تفكيك أوكرانيا.. حرب استنزاف ضد اوربا

 

شبكة النبأ: الأزمة بين أوكرانيا وروسيا اخذت مديات أوسع، مقارنة مع بداية اندلاعها، بعد ضم روسيا لشبه جزيرة القرم الشهر الماضي، وأصبحت الأوضاع السياسية والعسكرية والاقتصادية أكثر تداخلاً، سيما وان الخيارات المطروحة والمفترضة لحل الازمة لا تبشر بخير، وانما تنذر بالمزيد من التصعيد، ان لم تؤدي الى نتائج كارثية، قد تنعكس نتائجها الاولية على دول اوربا، كما يشير الكثير من المحللين والمتابعين.

فالانفصاليون في شرق أوكرانيا ماضون باحتلال المباني الحكومية وإعلان الانفصال عن حكومة كييف، فيما فشلت مساعي الحكومة العسكرية والدبلوماسية باحتواء الازمة، كما فشلت من قبل اوربا والولايات المتحدة من احتواء الازمة مع روسيا التي، على ما يبدو، ماضية في التحشيد العسكري.

فوفقاً لتقديرات حلف شمال الأطلسي (ناتو) فإن روسيا "حشدت حوالي 40 ألف جندي قرب الحدود مع أوكرانيا، كما تتمركز في أكثر من 100 موقع الدبابات والمروحيات والمدفعية والقوات الخاصة والطائرات المقاتلة والوحدات اللوجستية، التي تنتشر هناك منذ أسابيع وبعضها في مواقع لا تبعد سوى 40 كيلومتراً عن الحدود الأوكرانية"، حسب ما ذكر مدير مركز إدارة الأزمات في القيادة العسكرية لحلف الناتو، العميد جيري ديكين.

كما ان المساعي الدبلوماسية، فشلت حتى اللحظة، في تقديم حلول للسيطرة على الوضع بين الطرفين، وسط تبادل الاتهامات والتهديدات الذي سيطر على الأجواء بين روسيا وكييف، فقد قالت زعيمة المعارضة الأوكرانية يوليا تيموشينكو في مقابلة أجرتها معها صحيفة واشنطن بوست الأميركية إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين "يريد ابتلاع أوكرانيا برمتها وليس مجرد ضم شبه جزيرة القرم أو السيطرة على المناطق في شرقي وجنوبي أوكرانيا".

ويرى بعض المحللين انه على الرغم من خطورة التي التصعيد في الازمة  الاوكرانية التي اعتبرت الأخطر منذ الحرب الباردة، الا انها لم تتخذ، بعد مدياتها الخطيرة او وصولها الى مستوى الانذار الأحمر، فلا تزال تتأرجح لغة التصعيد في الازمة الأوكرانية بين روسيا والغرب "الاتحاد الأوربي وأمريكا"، صعوداً ونزولاً، بحسب التحولات والتغيرات التي تطرأ على الأراضي الأوكراني، حيث أصبحت الازمة الاوكرانية وتحديدا في منطقة الشرق محركا رئيسيا لتوترات والاتهامات بين روسيا وأميركا وأوربا،  تجسد مؤشرات خلاف متصاعدة ربما يهدد الاستقرار العالمي وخاصة على الصعيد الاقتصادي، حيث بات الأحداث في الأزمة الأوكرانية بتطوراتها المتلاحقة أشبه بصراع تكتيكي أكثر مما هو صراع استراتجي في أوكرانيا، التي يعتبرها الكثيرون الجائزة الكبرى في سباق القوى الدولية العظمى على عرش العالم.

دروع بشرية

في سياق متصل عرض انفصاليون مؤيدون لروسيا في شرق أوكرانيا إطلاق سراح ثمانية مراقبين دوليين رهائن في إطار تبادل سجناء في الوقت الذي استعدت فيه دول غربية لفرض عقوبات جديدة على موسكو، وألقت حكومة كييف المؤيدة للغرب باللوم على روسيا فيما وصفته بخطف مراقبين من منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، وقال الانفصاليون إنهم يشتبهون في أن المراقبين كانوا يتجسسون عليهم وقالت أوكرانيا إن المراقبين يستخدمون كدروع بشرية.

