عنف الشاشة الطائفي والمتربصون خلف الستار

محمد علي جواد تقي

 

شبكة النبأ: في الآونة الأخيرة برز الحديث عن دور ومسؤولية بعض القنوات الفضائية الدينية في إثارة غبار الطائفية والحثّ على الكراهية والحقد وصولاً الى تعبئة النفوس للمواجهة المسلحة والدموية ضد الآخر. لكن يبدو ان الوقت جاء متأخراً جداً لطرح هكذا تساؤل او احتمال، حيث ان العنف الطائفي انطلق ليعصف نيرانه الشعب العراقي أولاً، وبعد الاطاحة بنظام صدام، ثم جاء دور الشعب السوري في ظل ما يسمى بـ "الربيع العربي" ليُقحم في حرب طائفية طاحنة بذريعة مشروع التغيير السياسي على غرار ما جرى في البلاد العربية الاخرى. والنتيجة؛ في العراق يسقط اكثر من مائة ألف قتيل بدوافع طائفية، وباشكال متعددة، بين انفجار سيارة او عبوة ناسفة اضافة الى الاغتيالات والتصفيات الجسدية بالجملة، فيما يستمر النزيف السوري بمئات الآلاف من القتلى والجرحى والمشردين في حرب تحت شعار سياسي، لكن دوافعها طائفية بحتة.

المصادر الاعلامية تقول بوجود (140) قناة فضائية دينية في العالم العربي، منها (20) قناة ذات توجه طائفي – تحريضي، وحسب الاوساط السياسية والاعلامية فان هذه القنوات هي المسؤولة بشكل كبير على شحن النفوس لخوض الصراع الطائفي بأقسى درجاته، بحيث تكون قناة معينة مشاركة بنسبة كبيرة في خلق الدافع لإنسان بأن يقوم بعمل انتحاري في سيارة مفخخة او بحزام ناسف، يفجر نفسه وسط نظرائه من البشر، بحجة انهم يخالفونه في العقيدة.

وقبل فترة أعدت قناة "بي بي سي" باللغة العربية، تحقيقاً مفصلاً عن هذه القنوات، وقام مراسلها بجمع المعلومات والعينات خلال جولة شملت الكويت وبغداد والقاهرة وبيروت ولندن، ومن خلال لقائه بعدد من العاملين في هذه القنوات، خلص الى النتيجة المتوخاة، وهي إن المصدر الأساس للدعوة الى الكراهية الطائفية والقتل، تأتي من هذه القنوات قبل أي عامل آخر.

طبعاً؛ الملاحظ جداً أن هذه القناة التلفزيونية نفسها، والتي تعد أنها من سلالة مؤسسة اعلامية عريقة، تدعي دائماً الحيادية والموضوعية في تغطية الاخبار ومناقشة مختلف القضايا والاحداث، تصر دائماً في تغطيتها احداث العنف في العراق في السنوات الماضية، على تحديد الهوية الطائفية لهذه المنطقة وتلك، بأن هذه المنطقة "ذات أغلبية شيعية"، أو "ذات الاغلبية السنية".

كذلك قامت بالدور نفسه قناة "الجزيرة" خلال سنوات العنف الطائفي في العراق، حيث كانت تقوم بدور اعلامي ماكر دفع الخلافات السياسية نحو مستنقع الطائفية، وبالنتيجة الوصول الى الهدف المنشود، وهو تشكيل طائفية سياسية، لذا عندما تحدث المذيع مع احد الارهابيين على الشاشة الصغيرة، عن القناة المفضلة التي يتابع من خلالها الاخبار، أجاب انها "الجزيرة"، فهي تتحدث عن الاقلية وما تتعرض له من إقصاء وتهميش مفترض من الاكثرية، مع الترويج لمقولة "حكم القوي على الضعيف"، وأن هذه الاكثرية إنما تمكنت من الحكم في العراق بمساعدة خارجية، وهذا لوحده من شأنه ان إثارة البغضاء والحقد ثم ردود الفعل العنيفة، حتى وإن لم يكن هنالك فعل يبرر ردة الفعل.

