اللافتات الانتخابية

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: في نيسان، الشهر الذي يكون إيذانا بالربيع، ومفتتحا للاكاذيب عبر كذبته الشهيرة، هو شهر الانتخابات بامتياز (تركيا – أفغانستان – العراق).

اللافتة التي اعنيها، ليست اللوحة من الخشب ونحوه، والتي يُكتَب عليها اسمٌ أو شعارٌ لتوجيه النظر إليه، وتجمع على لافتات ولوافتُ. واللافتة أيضا هي ما تصرف وتوجه الوجه والنظر اليها، ما اعنيه باللافتة، هو ما تضمره من معاني ودلالات تحتمل الكثير من التفسير والتاويل، وتكشف عن علاقات القوة والسلطة، وعن الجذور الثقافية والاجتماعية والسياسية لاي مجتمع.

كمدخل للموضوع، اكتشف المخرج السينمائي إيرول موريس أنه لم يقترب قيد أنملة من فهم شخصية وزير الدفاع الأمريكي السابق دونالد رامسفليد، والذي انجز عنه فلما حمل عنوان (المعلوم المجهول) انطلاقا من عبارتين شهيرتين للوزير، وهما (المعروفات المعروفة) و(المجهولات المعروفة) وحاول المخرج ان يكون فلمه وسيلة للتحقيق في سؤال كيف انتهى بنا الأمر إلى الوضع الذي كنا فيه.

سؤال اللافتة العراقية، قريب مما طرحه المخرج، وهو كيف انتهى الامر الى ما نحن عليه، وما هو القادم؟، ونحن على أبواب انتخابات، يظن الكثيرون انها مصيرية في تقرير شكل ووجه العراق القادم، ومنهم من يبلغ به التشاؤم حد الغاء العراق بشكله الحاضر، وان الانتخابات قد تفرز اكثر من وجه ممسوخ نتيجة لتشظي الوجه الحالي.

انطلق السباق الانتخابي في العراق على وقع عدد من الملفات الشائكة:

الملف الأمني: ويتمثل بأزمة الانبار والفلوجة، بشكل رئيسي، وبهرز في ديالى والموصل بشكل ثانوي. وما لهذا الملف من تشابك (طائفي وعرقي).

الملف الاقتصادي: ويتمثل بعدم التصويت على الميزانية العامة حتى وقت كتابة هذه السطور.

وما يستتبع ذلك من مزايدات بين الكتل السياسية، أصبحت هاجسا انتخابيا لها في خطابها الإعلامي الذي يحشد ضد الاخرين.

الملف السياسي: وفيه بعض النقاط التي سبقت اللافتات كمضمون قبل ان تكون شعارا، مثل استبعاد عدد ممن المرشحين من كتل وأحزاب متعددة، اطلقت عليها عملية (استئصال سياسي) بعد التسمية السابقة والتي راجت كثيرا وهي الاجتثاث، اضف الى ذلك، محاولة تقديم المفوضية لاستقالتها احتجاجا على التدخل في عملها، وهو احتجاج توجه بالدرجة الأساس الى السلطة التشريعية، أي مجلس النواب.

الملف الاجتماعي: نجد فيه كل تجليات الملفات السابقة وتوتراتها الشديدة، التي تنعكس على حجم الاقبال على المشاركة والتصويت للمرشحين. وأيضا النظرة الى حضور المرأة الواسع في الانتخابات كمرشحات يتنافسن مع الرجل، في واقع اجتماعي وثقافي، لم يقتنع حتى الان بمشاركتها الفاعلة، بل هي مكملة لديكور ذكوري، يكون رئيس الحزب أو القائمة فحلا من فحول (الطائفة أو العشيرة أو القومية).

يدعم ذلك كله، جذر ثقافي راسخ، تتداخل فيه ولاءات فرعية (الطائفة – العرق – العشيرة) عابرة على الولاءات الرئيسية (المصلحة الوطنية – الهوية الوطنية الجامعة – الدولة - المؤسسات).

كنظرة أولى الى لافتات المرشحين، وما يتوارى خلفها من دلالات ومعاني، يمكن تسجيل بعض الملاحظات:

1 – تحيل اللافتة الى (التذكير) وعبر الأسماء والصور او الاستنساب (الكتلي والحزبي)، الى العديد من ذكريات الخصومات الشخصية بين المرشحين، وأقول شخصية، وأؤكد على ذلك، بحكم طبيعة (الشخصنة) للقضايا الخلافية التي طرأت خلال الدورة السابقة.

2 –الشعارات كمدخل للسخرية، أو (التنكيت) السياسي الذي هو امتداد لما دأبت عليه الكتل والاحزاب طيلة السنوات السابقة من تسقيط خصومها، ليس انطلاقا من برامج عملية للتغيير، أو سياسات بنّاءة، بل وفقا لتصاعد حدة الخلافات والصراعات (الشخصية) على المكاسب والامتيازات.

3 – المرأة وتمظهرها عبر صورتين، احيانا تنتقل من دلالة الى اخرى (بغداد تحديدا) بين السفور والحجاب تبعا لتوزيع الصور على المناطق الجغرافية، اضافة الى بروز ما يسمى (المرشحة الشبح) التي تختفي صورتها تماما عن اللافتة، وتحل بدلا منها صورة الزوج أو الاب أو شيخ العشيرة، وكأن صورتها (المرشحة) عيبا (اجتماعيا) أو محذورا (دينيا).

4 – غياب اللمسات الجمالية والفنية عن اللافتات للمرشحين، والتي تؤشر لغياب (وعي جمالي) لا يمتلكه المرشحون، وهو جزء من غياب هذا الوعي على صعيد المجتمع.

5 - الظهور الطاغي للالقاب العلمية والمواقع التي تصاحب الاسماء في اللافتة (الدكتور –المهندس – المدير – المشرف التربوي – المهندس – القاضي) وغير ذلك، واذا كانت الممارسة الديمقراطية تسمح للجميع بالترشح للانتخابات، فانها بالمقابل تؤشر لخلل فادح في (وعي المسؤولية) وخاصة مايتعلق بالكفاءات الاكاديمية، التي تهرب من قاعات الدرس وبناء الصرح العلمي الى بازار السياسة والمناكفات والصراعات.

تلك بعض الملاحظات الاولية، حول اللافتة الانتخابية، من ناحية الدلالات السياسية والثقافية والاجتماعية، والتي هي تعبير عن (المفكر – اللامفكر) فيه في الوعي السياسي للمرشحين، او الوعي العام للناخبين.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 6/نيسان/2014 - 4/جمادي الآخر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م