ومنذ أن أطاح الأوكرانيون برئيسهم المدعوم من موسكو فيكتور يانوكوفيتش في فبراير شباط ضمت روسيا شبه جزيرة القرم الأوكرانية لأراضيها وحشدت عشرات الآلاف من الجنود على الحدود الشرقية للبلاد، ورد حلف شمال الأطلسي بإرسال تعزيزات لشرق أوروبا في أسوأ أزمة بين الشرق والغرب منذ الحرب الباردة.

وفي وقت سابق أعلنت مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى أنها اتفقت على فرض مزيد من العقوبات على روسيا التي يعتقدون أنها تسعى لزعزعة استقرار أوكرانيا وربما الاستيلاء على مزيد من الأراضي، وقال دبلوماسيون إن من المتوقع أن تكشف الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عن عقوبات جديدة على شخصيات روسية.

وتنفي روسيا مسؤوليتها عن حملة ينفذها انفصاليون مؤيدون لها سيطروا على مبان حكومية في شرق أوكرانيا، وتتهم روسيا حكومة كييف بتأجيج التوتر بإرسال جنود لطرد الانفصاليين، وأرسلت منظمة الأمن والتعاون في أوروبا مزيدا من المراقبين في مسعى للإفراج عن المراقبين المحتجزين في مدينة سلافيانسك التي يسيطر عليها الانفصاليون. والمحتجزون من ألمانيا والسويد والدنمرك وبولندا وجمهورية التشيك.

وقال فياتشيسلاف بونوماريوف الذي عين نفسه رئيسا لبلدية سلافيانسك للصحفيين "هؤلاء الجنود يتواجدون على أرضنا بدون اذن منا، بالطبع هم سجناء"، وقال إن الانفصاليين على استعداد لتسليم المراقبين المحتجزين مقابل رفاق لهم تحتجزهم السلطات الأوكرانية، وقال "السجناء على الدوام أوراق مقايضة خلال وقت الحرب، إنه سلوك دولي".

وقال جهاز أمن الدولة الأوكراني إن مراقبي منظمة الأمن والتعاون في أوروبا يحتجزون "في ظروف غير إنسانية في قبو بمقر الإرهابيين"، وأن أحدهم بحاجة لمساعدة طبية، والمراقبون هم جزء من بعثة تقصي عسكرية تقودها ألمانيا جرى نشرها منذ بداية مارس آذار بطلب من كييف، وقالت متحدثة باسم المنظمة ومقرها فيينا والتي تضم روسيا في عضويتها إن المنظمة تتواصل مع "كل الأطراف" لكنها لم تتصل بالمراقبين بشكل مباشر.

وقالت وزارة الخارجية الروسية إنها تعمل على حل أزمة احتجاز المراقبين التي ألقت مسؤوليتها على كييف لفشلها في ضمان سلامة البعثة في "مناطق لا تسيطر السلطات على الوضع فيها وبدأت فيها عملية عسكرية ضد مواطنيها."

ونشرت صحيفة كومسومولسكايا برافدا مقابلة بالفيديو مع رجل قالت ان اسمه إيفان ستيرلكوف قائد ميليشيا في سلافيانسك تتهمه أجهزة الأمن الأوكرانية بأنه موظف في المخابرات الروسية، ولمح إلى أن المراقبين ربما كانوا يستغلون وضعهم الدبلوماسي "للقيام بأعمال استطلاع لمواقع المقاومة لصالح الجيش الأوكراني"، وإلحاق ضباط جيش في مهام لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا عمل معتاد.

وذكرت وزارة الخارجية الروسية أن وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير بحث مع نظيره الروسي سيرجي لافروف سبل نزع فتيل الازمة في أوكرانيا في اتصال هاتفي من برلين "مع التركيز على الخطوات الممكنة لإنهاء الأزمة"، وفي مكالمة منفصلة مع وزير الخارجية الأمريكي جون كيري قال لافروف إنه يتعين على أوكرانيا وقف العمليات العسكرية لجيشها في المناطق الجنوبية الشرقية من البلاد لنزع فتيل الأزمة.

وقال مسؤول كبير بوزارة الخارجية الأمريكية إن كيري طالب روسيا بأن تؤيد علنا جهود أوكرانيا بدلا من تشويه تلك الجهود، وأضاف المسؤول أن كيري أبلغ لافروف بأن التحركات الاستفزازية للقوات الروسية على حدود أوكرانيا ودعم موسكو للانفصاليين وخطابها التحريضي يقوض الأمن في أوكرانيا.

