السلام الفلسطيني والإسرائيلي... اوهن من خيط العنكبوت

 

شبكة النبأ: ليس بالأمر الجديد، ان يفشل المفاوضون الإسرائيليون والفلسطينيون، ومن خلفهما الولايات المتحدة الامريكية، وربما لن يكون هذا الفشل هو الأخير، كما لن يكون نهاية الطريق، فتاريخ المفاوضات التي جمعت النقيضين "الفلسطيني والإسرائيلي"، هو من يخبر المتابع ان التعثر والتصعيد الذي حدث اليوم، هو مشابه لسيناريو الامس وان اختلفت الوجوه والآمال.

وأشار أغلب المحللين الى ان العداء وانعدام الثقة المتبادل بين الحكومتين، صعب كثيراً من مهمة الولايات المتحدة في لم شمل المفاوضين او التوصل الى صيغة توافقية للبدء بمحادثات أكثر جدية والتزاماً.

كما يرى اخرون ان الولايات المتحدة كانت على علم ان طريق السلام الفلسطيني- الإسرائيلي سوف يصل في نهاية المطاف الى هذا المنعطف الحاد، والذي يحتاج الى تخفيف السرعة وتلطيف الأجواء، وربما الى صدمة دبلوماسية او ضغط ما، لإجبار الطرفين على فعل خطوة تشجيعية تعوض فيها الولايات المتحدة جهدها ووقتها الذي منحته بسخاء للشرق الأوسط ولإحلال السلام المفترض في بؤرة الصراع للشرق الأوسط.  

فقد استمرت المحاولات الأمريكية لإنقاذ محادثات السلام في الشرق الأوسط من الانهيار دون بادرة تذكر على إحراز تقدم بعد أن التقى المفاوضون وسط تهديدات من إسرائيل بالرد على ما اعتبرته خطوات فلسطينية من جانب واحد سعيا للحصول على وضع الدولة، ودخلت المفاوضات التي تجري بوساطة أمريكية مرحلة الأزمة بعد أن امتنعت اسرائيل عن تنفيذ وعدها بالإفراج عن نحو 25 أسيرا فلسطينيا وطالبت الجانب الفلسطيني بإبداء التزامه بمواصلة المحادثات بعد انتهاء المهلة المتفق عليها بنهاية الشهر.

ورد الرئيس الفلسطيني محمود عباس على ذلك بتوقيع 15 طلبا للانضمام إلى اتفاقيات عالمية من بينها اتفاقيات جنيف -التي تتضمن القواعد الخاصة بالحرب والاحتلال- باسم دولة فلسطين في خطوة تتسم بالتحدي فاجأت واشنطن وأغضبت إسرائيل، وقالت جين ساكي المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية إن الجانبين ومبعوثا أمريكيا أجروا محادثات "جادة وبناءة" "لبحث سبل التغلب على الأزمة في المحادثات" واجتمعا مرة اخرى.

وفي بيان صدر في وقت لاحق تعقيبا على الاجتماع قالت ساكي "لا تزال توجد فجوات لكن الجانبين ملتزمان بتضييق هذه الفجوات"، وأشار وزير الخارجية الأمريكي جون كيري إلى انه قد يقلص جهوده للوساطة بسبب "اجراءات غير مفيدة" من الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، وقال إنه "حان الوقت للتحقق من مدى واقعيتها" وإن واشنطن ستعيد تقييم دورها.

وكانت تصريحات كيري اعترافا واضحا بأن المحادثات لا تسير على ما يرام في إشارة على وجود حدود لصبر الولايات المتحدة ومناورة تكتيكية لإجبار الجانبين على تحديد ما اذا كانا يريدان مواصلة المفاوضات، وقال جون ألترمان مدير برنامج الشرق الأوسط بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن إنه يعتقد أن الحكومة الأمريكية تدرس كيفية التهوين من خطر انهيار المحادثات لكنه أكد أنه لا يزال من الممكن إنقاذ عملية السلام.

وأضاف "عدم التفكير في عواقب الانهيار سينم عن عدم مسؤولية ولكن ليس واضحا ان كان سيحدث انهيار (للمحادثات)"، وتابع "يمكن القول بان استراتيجية الإدارة تمثلت على الدوام في الإبقاء على تحريك الأمور بالقدر الذي يحول دون حدوث انهيار ولم يتضح ما اذا كانت تلك الإستراتيجية قد حققت الغرض المرجو منها."

