الانتخابات في أفغانستان... رسالة تحدي الشعب لطالبان والحكومة

 

شبكة النبأ: ينظر أغلب الشعب الأفغان الى الجولة الانتخابية الحالية، بعين الامل لنهاية الازمات، وربما السبيل الامثل للخروج من دوامة العنف التي تعصف بالبلاد من عقود من الزمن.

فمن المقرر ان تفرز، نتائج الانتخابات والتي من المرجح إعلانها بصورة رسمية في الرابع عشر من مايو/ايار بعد انتهاء فترة النظر في الشكاوى رئيسا منتخبا يقود البلاد لسنوات ما بعد الانسحاب المرتقب للقوات الاجنبية بنهاية العام الحالي.

اضافة الى مواجهة التحديات الامنية الكبيرة، والتي تفرضها الهجمات الدموية التي تشنها حركة طالبان بصورة مستمرة.

وقد أشارت النتائج الجزئية التي ظهرت في وقت سابق إلى حصول وزير الخارجية الأسبق "عبد الله عبد الله" على نسبة (43.8%) من إجمالي الأصوات، فيما حصل أقرب منافسيه "أشرف غني" الاقتصادي السابق بالبنك الدولي والمنافس الأقوى لعبد الله على (32.9%) وهو أقل من نسبة الـ 50 في المئة المطلوبة لتجنب إجراء جولة الإعادةه بين الاثنين الحاصلين على النسب الأعلى في الثامن والعشرين من مايو / آيار.

فيما يرى الكثير من المحللين، ومن خلال الطريقة التي جرى فيها الاقتراع، ونسب الاقبال العالية التي قاربت 60%، وعدم تمكن حركة طالبان الايفاء بتهديداتها من شل حركة الاقتراع، على الرغم من الهجمات التي وقت، ان الامور جرت في صالح الشعب الافغاني، وربما يتم اكمال العملية السياسية بسلاسة تشابه عملية الاقتراع، في حال حصول الرئيس القادم على النصاب القانوني الذي يؤهله لتشكيل حكومة المستقبل، بعيداً عن التوافقات والائتلافات التي قد تعطل الدولة، وتؤدي الى فراغ دستور لا يصب في صالح الوضع العام.

وعليه ربما ينتظر أفغانستان المثقلة بالكثير من المشاكل والتحديات الامنية والاقتصادية مستقبلا مجهولا، مع اقتراب موعد بالانسحاب العسكري للقوات الاجنبية، وربما تواجه أزمة حقيقية بالغة التعقيد والخطورة قد تقود الى انهيار هذه البلاد وتفكيكها الى دويلات ما لم  تعي القيادة الجديدة مدى صعوبة رئاسة هذا البلد الاسوية المضطرب منذ أكثر من ثلاث عقود.

الانتخابات الأفغانية

فقد أشاد حلفاء أفغانستان بالانتخابات التي أجريت في الخامس من أبريل نيسان ووصفوها بالناجحة نظرا للإقبال الكبير وفشل مقاتلي طالبان في شن هجمات كبيرة خلال يوم الاقتراع، لكن ظهرت لاحقا أدلة على تزوير واسع النطاق، وألغيت جميع الإجازات لمئات الاف من أفراد الشرطة والجيش مع جعل الحكومة الأمن على رأس أولوياتها.

وتشير التقديرات الرسمية إلى بلوغ نسبة الإقبال 60 في المئة من الناخبين الذين يحق لهم التصويت وعددهم 12 مليونا، لكن هناك ما يصل إلى 18 مليون بطاقة اقتراع متداولة، وأفقدت الأدلة على وجود تزوير واسع النطاق ثالث انتخابات رئاسية منذ إطاحة قوات تقودها الولايات المتحدة بطالبان في 2011 بعض بريقها.

فأكثر من مليون صوتا ستستبعد على الأرجح وحذر مسؤولو الانتخابات أيضا من أن ارتفاع عدد حالات التزوير قد يؤجل العملية الانتخابية برمتها، وقال جول أغا شيرازي وهو أحد المرشحين التسعة وحاكم سابق لإقليم قندهار "مسؤولون رفيعو المستوى من حكام الولايات إلى النواب شاركوا في تسويد البطاقات.

