أمريكا وإيران وإسرائيل.. صراع الدبلوماسية الناعمة والخشونة السياسة

 

شبكة النبأ: ان صراع القوى الإقليمية، والبحث عن دور مهم وحيوي، وعملية الاستقطابات الدولية التي تلاحظ بكثرة في المشد الدولي العام، كلها علامات تدلل على أهمية التركيز تجاه التفاهمات التي تجري بين الدول من اجل احتواء الخلافات، والبحث عن حلول سلمية ومنطقية لمشاكل الصراع والنفوذ، سيما وان النتائج المثمرة غالباً ماتي عن طريق الحوار والدبلوماسية، بدلاً من استخدام القوة المفرطة او غيرها من الأساليب.

ويبدو ان النهج الأول "استخدام القوة" هو ما تحبذه إسرائيل تجاه إيران وكل من يقف بالضد منها، سيما وان عقيدة قادتها تقوم على مبدئ استخدام القوة فقط من اجل حماية امنها.

فيما تحاول الولايات المتحدة الأمريكية سلوك الطريق الاخر "الدبلوماسية"، والذي اعطى ثماراً اوليه قد تؤدي الى اتفاق تاريخي ونهائي.

على اثر هذا الاختلاف في الموقفين حصل اشتباك كلامي بين الحليفين الرئيسين، أمريكا واسرائيل، اجبر البعض على الاعتذار واخرين على الانسحاب.

من هنا يبدو ان إسرائيل تسعى بجهد جهيد لكبح تأثير موجة من الجهود الدبلوماسية الدولية لم تكن في صالحها عبر زيادة مطالبها المتعلقة بأي اتفاق نهائي بين ايران والقوى العالمية، لذلك احس الإسرائيليون بان أمريكا اخذت في العمل خارج السياق الإسرائيلي، خصوصا ان أمريكا قد أصابها التذمر من مطالب إسرائيل المدللة المدعومة من الكونغرس الأمريكي المرتهن بلوبيات الضغط اليهودي.

فقد يواجه وزير الدفاع الإسرائيلي موشي يعلون مشكلة مع الولايات المتحدة من جديد بسبب انتقاده اللاذع للحليف الرئيسي لبلاده والذي زاد من توتر علاقاتها المشحونة بالفعل مع إدارة الرئيس باراك أوباما.

ويحجم يعلون "الجنرال المتشدد السابق الذي يحظى بشعبية واسعة في إسرائيل لكونه مباشرا وواضحا في تصريحاته ولا يخجل من الحديث بصراحة في موضوعات الحرب والسلم" على ما يبدو، عن إظهار تراجع كامل عن كلماته اللاذعة تجاه واشنطن، وأصدر يعلون تصريحات يبدي فيها أسفه لأي إساءة قد صدرت عنه لكنه لم يتراجع عن مضمون هجومه اللاذع على شخص وزير الخارجية الأمريكي جون كيري في يناير كانون الثاني.

ففي انتقاد آخر أبدى يعلون خيبة أمل شديدة من معالجة الرئيس الأمريكي أوباما للقضايا العالمية المشتعلة ولم يتراجع عن اتهامه لأقوى قوة كبرى في العالم بأنها تظهر ضعفا في الخارج، وقال مستشار سابق ليعلون "بوجي (يعلون) لا يستسيغ فكرة تصويب كلامه"، وقال ردا على سؤال عما قد يكون هدف يعلون من انتقاد الولايات المتحدة "الله أعلم".

ووصف يعلون وزير الخارجية الأمريكي في يناير كانون الثاني بأنه يتصرف في مسعاه لإحلال السلام بين إسرائيل والفلسطينيين وكأنه "المخلص المنتظر"، واتصل كيري برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للاحتجاج على ما وصفه بأنه أقوى هجوم من وزير دفاع إسرائيلي على مسؤول أمريكي كبير.

وبعد اتصال كيري قالت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) إن وزير الدفاع الأمريكي تشاك هاجل الذي تربطه علاقات جيدة بيعلون اتصل معه تليفونيا ليبدي له "قلقه العميق" من تصريحاته عن السياسة الأمريكية تجاه إيران، وأضاف البنتاجون أن يعلون أكد لهاجل بدوره التزامه بالعلاقات الثنائية بين إسرائيل والولايات المتحدة، ولم يظهر نتنياهو ميلا قويا لكبح يعلون على الأقل علنا، والعلاقات بين رئيس الوزراء وأوباما متوترة بسبب خلاف حول كيفية التعامل مع البرنامج النووي الإيراني وجهود السلام مع إسرائيل.

