بوتين وحلم الوحدة الاورو-آسيوية

 

شبكة النبأ: ما بين مكسب ضم القرم الى روسيا وخسارة دمج أوكرانيا اختياريا يسعى رئيس الدب الروسي فلاديمير بوتين لبناء كيان جديد بتشكيل الاتحاد الاقتصادي الأورو-آسيوي الذي يفترض أن يمثل في نهاية الأمر ثقلا موازيا للاتحاد الاوروبي.

ففي الاونة الأخيرة قد لعبت روسيا بقيادة زعيمها فلاديمير بوتين دورا محوريا في العديد من القضايا الإستراتيجية على المستويين الإقليمي والدولي، كان أبرزها في الأزمة الأوكرانية عندما ضمت القرم بسرعة خاطفة من خلال السياسية بالمواجهة المباشرة مع الغرب، بينما كانت العقلانية السياسية الناعمة إستراتجيتها لفرض نفسها كقوة عالمية عظمى عندما تمكن من تغيير قرار خصمها الغرب وخاصة أمريكا في القضية السورية، وشيئا فشيئا بدأت دولة الدب الروسي تستعيد جاذبيتها على الصعيد الدولي، على حساب التراجع التكتيكي للنفوذ الأمريكي، وذلك من خلال بناء بروتوكولات دبلوماسية عسكرية بثوب ديمقراطي مع معظم دول القارة الصفراء، فربما تستطيع روسيا اليوم من خلال سياسيتها البرغماتية سحب بساط الهيمنة من غريمتها أمريكا خصوصا وبدأت بالتوجه نحو القارة الصفراء بحثا عن مصالح إستراتجية غير مكلفة.

إذ تسعى روسيا الاتجاه صوب آسيا الوسطى وتحديدا الجمهوريات السوفيتية السابقة لبناء الاتحاد الجديد، فمن المرجح أن تنجذب هذه الدول إلى فلك موسكو مع سعيها لاستعادة نفوذها في المنطقة التي ظلت تحكمها طوال معظم فترات القرنين التاسع عشر والعشرين.

فمثلا دولة قازاخستان ورغم أنها أعلنت الاستقلال عن الاتحاد السوفيتي منذ أكثر من 22 عاما وتنتج النفط والغاز الطبيعي وتجري محادثات للانضمام إلى منظمة التجارة العالمية فقد ظل اقتصادها متداخلا بشدة مع اقتصاد موسكو.

لكن في الوقت نفسه يرى بعض المحللين أن الروس في قازاخستان مختلفون جدا عن الروس في القرم الذين لم يعتبروا أنفسهم قط مواطنين أوكرانيين، وهذا الامر يعني صعبة الهيمنة السياسية على هذه البلد من لدن روسيا اليوم.

وفي الاطار نفسه تقربت روسيا من الصين على نحو ايجابي لبناء جسور اقتصادية اكثر متانة، غير أنه رغم البوادر الايجابية من بكين فإن بوتين قد لا يجد في ذلك العناق الذي يتوقعه من الصين، فمازال هناك بعض التوجس بين بكين وموسكو اللتين كادتا تنزلقان إلى مواجهة عسكرية بسبب نزاع حدودي خلال الستينات عندما كانت روسيا جزءا من الاتحاد السوفيتي، لكن في الوقت نفسه فإن الصين مهتمة اهتماما كبيرا بالاستثمار في البنية التحتية والطاقة والسلع الاولية في روسيا وقد يرغم تراجع التعاملات مع الغرب موسكو على التخلي عن بعض تحفظاتها على الاستثمار الصيني في مجالات إستراتيجية.

ويرى أغلب المحللين أن هذا التقارب الصيني الروسي رسالة واضحة إذا أقدمت الولايات المتحدة وأوروبا على عزل روسيا فستتطلع موسكو شرقا لابرام الصفقات التجارية واتفاقات الطاقة والعقود العسكرية والتحالفات السياسية.

ويعد تأييد الصين أمرا أساسيا لبوتين، فالصين ليست عضوا دائما فحسب في مجلس الامن التابع للامم المتحدة له نفس التوجه مثل موسكو بل ثاني أكبر اقتصاد في العالم كما أنها تعارض انتشار الديمقراطية على النمط الغربي.

كما تحظى روسيا بدعم من دولة لها وزنها الاقتصادي في الاونة الاخيرة الا وهي الهند التي على الرغم من أنها  أصبحت أكبر سوق لصادرات الاسلحة الامريكية فمازالت روسيا من موردي الاسلحة الرئيسيين كما أن العلاقات بين البلدين ودية بفضل شراكة استراتيجية ترجع إلى العهد السوفيتي وذلك رغم افتقارها إلى بعد تجاري قوي.