وقال رئيس الوزراء الأوكراني أرسني ياتسينيوك إن طائرات عسكرية روسية دخلت المجال الجوي الأوكراني سبع مرات خلال الليل، وأبلغ رئيس الوزراء الصحفيين قبل أن يقطع زيارة لروما "السبب الوحيد هو استفزاز أوكرانيا، واتهام أوكرانيا بشن حرب على روسيا".

ونشرت واشنطن 150 من قوات المظلات في ليتوانيا، وبهذا يكون إجمالي الجنود الأمريكيين الذين وصلوا إلى بولندا ودول بحر البلطيق التي كانت جمهوريات سابقة في الاتحاد السوفيتي 600 جندي بهدف تهدئة الحلفاء الذين يساورهم التوتر.

وقالت رئيسة ليتوانيا داليا جريبوسكايتي عند الترحيب بالقوات في قاعدة سياولياي الجوية "في ظل التهديدات نعرف من هم اصدقاؤنا الحقيقيون"، وتابعت جريبوسكايتي إن وجود القوات الامريكية سيردع من يسعون لزعزعة الاستقرار في اوروبا والسلام في المنطقة، لكنها لم تذكر روسيا بالاسم، وأضافت للصحفيين "العدد ليس مهما نظرا لأن تعرض أي من ضيوفنا لأذى يعني مواجهة مباشرة ليس مع ليتوانيا بل مع الولايات المتحدة."

وقال مسؤولون أمريكيون إنه قد يتم الإعلان عن عقوبات جديدة تستهدف شخصيات "مقربة" من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على أقصى تقدير ما لم تتحرك روسيا لنزع فتيل الأزمة، وفي بيان مشترك قال زعماء مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى إن روسيا لم تتخذ أي خطوات ملموسة لتطبيق اتفاق أبرم في جنيف يهدف لردع الجماعات المسلحة، وقال البيان "بدلا من ذلك واصلت (روسيا) تصعيد التوتر بلغة تبعث على القلق بشكل متزايد ومناورات عسكرية تجري بشكل يمثل خطرا على الحدود الأوكرانية".

وقال البيان "اتفقنا الآن على أن نتحرك سريعا لفرض عقوبات إضافية على روسيا"، لكنه أضاف "الباب لا يزال مفتوحا أمام التوصل إلى حل دبلوماسي للأزمة"، وقالت مصادر في الاتحاد الأوروبي إن التكتل سيضيف 15 اسما جديدا لقائمة الروس الذين جمدت أموالهم وفرضت قيود على إصدار تأشيرات سفر لهم وسيجتمع دبلوماسيون كبار في الاتحاد الأوروبي لمناقشة الخطوات المقبلة. بحسب رويترز.

وقال مصدر من حكومة احدى دول مجموعة السبع "لك ان تتوقع انه سيكون هناك المزيد من الكيانات وبعض الأفراد، وأضاف أن الكيانات ستشمل مؤسسة أو أكثر من المؤسسات المالية، وتابع "الامر يتعلق باستهداف الارصدة المالية لأشخاص".

وأقر بوتين للمرة الأولى بأن روسيا تواجه صعوبات بسبب العقوبات لكنه قال ان التداعيات ليست "حرجة"، وخفضت مؤسسة ستاندرد آند بورز تصنيفها الائتماني للديون السيادية الروسية بالعملة الصعبة الأمر الذي يجعل عملية اقتراض الحكومة أكثر تكلفة، وأجبر هذا البنك المركزي على رفع أسعار الفائدة الرئيسية ليحد من تراجع الروبل.

وهددت روسيا بقطع إمدادات الغاز عن أوكرانيا وهو تحرك سيكون له تأثير قوي على العملاء في غرب أوروبا لان الكثير من خطوط الأنابيب تمر عبر الأراضي الأوكرانية، واجتمع مسؤولون من الاتحاد الأوروبي وأوكرانيا لمناقشة الوسائل التقنية التي يمكن من خلالها تقليص أضرار قطع امدادات الغاز.

تعثر اتفاق جنيف

فيما دعا القائم بأعمال الرئيس الأوكراني أولكسندر تيرتشينوف القوات الحكومية إلى شن هجوم جديد ضد المتمردين الموالين لروسيا بعد العثور على سياسي محلي من حزبه ميتا وعلى جثته آثار تعذيب.