ولم تثر الخلافات أي اهتمام يذكر على مستوى المواطن العادي بعد أن اعتاد الإسرائيليون والفلسطينيون على الصراع وجمود مفاوضات السلام على مدى عشرات السنين، ومع اقتراب عيد الفصح اليهودي تركز العنوان الرئيسي لصحيفة يديعوت احرونوت الاوسع انتشارا في اسرائيل على محنة الفقراء ونشرت تقريرا عن محادثات السلام أسفل الصفحة السادسة.

ولم يحضر جلسة مناقشة خاصة لعملية السلام في الكنيست سوى أقل من 20 نائبا من اجمالي الأعضاء المئة والعشرين، وفي قرية قريبة من مدينة رام الله بالضفة الغربية علق حلاق فلسطيني على المفاوضات قائلا "كلنا مشغولون بسداد فواتيرنا، الأسعار ارتفعت والوظائف شحيحة جدا"، ووصف مسؤول اسرائيلي الاجتماع بأنه "عملي" لكنه لم يذكر تفاصيل، وقال مسؤول فلسطيني إن الجانب الفلسطيني طرح شروطه لإطالة أمد مفاوضات السلام بعد انقضاء موعدها الاصلي في 29 من أبريل نيسان.

وواجهت محادثات السلام صعوبات منذ بدأت في يوليو تموز الماضي بسبب معارضة الفلسطينيين لمطلب اسرائيل الاعتراف بها كدولة يهودية وبسبب المستوطنات المقامة على الأراضي الفلسطينية.

وقال مسؤول كبير في حركة فتح إن الفلسطينيين يريدون تعهدا مكتوبا من حكومة نتنياهو تعترف فيه بدولة فلسطينية على اراضي الضفة الغربية وقطاع غزة اللتين استولت عليهما إسرائيل في حرب عام 1967 على أن تكون القدس عاصمة لها.

ووصفت إسرائيل حدود 1967 بأنها لا تسمح لها بالدفاع عن نفسها وهي تعتبر القدس الشرقية جزءا من عاصمتها رغم أن ذلك لا يلقى اعترافا على المستوى الدولي، وانسحبت اسرائيل من غزة عام 2005، وقال مسؤول حركة فتح إن الفلسطينيين يطالبون بوقف الأنشطة الاستيطانية وإطلاق سراح الأسرى. بحسب رويترز.

ويخشى الفلسطينيون أن تحرمهم المستوطنات التي تعتبرها أغلب الدول غير قانونية من إقامة دولتهم ونددوا بسلسلة من مشروعات البناء الإسرائيلية التي أعلنت أثناء المفاوضات، وأوضح مؤشر شهري للسلام نشره معهد اسرائيل للديمقراطية وجامعة تل أبيب في مارس اذار أن 69 في المئة من الاسرائيليين "لا يصدقون إلى حد ما" أو "لا يصدقون على الإطلاق" أن المفاوضات ستؤدي إلى سلام.

وأظهر استطلاع أجراه مركز أبحاث فلسطيني الشهر الماضي في الضفة الغربية وقطاع غزة أن حوالي ثلاثة أرباع من شملهم الاستطلاع يعتقدون أن فرص إقامة دولة فلسطينية في السنوات الخمس المقبلة إما ضعيفة أو معدومة.

خطوات من جانب واحد

من جانبه هدد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بمعاقبة الفلسطينيين على خطوات اتخذوها من جانب واحد باتجاه قيام دولة وقال إن إسرائيل ترغب في مواصلة محادثات السلام التي تجرى بوساطة أمريكية ولكن "ليس بأي ثمن"، ولم يحدد نتنياهو على الفور التحرك الذي ربما يقدم عليه بعدما وقع الرئيس الفلسطيني محمود عباس 15 اتفاقا دوليا معظمها عبر الأمم المتحدة، وتخشى إسرائيل من أن تعزز مثل هذه الخطوة من موقف الفلسطينيين أمامها.

وقال الفلسطينيون إن عباس اتخذ الخطوة ردا على عدم التزام إسرائيل بتعهدها بإطلاق سراح عشرات الأسرى الفلسطينيين، وقالت إسرائيل إنها تريد التزاما فلسطينيا باستمرار المفاوضات بعد نهاية الشهر الجاري، وقال نتنياهو أثناء الاجتماع الأسبوعي للحكومة الإسرائيلية "لن يحقق (الفلسطينيون) دولة إلا عبر المفاوضات المباشرة وليس من خلال الاعلانات الجوفاء أو الخطوات من جانب واحد التي ستطيح باتفاق السلام بعيدا.

