شبكة النبأ: ليست السياسة سيف يتم
تسليطه على رقاب الناس!، بل السياسة منهج حياة يصون كرامة الانسان
وحريته، وهي ضمان لحقوقه، وسلوك لقضاء ما يحتاجه الانسان من امور
حياتية، لكي يبقى عزيزا مكرّما، وبهذا المعنى تصبح السياسة تجسيدا
لمبادئ عظيمة، سار عليها القادة السياسيون العظام في تجارب التاريخ
الانساني عموما، والاسلامي على وجه الخصوص، وهي تجارب جعلت كرامة
الانسان في مقدمة همومها ومشاغلها واهدافها، فلا خوف ولا ظلم ولا تجهيل
أو تجويع، ولا تشريد أو تعذيب أو اقصاء وقتل، كما يحدث في سياسات
الراهن العربي والاسلامي والعالمي ايضا.
من هنا نحتاج الى سياسة تخدم الانسان ولا تتسلط عليه، لذلك يقول
سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني
الشيرازي (دام ظله)، في احدى كلماته التوجيهية في هذا المجال: (لقد
أسّس مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله والإمام أمير المؤمنين صلوات
الله عليه، أسّسا حكومتيهما على أساس الأخلاق، أي جعلا الأخلاق هي أصل
الحكومة(. هكذا هي السياسة سلطة تحكمها الاخلاق قبل اي شيء آخر.
وعندما تمضي السياسة في المسار الصحيح، فإن النتائج ستكون واضحة منذ
البداية، ولكن يتطلب الامر الى تربية الذات والجماعة على أهمية كبح
جماح النفس حيال السلطة وامتيازاتها، لأن السلطة كما هو معروف لها
سحرها المؤثر في نفسية الانسان ونوازعه واهوائه، لهذا ينبغي أن تتم
تربية الانسان على المبادئ الصحيحة، وأن ينهل من النماذج القيادية التي
قدمت أعظم الشخصيات السياسية في التاريخين الانساني والاسلامي. إن
توظيف السياسة لخدمة الناس تتطلب تربية خاصة، وتحصينات مبدئية مسبقة ضد
مغريات السلطة، حتى لا تطغى النفس ولا ينزلق الانسان ويصبح لعبة
لأهوائه.
لذا يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال: إن (التربية الصحيحة
تربّي إنساناً صالحاً ومفيداً. فقد ذكر التاريخ أن أباذر الغفاري رضوان
الله تعالى عليه كان قاطع طرق في بداية أمره، ولكن تربّى تربية صحيحة
عند أهل البيت صلوات الله عليهم، فصار ذلك الإنسان الصالح الذي نال
مرتبة رفيعة وصار من خلّص أصحاب النبيّ صلى الله عليه وآله، وأهدى
الكثير من الناس إلى نور أهل البيت صلوات الله عليهم(.
ليكن يومك خيرا من أمسك
عندما يدخل الانسان في ميدان السياسة، فإن مسؤولياته سوف تختلف عن
الآخرين، إنه سيكون في مواجهة الناس واحتياجاتهم وحقوقهم وجها لوجه، إن
السياسي بصريح العبارة موظف في الدولة، مهمته خدمة الناس، والسلطة
الممنوحة له بموجب الدستور والقوانين، ليست سلطة لإذلال الناس وإنما هي
وسيلة تساعد السياسي على خدمة المواطنين، وهناك من ينسى نفسه ومبادئه
واخلاقه، فيقوم بتحويل السلطة والصلاحيات الممنوحة له بحكم وظيفته الى
سيف يتم تسليطه على رقاب الناس، وهو امر مرفوض في كل الاعراف والرؤى
وما شابه، لذلك على السياسي أن يربي نفسه بقوة وبعزم لا يلين، على
المبادئ السليمة لاستخدام السلطة، ويجب أن يكون يومه أفضل من أمسه، كما
يؤكد ذلك سماحة المرجع الشيرازي قائلا في هذا المجال:
(كل واحد منكم صاحب عزم، والعزم له مراتب، ومهما كان للإنسان من عزم
وإرادة وتصميم فليحاول أن يكون في مزيد، وأن يكون عزمه في صعود، ويحاول
أن يكون يومه خيراً من أمسه، وغده خير من يومه(. هكذا ينبغي أن يتم وضع
السلطة في خدمة الناس وليس العكس، خاصة أننا نمتلك ما يكفي من التجارب
الثرية في تاريخنا المشرق في الميدان السياسي، فالسياسة في الاسلام لم
تكن يوما طريقة ومنهجا لظلم الناس، بل العكس هو الصحيح تماما.
لذا يؤكد سماحة المرجع الشيرازي في هذا الصدد على:
(أنّ النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله
والإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه، هما اللذين حكما من دون باقي
المعصومين صلوات الله عليهم. وقد سجّل التاريخ عنهما، حتى في تاريخ
المخالفين والكفّار، سيرتهما المشرقة، التي لا يوجد نظيراً لها أبداً،
حتى في أكثر الدول حريّة اليوم، وأكثرها رفاه وثراء).
عفو عن ذنب
لو أمعنا في تأريخنا الاسلامي في حلقاته المشرقة، فإننا لا ريب سنجد
ما يساعدنا على تربية الذات وتحجيم تطلعات النفس، او سعيها للانزلاق في
سحر السلطة، لقد وصف أحدهم السياسة بأنها تشبه الجواد الطليق في صحراء
واسعة، حيث الحاجة الى لجام قوي تغدو مهمة جدا، حتى يمكن السيطرة على
هذا الجواد، وتصبح أنت من تتحكم به بدلا من أن يتحكم بك، نعم هكذا هي
السياسة والسلطة، فأما أن تكون قادرا على التحكم بها، وتجعلها في خدمة
الانسان، واما هي التي تحكمك فتصبحُ تحت سحر سلطتها، فتظلم الناس من
دون وجه حق.
إن القائد السياسي المحنّك هو الذي يحوّل مزايا السلطة والسياسة،
لخدمة شعبه، فهناك سبل اخلاقية كبيرة يمكنه التعامل من خلالها مع
الشعب، لكي يثبت بأنه لا يقع تحت سطوة وتأثير السلطة، وانما العكس
تماما هو ما يحدث، عندما يصبح القائد السياسي قادرا على العفو حتى عن
أعدائه !!.
كما يذكر لنا ذلك سماحة المرجع الشيرازي في هذا الموقف التاريخي،
فقد ذكر سماحته روائع من تعامل الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه،
مع المعارضين، قائلا سماحته حول هذا الموضوع: (كان الإمام أمير
المؤمنين صلوات الله عليه جالساً ذات مرّة في أصحابه، فوعظهم، فقال رجل
من الخوارج: قاتله الله كافراً ما أفقهه. فوثب القوم ليقتلوه، فقال
صلوات الله عليه: رويداً فإنّما هو سبّ بسبّ أو عفو عن ذنب. فهل تجدون
مثل هذا التعامل عند رئيس ما، حتى في أكثر الدول حريّة؟ علماً بأن
الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه كان حينها هو الحاكم، وكانت
حكومته تمتّد رقعتها على أكثر من خمسين دولة من دول اليوم!). |