وفشلت مؤخراً محاولة كييف الأولى لاستعادة بلدة في شرق البلاد (الذي تسكنه أغلبية تتحدث الروسية) يحتلها الانفصاليون وأوقف جيشها إلى حد بعيد العمليات منذ أن وقعت الولايات المتحدة وروسيا وأوكرانيا والاتحاد الأوروبي اتفاقا في جنيف لتهدئة الأزمة.

لكن الاتفاق متعثر بالفعل وألقت كل من واشنطن وموسكو بعبء ضمان تنفيذه على بعضهما بعضا، ويقضي الاتفاق بنزع سلاح الانفصاليين ومغادرتهم للمباني الحكومية التي احتلوها، وقال تيرتشينوف في نداء قد يزيد الجهود الأوروبية للوساطة في الأزمة تعقيدا إنه تم العثور على جثتين "تعرضتا لتعذيب وحشي" قرب سلافيانسك التي كانت هدفا للهجوم الفاشل للجيش الأوكراني.

وأضاف في بيان أن إحداهما هي جثة فولوديمير ريباك الذي خطفه "إرهابيون" في الآونة الأخيرة، وريباك عضو في الحزب الذي ينتمي إليه تيرتشينوف وتتزعمه رئيسة الوزراء السابقة يوليا تيموشينكو، وأضاف تيرتشينوف "هذه الجرائم ترتكب بدعم كامل من روسيا الاتحادية، أدعو أجهزة الأمن إلى أن تشن هجوما جديدا وتتخذ إجراءات فعالة ضد الإرهاب لحماية مواطني أوكرانيا الذين يعيشون في شرق البلاد من الإرهابيين".

وقالت الشرطة إنه تم العثور على جثة رجل توفي بسبب عنف في أحد الأنهار، وأضافوا أنه يشبه ريباك عضو المجلس المحلي في بلدة هورليفكا قرب دونيتسك عاصمة الإقليم لكن تحديد شخصيته رسميا يحتاج إلى مزيد من العمل.

ولم تبد القوات الأوكرانية التي تعاني من ضعف الموارد علامة تذكر في السابق على تحدي المسلحين الذين بدأوا يحتلون بلدات ومباني، وقد لا تؤدي دعوة تيرتشينوف إلى تحرك أكبر لكنها قد تؤجج تبادل الاتهامات بين موسكو وكييف حول من الذي يتقاعس عن احترام اتفاق جنيف، وقال نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن لروسيا إن "الوقت ضيق" للتحرك لنزع فتيل الأزمة في شرق أوكرانيا لكن روسيا قالت إن بمقدورها التعامل مع أي عقوبات اقتصادية أشد قد يفرضها الغرب عليها.

ودعا بايدن خلال زيارة لكييف موسكو إلى سحب قواتها التي حشدتها عند الحدود مع أوكرانيا و"الكف عن الكلام والبدء في العمل" على نزع سلاح الانفصاليين الموالين لروسيا الذين سيطروا على بلدات ومدن في شرق أوكرانيا.

وحذرت الولايات المتحدة روسيا مرارا من مواجهة "تكاليف متزايدة" إذا فشلت في ضمان التنفيذ الكامل لاتفاق جنيف، لكن بايدن وضع المسؤولية على عاتق موسكو وقال "استمعنا كثيرا من مسؤولين روس، لكن حان الوقت كي تتوقف روسيا عن الكلام وتبدأ في العمل، لكن السفير الروسي في الأمم المتحدة فيتالي تشوركين استبعد حدوث تقدم سريع، وقال في مقابلة تلفزيونه "بالطبع سيكون من السذاجة افتراض أن كل هذا سيحدث بسرعة."

وأدى ضم روسيا للقرم من أوكرانيا والتمرد في شرق البلاد إلى تعميق أسوأ أزمة بين الشرق والغرب منذ الحرب الباردة، وطالب بايدن بسحب القوات الروسية القريبة من الحدود مع أوكرانيا والتي تصر موسكو على أنها تجري تدريبات فقط، وقال بايدن بعد اجتماع مع رئيس الوزراء الأوكراني أرسيني ياتسينيوك "ينبغي ألا تهدد دولة جيرانها بحشد قوات على الحدود، ندعو روسيا إلى سحب هذه القوات".

