* غياب الأمان والتقدير والتهميش
أسباب أساسية للهجرة
* أعجب ابني بدنيا الغرب وأعتقد
بأنني ضيعت ولدي ولن يعود إلى العراق
* ناهزت الاربعين ولم أحصل على فرصة
في بلدي فسعيت لبحث عنها في بلاد أخرى
* كم اتمنى أن يصبح بلدي مكانا
يهاجر اليه الناس وليس منه
* هكذا أرى بلدي، أو ربما أحلم به
دوما وأقنع نفسي بذلك كي أعيش فيه بسعادة
* يحتاج البلد إلى رفد حقيقي
لأبنائه كي لا تضطر إلى الهجرة للغرب بحثا عن الأمان والتقدير
شبكة النبأ: لم يكن المعدل الذي حصل
عليه "أحمد" كافياً ليلتحق بكلية الطب، كانت ألعابه مشاريع صغيرة لمرضى،
فكان الدب يتحول مريضا والكلب يصبح مصابا، وكان يحلم بارتداء رداء الطب
الأبيض، ولكن أحلامه تبددت مع أحكام المعدل والقبول المركزي. آثر "أحمد"
ان يشد الرحال إلى بلد غريبة عنه، كي يكمل دراسته هناك ويصبح طبيبا كما
تمنى وأراد. وهكذا صار أحمد والكثير من أمثاله، يبحثون عن فرص الدراسة
في الخارج سواء كانت الدراسة الأولية أو الدراسات العليا لأسباب تتعلق
بغياب الفرص في العراق، وقلة الأماكن الدراسية وكثرة البطالة وعدم
الاهتمام ببعض الاختصاصات المهمة.
الدراسة ثم اللاعودة
أحد الزملاء أودع ولده في دولة أوكرانيا لدراسة الهندسة، وكان يأمل
خيرا في مرور سنة دراسية يقوم بعدها الابن بتقديم طلب لنقله إلى العراق
ولكن الأب فوجئ بقرار ابنه بعدم العودة، والحديث للأب الذي قال لـ(
شبكة النبأ المعلوماتية) "لم يحصل ابني على معدل يؤهله لدخول كلية
الهندسة فاقترح أحد اصدقائي أن ألحقه بجامعة في أوكرانيا ليتمكن بعد
مرور عام ونجاحه من المرحلة الأولى، بالعودة الى العراق بعد تقديم طلب
نقل الى إحدى كليات الهندسة في العراق. ولكن وبعد مرور العام الدراسي
الاول، فوجئت بان أبني يرفض العودة مفضلا إكمال دراسته هناك معللا ذلك
بوجود أجواء دراسية مناسبة وطرق تدريس متطورة ولكن الحقيقة تقول أنه
أعجب بدنيا الغرب وأعتقد بأنني ضيعت ولدي ولن يعود إلى العراق".
وفي تجربة أخرى أكدت " ج " لـ(شبكة النبأ المعلوماتية): أنها اضطرت
إلى إرسال ابنتها إلى إحدى الجامعات اللبنانية لإكمال السنة الأولى من
كلية الصيدلة، ثم العودة إلى العراق بعد الحصول على نقل في إحدى كليات
الصيدلة ولكن المفاجأة كانت حين طلبت ابنتها منها اللحاق بها لأنها لن
تعود إلى العراق حسبما قالت، فلبنان بلد جميل والحياة فيه أفضل، وتعاني
"ج" من عناد ابنتها ومحاولة إقناعها للعودة فلا هي قادرة على الايفاء
بمصاريف الحياة في لبنان ولا تتمكن من إجبار ابنتها على العودة وهي
واقعة في حيرة من أمرها لأنها لا تتمكن من ترك فتاة شابة بمفردها في
بلد غريب.
خارج أسوار الوطن
لن يفسحوا المجال لنا فالتنافس أصبح كبير والوساطات أقوى والمتقدمين
فاقوا العدد المعقول. حيث تقول "آلاء الغزالي" فنانة تشكيلية لـ(شبكة
النبأ المعلوماتية) " حاولت التقديم للدراسات العليا عدة مرات وجوبهت
بالرفض أما بسبب المعدل أو عدم تجاوز الإختبار وقلة المقاعد المحجوزة
لطلبة الماجستير مما يجعل التنافس كبيرا، في حين تحجز مقاعد خاصة لذوي
الدرجات الخاصة وأصحاب الوساطات، اليوم قدمت على جامعة في إحدى الدول
العربية في محاولة أخيرة مني للوصول إلى عتبة الدراسات العليا، فلا
تزال احلامي في إكمالها حاضرة ولن أتخلى عنها حتى لو اضطررت الى السفر
الى كوكب آخر".
