شبكة النبأ: من الطبيعي أن يبحث
الانسان دائماً عن حالة العزّة والكرامة لنفسه، فقبل ان تكون من
المباحث العلمية، أدرجها الاسلام في سلّم أولوياته عندما صرّح القرآن
الكريم: "ولقد كرّمنا بني آدم". إذن؛ فهي حالة محمودة، بالمقابل، هنالك
حالة الذلّ وهي مذمومة، بتأكيد النصوص الدينية لدينا، ومنها حديث أمير
المؤمنين، عليه السلام، حيث يقول: "لا تكن عبد غيرك وقد خلقك الله
حرا".
وبما إن العزّة، حالة تُعنى بالدرجة الاولى بعلاقة الفرد بالمجتمع،
نجد البعض يسعى الى ما يكرس هذه الحالة في نفسه، فتظهر امامه خيارات؛
مثل المال والمنصب والجاه وغيرها من العوامل الذاتية، بغض النظر عن
طبيعة توظيف عوامل القوة لديه، فربما يكون المال مصدر القوة، وربما
يكون العلم او الشهادة الجامعية، او الوجاهة الاجتماعية، وهو في كل ذلك
بإمكانه التحكّم في عوامل ومصادر القوة لديه بما يعزز لديه حالة العزّ
والكرامة، ولكن المشكلة تظهر عندما يكون مصدر القوة خارجي وليس ذاتي،
كأن يكون المال عند ثري او صاحب عقارات وحسابات في المصارف، او ان تكون
الوجاهة الاجتماعية في مسؤول متنفذ في الدولة او ضابط كبير او شيخ
عشيرة وغير ذلك.
هنا؛ يجد هذا البعض الاستغناء، أو عدم الحاجة لتجشم عناء التغيير
لما به من عوز وشحة سواءً بالمال او العلم أو أي نوع من الكفاءة
والمقدرة الذهنية او العضلية، ثم قضية أخرى، ربما تكون دافعاً أساس
لهكذا توجه، وهو محاولة مواكبة التطورات السريعة في الصعد الثلاثة
الرئيسة؛ السياسي والاقتصادي والاجتماعي، لاسيما اذا تعلق الامر بمسائل
موضوعية مثل فترة الانتخابات او التنافس المحموم على منصب او مكسب معين
في مكان ما، فأي تأخير يعني الخسارة.
والسؤال الذي يثور بوجه اللاهثين وراء مصادر القوة السياسية
والمالية، ما هي الفترة الزمنية التي تتخللها حالة العزّة المكتسبة من
هذه المصادر..؟.
إن الحقائق على الارض من شأنها الاجابة على عدم ديمومة هذه الحالة
مهما كانت المكاسب كبيرة ومغرية. وليس أدلّ على ذهاب هذا الحاكم ومجيء
ذاك، أو التغيير في مراكز القوى بشكل قسري ودموي، حيث حالات الانتقام
والتشفّي وتصفية الحسابات. ومن نافلة القول هنا؛ أن في بلداننا يستقيل
المدير او الرئيس ثم يجمع المستشارين والبوابين والمقربين، أوراقهم
وأغراضهم للاستقالة معه. وعندما يأتي البديل يأتي معه ببدلاء عن أولئك
الراحلين وهكذا..!.
وهذا ربما يكون مصداقاً لحالة الذل النقيضة تماماً لما يبحث عنه
الانسان السويّ، فهو يبحث عن العزّة من مصدر قوة خارجية، فيجد نفسه من
حيث يريد او لا يريد في مستنقع التبعية والعبودية المعنوية للآخرين.
وهذا ما يحذرنا منه سماحة المرجع الديني الكبير السيد صادق الحسيني
الشيرازي – دام ظله- في كتابه "حلية الصالحين"، عندما يبين القوة
الحقيقية، وليست الوهمية المفترض اللجوء اليها، وهي القوة اللامتناهية،
وهي القدرة الالهية. يقول أمير المؤمنين، عليه السلام: "كل عزيز داخل
تحت القدرة فذليل". ويفسر سماحته حالة الوهم في القوة الخارجية –
المستوردة، في كون المنطلق غير آمن وغير رصين، وهو الغرائز والنزعات
النفسية التي تدفع الانسان لاتخاذ القرارات والمواقف بعيداً عن الحكمة
والعقل، لذا يقول سماحته: "من كان محكوماً بقدرات الغرائز في نفسه فقد
شمله الذل، وإن كان يتظاهر بالعزّة، وما العزّة التي يتسمّى بها إلا
قشرة ظاهرية ولكنه في الحقيقة ذليل، لأنه اسير شهواته، ولا فرق في ذلك
بين شهوة المال او شهوة الجنس او حب الظهور..".
واذا كان الاستقواء بالآخرين بهدف الاعتزاز والاعتداد بالنفس، تحتل
مساحة لا بأس بها من واقعنا الاجتماعي، فان هنالك مصاديق من الماضي
والحاضر عن الاعتزاز من خلال القوة الحقيقية، فهذا الصحابي الجليل، أبو
ذر الغفاري –رضوان الله عليه- الذي يُعد مثالاً بارزاً على رفض
الاستقواء بالباطل والظلم، رغم حاجته المادية الشديدة، إلا انها لم تكن
بأي حال من الاحوال مبرراً لأن يتقرب او يتزلف الى هذا الحاكم او ذاك،
بل العكس تحمّل وكابد الآلام المريعة وضحى براحته، لكنه كسب العزّة
الحقيقية. فقد روي أن عثمان أرسل اليه بحفنة من الدراهم، ثم دبّر له
حيلة لإجباره الى القبول، ظناً منه أنها تنطلي على ذاك الصحابي
النحرير، فجاءه العبد المرسل، وقال له: إقبلها.. فان فيها عتق رقبتي،
فأجابه أبو ذر: إن كان فيها عتقك ، فان فيها رقّي، وأنا قطعت علائق
الدنيا لئلا أكون عبداً لغير الله".
وهل يعني هذا، أن مصدر العزّة الحقيقية تقتضي أن نكون ممن يعيش
جشوبة العيش وقسوة الحياة، ولا بما وهبه الله لنا..؟
لنلاحظ الشعوب التي حققت الانتصارات في مسيرة الكفاح والتحرر،
والاخرى التي مضت أشواط في طريق التقدم الاقتصادي، كلها اعتمدت على
قواها الذاتية وقدراتها الداخلية، وهذا لم يتأت بيوم وليلة، إنما من
خلال عملية تغيير وبناء طويلتين ربما تدوم لسنوات حتى يتمكن الإنسان
الصيني – مثلاً- او الهندي من حالة الكسل والهزيمة النفسية والتخاذل
واللامسؤولية، الى حالة التعلّم والتثقيف ثم اكتساب العلوم والمعارف من
كل مكان، بما يصنع من نفسه هو مصدر قوة للآخرين. |