التقوى طريق النجاح والتميّز

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

 

شبكة النبأ: يرتبط توفيق الانسان ونجاحه بأمور كثيرة، وعوامل عديدة، اذا استطاع الانسان أن يجمعها في شخصيته، فإنه سوف يحقق النجاح في شقّين أو إطارين، الاول تحقيق النجاح في حياته العملية الآنية، والثاني كسب مرضاة الله تعالى وهو النجاح الاكبر في الحياة الاخرى، وهذا يتعلق بتمسك الانسان بالتقوى، وهي تعني ببساطة، أن يتقي الانسان في اعماله كل ما سيؤذي الآخرين ويتجاوز على حرمتهم وحدودهم وحقوقهم، وهي امور نعرفها جميعا، فعندما نلتزم بهذا الشرط، هذا يعني أننا ننتهج منهج التقوى في جميع أعمالنا وافكارنا، وهذه هي الغاية من وجود الانسان في الحياة الدنيا، فهي كما نعرف ونردد دائما (دار امتحان)، اذا تجاوزه الانسان وعبره بنجاح، فإنه سيكون في مأمن وسلام، وطريق النجاح والموفقية في هذه الحياة تكمن في أمرين.

يقول سماحة المرجع الديني الكبير آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، في احدى كلماته التوجيهية: (إنّ موفقية الإنسان هي في الأمرين التاليين، الأول: تزكية النفس. وهذا ليس معناه أن يقول الإنسان بأنّي مزكّى، فالقرآن الكريم يقول: *فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى*. وقال تعالى: *وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها، فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها، قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها*. بل المطلوب هو أن يربّي الإنسان نفسه على التقوى. و الثاني: هداية الآخرين وإرشادهم. كهداية الكفّار إلى الإسلام، والمسلمين المنحرفين عن أهل البيت صلوات الله عليهم بإرشادهم إلى أهل البيت، والمؤمنون في إطار أهل البيت صلوات الله عليهم الذين يميلون عن أسلوب أهل البيت صلوات الله عليهم بهدايتهم إلى أساليب أهل البيت).

إذن يحتاج الانسان الى تزكية النفس من الامور التي قد تدفعه نحو ارتكاب الخطأ أو المعصية، وهو في غنى عن ذلك، لأنه يقوده الى الانحراف، ويحمّله أعباء الذنوب، فضلا عن الفشل الذي يتعرض له في حياته، لأن النفس أمارة بالسوء، وغالبا ما تقود صاحبها الى المهالك، اذا لم تكن مزكّاة، فتزكية النفس تعني قدرة الانسان على التحكم بنفسه وليس العكس.

الإنسان أرفع من الملائكة

عندما يتحلّى الانسان بالسلوك القويم، ويؤدي التزاماته الدينية والاخلاقية تجاه الناس، وعندما يكون محط ثقتهم ومحبتهم، من خلال تعامله القويم السليم معهم، فإنه بذلك يكسب رضاهم ورضا الله تعالى، وعندما يرضى عزّ وجل عن الانسان، فإنه سيحصل على مكانة تفوق مكانة الآلهة عند الله تعالى، لأن الملائكة واجبهم معروف، وطبيعة خلقهم معروفة ايضا، أما الانسان فإنه يحمل تركيبة نفسية صعبة جدا، والسيطرة عليها تتطلب قدرة ايمانية كبيرة منه، لذلك اذا التزم الانسان ونال مرضاة الله تعالى فانه سيحصل على المكانة الخاصة والكبيرة.

لهذا يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال: إن (الإنسان أرفع من الملائكة إنْ صاحب علمه وعمله بتقوى الله). إذن من خلال التقوى والالتزام بالقيم الانسانية التي تتجلى فيها حالات التعاون والتكافل والتعايش والاحترام، يستطيع الانسان أن يبلغ مرحلة الرضوان الالهي، وهي اقصى ما يمكن ان يحلم به الانسان، كونه ضمان له في الدار الاخرى، ونجاح اكيد له في الحياة الدنيا، والسبب هو سعي الانسان للفضائل، وسلوكه طريق التميّز من خلال منهج التقوى والعمل الذي يصب في مصلحة الانسانية.

لذلك يحثنا سماحة المرجع الشيرازي على جمع الفضائل والتمسك بها، قائلا سماحته في هذا المجال: (ليحاول كل واحد منكم أن يكون هو السبّاق في الفضائل وفي الأخلاق الحسنة وفي تحصيل العلم وفي الأعمال الصالحة). كذلك على الانسان أن يكون نموذجيا في حياته، لاسيما في المحيط العائلي او التربوي او العملي بشكل عام، فالاب ينبغي ان يكون نموذجا صالحا لابنائه، وكذلك المعلم لطلابه، ومدير العمل او الرئيس لمرؤوسيه.

إذ يؤكد سماحة المرجع الشيرازي قائلا حول هذا الجانب: (ليحاول كل فرد منكم أن يكون نموذجياً مع من يعيش معه، سواء كان طالباً أو أستاذاً أو مدرّساً أو أباً أو ابناً، وغير ذلك، حتى يوفّق أكثر. فالقرآن الكريم يقول: *وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ*).

أهمية العمل بالعلم

هكذا يتضح لنا أن التقوى هي طريق النجاح، كونها تدفع الانسان للتمسك بقيم الخير، ولكن تحصيل التقوى يجب أن يسبقه تحصيل العلم والمعرفة التي تساعد الانسان على تقوية ملكة او صفة التقوى في ذاته، فكلما كان الانسان اكثر علما، كلما كان اكثر تقوى، وهكذا لابد للانسان أن يتشبث بكل الطرق التي تقوده الى العلم من اجل زيادة التقوى في شخصيته.

يقول سماحة المرجع الشيرازي حول هذا الموضوع: (ورد في الحديث الشريف عن مولانا الإمام زين العابدين صلوات الله عليه، أنه قال: *فَإِنَّ الْعِلْمَ إِذَا لَمْ يُعْمَلْ بِهِ لَمْ يَزْدَدْ صَاحِبُهُ إِلاّ كُفْراً، وَلَمْ يَزْدَدْ مِنَ اللَّهِ إِلأّ بُعْداً*. فمع زيادة العلم، يزداد التقوى، ويزداد الإلتزام بالواجبات وإتيانها، ويزداد ترك المحرّمات).

إن المهمة الصعبة التي تواجه الانسان في حياته الدنيا، هي مهمة التخلص التام من مزاولة المحرمات بكل اشكالها وانواعها، فالمحرمات هي المعاصي، وهذه تعني تجاوز الانسان على حدود وحقوق غيره من الناس فضلا عن تجاوزه لحقوق الله تعالى، وهو أمر جلل يجعل الانسان أمام عاقبة خطيرة وكبيرة، بل هي عاقبة سوداء، عليه أن يتخلص منها من خلال التقوى، وهذه يتم تحصيلها وزيادتها وتثبيتها بالعلم ونبذ المحرمات بصورة كاملة، حتى يمكن للانسان أن يكون أرفع من الملائكة.

لذلك يقول سماحة المرجع الشيرازي حول هذا الجانب: (إذا صاحب الإنسان عمله وعلمه مع التقوى فسيكون أرفع من الملائكة الذين قال الله تعالى عنهم: *لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ*). هذه هي مكانة التقوى ونتائجها الكبيرة، وهذا ما يقدمه العلم للانسان، لهذا عندما يجمع بين الاثنين التقوى والعلم، فإنه لا ريب يمضي قُدُما في الطريق القويم السليم، في الدارين الاولى والثانية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 17/نيسان/2014 - 15/جمادي الآخر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م