النظام اللامركزي في مواجهة الاستبداد

رؤى من أفكار الامام الشيرازي

 

شبكة النبأ: النظام اللامركزي يختلف جذريا عن النظام المركزي، فغالبا ما يكون الاول (ديمقراطيا) يمنح المواطن حقوقا اساسية تتطلبها كرامة الانسان في العيش الحر الكريم عبر تفويض السلطات، يتحقق هذا وفق نظام سياسي غير مستبد، ووفق ضوابط وانظمة وقوانين، تضبط العلاقة بين المركز (العاصمة/ الحكومة المركزية او الاتحادية) وبين الحكومات المحلية او حكومات المحافظات، أما النظام المركزي فهو نظام يعتمد حكومة واحدة تقبض على مقاليد الحكم بقوة، مع ان النظام الحاكم المركزي يحاول تجميع السلطات.

هكذا يبدو الفارق كبيرا بين النوعين المذكورين من انظمة الحكم، وقد اعتمدت معظم الدول المتقدمة، خاصة دول الغرب النظام اللامركزي، لانه يتيح للنظام خلق فرص حقيقية للتحرر والتطور وادارة الذات، لان النظام اللامركزي يضمن علاقة متكافئة مع المواطن من جهة ومع الحكومة المركزية من جهة اخرى، حيث تكون الحكومة المحلية حلقة وصل، تخفف من ثقل وضغط سلطة الحكومة المركزية على الشعب.

يقول الامام الشيرازي حول هذا الموضوع تحديدا: إن (تدخل الحكومة في الشؤون الشخصية للناس محرم شرعا.. والنتيجة الحتمية لمثل هذا التدخل من الحكومات الحاضرة في مختلف شؤون الناس الاول تقليص الحريات وكبت الاعمال والحيلولة دون الانطلاق).

إيجابيات النظام اللامركزي

تؤكد التجارب حول طبيعة الانظمة السياسية، أن الاسلوب الذي تلجأ إليه الانظمة المركزية، هو اسلوب التكميم والقمع ومصادرة الحريات، وعدم السماح للمعرضة بالقيام بدورها، لذلك لابد من السعي نحو النظام اللامركزي الضامن للحريات الشعبية والمدنية كافة، فضلا عن أن هذا النظام يتيح آفاق واسعة لطبيعة العلاقة بين المركز والمحافظات.

لذا يؤكد الامام الشيرازي في كتابه القيم الموسوم (بالفقه: الادارة ج2)، على: (أن نظام المركزية أو اللامركزية الإدارية يكون له أهمية كبيرة بالنسبة لتنظيم العلاقة التي تنشأ بين التنظيمات التي يكون لها سلطات مثل الوزارات وبين الفروع التابعة لها في المناطق المحلية المختلفة). وتأتي أهمية ذلك من الفرص الواسعة التي تتاح للحكومات المحلية او حكومات المحافظات في تطوير البنى الاساسية للمدن وتطوير الخدمات كافة، واعتماد الكفاءات في ادارة مرافق الحكومة المحلية وما يتبع لها من مؤسسات ودوائر خدمية او انتاجية، فضلا عن تمتع الفرد بحقوقه المدنية والسياسية في ظل نظام لامركزي، يحمي المواطن من الانتهاك والابتزاز وما شابه، بمعنى هناك امتيازات جيدة يتيحها هذا النوع من الانظمة السياسية.

لذا نقرأ في كتاب الامام الشيرازي المذكور سابقا: (أن النظام الديمقراطي السياسي يمنح الفرد السلطة عن طريق الآخرين الذين يمنحونه هذه السلطة، ولذلك فهو ذلك النظام الذي يستطيع من خلاله المواطنون تحقيق أهدافهم، عن طريق الحكم بواسطة الشعب، ومن أجل الشعب).

من هنا لابد أن تسعى الطبقة السياسية بمساعدة النخب كافة، نحو تدعيم هذا النهج اللامركزي، كونه الاقدر على التصدي لنزعة التسلط والاستبداد، لاسيما أننا خضنا مع الاستبداد والحكام الطغاة تجارب مريرة، تحتم علينا عدم نسيان تلك الخسائر والتضحيات الجسيمة التي تسبب بها حكام الاستبداد، على مدى عقود بل قرون متتالية، تحكمت بمصائر الملايين واهدرت حقوقهم من دون أي مسوغ او مبرر، سوى التجاوز على كرامة الانسان.

تحقيق النمو الاقتصادي

لا ينحصر الاثر الذي ينتج عن تبني النظام المركزي في الجانب السياسي فقط، بل تظهر فوائد هذا النظام في جميع مفاصل الحياة، ومنها الجانب الاقتصادي، فضلا عن التطور الاجتماعي، ولعل الاسباب تكمن بوضوح في اتاحة الفرصة للجميع لكي يقوم بدوره بحرية تامة في البناء والتطور، تبعا للقدرات والمؤهلات التي يمتلكها، فيكون هناك جو رائع من التنافس بين الجميع للنجاح، فالعالم الاقتصادي سوف يندفع بقوة من اجل الابتكار، وكذلك عالم الاجتماع، طالما انه يشعر بحرية الاختيار، والقدرة على الابتكار، بعيدا عن المعوقات التي يمكن أن يضعها النظام المركزي البيروقراطي، فالنظام اللامركزي يتيح للجميع فرصا للمنافسة، وهناك فرص كبيرة لتحقيق التطور الاقتصادي الامثل.

يقول الامام الشيرازي في هذا المجال: (إن النظام اللامركزي يعد دعامة أساسية لنهوض الإقتصاد والإجتماع للمحافظات أو الحكومات المحلية أو ما أشبه ذلك من خلال الاهتمام بالتنمية الإقليمية، وتطوير أداء الخدمات، وتحقيق برامج الأمن الغذائي وما أشبه بذلك). هذه الامور كلها تصبح متاحة وممكنة اذا انتهى القمع والاستبداد.

وهناك قضية أخرى ينبغي التنبّه لها، تتعلق بطبيعة العلاقة بين المركز وحكومات المحافظات، فلا يصح أن تحدث تناقضات او تداخلات او عشوائية في اتخاذ القرارات وتنفيذها، أي لابد من تنظيم خطوات واجراءات وبنود العلاقات الرابطة بين الحكومتين على اسس قانونية دستورية واضحة لا يشوبها الالتباس، على أن يكون العمل بينهما متميزا بالتجانس والانسجام.

لذا يقول الامام الشيرازي حول هذا الجانب: (من الواضح أنه يجب أن يكون هناك تدعيم من الحكومة المحلية أو المحافظة للحكم المركزي وبالعكس، فإن اللازم أن يقوم الطرفان على أساس تنسيق السياسة العامة بين الحكومة المركزية والمحليات، والتي تهف في النهاية إلى تحقيق خطط التنمية الإقتصادية والاجتماعية للدولة والوصول إلى أقصى كفاءة ممكنة).

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 5/آيار/2014 - 4/رجب/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م