العنصرية.. من قاموس الامام الشيرازي

حيدر الجراح

شبكة النبأ: لا تنفك العنصرية تعاود الظهور وتطل برأسها في اكثر من مناسبة، منتقصة من اقوام وجماعات مختلفة. واكثر ما تسلط الاضواء على العنصرية، حين تظهر في ملاعب كرة القدم، وفي اوربا تحديدا، ونحن الذين نعتقد ان المجتمعات الاوربية قد تجاوزت تلك الظاهرة، نتيجة لحركات الحقوق الواسعة التي قادتها فاعليات اجتماعية وسياسية طيلة عقود طويلة.

احدث تجليات هذه الظاهرة، حادثة احد اللاعبين الذي تعرض لصيحات عنصرية من قبل مشجعي الفريق الاخر الذي يلعب له، واثارت تلك الحادثة ردود فعل شاجبة ومنددة، وظهرت على موقع تويتر مواقف مساندة للاعب وتدين تلك الحادثة، وحمل هذا التنديد الواسع تسمية "كلنا قرود".

ما هي العنصرية؟

انها مذهب يفرِّق بين الأجناس والشُّعوب بحسب أصولها وألوانها ويُرتِّب على هذه التَّفرقة حقوقًا ومزايا ، مذهب المتعصِّبين لعنصرهم ، أو لأصلهم العِرقيّ لا تزال العنصريَّة سائدةً في بعض الدّول.

وهي ايضا: تمييز بين أشخاص أو فئات لا على أساس سوى عرقهم أو جنسهم . كل مبدأ أو حركة سياسة تزعم تفوق جنس أو عرق على جنس أو عرق آخر .

الا ان العنصرية لا يمكن ان ترد الى العبارات المقولبة والى التحديات والاهانات الشفوية، فالعنصرية هي أيضا تمييز فعال في الانتقاء للعمل، وإدارة المهن، والحواجز التي توضع مسبقا ازاء اتخاذ بعض المهن. بالمعنى الشائع للكلمة تتماهى العنصرية مع التشكيك في الاغراب وكراهيتهم.

على مستوى المجتمعات، نجد باستمرار ردود فعل احتقار، او ظواهر اقصاء تجاه الاقليات او الشعوب المجاورة. ففي الصين يحتقر المتحدرون من قبائل (هان) الاقليات الوطنية الاخرى. وفي الهند يصار الى عزل (المدنسين او المنبوذين). وفي اليابان تعتبر بعض الاقليات محتقرة.

ويمكن للعنصرية ان تتخذ اشكالا متعددة وان تكون على درجات متعددة، والشكل الادنى هو الذي يتمثل بالسخرية البسيطة. وبشقها الاكثر جذرية توصل العنصرية الى الاقصاء والى عزل منظم لجزء من السكان.

لجأ علماء النفس الاجتماعيون الى افكار (الاحكام المسبقة) والنماذج المقولبة بهدف شرح العنصرية. قام تيودور ادورنو باجراء استقصاء كبير حول الدوافع النفسية التي بامكانها ان توصل الناس الى العنصرية. وقد اوصلته النتائج الى اعتبار الاحكام العنصرية المسبقة شديدة الارتباط بمنحى (الشخصية السلطوية) فالاشخاص الذين يتميزون بشخصية ذات نمط سلطوي، يفكرون تبعا لامور مسبقة، ويميلون الى استخدام النماذج المقولبة التي تصنف الناس بحسب اثنيتهم.     

من أبسط نتائج  العنصرية  وسياسات التمييز على أساس : الطبقة ، والدم واللون ، والعرق ، واللغة ، والبلد ، وغير ذلك،  هو ظهور نزعات الكراهية بين الناس ، وسحق كراماتهم بلا مبرر معقول ، وتضييع حقوقهم الانسانية ، دونما سبب ، ومعاملتهم بطريقة شاذة ، لا يقرها شرع ، ولا عقل ، ولا ضمير.

