن مشروع لبناء 700 وحدة سكنية في حي استيطاني في القدس الشرقية المحتلة.

ورد الفلسطينيون بتقديم طلبات انضمام الى 15 اتفاقية ومعاهدة دولية، فعمدت اسرائيل الى اتخاذ سلسلة اجراءات عقابية بينها تجميد تحويل اموال الضرائب التي تجبيها لصالح السلطة الفلسطينية، كما هدمت اسرائيل وجمدت 60% من مشاريع البناء في المنطقة "ج" الخاضعة لسيطرتها بالكامل في الضفة الغربية المحتلة، وبالنسبة للخبير الفلسطيني جورج جقمان فان الحملة الفلسطينية لدى المنظمات الدولية فضلا عن ملف المصالحة يعتبران الورقتين الاساسيتين في يد الرئيس عباس، ويقول جقمان "لا يزال هناك خمسة اسابيع على تشكيل الحكومة (الوطنية)، ما سيكون مؤشرا على نجاح الادارة الفلسطينية في الملف الداخلي"، اما المراسل العسكري لصحيفة يديعوت احرونوت فاعتبر ان اسرائيل "تعاني من حالة ارباك وسلبية في ردها" على ما اطلق عليه اسم "الانتفاضة الخفيفة: مجموعة من وسائل الضغط التصاعدية التي تستثني العنف".

ونجح وزير الخارجية الاميركي في تموز/يوليو الماضي في احياء مفاوضات السلام بين اسرائيل والفلسطينيين المتوقفة منذ حوالي ثلاث سنوات، ليتحدث عن احتمال "التوصل الى اتفاق سلام نهائي خلال التسعة اشهر المقبلة"، والتزم الفلسطينيون خلال المفاوضات بعدم اتخاذ خطوات احادية الجانب في المنظمات الدولية مقابل افراج اسرائيل عن 104 اسرى فلسطينيين من ما قبل اتفاق اوسلو (1993) على اربع دفعات طوال فترة التفاوض.

ولكن التوافق لم يدم طويلا اذ اتهم الفلسطينيون اسرائيل بدفعهم لاغلاق باب التفاوض عبر تكثيف الاستيطان وتدمير منازل الفلسطينيين فضلا عن عمليات القتل، اما اسرائيل فلجأت الى حجة عدم موافقة الفلسطينيين على الاعتراف بها كـ"دولة يهودية".

اتهامات متبادلة

بينما استغل مبعوثون إسرائيليون وفلسطينيون اجتماعا لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بشأن الشرق الأوسط ليلقي بعضهم على بعض اللوم علانية في أحدث انهيار لمفاوضات السلام الهشة مع انقضاء المهلة المقررة للتوصل إلى اتفاق.

وقال روبرت سري المنسق الخاص للأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط لمجلس الأمن المؤلف من 15 دولة انه يجب على الزعماء الإسرائيليين والفلسطينيين "إقناع بعضهم بعضا من جديد بأنهم شركاء من أجل السلام"، وعبر سفير اسرائيل لدى الأمم المتحدة رون بروسور والمراقب الفلسطيني في الأمم المتحدة رياض منصور كلاهما عن الالتزام بالسلام ولكنهما اتهما بعضهما بعضا بتقويض أحدث محاولة للتوصل إلى اتفاق في المفاوضات التي جرت بوساطة أمريكية. بحسب رويترز.

وقال منصور للمجلس "استمرت إسرائيل في موقفها الرافض ودأبت على انتهاكاتها الخطيرة لتعيد التأكيد دائما على دورها كقوة احتلال واضطهاد لا كصانع سلام. ومرة أخرى أحبطت إسرائيل جهود السلام"، وألقى مبعوث إسرائيل اللوم في إيقاف مفاوضات السلام على الفلسطينيين"، وقال بروسور للمجلس "الفلسطينيون يتعهدون بالحوار وفي الوقت ذاته يبثون الكراهية. وهم يعدون بالتسامج لكنهم يحتفلون بالإرهابيين وهم يقطعون التعهدات ولا يلبثون أن ينكصوا عنها"، واتهم بروسور الرئيس الفلسطيني محمود عباس المدعوم من الغرب بالتخلي عن فرصة "رقص التانجو مع إسرائيل" من أجل أن "يرقصوا بغير إذن الفالس مع حماس".

