العشوائيات..  تكشف واقع الحكومات الفاشلة

آفة اجتماعية تنشر الفقر وتحتضن الجريمة

 

شبكة النبأ: المناطق العشوائية او العشوائيات تعرف بأنها المنطقة السكنية غير المنظمة بنيت في الغالب بدون ترخيص وقد تفتقر لأبسط مقومات الحياة الكريمة. واستخدمت العديد من المصطلحات للمناطق العشوائية كمدن الكرتون ومدن الصفيح، والأحياء الفقيرة، والمدن العشوائية، ونجد ان الأسكان العشوائي يقوم بتخطيطه وتشيده الأهالي بأنفسهم على الأراضي الزراعية والصحراوية أو أراضي الدولة وغالبا ما تكون هذه الأراضي على أطراف المدن المهمة والصناعية، وهذا البناء وهو عبارة عن أكواخ تم بنائها من الخشب أو الصفيح أو الطين وأحيانا باستخدام الاقمشة البالية والكرتون وينتشر هذا النوع من المجمعات في جميع دول العالم تقريباً.

ويعاني سكان هذه المناطق من مشكلات مختلفة منها الفقر وانتشار البطالة هذا بالإضافة الى المشاكل الاجتماعية والصحية والامنية المختلفة، التي كانت سببا في اتخاذ بعض الحكومات لقرارات وقوانين الخاص تهدف الى ازالة وتهجير سكان تلك المناطق.

ويرى بعض الخبراء ان العشوائيات هي مجموعة من الأحياء الفقيرة والمعدمة اقتصاديا، تمتلك منازل غير شرعية ولا تملك لها أي صكوك، وينتشر هناك الجريمة والتسول، فيما سيبلغ عدد سكان مدن الصفيح في العالم 1,4 مليار نسمة في 2020 اي ما يساوي عدد سكان الصين بحسب منظمة تابعة للامم المتحدة، إذ يلعب الفقر والحرمان وفقدان العناية والاهتمام دورا كبيرا في انتشار العنف والجريمة في تلك المناطق وكذلك استغلال الشباب من قبل عصابات المافيا والارهاب التي تزرع فيهم حب الانتقام والقتل والدمار والافكار المتطرفة بحيث تتفشى الفوضى والرعب، ويعزر هولا الخبراء الى تنامي ظاهرة العشوائيات هو نتاج لسياسات حكومية فاشلة انتهجت اهمالهم وغض الطرف عمّا يعانيه هؤلاء من بؤس وشقاء وصعوبات في العيش على مدى عقود عديدة.

ويقدر باحثو الأمم المتحدة ساكني العشوائيات بألف مليون نسمة، وتتصدر إثيوبيا دول العالم من حيث نسبة العشوائيات إلى المدن، وتعد بومباي في الهند عاصمة العشوائيات في العالم؛ بما تحتويه من مساكن جماعية متلاصقة في أحياء قذرة، تليها لاجوس، القاهرة، كراتشي، دلهي، وتنامت العشوائيات بسرعة منذ أواخر الثمانينات في دول الاتحاد السوفيتي السابق، وتقدر الأحياء العشوائية في العالم بحوالي مائتي ألف حي.

وهناك العشوائيات العائمة في جنوب شرق آسيا، وهي أحياء وتجمعات سكانية في القوارب، ويعيش في لوس أنجلوس حوالي مائة ألف متشرد في الحدائق العامة والشوارع، ويعيش أكثر من مليون شخص في بومباي على الأرصفة وجوانب الطرق. تتشكل العشوائيات اجتماعيًّا من مجموعات من العمال غير المنتظمين في عمل ما (عمالة سائبة)، والكثير منهم طردوا من أعمالهم، والمهجرين قسرًا، والريفيين القادمين بحثًا عن فرص أفضل، واللاجئين وضحايا الحروب والكوارث، والخارجين على القانون والمهربين.