فيما علل المهندس الكيميائي " سعيد حميد" أسباب دراسته خارج العراق
وفي دولة عربية مثل مصر إلى وجود فرص أفضل هناك حيث قال لـ(شبكة النبأ
المعلوماتية) " أن مصر توفر فرص دراسة للإمكانيات والكفاءات العربية
أفضل من العراق ففي بلدي سعيت جاهدا للحصول على مقعد دراسي كي أكمل
دراستي العليا ولكني أُجابه دوما بوجود أفضليات ومجاملات على حساب
كفاءات أخرى، رغم أني من المتفوقين ومعدلي يؤهلني لإكمال دراستي العليا
في العراق ولكني ناهزت الاربعين ولم أحصل على فرصة في بلدي فسعيت لبحث
عنها في بلاد أخرى".
المهندس " حسن عبد الحي " اختصاصي في الهندسة النووية كان يعمل في
معمل الإطارات في كربلاء، ولكن تم عزله مع باقي من عزلوهم عندما أقفل
المعمل وأعيد بعد فترة طويلة في مكان ليس بمكانه موقع لا يليق به،
اختصاصه النادر والدقيق اخذ منه الكثير بعدما حورب في زمن النظام
البائد ليحمل كافة أوراقه ويدور بها على الوزارات بحثا عمن يقدر كفاءته،
حتى بقي جليس المنزل لفترة طويلة إلى أن قرر ان يبحث عن فرصة يثبت فيها
نفسه خارج أسوار الوطن فهجر كل شيء وحصل على فرصة لإكمال دراسته العليا
خارج العراق ساحبا عائلته بعده ليكون مستقره هناك حيث بلاد تقدر
الكفاءات كما يقول.
محطة صغيرة
يبقى الوطن تلك الكلمة الكبيرة المرتبطة بالوجود والاستقرار والأهل
والانتماء الحقيقي ولكنه رغم ذلك تحول إلى محطة صغيرة لدى المهاجرين من
العراقيين فتجارب العودة كانت قاسية ولم يحتملوها وعادوا ليشدوا الرحال
نحو أوطان غريبة عليهم فقط لأنهم لم يجدوا أنفسهم في بلدهم.
وترى "إسراء محمود" التي هاجرت في نهاية تسعينيات القرن الماضي نحو
ألمانيا بعد أن تزوجت هناك بأن البلد لا يحتضن أبناءه، ويحتاج المواطن
إلى الشعور بانه أهم شيء في هذا الوطن حتى تكون لديه رغبة في البقاء.
وتضيف لـ(شبكة النبأ المعلوماتية) "عدت إلى العراق مع أولادي وزوجي
بعد السقوط بعد أعوام أملا في البقاء والاستقرار شوقا لحضن الوطن الذي
غادرته وبقيت بحاجة الى حضنه وحضن أمي فيه، بقيت في العراق عدة أشهر
ولكني ضقت ذرعا بكل شيء فلم يكن أي شيء يسير على ما يرام، حوربت في
عملي، ولم يجد أطفالي مستقرا جيدا في مدارسهم، بقيت طوال فترة بقائي
أدور على الدوائر لإكمال المعاملات المعلقة حتى ارهقني الروتين وكثرة
المراجعات.
بينما في ألمانيا احتضنني المختصين هناك وحولوا موهبتي في مجال
عملي في الفن التشكيلي والاعمال اليدوية الى مشغل يدر علي مالا وقيموا
عملي بمشاركتي في مهرجانات مهمة، وجدت النفوس قد تغيرت وغطتها الغيوم
فلم يعد الجار كما الامس ولا الأصدقاء ولا حتى الناس الآخرين، شددت
الرحال مجددا ورحت أبحث في الغربة عن وطن آخر هناك، بعد أن اكتشفت أن
الوطن ليس في مكانه بل في ناسه، كم اتمنى أن يصبح بلدي مكانا يهاجر
اليه الناس وليس منه".