وقال مسؤول إسرائيلي إن يعلون البالغ من العمر 63 عاما الذي عين وزيرا للدفاع قبل عام يظهر عدم دراية بالمناصب العليا في الحكومة، وقال المسؤول وهو عضو في حزب ليكود اليميني الذي يتزعمه نتنياهو عن يعلون "هذه هي المرة الأولى التي ينضم فيها إلى نادي الكبار وتسبب في مشكلتين كبيرين".

وتشير استطلاعات للرأي أجريت في الآونة الأخيرة إلى أن يعلون هو الوزير الأكثر شعبية في حكومة نتنياهو، ولا يرى المسؤول أي استراتيجية داخلية مستترة في تصريحات يعلون لكنه يرى أنه معتاد على أن يبوح بما يدور في عقله في حين أنه كان من الأفضل له ألا يقول شيئا، وكان يعلون (وهو رئيس سابق لأركان الجيش) قال في محاضرة بجامعة تل أبيب إن إسرائيل لا تستطيع الاعتماد على حليفها الرئيسي في أخذ زمام المبادرة في المواجهة مع إيران بشأن برنامجها النووي، وساق أيضا أزمة أوكرانيا مثالا على أن واشنطن "تظهر ضعفا".

وأصدر مكتب يعلون بيانا في وقت لاحق يقول إنه لم يقصد أي انتقاد أو إساءة تجاه واشنطن في تصريحاته، لكن البيان لم يقدم أي اعتذار، وقال البيان إن يعلون قال لهاجل في مكالمة هاتفية "العلاقات الاستراتيجية بين بلدينا لها أهمية قصوى وأيضا علاقاتنا الشخصية ومصالحنا المتبادلة". بحسب رويترز.

وأشار مسؤولون أمريكيون نددوا بتصريحات يعلون باعتبارها غير بناءة وغير دقيقة ومشوشة إلى أنه لن يكون للخلاف تأثير طويل المدى على العلاقات مع إسرائيل، وأشار المتحدث باسم البيت الأبيض جاي كارني إلى "التزام لا يتزعزع بأمن إسرائيل" وتحدثت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية جين ساكي عن "شراكة متينة"، وليعلون سجل في الخروج عن الصف بخصوص ما يتصور أنه مخاطر غير معقولة، واختصرت مدة ولايته كرئيس للأركان بعد أن اعترض على خطة إسرائيل لسحب المستوطنين والجنود من قطاع غزة في عام 2005.

وأشار بعض المعلقين الإسرائيليين إلى أن يعلون عبر عن انتقاداته في مجالس خاصة أو في أحاديث ليست للنشر مع صحفيين أو في محاضرة عامة في الجامعة وتساءلوا هل هو ساذج في تصوره أن هذه التصريحات لن يجري تسريبها، وشكك مقال في صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية الأفضل مبيعا صراحة في ذكاء يعلون، وكتب المعلق سيما كدمون في مقال "لنسمي الأشياء بأسمائها: إما وزير الدفاع يعرف شيئا لا نعرفه (أو لنقل بدقة) إنه ببساطة أحمق"، وتابع "هذه هي الطريقة الوحيدة لتفسير سلوك أهم وزير في الحكومة الذي قد تؤدي تصريحاته عن الإدارة الأمريكية إلى كارثة بالنسبة لأهم، علاقة بالنسبة لدولة إسرائيل اليوم".

ضربة عسكرية

الى ذلك ذكرت صحيفة هارتس الاسرائيلية ان وزير الدفاع الاسرائيلي موشيه يعالون قام بتشديد موقفه تجاه ايران بعد تطورات في المحادثات النووية مع الغرب وقد يقوم الان بدعم شن ضربة عسكرية اسرائيلية احادية الجانب، وحتى الان، عارض يعالون شن ضربة عسكرية اسرائيلية ودعم تدخلا عسكريا اميركيا خلافا لرئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو.

وقال يعالون في مؤتمر في جامعة تل ابيب "اعتقدنا بان الولايات المتحدة يجب ان تقود الحملة (العسكرية) ضد ايران، ولكن في مرحلة ما، دخلت الولايات المتحدة في مفاوضات مع ايران وللأسف، عندما يتعلق الامر بالتفاوض في سوق فارسي فان الايرانيين هم الافضل"، وبحسب يعالون فانه "فيما يتعلق بهذا الشأن، يجب علينا التصرف كانه لا يوجد احد يعتني بنا سوى انفسنا".

