شبكة النبأ: في بلاد الاسلام والعرب،
هل هناك دواعٍ للتغيير؟، بمعنى هل الحياة التي نعيشها اليوم، تحقق لنا
الحد الادنى من مواصفات العيش المقبول؟، واذا لم يكن الامر كذلك، فما
هو المطلوب منّا؟، هل نستكين ونقبل على مضض بحياة بائسة؟، لا تستجيب
لتطلعات الانسان، أم نبحث عن البديل، أو التغيير الى ما يحقق
إنسانيتنا، بطبيعة الحال تحتاج الامم والشعوب والافراد الى التغيير، من
حال الى حال أحسن، هذه القضية الأزلية تشكل جانبا أساسيا من الهمّ
الانساني المتوارَث على مر الاجيال، فالكل يسعى الى تجديد الذات فكرا
وسلوكا، بما يحقق له قفزات نوعية تغيير حياته وتجدد روحه.
تُرى هل هناك قناعة بما يعيشه العرب والمسلمون من واقع مجحف، يحفل
بنواقص لا حصر لها، تتوزع على مجالات كثيرة، تخص كل ما يتعلق بحياة
الإنسان؟، ما المطلوب منا في هذه الحالة؟.
يقول الامام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي
(رحمه الله)، في كتابه القيّم الموسوم بـ(لنبدأ من جديد): (إن الإنسان
في الوقت الحاضر في بلاد الإسلام، أصبح أقل حرية حتى من الطير والوحش
والبهيمة، فإنها تفعل كل ما تشاء لكن الإنسان لا يتمكن أن يفعل حتى
عُشر ما يشاء!!). هكذا هو واقع حال الإنسان في بلاد الإسلام!.
البداية مع الذات
المطلوب إذن، نشر ثقافة التغيير والتشبث بها، وجعلها حاجة لنا مثل
الماء والهواء، ولا تغيير يمضي في المسارات الصحيحة، إذا لم يبدأ
بالنفس، بمعنى أدق، مطلوب أن نبدأ بأنفسنا من اجل تحقيق هدف التغيير،
ولا يستثنى من هذا الشرط، كبير أو صغير، غني او فقير، بسيط أو متعلّم،
كلنا معنيون ومطالَبون بالتغيير، حتى تتجدد روح الأمة بأكملها.
لذا يقول الامام الشيرازي، في كتابه نفسه، حول هذا الجانب: (إن أوّل
التغيير إلى الصلاح أو الفساد هو الإنسان). هكذا هو موقع الإنسان بين
هذين النقيضين، الفساد/ الإصلاح، إنه القول الفصل بينهما، فعندما يبدأ
بتغيير نفسه، ثم الشروع بنشر هذا السلوك بين مختلف شرائح وطبقات
المجتمع، فإنه بذلك يحث إرادته الذاتية، ويحركها في المسارات الصحيحة،
فينبذ الجمود والسكون، ويسعى الى كل ما يساهم في تطوير الذات، ثم
المحيط الاقرب (العائلي)، مستثمرا بذلك جميع الفرص المتاحة للتغيير.
لقد تم خلق الانسان وهو حر، لذلك لا يصح أن يبقى متحجر الفكر، متخلف
في سلوكه، إنه طالما خُلق حرا، لابد أن يستثمر هذه الفرصة العظيمة
ليعيش حريته، ويبدع في مجالات الفكر والعمل والتطوير، وهذا في واقع
الحال لا يمكن أن يتحقق من خطوات جريئة محسوبة مسبقا للقيام بالتغيير
اللازم، نعم لم يكن الإنسان مرغما على شيء محدد، لكنه يبحث دائما عما
يتناسب وطموحاته، إنه دائما يتطلع صوب الأحسن والأكثر تميزا وحضورا،
لذلك طالما كان خيار الحرية في يده، عليه أن يستحدث دائما ثقافة تنحو
الى التغيير في الروح والفعل، في المادة والفكر، في المنهج والسلوك.
لقد أكد الامام الشيرازي في كتابه المذكور نفسه على: (أن الله
سبحانه لم يجعل الإنسان مرغماً على التقدم أو التأخر بل خلقه حراً).
ولهذا عليه ان ينطلق من هذه السمة التحررية، كي يخطط ويرسم الخطوات
الكفيلة بنقله الى امام دائما، وعدم الركون الى حالة اليأس او التكاسل،
أو التعجيز، والبقاء في خانة الضعفاء المتخلفين، إن الحياة الافضل
تحتاج الى عقول متحررة تستثمر حريتها الفطرية الممنوحة لها، بما يحقق
خطوات ونتائج التغيير في روح الفرد والامة معا.
الشعور بالحاجة للتغيير
عندما يواجه الانسان، فردا كان أو مجتمعا، حالة من القهر والبؤس
والظلم، فإنه عند ذاك يشعر حتما بالحاجة الى التغيير، بمعنى ان الرغبة
في التغيير لا تأتي اعتباطا ولا جزافا، ولا هي حالة من النزق الفردي او
الجمعي، إنها تحصل نتيجة لضغوط هائلة يتعرض لها الناس، بسبب ثبات حالات
الجهل والتخلف، وإلهاء العقول بما لا يفيدها، ولا يدفعها خطوة الى امام،
وعندما تقرّ العقول وتثبت او تراوح من المكان نفسه، عند ذاك يتحول
الانسان من كائن يتميز بالتجديد، الى كتلة من اللحم والدم، تأكل وتنام،
ولا تشغل نفسها بالتفكير فيما يطور حياتها، ويغير نظامها الفكري
والعملي، الى طريقة أخرى تتسم بالتجديد.
لذا فإن الحاجة للتغيير غالبا ما تأتي كحاجة للإنسان، حتى يقفز من
حالة أسوأ الى حالة اكثر لياقة بالانسان وكرامته، من هنا يرد في كتاب
الامام الشيرازي المذكور نفسه حول هذا الجانب: (من المعروف والملاحظ
لدى الجميع أن الإنسان عادة لا يطلب ولا يحاول ولا يعمل على تغيير ما
هو عليه أو ما هو فيه من الظروف الاجتماعية أو السياسية أو الاقتصادية
أو الكل معاً إلاّ إذا أحسّ أو تيقن بأن ما هو عليه بائس أو غير نافع
أو بحاجة إلى تغيير أو تبديل أو ترميم).
ولكن هناك قضية يتم التركيز عليها، والتذكير بأهميتها دائما، تتعلق
بالتغيير، وأهمية أن يبدأ ذلك بالنفس، فإذا لم يبادر الإنسان الى بث
روح الحماسة والتجديد والتطلع والابتكار، فلا يجد من يقوم بهذا الدور
بديلا له او بدلا منه، وعندما يفكر الجميع بهذه الطريقة الحيوية، فإن
خطوات التغيير سوف تكون شاملة، أي أنها ستشمل الجميع، وسوف تتحول الى
ثقافة ومنهج سلوك، يعتمده المجتمع والفرد في ادارة شؤون حياته كافة.
لذلك يؤكد الامام الشيرازي قائلا في هذا المجال: (إن التجديد يبدأ
من نفس الإنسان، فإنه إذا لم يصلح الإنسان نفسه لا يمكنه تغيير غيره من
بني نوعه أو المحيط المتعلق به، الاجتماعي والسياسي والاقتصادي
والطبيعي وغيرها، وقد قال سبحانه: *إنّ الله لا يغيّر ما بقوم حتى
يغيِّروا ما بأنفسهم*). |