وجرى الإبلاغ عن حالات تزوير خطيرة في هذه الانتخابات أكثر من اقتراع 2009 الأمر الذي يهدد بتقويض مشروعية انتخابات تستهدف الإيذان بأول انتقال ديمقراطي للسلطة في أفغانستان، وألزم الدستور الرئيس حامد كرزاي بعدم خوض فترة جديدة بعد أكثر من 12 عاما له في السلطة في وقت تستعد فيه أفغانستان للوقوف على أقدامها بينما يتأهب معظم القوات الغربية لمغادرة البلاد بنهاية العام. بحسب رويترز.

وتتابع القوى الغربية العملية باهتمام بعدما تمخضت انتخابات 2009 التي سادتها الفوضى عن مزاعم بتزوير جماعي وتسويد الأصوات، وسيدقق المانحون الأجانب المترددون في تمويل الحكومة الأفغانية بعد مغادرة معظم قوات حلف شمال الأطلسي في تشكيل الحكومة المستقبلية للبلاد لتحديد ما اذا كان يمكنهم العمل مع الفريق الجديد.

وانسحب عبد الله وهو طبيب للعيون تحول إلى مقاتل مناهض للاتحاد السوفيتي من الانتخابات الماضية بعد الشكوى من أن الاقتراع شابه عملية تزويد ضخمة لبطاقات الاقتراع، وكان من المقرر أن يخوض جولة الإعادة ضد كرزاي، ويقول وزير الخارجية الأسبق إنه ناقش بالفعل الاتحاد مع مرشحين آخرين من أجل خوض جولة الإعادة ومن بينهم زلماي رسولي المدعوم من شقيق كرزاي.

فشل حركة طالبان

في السياق ذاته أثار إقبال الأفغان الذي تجاوز التوقعات على التصويت في الانتخابات الرئاسية وفشل حركة طالبان إلى حد بعيد في تعطيل عملية الاقتراع التساؤلات بشأن قدرة المسلحين على دفع البلاد مرة أخرى إلى السقوط في الفوضى مع انسحاب القوات الأجنبية.

وزعمت طالبان أنها نفذت أكثر من ألف هجوم وقتلت العشرات خلال الانتخابات والتي وصفتها بأنها خديعة للشعب الأفغاني بدعم من الولايات المتحدة، لكن مسؤولي أمن قالوا إن هذه مبالغة كبيرة.

ووقعت عشرات من تفجيرات القنابل المزروعة على الطرق بالإضافة لهجمات استهدفت مراكز اقتراع والشرطة والناخبين على مدى يوم الاقتراع، لكن المستوى الإجمالي للعنف كان أقل بكثير مما هددت به طالبان البلاد.

ورغم المخاطر التي واجهوها في مراكز الاقتراع شارك في الانتخابات قرابة 60 في المئة من 12 مليون شخص يحق لهم التصويت وهو ما يدل على تصميمهم على أن يكون لهم دور في أول انتقال ديمقراطي للسلطة في البلاد مع استعداد الرئيس حامد كرزاي للتنحي بعد 12 عاما في السلطة.

وقال مواطن أفغاني على موقع تويتر للتواصل الاجتماعي "هكذا يصوت الشعب ليقول الموت لطالبان"، ونشر صورة تظهر أصدقاءه وقد رفع كل منهم إصبعا غمسه بالحبر ليثبتوا أنهم أدلوا بأصواتهم في لفتة تنم عن تحد.

وساد شعور قوي في العاصمة كابول بأن من الممكن تحقيق مزيد من الاستقرار بعد صراع على مدى 13 عاما اندلع في أعقاب الإطاحة بنظام طالبان الإسلامي المتشدد من السلطة في أواخر عام 2001، وتسبب الصراع في مقتل ما لا يقل عن 16 ألف مدني أفغاني بالإضافة لآلاف من قوات الأمن.

وقالت شكرية باراكزاي وهي نائبة في البرلمان الأفغاني "تحقق حلمي، كانت هذه (الانتخابات) صفعة هائلة على وجه أعداء أفغانستان ولكمة قوية في وجه من يعتقدون أن أفغانستان ليست مستعدة للديمقراطية"، لكن ربما يكون من السابق لا وانه استنتاج أن طالبان هزمت بسبب فشلها في عرقلة الانتخابات. بحسب رويترز.