مدينة مراقبة

وفي هذا الشأن تحظى مدينة الصفيح روسينيا وهي الاكبر في ريو دي جانيرو بمراقبة على مدار الساعة بواسطة 80 كاميرا متطورة مما يجعلها "من اكثر المناطق خضوعا للمراقبة في العالم" على ما قال مسؤول امني. واوضح مساعد قائد وحدة الشرطة في روسينيا نيفسون بورجيس "لدينا كاميرا مراقبة لكل 860 من سكان المدينة. حتى الان كانت لندن على ما تفيد بعض الدراسات المدينة التي تتمتع بافضل مراقبة مع كاميرا لكل 862 مواطنا".

وبعد سنة على سيطرة الجيش والشرطة على مدينة الصفيح هذه اثر طرد تجار المخدرات منها، نصبت هذه الكاميرات في 14 موقعا استراتيجيا وهي سابقة في مدينة صفيح سيطرت عليها القوى الامنية. واوضح المسؤول في الشرطة "كان الامر ضروريا بسب العدد الكبير للسكان البالغ 70 الف نسمة وجغرافيا مدينة الصفيح هذه الوعرة مع ازقة يصعب الوصول اليها". وقد انتشر 700 شرطي بلدي دربوا تدريبا خاصا في مدينة الصفيح هذه.

وبما انه لا يمكن التنقل في سيارة الا في 20% من المدينة الواقعة في وسط احياء المدينة الغنية، يضطر عناصر الشرطة الى القيام بدوريات راجلة او على دراجات نارية في احياء بمساعدة اجهزة اللاسلكي والكاميرات على ما اوضح المسؤول ذاته. وفي العام 2012، سجل وقوع 12 عملية قتل في مدينة الصفيح هذه البالغة مساحتها 840 الف متر مربع والمقامة على تلال تطل على البحر. ووقعت جريمة القتل الاخيرة في وقت قريب وطالت شرطيا في الخامسة والعشرين. بحسب فرانس برس.

واوضح بورجيس ان "هذه الكاميرا ب360 درجة قادرة على تكبير الصورة 36 مرة ويمكنها ان تصور خلال الليل بفضل نظام اشعة دون حمراء". واضاف "بفضل الكاميرات تمكنا من توقيف عدد من الاشخاص بتهمة استهلاك المخدرات والاتجار بها والسرقة". وكان الجيش والشرطة دخلا في ايلول/سبتمبر 2011 مدينة الصفيح هذه بمصفحات لطرد تجار المخدرات منها الذين كانوا يفرضون سلطتهم عليها منذ 30 عاما، في اطار برنامج لضمان الامن في مدن الصفيح استعدادا لكأس العالم لكرة القدم في 2014 في البرازيل ودورة الالعاب الاولمبية في 2016 في ريو دي جانيرو.

حرب على مدن الصفيح

 في السياق ذاته تجول مرجان المتشحة بشال احمر والحزن يعصر قلبها بين انقاض مدينة الصفيح التي كانت تقيم فيها وقد جرفت حديثا.. فسلطات العاصمة الباكستانية اسلام اباد اعلنت حربا على هذه الاحياء الفقيرة التي يقطنها خصوصا مسيحيون ولاجئون افغان الا ان هؤلاء باشروا رص الصفوف لمقاومة هذه الاجراءات. فقد اتت الجرافات والحفارات التي ارسلتها البلدية محولة مجموعة من الاكواخ المبنية بطريقة غير قانونية في حي "اي-10"، الى كومة انقاض.

وعلى انقاض هذه الاكواخ المتداعية التي بنيت قرب خط للسكك الحديد وتحت خطوط للتوتر العالي، لم يبق سوى اطفال وسخين يحوم عليهم الذباب وهم يركضون وراء بعض الابقار. وقد انهار عالم مرجان (70 عاما) المتواضع امام عينيها الزرقاوين. وهي تقول بصوت عصرته الدموع "لقد سحقونا". وفي باكستان يعيش قليلو الدخل ولاجئو الحرب الافغانية والنازحون من عنف شمال غرب البلاد في مدن صفيح تسمى "كاتشي ابادي" مصنوعة من حجر الاجر والاسمنت والخيام تعبرها ازقة متعرجة ومجارير في الهواء الطلق.

