التطوير السياسي أم تطوير طموحات الجماهير؟

محمد علي جواد تقي

 

شبكة النبأ: في منظومة العلاقة الهرمية بين القيادة والقاعدة، يستمر الحديث عمن له الأولوية في التغيير والتطوير؟، هل القاعدة العريضة، متمثلة في جماهير الشعب وفئاته وشرائحه؟، أم القيادة، متمثلة في الدولة ومؤسساتها ورموزها..؟، ويبدو أن في السياسة، حُسم الأمر بأن تكون القيادة في القمة باتجاه الأعلى، فيما الجماهير تمثل القاعدة العريضة. بينما نلاحظ في الإعلام حُسم الأمر بشكل مقلوب، لضرورة المهنة، حيث تكون القاعدة في الأعلى، وقمة الهرم في الاسفل. بمعنى أن الاولوية هنا للقاعدة في "الهرم المقلوب"، فهي التي تختزل - الى حد كبير- قصة الخبر وتفاصيله وموضوعه. بينما في السياسة فان القيادة، هي التي تتطور وتختزل عوامل النهوض والتغيير، لأنها في القمة.

وفي البلاد الحديثة العهد بالديمقراطية، او التي اختارت الديمقراطية ثوباً قبل التدقيق في المقاسات والمواصفات، نجد ان الأولوية في التطوير، للقيادة السياسية، فالأحزاب تتوالد بشكل غريب، الى جانبها وسائل إعلام توازيها بالتكاثر والتنوع، والاهم من ذلك كله، إطلاق الأفكار والطروحات السياسية استناداً على مفاهيم ومبادئ ذات طابع إنساني، مثل الحرية والعدالة والمساواة.. فيبدأ مضمار المنافسة - التي تكون محمومة احياناً كثيرة- على الظهور والتأثير لتحقيق مكاسب سياسية، كما هو الحال في الانتخابات المحلية او البرلمانية، وتكون المفاجأة عندما تظهر نتائج انتخابات ما، صعود نسبة لا يستهان بها من الفائزين من هذا الحزب أو تلك الجماعة، لا تحمل من الفهم السياسي إلا كلمات محفوظة، ولا من طموحات الناخبين إلا شعارات مرفوعة، والهم الأول والاخير لهم هو الامتيازات والإثراء.

ربما يعلل البعض من الساسة، سبب التطور السياسي أولاً، لسرعة ايجاد البديل على انقاض النظام الديكتاتوري المطبق على الرأي الواحد والحكم الفردي، فعندما يحصل سقوط سريع للنظام الديكتاتوري، كما حصل في العراق، فانه من الصعب تخيّل فترة طويلة للانتظار حتى تنضج الثقافة الديمقراطية لدى الجماهير، لتعرف كيف تختار ومن تنتخب وما هي المعايير..؟. بل يتحدث البعض عن دور هذ الاحزاب  السياسية في إنضاج هذه الثقافة، وهو صحيح الى حد كبير. بيد أن الصحيح ايضاً، أن مراحل النضوج يجب ان تواكب مراحل التطور السياسي في البلد، بحيث يجد الناس نضوجهم او نتائج ما يكسبونه من معارف سياسية، في الأحزاب والكيانات السياسية الموجودة.

وإذن؛ لابد أن تأخذ الجماهير وقتها الكافي لفهم القواعد والنظم السياسية بشكل أو بآخر، وتعرف من الديمقراطية، المشاركة وتداول السلطة بشكل سلمي، وتحمل المسؤولية وتقديم المصلحة العامة على المصالح الفئوية والشخصية، كما نلاحظ ذلك في التجارب الديمقراطية الناجحة في غير بلد بالعالم. حيث يعرف الناس إن مجرد كذبة بسيطة من شأنها الإطاحة بنائب او حتى رئيس وزراء. بمعنى أن المسألة ليست فقط هاجس أمام المسؤول، إنما هي ثقافة في وجدان الناخب الذي ربما يكون هو احد المرشحين يوماً ما، ويكون على المحك اذا تعرض لموقف معين بين الكذب وتحقيق المصالح، وبين الوفاء والصدق للناخبين .

وعندما نلاحظ التجربة الديمقراطية في العراق، نلاحظ الحاجة القصوى للوقت لمرحلة النضوج الديمقراطي، حتى نحقق التطور في أهداف وطموحات الجماهير.. فكيف نرجو ان يكون الطموح للابداع والتقدم العلمي والانتاج في الصناعة والزراعة والارتقاء بالمستوى الثقافي وغيرها من الآمال والطموحات الكبيرة، ونحن ضيق الأفق السياسي؟.

مثال على ذلك، نشوء الاحزاب والكيانات.. فبدلاً من أن تكون الانطلاقة من الجامعات والمراكز الاكاديمية والثقافية، ومن اوساط الطبقة المتوسطة في المجتمع، نراها تتعكز على تعتمد بشكل كبير على كيان "العشيرة" او "القبيلة"، مع العلم أن هذا المكون هو جزء اساس في بناء المجتمع العراقي الى جانب أجزاء اخرى، فالمعروف أن العشيرة او القبيلة، هي اسم وعنوان بالدرجة الاولى، وهي تدافع عن الانسان عندما يكون منتمياً اليها. وهب أن جزءاً كبيراً من المرشحين يستندون الى شريحة العشائر، بما يسمح لأبناء العشائر بطرح قضاياهم وطموحاتهم بما يرونه مناسباً، فما هو الحيّز المتبقي لسائر شرائح المجتمع ليعبّر عما يجول في خاطره وما يمكن ان يتشكل في ذهنه من تطلعات وأهداف؟.

مع ذلك؛ فان هذا لا يمنع ان تكون هنالك نهضة او حراك داخلي على سبيل نضوج التجربة الديمقراطية في أوساط المجتمع، وهذه المسؤولية ربما تقع على النخبة المثقفة، من علماء دين وأكاديميين وأدباء وكتاب وخطباء، ومن الذين بلغوا المراقي في العلم والمعرفة وكيفية التفكير والتحليل والاستنتاج، ولعل ابرز خطوة عملية في هذا الطريق، الحثّ على المطالعة وكسب المعارف والعلوم من مصادرها الصحيحة. هذه المطالعة هي التي تبين للناس عامةً أهمية الاكتفاء الذاتي في بناء الدولة، وكيف ان التبعية تجعل مصير شعب كامل مرهوناً بمصالح اصحاب المصانع والرساميل. كما تضيئ لهم الطريق السليم نحو الحرية البناءة وليست الهدامة.

وفي طريق  التطوير الجماهيري، هنالك العديد من البرامج والمشاريع النهضوية من شأنها ان تجعل المجتمع اكثر وعياً بحاضره ومستقبله، ليعتقد جزماً ان المرحلة التي يعيشها واليوم الذي هو فيه، لا يجب ان يمر دون أن يفكر فيه للغد، لا ان يقنع بالمكسب المادي البسيط ، من قبيل الوظيفة او المنحة المالية او العطاءات المختلفة، إنما يتطلع الى العطاء القادم من التقدم والازدهار في عموم البلد، عندما تتطور الصناعة والزراعة والإنتاج الى حد الاكتفاء الذاتي ومن ثم التصدير وتوفير العملة الصعبة بما يجعل العراق يوماً ما يخفض من اعتماده على النفط بنسب كبيرة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 20/نيسان/2014 - 18/جمادي الآخر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م