بمعنى؛ أن الاعلام المنظم والمدعوم من مؤسسات حكومية ومالية ضخمة مثل "الجزيرة" و"بي – بي سي"، ثم التحقت "العربية" في الآونة الاخيرة، سبق في الحشد الطائفي غير المباشر، القنوات الطائفية حديثة  النشوء، إذا لم نقل انها ربما استفادت من بعض التجارب المهنية والفنية، والحقيقة التي طالما سعت الاعلام العربي تغييبها، حجم الاموال الطائلة التي رُصدت لهذه القنوات الفضائية الثلاث وغيرها، ليس للشتم والتكفير بشكل مباشر وسافر، إنما لتزييف الوقائع وتغييب الحقائق والترويج للاكاذيب في إطار مهني جذاب، مع الاعتماد على تأثير الصورة البالغ على النفوس.

وقد لاحظ مراقبون في الآونة الاخيرة استمرار اتحاد الرؤية بين قطر والسعودية على التحشيد الطائفي صوب العراق وسوريا، رغم الخلاف الكبير والعلني على الصعيد السياسي والدبلوماسي. فالمشكلة الطائفية بالنسبة لحكام الدوحة والرياض معاً، لا يعني بدولة معينة، إنما يعني بأمن واستقرار الانظمة السياسية القائمة في الخليج. وطالما أعربت اوساط ثقافية واعلامية خليجية عن مخاوفها من التمدد الشيعي في الوسط الاجتماعي الخليجي، من خلال المؤسسات والفعاليات الثقافية والاجتماعية الانسانية، كما هو الحال في سائر البلدان العربية وغير العربية. مما يمكن القول معه، أن التحريض الطائفي في الجبهتين: التحريضي – التكفيري المعلن، والمزيف للحقائق، يرمي الى تحصين الاذهان والعقول من الثقافة الشيعية التي تتحدث عن مبادئ انسانية وقيم اخلاقية، تعتمد العقل والمنطق في الطرح والفكر والرصين.

من هنا نجد من يبحث عن قواسم مشتركة بين القنوات الطائفية من الجانبين، وهي مسألة اللعن والسبّ والتشهير، على أن هذا هو المسؤول عن العنف الطائفي في هذا البلد او ذاك، بيد ان هذه الفرضية لا تصمد بالمرة امام حقيقة التكفير التي لا تنفك عنها القنوات الطائفية الممولة من قطر والسعودية على وجه التحديد. فاذا كان قناة شيعية تتحدث بلغة المعلومة المكتوبة والموثقة عن مثالب وفضائح معينة، فانها لا تلجأ بالمرة الى التكفير، بينما الطرف المقابل عندما يكفّر الآخر، فانه يعطي المشروعية لذلك الشاب المشحون طائفياً، بأن يرتكب أبشع الجرائم، ربما ضد طفل صغير او امرأة او شيخ كبير، ويعدهم مستحقين للقتل حرقاً او تقطيعاً..!

ان الفيصل في خضم المعركة الاعلامية – الطائفية، هي "الكلمة"، فمن خلال هذا المنطق يكون لنا حدٌ فاصل بين الحق والباطل.. بين المنطق والدليل والبرهان العقلي، وبين اللعن والسب والتكفير. فالاول يعطي الانسان حق التفكير وتحكيم الدليل والوثائق ثم الحكم الاخير على من هم المحق ومن هو على ضلال مبين.

هذا الاسلوب، لايمكن بأي حال من الاحوال مواجهته بالاموال مهما كانت، ولا بالقدرات الفنية والتقنية، لانها بدلاً من أن ترد السبّ بالسبّ والتشهير بالتشهير، تقوم باختراق الخطوط الخلفية الى مسافات بعيدة تمثل العمق الاستراتيجي، مثل المجتمع الكبير وايضاً المجتمع الصغير، وهو الاسرة العربية والمسلمة التي هي بأمسّ الحاجة الى الوعي بالحقائق الدينية والتاريخية. الى جانب إظهار الوجه الحقيقي للاسلام الذي يقدمه اصحاب المليارات بشكل مقرف وسيئ الى المسلمين والعالم.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 17/نيسان/2014 - 15/جمادي الآخر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م