قيم التقدم: التفكير العميق

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: للتفكير أنواع ومسارات وأهداف كثيرة ومتعددة، ويمكن أن نضع تقسيما واضحا للتفكير، ينطوي على نوعين، الاول موضوع مقالنا هذا وهو التفكير العميق وقيمته في عصرنا الراهن، والثاني هو التفكير العادي، وسوف نأتي على الفارق الكبير بين هذين النوعين من التفكير والنتائج التي يفضي لها كل نوع منهما، ولكي نتعرف أكثر على مفهوم التفكير، فقد جاء في لسان العرب، الفَكر والفِكر: هو إعمال الخاطر في الشيء. وجاء في المعجم الوسيط فَكَر في الأمر ـ فَكراً: أي أعمل العقل فيه ورتب بعض ما يعلم ليصل به إلى مجهول. و(أفكَرَ) في الأمر: فكر فيه، فهو مفكر. و(فكّرَ) في الأمر: مبالغة في فكر وهو أشيع في الاستعمال من فَكَر وـ في المشكلة: أعمل عقله فيها ليتوصل إلى حلها فهو مفكر.

إذن يتعلق التفكير بحل المشكلات، وهو وسيلة جوهرية وأساسية لبناء الحياة، ولكن لا يمكن للتفكير العادي أن يتصدى لحاجات الانسان المهمة، ولا يمكنه أن يرسم الطريق لتحقيقها، إنما نحتاج الى التفكير العميق المسؤول القادر على مواجهة المشكلات بشتى أنواعها، فالتفكير العميق يعد قيمة مهمة ينبغي التمسك بها، والتدريب عليها، من خلال مواكبة التجارب في هذا المجال، على أن تقوم الجهات المعنية الحكومية والاهلية بهذه المهمة، كالمؤسسات التعليمية والتربوية وسواها، فقد اعتادت مؤسساتنا عبر مراحلها التعليمية كافة، أن تعتمد اسلوب التلقين، ولا تعبأ بتطوير مهارات الطلاب الفكرية، في حين يستوجب الامر أن تسهم هذه المؤسسات بترسيخ قيمة الفكر العميق لدى الطلبة كافة، حتى يمكنهم أن يتخلصوا من التفكير اليومي الآلي أو العادي أو المعتاد، بمعنى لابد أن نبذل ما يكفي من الجهد والتخطيط والتنظيم لكي نجعل قيمة التفكير مسارا لنا في ادامة الحياة وتطويرها، مع أهمية رسم صورة المستقبل انطلاقا من الحاضر، من خلال رؤية تفكير معاصر يمتلك مواصفات تواكب التطور المستجد في العالم..

فهناك مثلا برامج عالمية تعمل على تنمية التفكير، وقد أنشأت فنزويلا في عام 1979 وزارة تخصصت بتنمية التفكير، أطلقت عليها تسمية (وزارة تنمية الذكاء الإنساني)، وقد حققت هذه الوزارة من خلال مؤسساتها المعنية بتطوير الشباب ومهاراتهم الفكرية، نسبا عالية في الذكاء لدى الشباب الدارسين لمهارات التفكير، ونتيجة لهذا الاهتمام بالتفكير العميق، تمكنت هذه الدولة من تحقيق قفزات سريعة في التنمية بأنواعها كافة، معتمدة على قيمة التفكير العميق، بعد أن تخلصوا من التفكير العادي البسيط القائم على السذاجة والقبول الدائم بواقع الحال.

إن قيمة التفكير العميق يمكنها أن تسهم في صناعة قاعدة كبيرة ومتميزة من المهارات المتنوعة التي تعتمد التفكير العميق، ولا يصح بطبيعة الحال أن يبقى الفرد ذا تفكير عادي لا يتعدى حدود التفكير باليومي والمعتاد من الامور، فأهمية قيمة التفكير العميق، تكمن في قدرتها على صناعة فرد متطور يمكنه رؤية ما خلف الواقع وما هو مخفي في الاعماق، وينبغي ان تكون له القدرة على التحليل والاستنتاج وربما تكون له القدرة على التنبؤ أيضا، ومثل هذا الفرد لا يمكن تشكيله من خلال جهد تعليمي بسيط يعتمد التلقين، إنما يجب أن تقوم المؤسسات العلمية بتطوير المهارات الفكرية للشباب وسواهم، نظرا لأهمية قيمة التفكير العميق في حياة الفرد والمجتمع.

وقد اهتم الإسلام اهتماماً شديداً بالعقل والتفكير، ولو بحثنا في القرآن الكريم لوجدنا أنه يحتوي على الكثير من الإشارات التي تتعلق بالفكر، يقول الله سبحانه وتعالى (لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ....) والتفكير خليط من عمليات نفسية وكيميائية وعصبية متداخلة مع بعضها وهذا الخليط ينتج عملية التفكير، لذا لابد من ترسيخ هذه القيمة بالجهود الذاتية الممكنة، بالاضافة الى الجهود المبرمجة والمخطط لها من لدن المؤسسات والمنظمات الرسمية والاهلية، لنشر اسلوب وقيمة التفكير العميق بين الشباب والناس عموما لتحسين حياتهم الراهنة، والتخطيط لحياة مستقبلية متطورة.  

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 30/نيسان/2014 - 28/جمادي الآخر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م