وفي اسلام اباد التي بنيت اعتبارا من الستينات، وعدت السلطات جرف او اخلاء 14 من مدن الصفيح هذه التي تعتبرها مخيمات غير قانونية او معاقل ارهابية، من دون دفع اي تعويضات. وقد قرنت القول بالفعل من خلال جرف اول مدينة صفيح وهي التي كانت تسكن فيها مرجان. وكانت مدينة الصفيح هذه قد خرجت للتو من مجزرة فقبل ايام وعلى بعد امتار قليلة منها وقع انفجار في سوق ادى الى سقوط 24 قتيلا واكثر من مئة جريح وهو الاعتداء الاكثر دموية في العاصمة منذ العام 2008.

وقد اقام بعض السكان رابطا بين الحادثين واعتبروا ان مؤامرة حيكت ضدهم بهدف تسريع هدم مدن الصفيح اذ رأت السلطات في الاعتداء سببا اضافيا ل"تنظيف" المنطقة على ما قالوا. وتقول مرجان وقد جلست تبكي بين الانقاض "الناس هنا هم كناسون وزبالون.. لكنهم يعاملوننا بقساوة. نحن لسنا ارهابيين ولصوصا وكفارا لكن تتم مهاجمتنا لاننا فقراء". وعلى مقربة من هنا يجمع بعض الرجال حجارة الاجر لبيعها بعشرات الدولارات في البازارات كما لو انهم يبيعون منازلهم كقطع غيار، فيما تواصل جرافات عملها في مكان قريب.

وتقول السيدة المسنة صاحبة الشعر الاشيب التي لا تزال مذهولة "لقد امضيت الجزء الاكبر من حياتي هنا انا مسنة وغير قادرة على العمل كخادمة ولا مكان اذهب اليه". واسلام اباد اطار جميل من الخضار تنتشر فيه منازل كبيرة تذكر بضواحي المدن الاميركية. لكن تنتشر في بعض الاماكن فيها ايضا مدن صفيح مكتظة يتكدس فيها قليلو الدخل وعدد كبيرم نهم من المسيحيين.

ويقول برويز مسيح الذي يعمل حارسا امنيا في مدينة صفيح مسيحية في منطقة "جي-7" وهي مدرجة على قائمة الاخلاء القسري "الجميع خائف هنا" ويضيف غاضبا "لقد بنينا هذه المساكن بعرق جبيننا. ان كنا قد اقمناها بطريقة غير شرعية فلم لم تمنعنا البلدية من بنائها في الاساس؟"، متهما الموظفين الرسميين بانهم تقاضوا البخشيش من سكان المدينة.

ويقول اسيم ساجد رئيس جمعية مدن الصفيح في باكستان "هؤلاء الاشخاص هم الذين يؤمنون سير المدينة فهم سائقون وطباخون وكناسون وخدم وعمال تنظيفات. اذا تم القضاء على هذه المخيمات فأنها ستظهر مجددا بعد شهر باشكال اخرى اذ على هؤلاء الاشخاص ان يعيشوا في مكان ما". وهذا المكان هو الضواحي. وتوضح شايستا سهيل المسؤولة في بلدية اسلام اباد "على هؤلاء الاشخاص ان يدفعوا ايجارا وفي الضواحي ثمة شقق يرواح ايجارها بين ثلاثة الاف وخمسة الاف روبية (بين 30 و50 دولارا) في الشهر". بحسب فرانس برس.