وفي مقابلة مع راديو الجيش الإسرائيلي عبر صائب عريقات كبير المفاوضين الفلسطينيين عن استيائه من دعوات وزراء في الحكومة الإسرائيلية إلى فرض عقوبات اقتصادية على السلطة الفلسطينية برئاسة عباس، وتساءل عريقات عن السبب الذي يدفع الإسرائيليين إلى تهديد الفلسطينيين وكأنهم يرسلون الانتحاريين إلى تل أبيب.

وفي مدينة رام الله بالضفة الغربية قالت صفاء ناصر الدين وزيرة الاتصالات الفلسطينية إن إسرائيل أبلغت شركة الوطنية موبايل أنها لن تسمح لها بعد ذلك بإدخال معدات إلى قطاع غزة الذي تخطط لتشغيل شبكة للهواتف المحمولة فيه.

وأضافت الوزيرة "الشركة الوطنية أبلغتنا أن الجانب الإسرائيلي أبلغهم بوقف ادخال المعدات الى قطاع غزة، هذا قرار مجحف بحق فلسطين وبحق المواطن الفلسطيني لأنه تهديد بوقف التعاون مع الجانب الفلسطيني"، وكانت إسرائيل التي تفرض قيودا صارمة على مرور الناس والبضائع عبر حدود غزة قد سمحت للشركة بإدخال أجهزة إلى القطاع الذي تديره حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بعد استئناف محادثات السلام مع عباس في يوليو تموز.

والوطنية موبايل ملك لصندوق الاستثمار الفلسطيني والشركة الوطنية للاتصالات المتنقلة في الكويت، وقال نبيل أبو ردينة وهو متحدث باسم عباس "إسرائيل هي من تقوم بخطوات أحادية من خلال مواصلة عمليات الاستيطان وعدم الالتزام بإطلاق الدفعة الرابعة من الأسرى.

وواجهت المحادثات صعوبات منذ أن بدأت وتعثرت بسبب رفض الفلسطينيين طلب إسرائيل الاعتراف بها كدولة يهودية وبسبب قضية الاستيطان، وفي بيان بشأن توقيع عباس للاتفاقات الدولية دعت منظمة هيومن رايتس ووتش ومقرها نيويورك الولايات المتحدة إلى دعم مسعى الانضمام إلى معاهدات أساسية لحقوق الإنسان وقوانين الحرب بدلا من معارضته.

وقال جو ستورك نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط في المنظمة "من المزعج أن تعارض إدارة الرئيس (الأمريكي باراك) أوباما التي يحفل سجلها بالتصدي للمحاسبة الدولية عن الانتهاكات الإسرائيلية للحقوق خطوات تبني معاهدات تلزم السلطات الفلسطينية باحترام حقوق الإنسان"، وأضاف أن الولايات المتحدة يجب أن تشجع الفلسطينيين والإسرائيليين على مزيد من الاحترام لحقوق الإنسان.

آمال أمريكا

بدوره ومنذ لحظة استئناف محادثات السلام في الشرق الأوسط في يوليو تموز الماضي كان الأمر يبدو دوما كما لو أن وزير الخارجية جون كيري متلهف على التوصل لاتفاق أكثر من الفلسطينيين والإسرائيليين أنفسهم، ورغم أن الخصمين العتيدين قالا مرارا إنهما يريدان التحدث لم يبد أي منهما استعدادا ولو من بعيد لتقديم تلك التنازلات التي يمكن أن تقود في النهاية للسلام، وحين اعترضت طريق المفاوضات التي تقودها الولايات المتحدة عقبات كبرى، لم يكن ذلك بسبب القضايا الجوهرية التي أذكت الصراع القائم منذ عقود وإنما بسبب كيفية الحفاظ على المحادثات غير المثمرة وتجنب تحمل اللوم على الفشل.

وبعد أن أطلق كيري صفارة بدء أحدث مسعى للسلام بحماسته المعهودة أشار بعد ثمانية أشهر إلى أنه سيقلص دوره حال استمرار العملية وهو ما ينم عن إحباطه المتزايد في الأيام الأخيرة، وقال خلال زيارته الجزائر "في النهاية يمكنكم، كما تعلمون جميعا يا أصدقائي، إعطاء دفعة هنا أو دفعة هناك، لكن يتعين على الأطراف نفسها أن تتخذ قرارات جوهرية وتقدم تنازلات، القادة يجب أن يقودوا".