وتجربة "ليندا بني ويس" مشابهة وهي الأخرى التي تزوجت في اوربا
وجربت العودة ولكن أبناؤها منعوها وآثروا الغربة على العيش في بلد لم
يشعروا فيه بالاستقرار ولا بالأمان رغم رغبتها الملّحة بالبقاء ولكنها
على حد قولها، لم تجد لها مكانا وسط كل التغييرات التي حصلت في البلاد
وهي تحتاج إلى فترة طويلة للتعود".
عكس "سهام سالم" التي غادرت نحو كندا في منتصف التسعينيات بعد أن
اكملت دراستها في المرحلة الأولى من كلية التربية لتعود قبل ربعة أعوام
الى العراق لإكمال دراستها والاستقرار فيه حيث قالت لـ(شبكة النبأ
المعلوماتية) "رغم أن زوجي استقر في كندا لأكثر من عشرين عاما وانا
ايضا بقيت لأكثر من خمسة عشر عاما الا انني فضلت العودة إلى العراق فلو
رحلت أنا وغيري منه فمن سيبقى فيه، ورغم أن أولادي طالبوني بالعودة
ولكنني كنت أشرح لهم دوما الجانب المشرق من الحياة هنا وأخبرهم كيف أن
الثلوج في كندا صنعت حياة باردة هناك لا علاقة لها بالألفة التي نراها
هنا، هكذا أرى بلدي، أو ربما أحلم به دوما وأقنع نفسي بذلك كي أعيش فيه
بسعادة".
العودة إلى أرض الوطن
عدد كبير من المغتربين عادوا إلى ارض الوطن متحدين الظروف الصعبة
والحياة المحفوفة بالمخاطر فقط من أجل الشعور بالانتماء ولخدمة البلد
أيضا، من هؤلاء "عبد العظيم آل عودة" وهو مثقف عراقي عاش في السويد
لفترة طويلة من الزمن ثم عاد إلى العراق مع عائلته حيث يقول لـ(شبكة
النبأ المعلوماتية) "الحياة هناك تختلف تماما عنها في العراق فكل شيء
منظم وخاضع لقوانين حتى سلوك الاشخاص والأطفال، كل شيء يخضع إلى تقويم
جماعي، هناك يكون التعامل مختلف مع أصحاب الكفاءات وكثيرا ما شجعت
الدول الغربية أشخاص عراقيين أو حتى عرب مما طور قدراتهم في كافة
المجالات واشتهروا.
ولدينا أمثلة كثيرة من الأطباء والمهندسين وحملة الشهادات العليا من
الاساتذة الجامعيين وغيرهم ورغم مقومات الحياة هناك إلا انني عدت بحثا
عني فهناك الحياة جميلة في كل شيء الا انها باردة المشاعر، فبرودة الجو
تجعل من النهار قصيرا والليل طويلا والثلوج ترهق الأعصاب فنشعر بعزلة
قاتلة، هنا ورغم كل شيء لدينا من نسأل عنهم ويسألون عنا ن لدينا الأهل
وهذا أهم شيء.
بحوث ميدانية
بسبب استمرار شلال الهجرة في الهطول على دول الغرب قام الدكتور "أسعد
الإمارة " رئيس قسم الاجتماع في كلية واسط واستاذ مادة علم النفس
ومغترب عائد الى ارض الوطن بعد غربة طويلة في أوربا بوضع بحث خاص عن
اسباب تلك الهجرة ويوضح لـ(شبكة النبأ المعلوماتية) قائلا، "أنا في المراحل
الاخيرة من إنهاء بحث ميداني عن أسباب هجرة الشباب العراقي للخارج، في
المقياس ثلاث مجالات هي التي تدعو الشباب العراقي للهجرة.
