التسقيط.. البرنامج الانتخابي الأول!

 

شبكة النبأ: لمن يتابع "البرنامج الدعائي" للمرشحين، ومن خلفهم الكيانات السياسية، وبمختلف الوسائل والطرق، لإيصال المزيد من المعلومات للموطن (الناخب)، بهدف كسب المزيد من الاصوات، في الانتخابات القادمة في العراق، ترتسم أمامه الصورة السلبية لمفهوم "الدعاية والإعلان"، في حين هو من حيث المبدأ، يعد أمراً مشروعاً لأي إنسان، فالدعاية من "الإدعاء"، وربما يكون صاحبه صادقاً، كما يمكن حصول العكس، كذلك الحال بالنسبة للإعلان، فهو الآخر، مشروعاً، بل ومطلوباً في احيان كثيرة، عندما يكون الانسان في مسار تجاري واقتصادي وتنافس على كسب الارباح في سوق مفتوحة، وهذا يصدق تماماً على التنافس السياسي في الحملات الانتخابية التي تشهدها البلاد الديمقراطية في العالم.

ويتوّج النجاح "الدعائي" في أنجح البلاد ديمقراطيةً، بصدارة البرامج الانتخابية للمرشحين من خلال عديد الوسائل الدعائية والإعلانية، يعرف الناخبين من خلالها ما سيكون بوسع المرشح فعله وتحقيقه عندما يفوز في الانتخابات، بل وما يحمله من توجهات وسياسات في مختلف الصعد، لاسيما في الجانب الاجتماعي والاقتصادي، وهو ما يمسّ واقع حياة الناس، مثل البيئة والصحة والضرائب والعمل والسكن وغيرها.. وإذا تحدث هنالك سقطات في الحملة الانتخابية، فإنها لن تكن قريبة من الناخب او الشارع العام، إنما تتعلق بالكيان السياسي او المرشح، عندما تكون الحاجة الى المعلومة عن التحالفات او التكتيكات المتبعة في الحملة الانتخابية، فيظهر دور "التجسس" لإخراج المعلومات من خلف الحصون الحزبية، أو عندما تكون الحاجة الى الاموال فيتم تأمينها من مصادر غير مشروعة بالنسبة للقوانين السائدة.

أما في "ديمقراطية العراق"، فان البرامج الانتخابية تختفي – إن كانت موجودة بالأساس- عندما تخيم غيوم التسقيط السوداء، ويكون الهمّ الأول والأخير إلغاء المنافس السياسي او تقليل حظوظه بالفوز من خلال إلصاق كل تهمة وعلامة فشل وهزيمة. وقد لاحظ المراقبون تزايد وتيرة هذا السلوك السياسي السيئ في هذه الدورة الانتخابية عندما يحاول طرف سياسي المحافظة على ثمار التغييرات الحاصلة في العراق خلال السنوات الماضية، ثم توسيع نطاق الهيمنة السياسية في السلطة التشريعية والتنفيذية، وربما الأجهزة الأمنية للاستفادة من تلك التغييرات والمكاسب لمزيد من النفوذ وديمومة الحياة السياسية، بينما يسعى الطرف الآخر للتقليل من شأن هذه التغييرات والإطاحة بالمنافس، ومن ثم طرح البديل الذي يراه مناسباً.

لقد استفحلت ظاهرة "التسقيط" بشكل خطير لايمكن السكوت عليه بالمرة، في بلد لا تحكمه الثقافة العلمانية او القيم المادية البحتة، ولا تديره عصابات المافيا وأصحاب الرساميل، كما في عديدة دول العالم التي تشهد حملات انتخابية مماثلة، إنما هو بلد يفخر بتاريخه وحضارته وقيمه السامية، فقد عُرف بانه الاكثر قراءة وإبداعاً وعلماً ومعرفة، قياساً بدول المنطقة، بينما بلغ به الحال ان يرى التسقيط السياسي يشمل ليس فقط الاسقاطات في المسائل الإدارية والإجرائية، إنما في مسائل تمسّ المال والعرض والدماء والسمعة.