لذا يرى معظم المحللين أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يحاول لعب جميع الأوراق الدبلوماسية بصبغة براغماتية على المستويين المحلي والدولي، وهو ما سمح له بقيادة روسيا منذ اكثر من عقد بيد من حديد، فضلا عما يمتلكه من الحنكة السياسية جسدتها طموحاتها المحلية والدولية التي تمهد الطريق لإعادة توازن القوى مع الغرب وخاصة أمريكا من خلال التطور الاقتصادي والعسكري المتصاعد في الاونة الأخيرة.

وعليه فان المعطيات آنفة الذكر تظهر ان روسيا الحالية تحت قيادة بوتين تتأرجح مابين الصعود كالقوة عالمية عظمى أو قد تكون عرضة لأزمات اقتصادية في حال ما لم يتحقق حلمها بالوحدة الاورو-آسيوية ذات الغاية السياسية بوجه اقتصادي.

الوحدة الاورو-آسيوية

في سياق متصل بعد أن أفلتت الغنيمة الكبرى أوكرانيا من بين أصابع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أصبح من المرجح أن يتجه لقادة الحكم الدكتاتوري في آسيا الوسطى خاصة نور سلطان نزارباييف رئيس قازاخستان لتعزيز هدف إقامة اتحاد أورو-آسيوي من الجمهوريات السوفيتية السابقة.

وقالت ليليت جيفورجيان المحللة لدى آي.اتش.اس جلوبال انسايت "بعد فقد أوكرانيا ستصبح منطقة وسط آسيا مطلوبة بشدة لموسكو في تنفيذ خططها التكاملية"، وكانت قازاخستان على وجه الخصوص إحدى دولتين من الجمهوريات السوفيتية السابقة انضمتا إلى اتحاد جمركي مع روسيا. والاخرى هي روسيا البيضاء.

وكان رد فعل دول آسيا الوسطى - التي تغطي مساحة تضارع مساحة غرب أوروبا تمتد من بحر قزوين إلى الصين - إما التزام الصمت أو إصدار تصريحات بعبارات ذات صياغات حذرة على أحداث أوكرانيا وذلك لتحاشي إغضاب موسكو.

وتشارك هذه الدول بوتين ارتيابه في الحياة السياسية على النمط الغربي ويقيد زعماء قازاخستان وطاجيكستان وتركمانستان وأزوبكستان المعارضة ولم يجرب الديمقراطية البرلمانية سوى قرغيزستان التي تعاني من عدم استقرار مزمن.

ونزارباييف رئيس قازاخستان أغنى الدول الخمس هو أقرب الزعماء لروسيا كما أن بلاده يوجد بها أكبر نسبة من السكان من أصل روسي، وقد قال نزارباييف لبوتين يوم العاشر من مارس اذار الجاري إنه يتفهم موقف موسكو في القرم. وقال إن العمل لاقامة الاتحاد الاقتصادي الاورو-آسيوي سيستمر. بحسب رويترز.

ونقل عنه مكتبه الصحفي قوله في بيان على هامش قمة عن الأمن النووي في لاهاي "التكامل يتيح لنا إزالة الحواجز الجمركية وزيادة القدرة التنافسية. ومن ثم فإن لنا مصلحة عملية محضة لتطوير بلادنا وتحديث الاقتصاد وزيادة حجم ناتجنا المحلي الاجمالي".

لكنه شعر أيضا بضرورة الإشارة إلى أن بلاده ليس لديها نية للخضوع مرة أخرى لحكم موسكو، فقد قال "فيما يخص استقلالنا السياسي فهو مقدس ولن تتخلى قازاخستان عن سيادتها لأحد"، وكان الهدف من هذه الكلمات بوضوح التخفيف من انزعاج بعض مواطنيه، وقال ايدوس ساريم المحلل السياسي في ألما أتا "المجتمع القازاخستاني وأغلب القازاخستانيين يرون في الاحداث في أوكرانيا تهديدا مباشرا لقازاخستان وسلامة أراضيها".