وهو مبلغ كبير في بلد يجاور الحد الادنى الشهري للاجور فيه مئة دولار. وينبغي اضافة كلفة النقل للعمل في المتاجر والمنازل الفخمة في احياء وسط المدينة. وفي احشاء مدن الصفيح هذه، بدأت عناقيد الغضب تنضج. فقد تكاثرت في الاسابيع الاخيرة تظاهرات لا تلقى تغطية اعلامية كبيرة في محاولة لوقف عمليات الطرد. لكن من دون جدوى. ويؤكد يوسف مسيح باتي، القس في مدينة الصفيح"جي-7" المسيحية "ليس لدينا اسلحة رشاشة ولا بنادق نحن مسالمون انا اصلي من اجل الا يأتوا الى هنا". ويقول برويز وهو يرتجف "في حال اتت الجرافات الى هنا سنقف امامها".

توتر نفسي

من جانب اخر حددت دراسة أكاديمية حديثة مجموعة من الاضطرابات الصحية النفسية التي يعاني منها سكان الأكواخ في مقاطعة كيب الغربية في جنوب إفريقيا، ابتداءً من الأرق المزمن وصولاً إلى تدني احترام الذات. وقد أجرت جامعة كيب الغربية وجامعة شبه جزيرة كيب للتكنولوجيا هذه الدراسة تحت عنوان "تأثير العيش في المجتمعات الانتقالية: تجارب الناس في بليكيز دورب وهابي فالي". ونظراً لاعتبارات في الموازنة اقتصرت الدراسة على مخيمين فقط.

وقال شهيد محمد، وهو محاضر في الهندسة المدنية في جامعة شبه جزيرة كيب للتكنولوجيا وناشط في مجتمع بليكيز دورب أنه "لم يكن يتمتع الباحثون بالموارد لإجراء مقابلات على نطاق واسع، وبدلاً من ذلك قمنا بتشكيل أربع مجموعات مناقشة مختلفة تتألف من 10 إلى 20 شخصاً يعيشون في بليكيز دورب ومخيم آخر انتقالي يطلق عليه إسم هابي فالي. وقد وجدنا أن هناك ترابط كبير بين النتائج في كل حالة". وكان من بين مشاكل الصحة النفسية التي حددتها الدراسة الاكتئاب، والقلق، ونوبات الفزع والأرق المزمن والغضب وتدني احترام الذات.

وقال واضعو الدراسة أن المعلومات التي تتعلق بالصحة النفسية لسكان الأكواخ كانت نادرة جداً، وكانت الدراسة بمثابة محاولة لمعالجة هذه الفجوة المعرفية. وقد تم في عام 2008 إنشاء مخيم بليكيز دورب ويطلق عليه أيضاً إسم "تن كان تاون" كمخيم انتقالي مؤقت لنحو 600 شخص. ولكن منذ ذلك الحين، اتسع المخيم ليستوعب أكثر من 4,000 نزيل في مبانٍ مؤلفة من 1500 غرفة واحدة مصنوعة من الصاج المموج، وتبعد حوالى 34 كيلومتراً عن مدينة كيب تاون.

أما هابي فالي فهو مخيم انتقالي آخر يقع في نفس المنطقة ويسكنه 3000 شخص. وقد تم إنشاء المخيمات قبل نهائيات كأس العالم لكرة القدم عام 2010 التي استضافتها جنوب إفريقيا لإيواء الأشخاص الذين تم طردهم من مبان كانوا يشغلونها بشكل غير قانوني. ''كانت النقطة السلبية الكبيرة في هذه المقابلات تكمن في استسلام هؤلاء الأشخاص في النهاية للشعور باليأس والانهزام''

وقال رشيد أحمد، وهو عالم نفسي بجامعة كيب الغربية وقد ترأس فريق من الباحثين من طلاب علم النفس: "كانت النقطة السلبية الكبيرة في هذه المقابلات تكمن في استسلام هؤلاء الأشخاص في النهاية للشعور باليأس والانهزام. ومعظم تلك المشاعر لها علاقة بحقيقة أنهم لا يرون مستقبلاً لأنفسهم. فالبشر يجب أن يكون لديهم أمل وشعور بالهدف لتحقيقه". وأضاف قائلاً: "يُعتبر التوجه المستقبلي أمراً بالغ الأهمية لحياة صحية سواء كانت عقلية أو جسدية. فالكثير من الناس الذين جرت مقابلتهم يصفون المشاكل النفسية الحالية التي يعانون منها- مثل الصداع- والتي ترتبط بشكل واضح بالقلق والتوتر".