وخلال زيارته المغرب قال "هذه ليست جهودا الى ما لا نهاية ولم تكن قط، إنه وقت العودة للواقع ونعتزم ان نقيم بدقة ماذا ستكون الخطوات القادمة"، وكان كيري قد زار المنطقة أكثر من عشر مرات خلال ما يزيد عن العام بقليل، وفي المرة الأخيرة ترك كل مهامه وطار لليلة واحدة إلى القدس لمحاولة إيجاد سبيل لبلوغ الهدف الصعب المتمثل في قيام دولة فلسطينية ذات سيادة، وألغى كيري رحلة العودة للمنطقة التي كان يعتزم القيام بها وقال للصحفيين في مؤتمر صحفي لاحق إن الوساطة الأمريكية "جيدة مادام استعداد الزعماء لتقديم تنازلات فعلية جيدا".

وقالت حنان عشراوي عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية "لسنا هنا لنلعب، فهذه مسألة تتعلق ببقائنا"، وأضافت قائلة "على مر التاريخ لن يجدوا شخصا بمرونة واستعداد الرئيس أبو مازن لإنجاح مهمة كيري" مستخدمة كنية عباس، لكن وزيرا إسرائيليا رأى الأمر من منظور مختلف تماما.

وقال الوزير الذي طلب عدم نشر اسمه لحساسية المسألة "إنني لأنظر إلى الطريقة التي يتصرف بها الفلسطينيون وأسأل نفسي هل يريدون دولة حقا؟"، وتابع قائلا "ما يقولونه هو: إذا لم نحصل على 100 في المئة مما نريده فلا نريد شيئا على الإطلاق، ونحن كحكومة إسرائيلية يمينية نعرض 90 في المئة مما يريدونه، ولو كانوا يسعون لدولة حقا لقالوا نعم.

ويقول الفلسطينيون إنهم قدموا تنازلا كبيرا بالفعل عام 1993 عندما وافقوا على قيام دولتهم على الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1967 والتي تمثل 22 في المئة فقط من فلسطين تحت الانتداب البريطاني، وفي الشهر الماضي قال ياكوف أميدرور الذي عمل مستشارا للأمن القومي في حكومة بنيامين نتنياهو حتى نوفمبر تشرين الثاني الماضي إن العالم لم يدرك حجم التنازلات التي تبدي إسرائيل استعدادا لتقديمها.

ورغم أنه أدان الفلسطينيين لعدم تقديمهم "تنازلا واحدا" قال إنه يتفهم المأزق الذي هم فيه، أقر كيري علانية بانعدام الثقة بل وبالكراهية المتبادلة بين الجانبين، وفي أوج تفاؤله بالتغلب على العقبات الأخيرة اقترح مكتبه أن تفرج الولايات المتحدة عن الجاسوس الإسرائيلي جوناثان بولارد مقابل تقديم تنازلات من جانب إسرائيل.

وكان هذا سيمثل نصرا لنتنياهو الذي طالما ناصر قضية بولارد، لكن إطلاق سراح بولارد لم يكن لييسر السبيل أمام اتفاق سلام كامل أو يعالج أي قضية ذات صلة، وقال كيري "الشجار الحالي، الخلاف، ليس على القضية الجوهرية المتمثلة في اتفاق الوضع النهائي بل على العملية التي تقود إليها".

ويزن كل من الخصمين أفعاله وتصريحاته بحرص كيلا يلقى عليه باللائمة في الفشل الذي سيلحق ضررا أكبر بسجل السياسة الخارجية الأمريكية في المنطقة، ويساعد هذا في تحقيق هدف نتنياهو المتمثل في إبقاء الوضع على ما هو عليه وهو ما توفره المحادثات، أما عباس فيريد ضمان استمرار المعونات الأمريكية وستتحسن صورته داخليا إن أمكنه نيل الإفراج عن عدد آخر من السجناء.

لكن لا الشعب الفلسطيني ولا الإسرائيلي يعتقد فيما يبدو أن المفاوضات ستفضي إلى شيء وتتعالى الأصوات التي تطالب كيري بأن يسدل الستار، ونشرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية اليومية ذات التوجه اليساري عنوانا على صفحتها يقول "ارجع بلدك يا سيد كيري، ارجع بلدك"، "الخروج الأمريكي من عملية السلام هو فقط الذي يمكن أن يحدث العلاج بالصدمة الذي يحتاجه الإسرائيليون والفلسطينيون".

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 12/نيسان/2014 - 10/جمادي الآخر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م