وقد يكون السبب في إحباط مخططات طالبان لاستهداف الناخبين ومراكز الاقتراع هو نشر أكثر من 350 ألفا من أفراد الأمن لتأمين عملية التصويت بالإضافة لنقاط التفتيش وحواجز الطرق التي أقيمت في أنحاء كابول.

ومن المحتمل أن تكون طالبان تعمدت عدم لفت الأنظار لتعطي انطباعا بتحسن الوضع الأمني بهدف التعجيل برحيل القوات الأمريكية وتحقيق مزيد من المكاسب في وقت لاحق، ففي نهاية المطاف تمكنت الحركة من شن هجمات كبيرة في الفترة التي سبقت الانتخابات.

وفي الواقع فإن طالبان لا تزال قوة لا يستهان بها، وتشير التقديرات إلى أن أعداد مقاتلي الحركة تصل إلى 30 ألفا معظمهم متمركزون في المناطق الجنوبية والشرقية من البلاد التي يغيب فيها القانون.

ويقول برهان عثمان من شبكة المحللين الأفغان المستقلة إن المسلحين ليسوا في اتجاههم للفوز في الوقت الراهن على ما يبدو رغم أن طالبان قد تجادل بأنها استنفدت إرادة الولايات المتحدة للقتال، وفي تقرير نشر الشهر الماضي كتب عثمان يقول إن الدعم لطالبان تراجع في المناطق التي كانت الحركة تعتمد فيها على مساعدة القرويين وبدا أنها تفتقر للقوة اللازمة لفرض حصار على بلدات كبرى أو الدخول في معارك مباشرة.

وقال عثمان "حتى الآن لجأوا لتركيز جهودهم في هجمات الكر والفر إلى جانب عدد من الأساليب الأخرى غير المتماثلة والتي قد تستنزف العدو لكنها عادة لا تكون كافية لهزيمته"، ولكن ربما تتاح فرصة لطالبان لإعادة اثبات نفسها، كما حدث في 2009، إذا شاب الانتخابات تلاعب أو تزوير وشعر الأفغان انهم حرموا من نتيجة موثوق بها.

ولم يفتح نحو 14 مركز اقتراع أبوابه، وكانت معظم هذه المراكز في الأقاليم الجنوبية والجنوبية الشرقية وهي معاقل لطالبان حيث لم يستطع الجيش توفير الأمن بسبب ارتفاع مخاطر وقوع هجمات، وهناك أيضا خطر إرجاء إعلان النتيجة النهائية لعدة أشهر وسيكون هذا احتمالا قويا إذا أجريت جولة إعادة بين المرشحين الاثنين الحاصلين على أكبر عدد من الأصوات، وسيترك هذا البلاد في حالة فراغ سياسي يمكن أن تستغلها طالبان.

وأمرت المفوضية المستقلة للانتخابات بتمديد فترة الاقتراع لساعة واحدة على الأقل وإرسال بطاقات الاقتراع إلى الأماكن التي تحتاجها، وكان منظمو الانتخابات يخشون من تدني الإقبال على التصويت وأن تعطل حركة طالبان عملية التصويت لكن لم تتحقق أي من هذه المخاوف مع بدء مراكز الاقتراع في إغلاق أبوابها.

وقال حاكم ولاية قندهار توريالاي ويسا للصحفيين في مدينة قندهار بجنوب البلاد "الناس لم يتوقعوا أن يخرج هذا العدد من الناس للتصويت، وقررت معظم مراكز الاقتراع في العاصمة كابول تمديد ساعات التصويت إلى ما بعد موعد إغلاقها الرسمي للسماح للناخبين بالتصويت، وقال محمد هاشمي أحد مراقبي الانتخابات "كثير من الناس وقفوا تحت المطر لساعات لكنهم لم يتمكنوا من

وقال للصحفيين في وقت سابق إن المؤشرات تدل على أن الإقبال على التصويت جيد بينما أقر بالخلل المتعلق بنقص بطاقات الاقتراع، ولم يتضح على الفور حجم مشكلة نقص بطاقات الاقتراع في أنحاء البلاد، ويقول المسؤولون إنه تمت طباعة 15 مليون بطاقة اقتراع وهو أكثر من 12 مليون ناخب يحق لهم التصويت، وفي قندهار معقل طالبان وثاني كبرى المدن الأفغانية قال متحدث باسم مكتب حاكم الولاية إن بطاقات الاقتراع نفدت في معظم مراكز الاقتراع في المدينة

تحدي التهديدات

من جانبه دعا الرئيس الافغاني حميد كرزاي، في وقت سابق، الناخبين الافغان الى "تحدي" تهديدات حركة طالبان والادلاء بأصواتهم في الدورة الاولى من الاقتراع الرئاسي، وادلى كرزاي بصوته في مدرسة في العاصمة الافغانية، وقد تبعه المرشحون الثلاثة الاوفر حظا لكسب اصوات في هذه الانتخابات.

