الانتخابات وترسيخ نموذج المستقبل

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: تعود تجربة الانتخابات في العراق الى عقود بعيدة، فقد تم اختيار نواب للبرلمان العراقي ابان الحكم الملكي، قبل الاطاحة بالعرش في عام 1958، وأجريت انتخابات من هذا النوع في ظل حكومة نوري السعيد، بمعنى أن تجربة الانتخابات ليست جديدة على العراقيين، ولكن الاسس الصحيحة لها لم يتم وضعها كما يجب، فضلا عن عدم تطور هذا الحق الانساني السياسي، في ظل حكومات عسكرية فردية، تعاقبت على حكم العراق باسلوب الانقلابات، وغالبا ما كانت تسيطر على السلطة بالنار والحديد بعيدا عن مبدأ التداول السلمي.

بعد عام 2003 شارك العراقيون في دورات انتخابية عديدة، لاختيار أعضاء مجلس النواب، وكذلك شاركوا في اكثر من دورة في انتخاب مجالس المحافظات، وهكذا نستطيع القول أن الناخب العراقي، اصبح صاحب معرفة بالحق الانتخابي، كما انه بدأ يدرك قيمة صوته لاول مرة في التأريخ الحقوقي لهذا الشعب، وقد بدأت ظاهرة تنبيه الناخب للمرشح تظهر علنا في وسائل الاعلام، حيث يعلن المواطن سخطه ونقمته على النواب الذين منحهم صوته سابقا وقابلوه بالاهمال!، لهذا يرفض الناخب ان يقع في الخطأ نفسه مرتين، فيما يتعلق بمنح صوته الانتخابي بصورة عشوائية، وهكذا أصبح العراقيون يدركون قيمة الصوت الانتخابي، بعد أن كان لا يمثل لهم شيئا، ولا يعيرونه اهتماما من بعيد او قريب، يسبب شكلة النتائج وثبات نتيجة الانتخابات مسبقا لصالح الحاكم، أما اليوم فقد تغير الامر فعلا، واصبح المرشح ايضا يعي اهمية اقناع الناخب للحصول على صوته!.

في المشهد الانتخابي النيابي الراهن، سوف يشارك ملايين الناخبين في اختيار ممثلين لهم في مجلس النواب القادم، في الثلاثين من نيسان الجاري، وسوف نستطيع من أن نلمس خطوات التكوين لهذه العملية الديمقراطية، كذلك يمكننا ملاحظة بعض التصحيحات للاخطاء التي حدثت في الدورات الانتخابية السابقة، بمعنى هناك ثقافة انتخابات تتبلور شيئا فشيئا، تتعلق بالطرفين الفاعلين في هذه العملية وهما الناخب والمرشح، ولكن من جانب آخر هناك فوضى في هذا المشهد، منها طريقة عرض صور الناخبين مثلا، او عدم اهتمامهم بالبرامج التشريعية المقبلة، بقدر اهتمامهم بالوعود التي تلبي حاجات المواطنين الآنية التي تتعلق بالطعام واكساء الشوارع وما شابه، في حين لم نلحظ اهتماما بعقد الندوات وشرح البرامج والمشاريع الكبرى التي تهتم بالبنية الاساسية للدولة، في مجالات الاقتصاد والتعليم والصحة والمشاريع الكبرى التي تتعلق بالسكن، وسواها، في المقابل هناك نوع من التبسيط في المطاليب التي يطرحها الناخب، تدل على وعي ركيك بسقف التطلعات والاهداف.

بمعنى أننا لم نلحظ وعيا كافيا لدى الناخب، خاصة انه المسؤول الاول والاخير في تطوير البلد، وتطوير نفسه ايضا، من خلال وعيه لقيمة صوته ومنحه للنائب الذي يستحقه فعلا، على اساس الكفاءة والقدرة على النهوض بالبلد، وبما ينسجم مع المؤهلات التي يحملها المرشح، وليس على اساس الانتماء العشائري او المناطقي او العلاقات الساذجة، او الوعود التي لا يتحقق منها شيء، لأنها أساسا وعود انتخابية كاذبة!. 

وهكذا يشترك الطرفان الناخب والمرشح، في أهمية تصحيح المشهد الانتخابي، والابتعاد عن  الفوضى والعشوائية وترسيخ الانتخابات كثقافة، ونشرها كسلوك يتبلور نتيجة للوعي الثنائي للطرفين، الناخب والمرشح، لأننا لا زلنا نؤسس للاجيال القادمة، فعالية انتخابية يمكن ان تبني الدولة او تتركها قابعة في حضيض التخلف، نعم هذه هي مسؤوليتنا المشتركة، إنها مسؤولية خطيرة، لا تتعلق فقط بحياتنا الراهنة، نحن ندلي بأصواتنا حتى نحصل على ممثلين ونوابا قادرين على بناء الدولة المدنية والمجتمع المتعاون، هذا امر صحيح، ولكننا نشترك الآن في تأسيس قواعد راسخة للديمقراطية وللحريات والحقوق، إننا ببساطة مسؤولون عن بناء ثقافة انتخابات نزيهة عادلة لنا وللاجيال القادمة.

والسؤال هنا، كيف يمكن أن يتحقق هذا الهدف الجوهري، إنه لن يتحقق من خلال الفوضى التي نلاحظها الان في المشهد الانتخابي، والفوضى كما ذكرنا يشترك فيها الطرفان، الناخب والمرشح، فالناخب مثلا غير منظّم بخصوص البرنامج او المشروع الانتخابي وطرحه على الناس، وتكاد تكون البرامج متشابهة ومستنسخة عن بعضها، ويضعف فيها الابتكار والتجديد والعلمية ايضا، أما الناخب فقد أسهم بهذه الفوضى عندما جعل الانتماء الضيّق معيارا او دافعا لاختياره لهذا المرشح أو ذاك!. فالعراق يحتاج الان الى مرشح مسؤول متميز، وناخب يدرك مسؤوليته التاريخية في ترسيخ ثقافة انتخابات نموذجية للحاضر والمستقبل.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 13/نيسان/2014 - 11/جمادي الآخر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م