وقال ساريم "في منطقتنا لدينا قازاخستان ولدينا الصين وعندنا سبعة الاف كيلومتر من الحدود المشتركة مع روسيا لذلك فمن الطبيعي ألا تجد شخصا عاقلا واحدا في هذا البلد يقول إنه لن يتعامل مع روسيا"، ولأكثر من 20 عاما ظل نزارباييف (73 عاما) يوجه السياسة الخارجية التي يرى أنها متعددة المحاور بين روسيا والصين والغرب سعيا لصيانة استقلال بلاده، وقال في لاهاي "هذه هي الكيفية التي يتم بها الأمر في الاتحاد الاوروبي حيث تتولى المفوضية الاوروبية معالجة قضايا الجمارك وتنظيم التجارة والرسوم ونقل النفط والغاز والكهرباء والسكك الحديدية والطرق البرية. وستتخذ القرارات النهائية بموافقةالدول الثلاث".

قبل 20 عاما كان اعلان بوتين في الأول من مارس آذار أن من حق روسيا غزو جيرانها لحماية السكان ذوي الأصول الروسية سيثير انزعاجا هائلا في قازاخستان، فعند الاستقلال عام 1991 كان القازاخستانيون يمثلون نحو 40 في المئة فقط من السكان أي نفس النسبة التي يمثلها الروس تقريبا. أما الآن وبفضل الهجرة إلى روسيا وارتفاع معدل المواليد بين القازاخستانيين أصبح الروس يمثلون 22 في المئة تقريبا من السكان والفازاخستانيون نحو 65 في المئة، وفي موسكو مازال بعض القوميين الروس يدعون للاستيلاء على شمال قازاخستان الذي يضم مدنا روسية تاريخيا مثل بتروبافلوفسك.

لكن قبضة نزارباييف المحكمة على السلطة أدت لاختفاء أي بادرة على وجود اتجاه معلن للانفصال مثل الدعوة التي كان يحتضنها حزب الوحدة الروسية في القرم الذي أمسك بزمام السلطة هناك بعد استيلاء مسلحين على مبنى البرلمان الاقليمي نهاية فبراير شباط، وطوى النسيان الان إلى حد كبير نوبات التوتر العرقي التي كانت تحدث بين الحين والآخر في التسعينات. ويلقي نزارباييف العضو السابق في المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوفيتي خطبه باللغتين المحلية والروسية.

أبدى كل من طاجيكستان وقرغيزستان الأفقر كثيرا من قازاخستان استعداده للانضمام إلى الاتحاد الجمركي لكن انضمامهما للاتحاد الاقتصادي الاورو-آسيوي قد يستغرق سنوات بسبب صعوبة وضعهما الاقتصادي.

ومع ذلك فالبلدان يدوران في فلك موسكو بلا فكاك. وفي الوقت الذي تستعد فيه القوات التي تقودها الولايات المتحدة للانسحاب من أفغانستان ضمنت روسيا وجودها العسكري على المدى الطويل في البلدين من خلال المساعدات السخية التي تشمل شطب الديون وشروطا أفضل للعمال المهاجرين بالاضافة إلى امدادات السلاح والوقود.

وقد دعت أوزبكستان -أكبر دول آسيا الوسطى سكانا إذ يبلغ عدد سكانها 30 مليون نسمة- شركات الطاقة الروسية لمساعدتها في استغلال ثروتها الواعدة غير المستغلة من النفط والغاز، ويتجنب الغرب رئيسها اسلام كريموف (76 عاما) الذي يحكم البلاد منذ ربع قرن بسبب سمعته بين منظمات حقوق الانسان كواحد من أكثر القادة قمعا على وجه الأرض.

لكنه تمكن من التعاون مع دول حلف شمال الاطلسي في مسائل أمنية غير أنه سينجذب أكثر لموسكو على الارجح بعد خروج التحالف الغربي من أفغانستان هذا العام، وفي جانب كبير من اسيا الوسطى لا يمثل الغرب المنافس الرئيسي لبوتين على النفوذ بل الصين، ولا تتضح هذه الحقيقة بجلاء في أي مكان مثلما تتضح في تركمانستان إحدى أكثر دول العالم انعزالا.

ومازالت تركمانستان التي تملك رابع أكبر احتياطيات للغاز الطبيعي في العالم تعتمد على خط أنابيب يرجع للعهد السوفيتي ويمر عبر روسيا في تصدير انتاجها لكن خط أنابيب جديدا بدأ تشغيله عام 2009 سمح لبكين أن تحل محل روسيا كأكبر مشتر من تركمانستان.

وفي العام الماضي شارك الرئيس الصيني شي جين بينغ في افتتاح ثاني أكبر حقل للغاز الطبيعي في العالم في تركمانستان. وربما يقف العطش الصيني للوقود لا الغضب الغربي كأكبر حائل أمام إعادة بناء امبراطورية موسكو في اسيا.

