أخلاقيات التغيير.. ظلوم مخاصم مضطهد

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: ربما الإنسان من بين مخلوقات الله من يملك القدرة على ان يكون ظالما لبني جنسه ولنفسه، وقد ذكر ذلك القران الكريم في وصف دقيق "ظلوما جهولا".

والانسان ايضا بما تفرضه عليه حركته في المجتمع، تحصيلا لغاياته ومصالحه، معرض لان يصطدم مع اخرين بدرجة واخرى، ومع غاياتهم ومصالحهم، ومن هنا منشأ الخصام والتخاصم، وفيه اذا تطور هذا الخصام يلجا المتخاصمين الى حكم يكون فاصلا بينهم.. في حالة اذا كان الخصم هو الحكم، ماذا يحدث ساعتها؟. انه الظالم ومنه الظلم والظلمات.

في جهده التفسيري لدعاء "مكارم الأخلاق" للامام زين العابدين علي بن الحسين (عليهما السلام) يواصل المرجع الديني الكبير سماحة السيد صادق الشيرازي، القاء الضوء على مضامين هذا الدعاء من جهة علاقتها بالإنسان وما يجب ان يكون عليه في حياته، وهو يتعامل مع بني جنسه، المتساوون معه في الواجبات والحقوق، او من يفوقونه في ذلك، او من يتأخرون عنه.

يقول الإمام السجّاد سلام الله عليه: "اللهُمَّ صَلّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَاجْعَلْ لي يَداً عَلى مَنْ ظَلَمَني، ولِسَاناً عَلى مَنْ خَاصَمَني".

كلمتان واردتان في هذا المقطع من الدعاء، يحاول المرجع الشيرازي تقديم رؤيته لمضامينها، ويبدأ اولا من التفريق بين الظلم والخصام.

فالظلم عادةً يكون من طرف واحد، أمّا المخاصمة فغالباً ما تكون من طرفين، ويجوز أن يخاصم الإنسان غيره من دون أن يعاديه. ولا يمكن للظلم ان يكون صادرا من طرفين، وبالتالي لا يمكن له ان يرد كمعنى من المعاني التي تتضمنها تلك الفقرة. (إذ لا معنى لأن يطلب أحد الظالمين من الله تعالى أن يهبه القدرة على الظالم الآخر؛ لأنّ الله تعالى لا يحبّ الظالمين).

القوة التي يطلبها الامام (عليه السلام) من الله سبحانه وتعالى صاحب القدرة الكلية غير المتناهية، هي قوة دفع الظلم عنه من قبل الظالمين، وجعل اداتها اليد التي تدفع، وقوة الحجة والمنطق على المخاصم، وجعل اداتها اللسان، به يتحاور مع المخاصمين، وبه يفحمهم.

في المقطع الاخر من الدعاء، (وهب لي مكرا على من كايدني، وقدرة على من اضطهدني) ينبه المرجع الشيرازي، الى اختلاف الصيغة في خطاب الامام (عليه السلام) وانتقاله من استعمال (اجعل لي) في الفقرة الاولى، الى (هب لي) في الفقرة الثانية، يرى المرجع الشيرازي ان ذلك يعود الى ان الامور التي طلبها الامام في الفقرة الاولى هي انها (تحتاج إلى عمل خارجي)، ولذلك عبّر عنها الإمام سلام الله عليه بقوله: "اجعل لي" أمّا هنا فإنّ (المكر وما بعده يتطلّب الفهم والفكر، ولذلك قال الإمام سلام الله عليه: "هب لي").

وهناك نقطة اخرى يشرحها سماحة السيد المرجع وهي، إنّ المكر يعني: التدبير على العدوّ، أي أنّ الماكر يُنزل المكروه بالممكور به من حيث لا يعلم، بمعنى تقدير ضرر الغير من غير أن يعلم به. وهو غير الحيلة، التي تُستعمل في نفع الغير أيضاً. ومكر الله ـ كمـا في قولـه تعالى: "وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ المَاكِرِينَ عبارة عن إيصال الجزاء الى الماكر واستدراجه من دون أن يعلم.

فنسبة المكر لله تعالى تأتي من باب الازدواج في الكلام كما في قوله تعالى: "فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه" فالأول عدوان والثاني ليس بعدوان ولكنّه سمّي به ليُعلم أنّه عقاب عليه وجزاء به.

من هذا يستخلص المرجع الشيرازي الى أنّ المكر الذي يطلبه الإمام سلام الله عليه من ربّه تعالى يتحدّد في استيهابه حسن التدبير في مواجهة الكائدين له حتى يسقطوا هُمْ في شرّ فعالهم فلا ينالوا سوى الخسران المبين.

ونقطة ثالثة ينبه عليها سماحته، ان استعمال المكر والخدعة لا يعني اللجوء إلى الكذب والفتك، لأنّهما من سيّئ الأعمال، فإنّ الكذب من أعظم الكبائر، كما أن الإيمان "قيّد الفتك".

اما المقطع الثالث من الدعاء، وهو "وقدرة على من اضطهدني"، فالاضطهاد في اللغة هو ظلمٌ خاص، وهو الظلم الذي يقع على الإنسان بسبب عقيدته، ثمّ توسّع استعماله من باب المجاز فصار يشمل كلّ ظلم.

وما يلفت نظر المرجع الشيرازي في هذا المقطع من الدعاء، أنّ الإمام السجاد (عليه السلام) عندما طلب من الله تعالى العون مقابل الظلم قال: "اجعل لي يداً على من ظلمني" فاستعمل كلمة "يد" للتعبير عن القوّة والقدرة. ولكنّه هاهنا – في مقابل الاضطهاد، وهو الظلم الواقع على المرء بسبب العقيدة والمبدأ – استعمل لفظة القدرة نفسها، فقال: "وقدرة على من اضطهدني"، ويرى في هذا الاستعمال المختلف للمفردات معانٍ دقيقة، تحتاج ان يبذل اهل العلم جهدا لمعرفتها.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 27/نيسان/2014 - 25/جمادي الآخر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م