وخلافا للانتخابات الرئاسية الماضية التي جرت في 2009، لم تسجل اي اعمال عنف بعد ثلاث ساعات على فتح مراكز الاقتراع الذي اعلنت طالبان انها تنوي "زعزعته"، وقال كرزاي "نعيش يوما مهما لمستقبلنا ولمستقبل بلدنا"، واضاف "ادعو الشعب الافغاني الى التوجه الى مراكز التصويت على الرغم من المطر والبرد وتهديدات الأعداء، ليتيح لهذا البلد اجتياز مرحلة جديدة على طريق النجاح"، واكد الرئيس المنتهية ولايته "ادليت بصوتي وانا سعيد وفخور بأنني مواطن افغاني".

ويتنافس ثمانية مرشحين على خلافة كرزاي الذي قاد هذا البلد الفقير الذي يضم 28 مليون نسمة، منذ سقوط حكم طالبان في 2001، لكن الدستور يمنعه من الترشح لولاية رئاسية ثالثة، ويبدو ثلاثة من الوزراء السابقين في حكومته الاوفر حظا في هذا الاقتراع، وهم زلماي رسول الذي يعتبر مرشح الرئيس المنتهية ولايته وأشرف غني وهو اقتصادي معروف وعبد الله عبد الله الذي حل في المرتبة الثانية في الانتخابات الرئاسية الماضية.

وصوت الوزراء الثلاثة في كابول، وقال غني (64 عاما) في احد المراكز في كابول "انه يوم عزة لكل الافغان"، واضاف هذا الاستاذ الجامعي والخبير الاقتصادي الذي يتمتع باحترام على الصعيد الدولي ان "المشاركة الكبيرة للأفغان رسالة واضحة تؤكد ان تصميمهم على بناء مستقبل افضل لن تؤثر عليه تهديدات اعدائنا".

وتابع غني الذي حل في المرتبة الرابعة في الدورة الاولى من الانتخابات التي جرت في 2009 ان "الذين يعتقدون انهم يستطيعون التزوير سيتم استبعادهم، وان شاء الله سنفوز" في هذه الانتخابات التي يفترض ان تعرف نتائجها الاولية في 24 نيسان/ابريل.

وكانت حركة طالبان الأفغانية قد بدأت حملة عنف لتعطيل الانتخابات الرئاسية، لكنهم يدفعون للقرويين في منطقة مضطربة في شرق البلاد مقابل تسليم بطاقات التصويت الخاصة بهم، وقال سكان في إقليم ننكرهار الواقع على الحدود مع باكستان إن مقاتلي حركة طالبان في الإقليم يعرضون 500 روبية باكستانية -أي ما يزيد قليلا على خمسة دولارات- مقابل عدم المشاركة في الانتخابات.

قال أحمد شاه وهو شاب من قرية تقع على مشارف مدينة جلال أباد "في البداية اعتقدنا أن طالبان يحاولون خداعنا ومعرفة من لديه بطاقات انتخابية لكن وجدنا فيما بعد أنهم صادقون ودفعوا نقودا."

وقال حجي خان والي وهو من سكان القرية "عندما يكون مقاتلو طالبان مسيطرين ويحذرون الناس من التصويت ثم يدفعون أموالا مقابل بطاقتك الانتخابية فإن ذلك ليس بالأمر السيء"، وأضاف والي الذي كان يرتدي عمامة بيضاء وله لحية طويلة "الناس هنا أكثر اهتماما بتوفير الخبز لإطعام أبنائهم عن الانتخابات، والحقيقة أن أكثر من نصف الناس هنا لا يعرفون شيئا عن الانتخابات".

وقال مسؤولون محليون إنهم على علم بمثل هذه التقارير الواردة من المناطق النائية في قندهار الخاضعة لنفوذ طالبان.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 27/نيسان/2014 - 25/جمادي الآخر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م