وقال إيتيان كلارسن، المقيم في مخيم بليكيز دورب وزعيم في المجتمع وأحد المدافعين عن الإسكان المنخفض التكاليف أن "المنطقة بمثابة مقلب لقمامة البشر". وقد أضاف: "نحن عالقون هنا لأنه ليس لدينا مكان آخر نذهب إليه، والتحديات التي نواجهها ضخمة. فهناك مشكلات كبيرة تتعلق بالجريمة، والناس يخشون مغادرة منازلهم لأنهم سيتعرضون للسرقة. كما أننا بعيدون عن أماكن فرص العمل ولذلك لا أحد يملك المال. والناس يخجلون من وضعهم وليس لديهم ثقة في النفس أو احترام للذات".

كما وجدت الدراسة أن الظروف المعيشية تتأثر بشكل كبير بالعلاقات الشخصية والاجتماعية. فعدم وجود خصوصية له أثر سلبي على العلاقات بين الناس، وغالباً ما ينتج عن ذلك مشاكل زوجية. كما أنه لا توجد أية مرافق ترفيهية للأطفال، ما يجعلهم عرضة لأنشطة تعاطي المخدرات والانخراط مع العصابات وهم صغار في سن الخامسة. ومع ذلك، كشفت الدراسة أنه في حالات الأقليات، تؤدي الشدائد والمحن إلى مستويات عالية من المرونة. بحسب شبكة إيرين.

وقال أحمد: "أظهرت نسبة قليلة من الناس مرونة استثنائية عند مواجهتهم لمثل هذه المشاكل. وهذا يتجلى في نشاط المجتمع في المقام الأول. لكنه لا ينبغي أن ينظر إليه على أنه نقطة إيجابية كبيرة. فإذا نهض الشخص بعد أن وجهت إليه ضربة قوية أفقدته توازنه، يجب أن نجعل تركيزنا على أسباب سقوطه في المقام الأول".

غضب السكان

الى جانب ذلك وعلى التلال المشرفة على بيتيون-فيل الحي الثري في شرق بور او برانس الذي كان يسكنه في السابق الهايتيون الميسورون، باتت الابنية العشوائية تحتل مساحة متزايدة. وحوادث انزلاق التربة القاتلة التي ضربت الاحياء المكتظة بالسكان واحتمال وقوع ضحايا كثر في حال وقوع كوارث طبيعية، تدفع السلطات الى التفكير بنقل سكان من مدن الصفيح هذه. الا انها قد تواجه غضب السكان الذي سيضطرون الى مغادرة مساكنهم.

فمع اعلان اجراءات الاخلاء قبل فترة قصيرة خرج السكان الغاضبون من الاكواخ المعرضة للامطار والفيضانات ونزلوا الى شوارع العاصمة لمواجهة الشرطة. وقال سيلفستر فيوس الثلاثيني وقد احمرت عيناه غضبا وهو بين المتظاهرين "عليهم ان يمشوا على جثننا ليخرجوننا من منازلنا. اهذه مكافأة الرئيس لاصواتنا؟ ويقول "لا خطر علينا" في حي جالوزي الذي يسكنه. وجالوزي هي مدينة صفيح تحيط بعاصمة هايتي مبنية على سفح تلة في مقابل بيتيون-فيل واكواخها متكئة على بعضها البعض كما هي الحال على طول الجبل الذي يحيط بالعاصمة.