واضاف وزير الدفاع الاسرائيلي "كل العالم يعرف بان ايران ليست صادقة، ولكن الغربيين يفضلون تجنب المواجهة والانتظار لعام او اكثر، ولكن في نهاية المطاف فان الامر سينفجر"، وتتهم اسرائيل القوة النووية الوحيدة ولكن غير المعلنة في الشرق الاوسط، والدول الغربية ايران بالسعي الى امتلاك السلاح النووي تحت ستار برنامج نووي مدني، الامر الذي تنفيه طهران.

وانتقد يعالون ايضا موقف الادارة الاميركية حول ادارة الازمة الاوكرانية قائلا بان "الولايات المتحدة اظهرت ضعفا ازاء ما يحدث في اوكرانيا"، واكد يعالون ايضا اهمية الدعم العسكري الاميركي لاسرائيل مشددا بانه "ليس معروفا تؤديه، بل من مصلحة" الولايات المتحدة، مؤكدا في المقابل انهم "يتلقون معلومات استخباراتية ذات جودة وتكنولوجيا".

فيما احتج وزير الخارجية الاميركي جون كيري في اتصال هاتفي مع رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو على تعليقات نقلتها الصحافة لوزير الدفاع موشيه يعالون انتقد فيها سياسة الولايات المتحدة حيال ايران، وبعد هذا الاتصال الهاتفي الذي نشرته وزارة الخارجية الاميركية، قدم الوزير الاسرائيلي اعتذاره.

وقالت المتحدثة باسم الخارجية الاميركية جنيفر بساكي ان كيري اجرى اتصالا هاتفيا بنتانياهو ل"الاحتجاج" على تصريحات ليعالون "لا تنسجم" مع الحقيقة، واضافت ان "تعليقاته ليست بالتأكيد بناءة"، مذكرة بان "التزام" الولايات المتحدة حيال امن اسرائيل "ثابت"، وتابعت المتحدثة "نحن بالتاكيد منزعجون للاسباب التي تدفع وزير الدفاع يعالون الى مواصلة القيام بهذا النوع من التعليقات التي لا تعكس بالضبط حجم شراكتنا الواسعة حول مجموعة من الملفات".

ولم يعلق مكتب نتانياهو على الاتصال الهاتفي لكيري، لكن مصدرا في مكتب وزير الدفاع صرح لموقع "واي نت" الاخباري ان نتانياهو تحدث الى يعالون، مضيفا ان على الاخير "ان يهدئ الامور مع الاميركيين"، وبعد اتصال هاتفي بين وزير الدفاع الاميركي تشاك هيغل ونظيره الاسرائيلي يعالون اكد الاخير في بيان انه "لا يوجد في تعليقاته اية انتقادات او اية نية لجرح الولايات المتحدة". بحسب فرانس برس.

وجاء في البيان ان "العلاقات الاستراتيجية بين بلدينا هي من الاهمية القصوى وكما هي العلاقات الشخصية على كافة المستويات"، وكانت تصريحات يعالون تسببت في منتصف كانون الثاني/يناير بتوتر دبلوماسي بين واشنطن وتل ابيب، وقد وجه حينها انتقادا شديد لجون كيري على خلفية جهوده في المفاوضات بين اسرائيل والفلسطينيين، قبل ان يضطر الى الاعتذار منه بعدما وصفت الولايات المتحدة تصريحاته بانها "مهينة"، وفي تصريحاته الجديدة التي نقلتها هآرتس، اعتبر يعالون ان المساعدة العسكرية الاميركية الكبيرة لإسرائيل "ليست خدمة بل تصب في مصلحة" واشنطن.

وقالت بساكي ايضا "نحن مستعدون للمضي قدما ومواصلة بحث عملية السلام" بين اسرائيل والفلسطينيين، في اشارة الى المفاوضات المباشرة بين الجانبين والتي تمكن كيري من احيائها في نهاية تموز/يوليو.

موقف حازم

من جانبهم حث 23 عضوا بمجلس الشيوخ الأمريكي الرئيس الأمريكي باراك أوباما في رسالة على اتخاذ موقف حازم من إيران بعد انتهاء جولة ثانية من المحادثات الخاصة ببرنامجها النووي في العاصمة النمساوية فيينا، وتماثل الرسالة الصادرة عن اعضاء ديمقراطيين بمجلس الشيوخ وعضو مستقل تلك التي أرسلها مجلس النواب إلى أوباما وطالبوه فيها بأن يصر على ابرام اتفاق نهائي لا تستطيع إيران بموجبه بناء أو شراء أي سلاح نووي.

