ليس باللافتات وحدها يُنتخب المُرشح!

مهند حبيب السماوي

 

ساعات تفصلنا عن موعد الانتخابات البرلمانية العراقية المفترض عقدها في الثلاثين من شهر نيسان الحالي، والتي تعتبر، عند النظر لسياقها الزمني، اول انتخابات ديمقراطية تجري في العراق بعد خروج القوات الامريكية نهاية عام 2011. كما انها تمثل، في موشور التحليل التاريخي والسياسي، مفترق هام ومعلم بارز في مسار العملية السياسية الجارية في العراق.

الاستعدادات التي اتخذتها اغلب الكتل والاحزاب السياسية من اجل خوض غمار هذه الانتخابات تركزت في مجملها، ونتيجة لقصر رؤيتها وجهلها بالعوامل والدوافع الحقيقية التي تحرك الناخب العراقي، على الجانب الفني من الحملة المتمثل في عمل اللافتات والــ"سبوتات" والتفنن في الملصقات الدعائية، والقيام باعلانات تعود لهذا المرشح او ذاك تدعو لانتخابه وترسم صورة جميلة الملامح للمستقبل الذي سيصنعه هذه السياسي، كما يزعم، بعد انتخابه!.

كما قام بعض المرشحين الاخرين باستخدام موقع التواصل الاجتماعي الشهير الفيسبوك في حملاتهم الانتخابية واستعملوه كأداة لتوصيل مايريدون ان يصل الى المواطن وبواسطة الاعلانات التي يقتضيها نشر بعض الــ" بوست" ات في هذه الموقع، حيث يتطلب الحد الادنى للاعلان دفع خمس دولارات لتوزيع المنشور على عدد معين من المتابعين، وكلما زاد المبلغ كلما زاد عدد من يصل اليهم المنشور المتضمن لحوار او فيديو او لقاء او تصريح.

المتابع السياسي لما يجري في العراق قبل الانتخابات يُدرك بسهولة ان اغلب المرشحين لهذه الانتخابات، وخصوصا من الاطراف السياسية التي تنتقد الحكومة وتقف بالضد من توجهاتها، مع ان بعض منها جزء من هذه الحكومة وهذا بالطبع هو التناقض الكبير، نقول ان اغلب هؤلاء المرشحين يعتمدون في جل حملتهم الانتخابية على هذه اللافتات والجوانب الفنية فيها من غير النظر والاعتماد على برامجهم السياسية وافكارهم واطروحاتهم التي من المفترض نظريا ان تكون سببا لاقتناع المواطن بانتخابهم.

الناخب العراقي يواجه كل يوم في شوارع بغداد، حينما يذهب لعمله، مئات اللافتات وآلاف الصور لمرشحين لايعرف لدى بعضهم اي سبب يمكن ان يكون عاملا مساعدا في تصويت هذا الناخب لهم، فلا برامج سياسية مميزة ولا مشاريع اقتصادية واضحة ولا حتى يملك العديد منهم، وهذا الامر هو الادهى والأمر، ثقافة سياسية ناضجة أو اسلوب ومنطق راقي يمكن ان يشكل، على اقل تقدير، سببا يدعو المواطن لانتخابه.

المشكلة الاكبر في هذه السلوكيات السياسية تكمن في اعتقاد العديد من المرشحين لهذه الانتخابات ان اللافتات يمكن ان تكون سببا لانتخابهم من قبل المواطن، وانه كلما زادت اعداد هذه اللافتات والصور والبوسترات في شوراع بغداد فان فرص انتخابهم سوف تزداد وسيحصل على مبتغاه وامله الذي يتركز بصورة اساسية في الدخول للبرلمان والحصول على مقعده المتوّج بالامتيازات التي ترنو لها عيون غالبية المرشحين.

هذه المشكلة، وبالاحرى سوء الفهم السياسي، هي من تفسر سبب قيام بعض الكتل والتيارات السياسية، وعلى نحو غير معقول، بتعليق عشرات الآلاف من الصور واللافتات التي تدعو لانتخابهم، فهم لايمتلكون الا هذا البوستر وتلك اللافتة والصور التي قامت برامج الفوتوشوب باظهارها على " احسن "وجه. ولو كان في جعبتهم شيء غير ذلك لقدموه وركزا عليه في دعايتهم الانتخابية، ولا اظن بان احدا من هذا الشعب تبلغ به السذاجة درجة تجعله ينتخب سياسي بسبب بوستره او صوره التي اصبحت تلاحقه في كل مكان في الشارع !

مفارقة اخرى لايدركها المرشح تتعلق بهذه اللافتات، وهي ان العديد من المواطنين قد بدأ بالتساؤل الجدي حول مصدر الاموال التي تقف وراء هذه الاعلانات والصور واللافتات التي تصل قيمتها الى ملايين الدنانير، ولذا تأتي هذه الاعلانات بنتائج عكسية بشكل لايتوقعه هذه السياسي التي ظن انه سوف يُنتخب بسبب هذه اللافتات.

اللافتات التي صرف عليها المرشحون ملايين الدنانير والتي يعولون عليها كثيرا في انتخابهم بسبب عدم قراءتهم لنفسية وواقع الناخب العراقي جيد لا ولن تغير شيئا يذكر في قناعات الناخب العراقي الذي حسم امره واتخذ قراره قبل ان يقوم اي مرشح بالتقاط صور لافتات انتخابه!.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 1/آيار/2014 - 29/جمادي الآخر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م