وقالت وزارة الخارجية الروسية إن وزير الخارجية سيرجي لافروف رد بإبلاغ وزير الخارجية الأمريكي جون كيري في مكالمة هاتفية بأنه يتعين على أوكرانيا اتخاذ خطوات عاجلة لتنفيذ اتفاق جنيف، وأوضحت الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي أنهما لن يتدخلا عسكريا في أوكرانيا التي لا تنتمي إلى الحلف.

وتنفي موسكو تحريك المتشددين الذين يقولون إنهم يريدون فرصة للحاق بالقرم بأن يصبحوا جزءا من روسيا بعد الإطاحة بالرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش الذي تدعمه موسكو، لكن واشنطن التي وقعت الاتفاق في جنيف مع موسكو وكييف والاتحاد الأوروبي قالت إنها ستتخذ "خلال أيام" قرارا بشأن عقوبات إضافية إذا لم تتخذ روسيا خطوات لتنفيذ الاتفاق.

وفي موسكو قال رئيس الوزراء ديمتري ميدفيديف إن بلاده قادرة على التصدي لعقوبات أشد إذا لزم الأمر، وقال للبرلمان "ينبغي ألا نتوقف عن التعاون مع الشركات الأجنبية بما في ذلك الشركات الغربية لكن سنكون مستعدين لاتخاذ خطوات غير ودية، وأضاف "إنني متأكد من أنه بمقدورنا تقليص تأثيرها إلى أقل حد ممكن، لن نسمح بأن يصبح مواطنونا رهائن مناورات سياسية".

وقال ميدفيديف إن بعض البنوك الروسية ممنوعة من الوصول إلى أنظمة السداد الدولية واصفا هذا بأنه "انتهاك للاتفاقيات القائمة، يجب ألا يمر دون عقاب"، واجتمع رئيس فريق وسطاء منظمة الأمن والتعاون في أوروبا مع زعماء الانفصاليين في دونيتسك، ووصف المحادثات بأنها "بناءة" لكنه لم يقدم أي مؤشر على أن الانفصاليين سيغادرون المباني التي يحتلونها.

وفي بروكسل قال دبلوماسيون من الاتحاد الأوروبي إن الاتحاد لن يفرض مزيدا من العقوبات إلى أن يرى ما إذا كان اتفاق جنيف سيجدي نفعا، والاتحاد الأوروبي أكثر حذرا من الولايات المتحدة في فرض العقوبات إذ يخشى بعض الأعضاء من استعداء بلد يزود أوروبا بثلث احتياجاتها من الغاز، وأعلن كل من الجانبين أنه يريد تقليل الاعتماد على الآخر في مجال الطاقة.

وقال ميدفيديف إن روسيا أكثر اهتماما من أي وقت مضى بتنويع صادراتها من الغاز ووصف حديث أوروبا عن استيراد الغاز الأمريكي كبديل بأنه "خدعة"، وقالت بريطانيا إن على القوى الاقتصادية الغربية الكبرى معالجة القضية خلال اجتماع مجموعة السبع الشهر القادم مشيرة إلى أن روسيا قطعت الإمدادات إلى أوكرانيا في الماضي أثناء نزاعات على السعر.

وعرضت الولايات المتحدة على أوكرانيا خلال زيارة بايدن حزمة مساعدات جديدة قدرها 50 مليون دولار للمساعدة في الإصلاح الاقتصادي والسياسي، وقال البيت الأبيض في بيان إنه جرى تخصيص 11.4 مليون دولار من هذا المبلغ للمساعدة في الانتخابات التي ستجرى لاختيار خليفة ليانوكوفيتش.

ورغم أن حزمة المساعدات صغيرة مقارنة باحتياجات أوكرانيا الهائلة وبضمانات قروض قيمتها مليار دولار جرى توقيعها بالفعل مع واشنطن إلا أنها تستهدف إظهار الدعم للسلطات الجديدة في أوكرانيا، ووجه بايدن أيضا كلمات قاسية لكييف قائلا إنها يجب أن تتصدى للفساد المتوطن الذي أضعف الاقتصاد وثقة العامة في الدولة، وقال لمشرعين "بصراحة شديدة، عليكم محاربة سرطان الفساد".