بوتين يتطلع لآسيا للرد على تهديدات الغرب بعزل روسيا

على الصعيد نفسه فعندما وقع الرئيس فلاديمير بوتين معاهدة تقضي بضم شبه جزيرة القرم وسط احتفالات صاخبة بالكرملين وغضب شديد في الغرب كان أحد أعوانه المقربين في طريقه إلى آسيا لتدعيم العلاقات مع حلفاء روسيا في الشرق.

ولتوصيل الرسالة المقصودة من هذه الرحلة جمع ايجور سيشين رئيس شركة روسنفت أكبر شركات النفط الروسية وسائل الاعلام في طوكيو في اليوم التالي لتحذير الحكومات الغربية من أن فرض المزيد من العقوبات على موسكو بسبب ضم القرم وفصلها عن أوكرانيا سيؤدي إلى نتائج عكسية.

وأبرز ما تسعى موسكو إليه هو ابرام اتفاق لتزويد الصين بالغاز الطبيعي. وقد أصبح هذا الاتفاق فيما يبدو قريبا بعد مفاوضات استغرقت سنوات. وإذا أمكن توقيع هذا الاتفاق خلال زيارة بوتين للصين في مايو آيار فسيبرزه كدليل على أن ميزان القوى العالمية تحول شرقا وأنه ليس بحاجة للغرب.

وقال فاسيلي كاشين خبير الشؤون الصينية لدى مؤسسة تحليل الاستراتيجيات والتكنولوجيات (كاست) للأبحاث "كلما ساءت علاقات روسيا مع الغرب كلما أرادت روسيا الاقتراب من الصين. وإذا أيدتك الصين فليس بوسع أحد أن يقول أنك معزول"، وبعض العلامات مشجعة لبوتين. ففي امتنعت الصين في مجلس الامن الدولي عن التصويت على مشروع قرار لاعلان بطلان الاستفتاء الذي وافقت فيه القرم على العودة لأحضان روسيا، ورفضت الصين توجيه انتقاد لموسكو رغم ما تشعر به من توتر إزاء الاستفتاءات في المناطق المضطربة بالدول الأخرى لما قد تمثلة من سوابق للتبت وتايوان.

فلا عجب إذا أن وجه بوتين الشكر للصين على تفهمها للوضع في أوكرانيا خلال خطاب ألقاه في الكرملين قبل توقيع معاهدة استرداد القرم بعد 60 عاما من قرار الزعيم السوفيتي نيكيتا خروشوف بنقل تبعيتها لأوكرانيا. حسب رويترز.

وأظهر الرئيس الصيني شي جين بينغ مدى تقديره للعلاقات مع موسكو وخاصة بوتين بأن اختص موسكو بأول زيارة خارجية يقوم بها كزعيم للصين في العام الماضي وحضوره افتتاح دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في سوتشي الشهر الماضي.

فكثير من الزعماء الغربيين لم يحضروا افتتاح الدورة بعد انتقاد سجل روسيا في حقوق الانسان. بل على العكس فعندما بحث بوتين وشي المسألة الاوكرانية هاتفيا في الرابع من مارس آذار قال الكرملين إن وجهات نظرهما كانت "متقاربة".

وتأمل شركة جازبروم الروسية المملوكة للدولة ضخ 38 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي للصين سنويا بدءا من عام 2018 عن طريق أول خط أنابيب يربط أكبر دول العالم انتاجا للغاز الطبيعي التقليدي بأكبر الدول المستهلكة له.

وسئل متحدث باسم الشركة عن توقيت إبرام الاتفاق فقال إن الموعد المستهدف هو مايو ايار، وقال مصدر بالشركة إن من المنطقي توقع إبرام الاتفاق خلال زيارة بوتين للصين، لكن الجانبين مازالا مختلفين بشأن الأسعار ومن المحتمل أن تتشدد الصين في موقفها بسبب فتور العلاقات بين روسيا والغرب، وتقول مصادر بصناعة الطاقة الروسية إن بكين تهدف للحصول على سعر أرخص للغاز من السعر الذي تدفعه أوروبا التي تحصل منها جازبروم على نحو نصف ايراداتها.

ومن المحتمل أن يؤدي الاضطراب الذي تشهده مؤسسة البترول الوطنية الصينية والتي يدور حولها تحقيق في اتهامات بالفساد إلى تأخر الاتفاق. وقال فاليري نستروف المحلل لدى سبير بنك سي.آي.بي في موسكو إن الصين تحتاج وقتا لمراجعة استراتيجية الطاقة وكذلك أخذ الغاز الصخري والغاز الطبيعي المسال في الاعتبار، وقال نستروف "الخلاصة أن خطر فرض عقوبات بشأن امدادات الطاقة من روسيا دعم موقف الصين بطريق غير مباشر في المفاوضات". بحسب رويترز.