ويقول وليام جان (62 عاما) "هذا الحي مقام منذ اكثر من ستين عامل وقد ولدت هنا" ويضيف وهو جالس على مقعد في مقابل باب منزله الصغير الوحيد " في البداية كانت هناك منازل قليلة جدا". واليوم يقيم 21 % من سكان بيتيون-فيل في مدينة الصفيح هذه حيث المنازل تقوم على شكل درج الواحد فوق الاخر وصولا الى قمة التلة التي فقدت كل اشجارها.

وبعد زلزال العام 2010، الذي ادى الى سقوط اكثر من 200 الف قتيل ومليون منكوب، انتقل الكثير من المشردين الى مدن الصفيح التي تحمل اسماء مثل جالوزي والشيشان وديزيرميت وكانابي فير. وهي تمتد على سلسلة جبلية مساحتها اربع الاف هكتار نصبت فيها الخيام والمساكن الموقتة على مسافات كبيرة. ويقيم اكثر من 250 الف شخص في 50 الف منزل في مدن الصفيح هذه.

ويوضح سيلفيستر تيلفورا عن منظمة للدفاع عن مصالح المقيمين في جالوزي "كل ازمة اجتماعية-سياسية تدفع ارتال من الناس الى الاقامة هنا كما هي الحال في معازل اخرى في بور-او-برانس". وهو يشجع السكان المقيمين في الاودية الى مغادرة مساكنهم كما يطلب منهم ويدعو الى الحوار بين السلطات والاشخاص المعنيين. ويقول جوسلين لوي الجالس على دراجته الهوائية بحدة "يأتون الى مدن الصفيح بحثا عن ناخبين وبعدها ينسونهم!"

ويأخذ جوسلين على "الدولة المتأخرة دوما" التي "لا تتدخل ابدا في الوقت المناسب ولا تحترم الدستور الذي يضمن المسكن لكل واحد من ابناء هذا البلد". ويؤيد الجيران جوسلين الرأي متهمين الحكومات المتتالية والمسؤولين المحليين "الذين لا يبذلون اي جهد في سبيل المواطن ويعطون كل الامتيازات الى الاغنياء". ويعتبر دوراسين جوزف احد وجهاء جالوزي ان السلطات متواطئة ايضا مع منح مساحات كبيرة الى مالكي منازل فخمة. بحسب فرانس برس.

وتقول امرأة حامل تمر في الشارع متنهدة وهي تشير الى الدارات الكبيرة التي تختفي وراء اسوار عالية تعلوها اسلاك شائكة "يريدون ان نغير مكان اقامتنا الا ان اصحاب المنازل بطابقين او ثلاثة طوابق فسيستمرون بالاستمتاع بموقعهم". ويقول وزير البيئة جان رونالد سان سير "الملف حساس ودقيق جدا فهناك المسألة السياسية والاجتماعية والتقنية ايضا. يجب التحرك". وبانتظار ذلك يدرس امكانية هدم حوالى الفي منزل صغير بني قرب الاودية ويقترح تعويضا على ستة اشهر او سنة للسكان المعنيين فضلا عن منع اي بناء جديد.

مدرسة عائمة

في السياق ذاته تلقب "البندقية الافريقية" الا ان المياه هي القاسم المشترك الاوحد بين مدينة الصفيح المقامة على اوتاد في ماكاكو في لاغوس، والمدينة الايطالية الرومنسية. فالأكواخ المتواضعة التي تغوص اقدامها في مياه بحيرة لاغوس الشاطئية العكرة وهي ثاني مدن افريقيا كبرا بعد القاهرة، بعيدة كل البعد عن جسور البندقية وقنواتها التي تحيط بها القصور. وقد حولت الفنون المدينة الايطالية الى معقل اساسي لعصر لنهضة في اوروبا. واليوم ثمة مشروع تربوي يقترحه مهندس معماري مبتكر، من شأنه ان يحول مصير اطفال ماكوكو.