ووقع على رسالة مجلس النواب 395 من بين الاعضاء البالغ عددهم 435 عضوا وأرسلت في الوقت الذي عقدت فيه القوى الست العالمية اجتماعا مع إيران لإقناعها بالحد من أنشطتها النووية، وكان الاجتماع الذي عقد في فيينا هو الثاني في سلسلة اجتماعات تأمل القوى الست وهي الولايات المتحدة والصين وروسيا وألمانيا وفرنسا وبريطانيا ان تسفر عن تسوية قابلة للتحقق تضمن توجيه البرنامج النووي الإيراني للأغراض السلمية فقط.

وقال اعضاء مجلس الشيوخ في رسالتهم انهم أيدوا نهج أوباما السير في مسارين متوازيين وهما العقوبات ضد إيران والتفاوض معها لكنهم طالبوه بإجراءات صارمة من الشفافية والتحقق للتأكد من ان إيران لن تحصل على سلاح نووي، ويتخذ الكونجرس الأمريكي منذ وقت طويل موقفا اكثر تشددا من موقف البيت الأبيض تجاه إيران لكن الرسالة تظهر مدى حساسية القضية حتى بين اعضاء الحزب الواحد.

ونشر مكتب كارل ليفين العضو بمجلس الشيوخ الرسالة التي ارسلها اعضاء مجلس الشيوخ لكن ليفين وكثيرين من اعضاء هذه المجموعة لم يوقعوا على الرسالة التي أرسلها 83 من زملائهم، واتخذت تلك الرسالة التي كان وراءها الديمقراطي روبرت مننديز موقفا اكثر صرامة اذ حثت أوباما على الاصرار على ان ينص اي اتفاق نهائي على ان ايران "ليس لها اي حق اصيل في التخصيب بموجب معاهدة حظر الانتشار النووي."

ولن تكون هذه الفكرة مقبولة من إيران التي تتمسك بحقها في توليد الطاقة النووية لأغراض مدنية بموجب معاهدة حظر الانتشار النووي، ويتعرض الوفدان الأمريكي والإيراني (الطرفان المحوريان في المفاوضات) لضغوط مكثفة من جانب أصحاب المواقف المتشددة في كل من واشنطن وطهران.

رسالة للإيرانيين

فيما بعث الرئيس الأمريكي باراك أوباما برسالة مصورة بالفيديو للشعب الإيراني قال فيها إن هناك فرصة للتوصل لاتفاق نووي مع طهران إذا اتخذت خطوات يمكن التحقق منها تطمئن الغرب بأن أغراض برنامجها النووي سلمية تماما، وأضاف أوباما في رسالة بمناسبة عيد النوروز في إيران "لست واهما، سيكون هذا صعبا، لكنني ملتزم بالدبلوماسية لأنني أعتقد أنها أساس لحل عملي".

وتحاول الولايات المتحدة والقوى الكبرى الخمس الأخرى التوصل إلى اتفاق شامل يمنع إيران من اكتساب القدرة على صنع قنبلة نووية بعد التوصل لاتفاق مدته ستة أشهر دخل حيز التنفيذ في 20 يناير كانون الثاني، وبموجب الاتفاق القابل للتجديد وافقت إيران على الحد من برنامجها النووي مقابل الحصول على ما يزيد على أربعة مليارات دولار من عائدات النفط التي جمدتها العقوبات الغربية.

وتهدف رسالة أوباما في عيد النوروز إلى تعزيز حسن النوايا مع الشعب الإيراني وتشجيعه على الترحيب باتفاق نووي، وقال أوباما "هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق إذا اتخذت إيران خطوات جادة يمكن التحقق منها لطمأنه العالم بأن برنامجها النووي للأغراض السلمية فقط، ستكون إيران قادرة على الحصول على الطاقة النووية السلمية".

وقال أوباما في رسالته بمناسبة عيد النوروز إن الاتفاق الشامل سيساعد على تحرك إيران في مسار جديد وتخفيف المصاعب الاقتصادية التي سببتها العقوبات، وقال "إذا أوفت إيران بالتزاماتها الدولية فنحن نعرف إلى أين يمكن أن يؤدي طريق الحوار وزيادة الثقة والتعاون، سيعني ذلك مزيدا من الفرص للإيرانيين للتجارة وتعزيز العلاقات مع باقي دول العالم".

وأجرى مفاوضون من إيران والولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا والصين وروسيا وبريطانيا محادثات في فيينا، وكان هذا الاجتماع الثاني في سلسلة تأمل القوى الست في أن تصل إلى تسوية بخصوص البرنامج النووي الإيراني وتبدد خطر نشوب حرب جديدة في الشرق الأوسط.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 7/نيسان/2014 - 5/جمادي الآخر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م