الاول أسباب أمنية، والثاني البطالة والبحث عن فرص او لتطوير مجالات
العمل، والثالث أسباب دراسية ولتحسين الشهادة او الحصول على تطوير
بالتخصص، بالنسبة لهجرة الكفاءات فعن تجربتي الشخصية فقد قمت بالعكس
أنا وعدد من زملائي الاساتذة والاطباء فلو تركنا البلد جميعا فمن
سيخدمه؟ ويضيف الامارة لـ(شبكة النبأ المعلوماتية):عدت رغم ان الظروف
سيئة، الان اني بصدد استخراج النتائج الإحصائية للتطبيق الميداني على
عينة الشباب، هناك في الخارج اقصد أوروبا وأمريكا، تعامل مختلف مع حملة
الشهادات الأكاديمية وتكون محاولات جادة لإعادة التأهيل ثم زجهم في
العمل، والتأهيل بعد معادلة الشهادة، صعب جداً لان معايير الوظيفة
والخدمة مختلفة تماماً.
يجب ان يحصل الطبيب او المهندس او الاختصاص في اي مجال بمستوى معين
لا يوجد مثيل في دول العالم الثالث، يجب ان يكون محترف بالتخصص العملي
والنظري، وبمستوى معيار أوروبي، فالأطباء يمرون بثلاث او اربع سنوات
لإعادة التأهيل لكي يسمح له ممارسة العمل، إن الجانب البيروقراطي
والروتين المعقد في العراق هو عامل معوق لعودة الكفاءات العراقية
بالخارج فضلا عن الراتب العالي قياسا لراتب الكفاءة في العراق، والعمل
العلمي في العراق متخلف تماماً قياسا لما موجود في خارج العراق، في
الجامعات ومراكز الأبحاث.
العمل في التخصص كسيكولوجي في مدرسة او مركز البحوث، او مع مجموعات
الدعم لمشاكل المرأة او الأطفال في البلدية او ادارة المحافظة قسم
الخدمات الاجتماعية، يكون على اعلى درجة من المهنية والاحتراف المهني،
او حتى في حضور حلقات البحث السمنار، يكون البحث جدي جدا، وليس إسقاط
فرض وبروتوكولات، ولقاءات تنتهي مثل المقاهي بدون تخطيط او برنامج عملي
مستقبلي يخطط على مستوى الدولة لتطوير المناهج الدراسية او ابتداع جديد
لأساليب أحدث في كل المجالات كالطب والأدوية وطرائق التدريس والصناعات
الثقيلة كصناعة الطائرات والسفن والسيارات والقطارات وبناء المدن.
مثلا يوميا يتردد على محطة ستوكهولم المركزية مليون الى مليون وربع
مسافر داخل السويد وخارجه قام شاب يدرس الهندسة بصنع برنامج يستفيد من
أنفاس الناس الداخلين وتوليد الطاقة الكهربائية تشغل المحطة الرئيسة او
مهندس اخر اكتشف السيارات التي تعمل بالبيوكاز بدون دخان يعتمد على
فضلات الأكل من البيوت والحشيش الأخضر ويوضع بدل البنزين او المحروقات
الاخرى التي نؤثر على البيئة او استخدام الأزبال من البيوت لتوليد
الماء الحار للبيوت مجانا.
ويضيف لـ(شبكة النبأ المعلوماتية): وفي العام ٢٠١٣ بدأت السويد
تستورد نفايات للمكائن الضخمة التي تضخ الماء الحار للبيوت وهناك
العديد من المؤسسات التي تعمل بالخفاء للتأهيل والتحديث في كل المجالات
معتمدة على الكفاءات الأكاديمية في الجامعات او المراكز البحثية هناك
الكثير في مراكز التطوير في كل المجالات بما فيها ضبط السلوك العام وهي
ربما غريبة جداً لا يألفها مواطنو العالم الثالث، بضبط للسلوك الجمعي
والتغير الاجتماعي لا يوجد شيء عشوائي إطلاقا كل شيء مبرمج حتى ضبط
سلوك الأطفال يكون بإشراف مؤسسات متخصصة وانا عملت بهذا المجال أيضاً
بمتابعة تربية الأطفال في بيوتهم وهناك اصدقاء أطباء عرضوا تجاربهم في
السويد ونقلوها إلى جامعات العراق.
اذا ما جمعنا تلك الأسباب سنجدها مشجعة لهجرة الكثير من الشباب
والكفاءات، يحتاج البلد إلى رفد حقيقي لأبنائه ودعم لا يستهان به وأمان
لذوي للعقول العراقية والكفاءات كي لا تضطر إلى الهجرة للغرب بحثا عن
الأمان والتقدير. |