وبموازاة هذه الممارسات اللاسياسية – بالحقيقة- نلاحظ استفحال الازمات الاقتصادية والاجتماعية وتعقيد الوضع السياسي يوماً بعد آخر، بحيث تتزايد مشاعر الناس أنهم وحيدون في الساحة يكابدون قساوة العيش والظروف الصعبة في كل شيء، بدءاً في التلميذ في المدرسة، الطامح لنيل المؤهلات العلمية، ومروراً بالرجل الباحث عن فرصة العمل الآمنة والمريحة التي تضمن له العيش الكريم، وحتى الفلاح والعامل اللذان ترجلا عن مسيرة الإنتاج وتقوية الاقتصاد الوطني، وهكذا مناحي ومفاصل عديدة في الحياة، الامر الذي يفرض على المرشح الذي يروم ممارسة العمل السياسي الحقيقي بعد فوزه في الانتخابات.

وقد لفت احد المراقبين، عدم وجود أي برنامج يعني بالحالة الاجتماعية او الثقافية للمواطن العراقي، بما يفيده في مستقبله على المدى البعيد، مثل نشر ثقافة اللاعنف والتسامح والتعايش بين افراد المجتمع، فما أحوج العراقيين اليوم الى هكذا ثقافة في وقت نلاحظ مظاهر العنف ما تزال تخيم على حياة العراقيين بشكل او بآخر. فأي خلاف ونزاع بسيط على صعيد المحلة السكنية الصغيرة، او في محيط العمل او غيرها، فان لغة القوة هي التي تكون الحاضر الاول وعامل الحسم، ومن دونه يكون ربما يتحول الباطل حقاً والظالم مظلوماً وهكذا.. تتعرض القيم والمفاهيم الإنسانية والأخلاقية الى تهديد مستمر.

واكثر من هذا؛ فان منهج التسقيط هذا في هذه الحملة الانتخابية، من شأنه ان يتحول الى حالة رمزية يقتدى بها، فـ "الناس على دين ملوكهم"، فاذا كانت النخبة السياسية التي تتصور انها مؤهلة لتكون في موقع التشريع والتقنين في مجلس النواب، وهي تشرع لنفسها وتبيح أي سلوك يحملها الى الفوز والحصول على اصوات اكثر، كيف يتوقع الناس العاديون الحصول على حقوقهم ومطالبهم من دوائر الدولة والمحاكم والاجهزة الامنية وغيرها..؟.

وليس أدلّ على ما نذهب اليه، من تفشّي واستفحال ظاهرة الفساد الاداري خلال السنوات الماضية.. فعندما عرف الناس بفضل وسائل الاعلام العديدة والمتزايدة في العراق، وانتشار "الانترنت"، بحجم الاختلاسات الفظيعة في مراتب عليا بالدولة، فهل يرعوي الموظف البسيط او الكاسب في السوق من ارتكاب الخطأ نفسه والسعي للحصول على الكسب السريع وبأكبر قدر ممكن..؟.

نعم؛ تبقى الشريحة الواعية والملتزمة بالقيم الدينية والمفاهيم الإنسانية في المجتمع، لكنها محدودة وربما تكون محاصرة بفعل موجات التأثير العاتية من عموم الحالة السلبية المتفشية في المجتمع. مما يمكن القول معه، أن حالة التسقيط السياسي في هذه الحملة الانتخابية، ليست محدودة بآثارها السياسية على هذا الكيان او تلك الشخصية، إنما تبعث بآثارها السلبية على سلوك وثقافة المجتمع، لاسيما الجيل والنشء الجديد من طلبة المدراس والجامعات الذي يفترض ان يدشنوا لأول مرة أياديهم في صناديق الاقتراع ويدلوا بدلوهم في أول تجربة ديمقراطية في حياتهم. فهل ستكون هذه البداية ميمونة وسعيدة لهم؟.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 15/نيسان/2014 - 13/جمادي الآخر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م