انفصاليو شرق أوكرانيا

بدورهم قال انفصاليون مسلحون مؤيدون لروسيا في شرق أوكرانيا إنهم غير ملزمين باتفاق دولي يطلب منهم إلقاء السلاح ولن يخرجوا من المباني الحكومية التي يحتلونها حتى تتنحى حكومة كييف، ويبدو أن الاتفاق الذي أبرم بين الولايات المتحدة وروسيا وأوكرانيا والاتحاد الأوروبي في جنيف هو الأمل الأفضل لنزع فتيل الأزمة الأوكرانية التي أوصلت العلاقات بين الشرق والغرب إلى أدنى مستوياتها منذ الحرب الباردة.

وقدم القائم بأعمال الرئيس الأوكراني ورئيس الوزراء أقوى تعهداتهم حتى الآن بتعزيز الحقوق الدستورية لاستخدام اللغة الروسية في مسعى لنزع فتيل الاحتجاجات لكن كييف قالت أيضا إن المساعي لاستئصال شأفة الانفصاليين مستمرة.

ويقضي اتفاق جنيف بنزع سلاح جميع الجماعات المسلحة وانهاء الاحتلال غير المشروع للمباني الحكومية والشوارع والميادين لكن في ظل تشبث الانفصاليين في الشرق بموقفهم وعدم ورود مؤشرات من القوميين الأوكرانيين على أنهم سيغادرون مخيمات الاعتصام (غير المسلحة) في ساحة الميدان فليس من الواضح ما إذا كان أي من الطرفين على استعداد للتحرك أولا.

وسيكون تفعيل الاتفاق مسألة صعبة بسبب انعدام الثقة البالغ بين المجموعات المؤيدة لروسيا والحكومة المدعومة من الغرب في كييف، وشهدت اشتباكات عنيفة قتل فيها عدة أشخاص، ومثل التوصل الى اتفاق مفاجأة ولم يتضح على الفور ما الذي حدث وراء الستار لإقناع الكرملين (الذي لم يظهر حتى تلك المرحلة أي مؤشر على تقديم تنازل) بالانضمام الى مطالبة الميليشيات بإلقاء أسلحتها، وترفض موسكو اتهامات أوكرانية وغربية لها بأنها تقف وراء المسلحين.

وأنهى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين دبلوماسية ما بعد الحرب الباردة التي تنتهجها بلاده منذ عقود بإعلانه أن لروسيا الحق في التدخل في الدول المجاورة وحين ضم شبه جزيرة القرم الأوكرانية المطلة على البحر الأسود للأراضي الروسية.

وجاء هذا التحرك بعد الإطاحة بالرئيس المدعوم من موسكو فيكتور يانوكوفيتش بعد احتجاجات شعبية على مدى أشهر بسبب رفضه لاتفاق تجارة مع الاتحاد الأوروبي، وفي سلافيانسك (وهي مدينة أصبحت نقطة ساخنة في الازمة بعد ان سيطر عليها رجال مسلحون ببنادق كلاشينكوف) اجتمع قادة للجماعات الموالية لروسيا داخل أحد المباني المحتلة لاتخاذ قرار بشأن كيفية الرد على اتفاق جنيف.

وقال أناتولي وهو أحد الانفصاليين المسلحين الذين استولوا على مقر الشرطة "لن نغادر المبنى بغض النظر عن أي تصريحات يتم الإدلاء بها لأننا نعرف حقيقة الوضع في البلاد ولن نغادر حتى يطلب منا قائدنا ذلك"، وحلقت طائرتان عسكريتان أوكرانيتان فوق سلافيانسك عدة مرات، وأمام مكتب رئيس بلدية سلافيانسك وقف رجال مسلحون ببنادق آلية وراء أجولة من الرمال، واستمر الانفصاليون في السيطرة على الشوارع الرئيسية في المدينة وفي تفتيش السيارات عند نقاط تفتيش أقاموها في أنحاء المدينة.

وفي خطاب تلفزيوني مشترك دعا أولكسندر تشيرتشينوف القائم بأعمال الرئيس ورئيس الوزراء أرسيني ياتسينيوك إلى الوحدة الوطنية وحثا الناس على أن ينأوا بأنفسهم عن العنف وقالا إنهما سيدعمان تغيير الدستور ومنح المجالس المحلية المزيد من السلطات بما في ذلك ما يتعلق باللغة الرسمية وهو مطلب أساسي للناطقين باللغة الروسية.