المشروع الذي يدعمه صندوق الامم المتحدة الانمائي والحكومة النيجيرية ومؤسسة هنريك بويل اطلقه المهندس المعماري النيجيري كونله ادييمي. من اجل وضع تصاميم هذه المدرسة توجه المهندس مباشرة الى سكان مدينة الصفيح هذه المقامة اكواخها على اوتاد لتحديد حاجاتهم. ويقول "الاقامة على المياه اسلوب حياة (..) فالسؤال هو معرفة كيفية تحسين ظروف الحياة ومواجهة التحديات التي يطرحها هذا الامر بطريقة آمنة وسليمة مع احترام البيئة؟"

وخلافا للبندقية لا تشكل ماكوكو وجهة سياحية. الا ان فيسفساء السطوح المكسوة بالصفائح والشوادر والتي تحيط بها هالة من الدخان السميك الناجم عن مزيج من مواقد الخشب والتلوث الصادر عن مولدات الكهرباء، تلفت الانظار من جسر "ثيرد ماينلاند بريدج" الذي يمتد على عشرة كيلومترات فوق البحيرة الشاطئية والذي شكل ويشكل مصدر وحي للكثير من المصورين الاجانب.

ويعتمد جزء من سكان ماكوكو الخمسة عشر الفا على الصيد في معيشتهم فيما تشكل الزوارق الخشبية وسيلة النقل الوحيدة بالنسبة لهم وهم يشقون طريقهم عبر القنوات المرتجلة بين مراكب حولت الى دكاكين سمانة فعلية. والمدرسة الجديدة المقامة على حوالى 250 برميلا فارغا من البلاستيك الازرق صممت على هذا النحو لتفادي مشاكل الفيضانات المتكررة التي يواجهها سكان ماكوكو. والمبنى الممتد على مساحة 220 مترا مربعا موزعة على ثلاثة طوابق، يشرف على بقية ارجاء مدينة الصفيح.

وعند الصعود الى اعلى المبنى الذي تنتشر عليه الالواح الشمية يمكن رؤية ناطحات السحاب والاضواء في لاغوس ايلاند قلب المدينة المالي. ويعتبر ادييمي انه "من المهم ان يتمكن السكان كلهم من استحواذ هذا المكان فيمكن للصيادين ان يرسوا عنده ويفككوا شباكهم وللاطفال ان يجتمعوا فيه لتلقي العلم للمرة الاولى احيانا، كما يمكنهم ان يلعبوا فيه". وجريماي اوليوله اوستن هو من ابناء المنطقة القلائل الذين تابعوا دراسات عليا.

ويقول الطالب في مجال الفنون الملقب "بيغ بابا"، "ولدت هنا وترعرعت هنا لذا اعرف معاناة الناس (..) وافراحهم". ويسأل "من دون تحصيل علمي كيف يمكن للناس الخروج من هنا؟" ويتابع قائلا "عدد قليل منا تمكن من الذهاب الى المدينة للانفتاح على اشياء اخرى (..) لو توافرت مدارس اكثر اظن ان تغييرات كثيرة ستطرأ على هذه المجموعة". بحسب فرانس برس.

نواه شميده مدير المدرسة يوافقه الرأي ويقول "التربية حق لكل طفل اينما تواجد. نحن نعيش على الماء وهذا لا يعني انه يمكنا ان نتوجه الى المدرسة على الماء". ويضيف "نحتاج الى عدد اكبر من المدارس لاستقبال الاف الاطفال الذين يلزمون منازلهم الان". ويرى ادييمي ان المبنى ليس مجرد مدرسة بل هو نموذج يمكن ان يستخدم بالف طريقة في نيجيريا واي مكان اخر. ويوضح المهندس المعماري "انها مجرد بنية ويمكن تكييفها لكل الاستخدامات". ويتابع قائلا "يمكن استخدام النموذج ذاته لانجاز منازل ومستشفيات ومسارح ومطاعم". ويختم قائلا "المهم اننا طورنا نموذج لمبنى ولهندسة معمارية على المياه باستخدامنا مواد وموارد محلية والتكنولوجيا المتوافرة".

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 27/نيسان/2014 - 25/جمادي الآخر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م