وقال منصور "لقد اجتمع سوء نوايا إسرائيل في المفاوضات بما في ذلك نكوصها باتفاق الإفراج عن السجناء وأفعالها المخالفة للقانون على الأرض ولاسيما توسيع أنشطتها الاستيطانية وزيادة الاعتداءات في القدس الشرقية المحتلة لتقوض بشدة عملية السلام".

وقال مبعوث الأمم المتحدة سري إنه يجب على الطرفين تقديم تنازلات، وقال سري "إذا كانت إسرائيل جادة في إقامة حل الدولتين فيحب عليها الاعتراف بالآثار السلبية لاستمرار النشاط الاستياطي غير الشرعي. ويجب على الفلسطينيين أن يدرسوا مليا أفعالهم في الساحة الدولية".

وكان عباس وقع في وقت سابق من هذا الشهر اكثر من 12 معاهدة دولية غضبا من تأجيل إسرائيل الإفراج عن السجناء في قرار عرض للخطر جهود الولايات المتحدة لإنقاذ محادثات السلام الهشة، وكان الفلسطينيون قد أصبحوا مؤهلين للتوقيع على الاتفاقيات والمعاهدات بعد ان قامت الجمعية العامة للأمم المتحدة برفع وضع الفلسطينيين في الأمم المتحدة عام 2012 من "كيان مراقب" إلى "دولة غير عضو" وهي خطوة اعتبرها كثيرون اعترافا وافعيا بدولة فلسطينية مستقلة.

نهاية مطاف السلام بالشرق الأوسط

الى ذلك الاتفاق بين حركة فتح التي تدير الضفة الغربية وحركة حماس التي تحكم قطاع غزة وتعتبرها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وإسرائيل منظمة إرهابية كان بمثابة صدمة بالنسبة لواشنطن، قال آرون ديفيد ميلر مفاوض السلام الأمريكي السابق والذي يعمل الآن لدى مركز ويلسون في واشنطن "ربما يكون هناك بطء في سير الأمور لكن العملية ستستأنف في مرحلة ما"، وأضاف "ليس هناك ما يدعو الولايات المتحدة للانسحاب. سيكون هذا غباء بصراحة".

فواشنطن هي أقرب حليف لإسرائيل كما أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما يواجه بالفعل انتقادات قوية في الداخل والخارج لنهجه في السياسة الخارجية. فالاتهامات تنهال عليه بتجاهل آسيا -التي زارها الأسبوع الماضي- وبالضعف في أوروبا حيث ضمت روسيا شبه جزيرة القرم وتهدد شرق أوكرانيا. بحسب رويترز.

قال غيث العمري المدير التنفيذي لفريق العمل الأمريكي من أجل فلسطين "حتى الآن لا أحد يريد أن يعلن أن المريض توفى... حتى الآن الجميع يتحدث عن "تعليق" لكن ما من أحد يتحدث عن "انهيار". وذلك ببساطة لأن لا أحد يريد أن يتحمل اللوم عن الانهيار"،  إذا انسحب أوباما الآن فمن المرجح أن تمر سنوات قبل أن يعطي رئيس أمريكي آخر دفعة قوية لعملية السلام. ولا ينظر إلى مساعي إنهاء هذا الصراع العميق الجذور على أنها قضية مربحة .. بمعنى أن من سيجلس على مقعد الرئاسة بالبيت الأبيض لن يهتم على الأرجح بالقضية الفلسطينية الإسرائيلية إلى أن يفوز بفترة رئاسة ثانية مدتها أربع سنوات - وهي مسألة تبدأ عام 2021، وقال أوباما إن الخطوة الفلسطينية قد تعني أن الأمر يحتاج "وقفة" في المحادثات. ورغم أنه وصف ما حدث بأنه حلقة في سلسلة خيارات اتخذها الجانبان في الأسابيع الأخيرة وأضرت بفرص السلام أعطى الرئيس الأمريكي بصيص أمل في أن يتمكن الجانبان من التغلب على انعدام الثقة المتبادل.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 6/آيار/2014 - 5/رجب/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م