وقالت كييف أيضا إن الحكومة تعد قانونا سيمنح الانفصاليين حصانة من الملاحقة القضائية إذا تراجعوا، وقال دنيس بوشيلين زعيم الانفصاليين في الإقليم بأكمله إنه لا يعتبر أن رجاله ملتزمون بالاتفاق، وقال بوشيلين الذي نصب نفسه رئيسا لما يسمى بجمهورية دونيتسك الشعبية للصحفيين إن وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف "لم يوقع أي شيء باسمنا فقد وقع نيابة عن روسيا الاتحادية".

وأضاف أنه يتعين على رئيس الوزراء والقائم بأعمال الرئيس أن يتركا منصبيهما لانهما توليا المنصبين بشكل "غير مشروع"، لكن أليكسي وهو انفصالي آخر في سلافيانسك أقر بأن محادثات جنيف غيرت الوضع، وقال اليكسي مستخدما الاسم الذي يطلق على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي ينظر اليه كثير من أفراد الميليشيات الانفصالية في شرق أوكرانيا على انه بطلهم وحاميهم، "تبين ان فوفا لا يحبنا بقدر ما كنا نعتقد".

وفي العاصمة كييف قال اشخاص في الميدان (وهو الاسم الذي أطلق محليا على ميدان الاستقلال الذي شهد الاحتجاجات التي أطاحت في نهاية الامر بالرئيس الاوكراني المؤيد لروسيا فيكتور يانوكوفيتش) ان الحواجز ستبقى الى ما بعد انتخابات الرئاسة التي ستجري يوم 25 مايو ايار.

فيما اتهم بوتين السلطات في كييف بقيادة البلاد نحو "الهاوية"، وتخشى كييف من أن يستغل بوتين أي أعمال عنف كذريعة لغزو البلاد، وقال بوتين في مؤتمر يذاع عبر التلفزيون يجيب فيه على أسئلة المواطنين "بدلا من ادراك وجود شيء خاطئ في الحكومة الأوكرانية ومحاولة الحوار يطلقون المزيد من التهديدات بالقوة، هذه جريمة خطيرة أخرى يرتكبها قادة كييف الحاليون"، وأضاف "آمل أن يتمكنوا من أدراك حجم الهوة وحجم الهاوية التي تقبع فيها السلطات الحالية وتجر البلاد إليها".

ووصف الاتهامات بأن عملاء روس يتحركون في شرق أوكرانيا بأنها "هراء"، ولم يستبعد بوتين ارسال قوات روسية إلى شرق أوكرانيا لكن قال إنه يأمل ألا يحتاج لذلك وأن تفيد الدبلوماسية في حل الأزمة هناك.

وقال "أذكركم بأن المجلس الاتحادي (الغرفة العليا للبرلمان الروسي) منح الرئيس حق استخدام القوة العسكرية في أوكرانيا"، وأضاف "أتمنى فعلا ألا أضطر لممارسة هذا الحق وأن يمكننا حل كل القضايا الملحة اليوم من خلال وسائل سياسية دبلوماسية".

وحتى الآن لم تفلح الدبلوماسية في مجاراة الأحداث على الأرض حيث سيطر أنصار روسيا على المناطق قبل أن تتمكن الدول الغربية من صياغة رد على ما يحدث، وقال بوتين إن محادثات الأزمة التي تجري في جنيف "مهمة جدا" وحث الحكومة في كييف على أن تجلس وتتحدث مع المجتمعات الناطقة بالروسية في شرق أوكرانيا.

وأضاف أنه يجب على الحكومة الأوكرانية أن تقدم ضمانات للناطقين بالروسية بشرق أوكرانيا لحل الأزمة، وقال "يجب التوصل إلى حل وسط ليس بين أطراف ثالثة وانما بين مختلف القوى السياسية داخل أوكرانيا، هذا مهم للغاية، إنها القضية الرئيسية".

وقال بوتين إنه متأكد من أن روسيا وأوكرانيا يمكنهما التوصل إلى تسوية عقب ضم موسكو لمنطقة القرم وإن الجارتين بينهما كم هائل من المصالح المشتركة، وأضاف "أنا متأكد أننا سنتوصل إلى تفاهم مشترك مع أوكرانيا، لن يمكن لأحدنا المضي قدما دون الآخر".

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 29/نيسان/2014 - 27/جمادي الآخر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م