حشد

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: لا تقتصر النشاطات الانتخابية للمرشحين في اي مكان من العالم على تعليق اللافتات او المناظرات التلفزيونية أو الدعايات، انها تميل ايضا الى تجميع المناصرين في اماكن عامة للقاء بالمرشحين الذين يمثلونهم، والحديث معهم، والاستماع اليهم، هذه القواعد في تجمعاتها تسمى الحشود.

ولا يقتصر الامر على الفعاليات الانتخابية، انه يمتد ايضا ليشمل ايضا التجمعات التي تخرج في تظاهرات ترفع شعارات معينة، أو تجمعات في مهرجانات فنية، أو التجمعات التي تشهدها ملاعب كرة القدم، وهي الجاهير الرياضية التي تشجع كل فريق من الفريقين على ارض الملعب.

ما هو الحشد؟.

انه جماعة من النَّاس في مكان محدود نسبيًّا. والحَشِدُ من الرّجال : مَن لا يدع عند نفسه شيئاً من النُّصْرة والجهد والمال إلاَّ بَذَله واجتماع حاشِد: اجتماع يضم كثيرًا من النَّاس وهناك مرادفات لكلمة حَشْد: منها: (إِجْتِماع, إِحْتِفَال, إِزْدِحَام, تَجَمُّع, تَجَمْهُر, تَكَتُّل, جَمَاعَة, جَمْع, جَمْهَرَة, جُمْهُور, حَفْل, رَهْط, زُمْرَة, طائِفَة, عُصْبَة, فَرِيق, فَوْج, فِئَة, فِرْقَة, قَافِلَة, قَوْم, كَوْكَبَة, لَفِيف, مَجْمُوعَة, مَحْفِل, مَعْشَر, مَوْكِب, نَفَر).

الحشد وفي ظل ظروف معينة، هو كتلة من الناس لها خصائص جديدة مختلفة تماما عن خصائص الأفراد المكونة لتلك الكتلة. ففى الحشد تتوحد المشاعر والأفكار بين جميع الأشخاص المجتمعين وتأخذ نفس الاتجاه، وتختفي شخصيتهم الواعية، ويتم تشكيل عقلهم الجمعي، مكونين كائنا واحدا، يخضع لقانون الوحدة العقلية.

طور العلماء عدة نظريات اجتماعية لتفسير علم نفس الحشد، وكيف تختلف سيكولوجية الأفراد داخل تلك الحشود كثيرا عن حالتهم الفردية.

صاغ كارل يونغ فكرة اللاوعي الجماعي. ومفكرون رئيسيون آخرون ركزوا على سيكولوجية الحشد مثل غوستاف لوبون، ويلفريد تروتر، غابرييل تراد، سيغموند فرويد، الياس كانيتي, وجوليا كونستينتين. والفكرة الرئيسية فى نظرية سلوك الحشد لسيجموند فرويد هي أن الناس المحتشدين يتصرفون بشكل مختلفا تماما عن أولئك الذين يفكرون بشكل فردي. وأن عقول المجموعة تدمج مع بعضها لتشكل طريقة تفكير موحدة. والنتيجة يزداد حماس وتعصب الأفراد لبعضهم البعض، وبالتالي يصبحون أقل وعيا بالطبيعة الحقيقية للأعمال المنفردة.

 بعض النقاد مثل ماكفيل كلارك، يشير إلى أن بعض الدراسات تظهر أن الحشود الشديدة الاهتياج والصخب لا تنشغل الا بأفكار ونوايا أعضائها. حيث لاحظت دراسة فى حالة حشد أصابه الذعر أنهم انقسموا إلى مجموعات صغيرة يحاولون مساعدة بعضهم البعض، ومن ناحية أخرى انتقد ثيودور أدورنو الاعتقاد في عفوية الجماهير.

نظرية التقارب تقرر أن سلوك الحشد ليس منتجا من الحشد نفسه، ولكنه ينقل إلى الحشد من قبل أفراد معينين، وهكذا، فالحشود فى مجموعها متقاربة فى تفكير ومزاج أفرادها، وبعبارة أخرى بينما نظرية العدوى تنص أن الحشد نفسه بجعل الناس تسلك بطريقة معينة، نجد نظرية التقارب تقول العكس: إن الناس الذين يرغبون في التصرف بطريقة معينة يسعون معا لتشكيل الحشود. فالحشد في حدّ ذاته لا يولد سلوكيات الكراهية العنصرية أو العنف مثلا، بل ينشأ الحشد من التقارب بين ناس يحملون تلك السلوكيات.

ركز جوستاف لوبون أحد علماء الاجتماع الفرنسيين في القرن 19 في كتابه الشهير (سيكولوجية الجماهير) على تأثير الدعاية فى حفز الجماهير على المشاركة في الحشود، وفكرة لوبون تؤكد أن الحشود تدعم تجهيل الفرد بعدم الكشف عن هويته، وتولد في بعض الأحيان انفعالات وعواطف إلى حد ما تعتبر مكررة ونمطية.

يرى جوستاف لوبون، ان للجماهير خصائص تميزها عن الافراد، من هذه الخصائص: ذوبان الشخصية الواعية للافراد وتوجيه المشاعر والافكار في اتجاه واحد.

سرعة انفعال الجماهير وخفتها، فالجمهور يقوده اللاوعي كليا تقريبا، فهو عبد للتحريضات التي يتلقاها، والجمهور كالانسان الهمجي لا يعبأ بأي عقبة تقف بين رغبته وتحقيق هذه الرغبة.

التعصب والاستبدادية والنزعة المحافظة، وهو امر ناجم عن كونها لا تعرف سوى العواطف البسيطة والمتطرفة، مما يجعلها تقبل الافكار والعقائد او ترفضها دفعة واحدة.

الجماهير الانتخابية خلال مواسم الانتخابات، يرى جوستاف لوبون، انها غير متجانسة، ومن خصائصها ضعف قابلية التفكير العقلاني، وانعدام الروح النقدية لديها، واتسامها بالنزق وسرعة الغضب، والسذاجة وسرعة التصديق، اضافة الى تبسيط الامور واستسهال اطلاق الاتهامات يمينا ويسارا.

سلوك الحشد من الناحية النفسية أشبه ما يكون بالهستيريا الجماعية حيث يبدأ الحشد بفرد أو مجموعة من الأفراد يظهرون حماسا معينا بشكل مؤثر فينتقل هذا الحماس بما يشبه العدوى إلى الأفراد المحيطين بهم ثم تتسع دائرة العدوى بسرعة تتوقف على قدرة المحركين للحماس وعلى الحالة الانفعالية لبقية الجموع وكل هذا يحدث بشكل غير واع.

وسلوك الحشد لا يقتصر على المواقف السياسية التي نراها في المظاهرات، وإنما نراه أيضا في مباريات كرة القدم حيث تندفع الجماهير في حماس طاغ نحو تأييد فريق معين أو الغضب من قرار الحكم فينفلت عيارها وتندفع في خطورة بلا ضابط أو رادع، وقد يؤدى ذلك إلى كارثة يموت فيها الكثيرون أو يصابون.

قسم لوبون في كتابه الجماهير الى الاقسام التالية:

الجماهير غير المتجانسة.

الجماهير المتجانسة.

الجماهير المدعوة بالمجرمة.

محلفو محكمة الجنايات.

الجماهير الإنتخابية.

الجماهير البرلمانية.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 19/نيسان/2014 - 17/جمادي الآخر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م