قيم التقدم: التعقّل

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: ها أننا نصل الى الحلقة الثالثة والاخيرة من التاءات الثلاث، ضمن سلسلة قيم التقدم، ألا وهي التعقّل نسبة الى العقل، فقد عرضنا في حلقتين سابقتين لقيمتيّ التوكّل والتوسّل، وفي حلقة اليوم نناقش قيمة التعقّل، وأثرها الكبير في حياة الانسان، فردا أو جماعةً، ولا شك أن هذه القيمة تتعلق بطريقة ادارة حياة الفرد فيما يتعلق بالتفكير والتخطيط واتخاذ القرار، ومن ثم الشروع بتنفيذ هذه القرارات، إذ ينطبق هذا بطبيعة الحال على الفرد والمجتمع.

ويُقصد بمعنى التعقّل، كما يرى بعض المعنيين بالامر، أنه (قدرة الفرد على الفحص الذاتي، والمراقبة الذاتية، ومطالعة النفس والبصيرة الشخصية. كما يتضمن القدرة على التعرف على الروابط بين المشكلات الحالية مع النفس ومع الآخرين. أما العقل فهو مصطلح يستعمل، عادة، لوصف الوظائف العليا للدماغ البشري. خاصة تلك الوظائف التي يكون فيها الإنسان واعيا بشكل شخصي مثل: الشخصية، التفكير، الجدل، الذاكرة، الذكاء، وحتى الانفعال العاطفي يعدها البعض ضمن وظائف العقل).

وبهذا فإن قيمة التعقّل مأخوذة من معنى العقل، والوظائف التي يقوم بها، فالعقل بمعناه المادي الحقيقي الوظيفي، هو الجزء القيادي لفكر الانسان وسلوكه، وعندما يتميز الانسان بالذكاء والحكمة والتأني والصبر والجدية والمثابرة، فهذه سلوكيات يسبغها العقل السليم على الانسان، وهي صفات مأخوذة من قيمة التعقّل، حيث يتعامل الانسان بدراية وتأمّل، ونوع من الحكمة مع الامور التي تتعلق بمجريات حياته، علما أن هناك ترابط بين القيم الثلاث، التوكل/ التوسل/ التعقل، فهذه القيم تقف الى جانب بعضها البعض، وتضمن للانسان طريقا سليما مكللا بالنجاح، لما تتميز به هذه القيم من عوامل مساعدة للانسان، على تحقيق الاهداف التي يسعى إليها.

ونظرا لأهمية قيمة التعقّل في حياة الانسان، ومسيرة البشرية جمعاء، منذ أقدم العصور، فقد خاض العلماء المعنيون في جوانب كثيرة تتعلق بالعقل، إذ هناك (نظريات بحثت في العقل، ما هو وكيف يعمل، تعود تاريخيا إلى عهد أفلاطون وأرسطو وغيرهما من الفلاسفة الإغريق. كذلك وجدت النظريات ما قبل العلمية جذورها في اللاهوت والفكر الديني عموما. وركزت على العلاقة بين العقل، والروح -أو الجوهر الإلهي المفترض للذات الإنسانية- أما النظريات العلمية الحديثة فهي تعتبر العقل ظاهرة تتعلق بعلم النفس). وغالبا ما يستخدم هذا المصطلح بترادف مع مصطلح الوعي. أي أننا عندما نتحدث عن التعقّل، فإننا نتكئ على قيمة الوعي ايضا ودوره في تطوير قدرات الانسان الفرد والمجتمع عموما، وهكذا نلاحظ الارتباط الوثيق بين قيمة التعقّل من جانب، والنتائج التي نستخلصها في هذا المجال، لاسيما أن الربط بين العقل والوعي تأكد على نحو علمي كما سبقت الاشارة الى ذلك.

ولا ننسى الترابط الجدلي بين القيم الثلاث في سلسة التاءات، التوكل/ التوسل/ التعقل، وعندما تأتي قيمة التعقّل كحلقة أخيرة من حيث التناول والتصدي لها، فإن هذا لا يعني احتلالها للمرتبة الثالثة من حيث القيمة، بل هذه القيم الثلاث متساوية من حيث التأثير والاهمية، لسبب بسيط، أنها تدعم وتعضد بعضها البعض بالقدرة والدرجة نفسها، وعندما تجتمع هذه القيم الثلاث في حياة الجماعة أو الانسان منفردا، فإن النجاح الاكيد سوف يكون من حصته، لما تتحلى به هذه القيم من قدرات كبيرة وأكيدة، تدفع الانسان الى الامام بقوة، وتجعله أقرب من غيره الى تحقيق مساعيه وأهدافه.

خلاصة القول، أن التعقّل كقيمة، يضاهي الحكمة، ويقترب من الأناة والتأمّل، وهو عامل ثقة أكيدة بالنفس، فالتسرع مشكلة يعاني منها الانسان غير الواثق، أو الانسان الذي لا يحسب حسابا لقيمة التعقّل، وقد يرى بعضهم في هذه القيمة انها عنصر إعاقة او تأخير في اتخاذ القرار، ولكن بعد وقت ليس ببعيد ستُظهِر النتائج خطأ المتسرعين، لأن التعقّل قيمة لإدارة حياة الانسان والمجتمع بطريقة متأنية ودقيقة في الوقت نفسه، من دون اهدار للوقت بطبيعة الحال، لان قيمة التعقل فرع من فروع الحكمة، وهذه لا تعني التفريط بالوقت، بل تعني حصدا للنتائج الجيدة بصورة أكيدة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 16/نيسان/2014 - 14/جمادي الآخر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م