ويصبح اللون ، والعرق ، واللغة ، والطبقة، والى اخر ذلك، وسيلة تستخدم في سبيل تجزئة الناس وتمزيقهم ، بدلاً من جمعهم وتوحيدهم ، وذلك بالتركيز على الفوارق والمميزات التافهة ، والعقيمة ، وتجاهل موارد الاشتراك ، والوفاق ، وهي الاجدر والاجدى ، والاحق بالاهتمام والعناية ، لانها الاسمى ، والانفع ، والاصح ، والاكثر أصالة ، والابعد أثراً في تكامل الانسان وسموه ، وتذليل كل العقبات ، التي تعترض طريقه في حياته.

كيف ينظر المرجع الديني الراحل الامام السيد محمد الشيرازي (قدس سره) الى العنصرية من خلال فهمه للاسلام، بينابيعه الاولى وليس بما تراكم فوقه من جهل واقصاء والغاء للاخرين، لاتعبر الا عن ابتعاد عن جوهره النقي والصافي؟.

يؤكد (قدس سره) على حقيقة اولى، ترسم مسار نظرته وفهمه العميق للاسلام المحمدي والعلوي، وهي: (ان الاسلام لايؤمن بالتمييز والطبقية والتفرقة).

وما يؤمن به  الدين الاسلامي، لايتعلق بالمسلمين وحدهم، كمتدينين به او مؤمنين، انه يتجاوز ذلك، وحسب الفهم الشيرازي، الى مطلق الانسان، مسلما، او غير ذلك، لان (الدين الاسلامي بالغ في احترام كيان الانسان وشخصيته لدرجة التحذير والمنع من ارهابه او تخويفه او الاساءة الى كرامته). والعنصرية والتمييز هي القمة في تلك الاساءة للكرامة الانسانية، وهي ايضا اصر واغلال جاء هذا الدين ليضعها عن الناس قاطبة.

وهذه الدعوة الى حفظ الكرامة الانسانية، وعدم المساس بها او النيل منها، جذر عمل الاسلام عند مجيئه على ترسيخه في البيئة التي انطلق منها، وبما ان تلك الدعوة تتوجه الى الناس كافة، كما تشي بذلك الكثير من النصوص القرآنية، لتشمل البشرية جمعاء.

وهي التي (كانت قبل الاسلام على اشد مايمكن من الاختلاف، فكانت فوارق اللون واللسان والعنصر والجغرافية والقبيلة تفرق بين انسان واخر)، لياتي الاسلام بدعوته الداعية، الى ازالة جميع هذه الفروقات تحت شعار (انما المؤمنون اخوة).

ولا يكتفي الامام الشيرازي (قدس سره) بالدعوة الى نبذ التفرقة والعنصرية والقضاء على جميع اشكال الفوارق بين البشر، بل هو ايضا يوجه الدعوة لممارسي التغيير وقادته في عملهم،  ففي كتابه (ممارسة التغيير لانقاذ المسلمين) يؤكد على ان (من اهم مايجب ان يحول الممارسون للتغيير دون وقوعه: التفرقة بكل اقسامها والوانها من اقليمية وعنصرية وعرقية ولغوية ولونية وغيرها، لا باللفظ ووضع القانون فقط بل بجعل التساوي بين الجميع حسب ماقرره الاسلام).

والتساوي بين الجميع الذي يؤكد عليه االامام الراحل، هو التساوي على اساس المشترك الانساني، ولا تناقض مع مايدعو اليه في فقرة اخرى من الكتاب السابق، حين يقول: (على الممارسين للتغيير أن يهتموا لإزالة القوميات والإقليميات والوطنيات التي تفرق المسلمين وتبدد شملهم).

لا فرق بين المسلم والكافر الا في الاحكام التي يخضع لها الاثنان، اما في الانسانية فلا فرق بينهما، وخاصة ما يتعلق بالكرامة الإنسانية وحفظها من الانتهاك او الإساءة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 30/نيسان/2014 - 28/جمادي الآخر/1435