تلبي روسيا نحو ثلث احتياجات أوروبا من الغاز وقد زودت الاتحاد الاوروبي وتركيا العام الماضي بكمية قياسية بلغت 162 مليار متر مكعب.

غير أن الصين احتلت مكانة ألمانيا العام الماضي كأكبر مشتر للنفط الخام الروسي هذا العام بفضل تمكن شركة روسنفت من ابرام صفقات لزيادة امدادات النفط المتجهة شرقا عن طريق خط أنابيب شرق سيبيريا-المحيط الهادي وخط آخر يمر عبر قازاخستان.

وإذا تعرضت روسيا للعزلة بسبب سلسلة جديدة من العقوبات الغربية فمن الممكن أيضا أن تعزز موسكو وبكين تعاونهما في مجالات أخرى غير الطاقة، وقال كاشين من مؤسسة كاست إن احتمالات قيام روسيا بتسليم مقاتلات من طراز سوخوي سو-35 للصين ستتزايد. ويبحث الجانبان الأمر منذ 2010.

وقال بريان زيمبلر الشريك المدير بشركة مورجان لويس لاستشارات القانون الدولي في موسكو "بفرض عقوبات غربية قد يتحول الجو بسرعة لصالح الصين"، ونما حجم التجارة بين روسيا والصين بنسبة 8.2 في المئة العام الماضي إلى 8.1 مليار دولار لكن روسيا ظلت رغم ذلك سابع أكبر شريك تجاري للصين من حيث الصادرات ولم تكن حتى ضمن قائمة الدول العشر الأولى المستوردة للسلع من الصين، أما الاتحاد الأوروبي فيمثل أكبر شريك تجاري لروسيا ونحو نصف حجم تجارتها بالكامل.

ويعد سيشين الذي شملت جولته الهند وفيتنام وكوريا الجنوبية حليفا مقربا من بوتين عمل معه في إطار سلطات مدينة بطرسبرج ثم إدارة الكرملين قبل أن يشغل منصب نائب رئيس الوزراء، وفي طوكيو عرض سيشين على المستثمرين زيادة التعاون في تطوير صناعة النفط والغاز في روسيا، ولشركة روسنفت بالفعل مشروعات مشتركة مع شركات من اليابان أكبر مستهلك في العالم للغاز الطبيعي المسال كما بذلت طوكيو جهودا كبيرة في عهد رئيس الوزراء شينزو آبي لتحسين العلاقات مع موسكو رغم نزاع على جزر يرجع إلى الحرب العالمية الثانية.

لكن اليابان تواجه معضلة بسبب القرم لانها تحت ضغوط لفرض عقوبات على موسكو باعتبارها عضوا في مجموعة السبع، ولا تعترف اليابان بالاستفتاء الذي أسفر عن ضم روسيا للقرم وهددت بوقف المحادثات بشأن اتفاق استثماري ووقف العمل بتخفيف شروط التأشيرات في إطار معاقبة موسكو.

ومن العوامل التي تدفع في اتجاه توثيق العلاقات مصالح متبادلة في مجال الطاقة. فروسيا تعتزم مضاعفة امداداتها من النفط والغاز على الاقل لاسيا خلال العشرين عاما المقبلة واليابان تستورد كميات هائلة من الوقود التقليدي لتحل محل امدادات الكهرباء المولدة من محطات نووية والتي توقفت في أعقاب كارثة فوكوشيما عام 2011.

وزادت واردات النفط من روسيا بنحو 45 في المئة العام الماضي لتمثل نحو سبعة في المئة من اجمالي امدادات اليابان، لكن إذا كانت المعضلة التي تواجهها اليابان صعبة فمن المستبعد أن تتسبب في قلق كبير لبوتين.

وقال اليكسي فلاسوف رئيس مركز المعلومات والتحليلات للعمليات الاجتماعية والسياسية "لا أعتقد أن بوتين يقلقه كثيرا ما يقال عنه اليابان أو حتى أوروبا. فهو لا يهتم إلا بالصين"، لكن بوتين اهتم بتوجيه الشكر لدولة أخرى غير الصين لتفهمها الوضع في أوكرانيا والقرم فقال إن الهند أبدت "ضبط نفس وموضوعية"، كما اتصل برئيس الوزراء الهندي مانموهان سينغ لبحث الازمة فيما يشير إلى وجود مجال لتنمية العلاقات مع الهند.

وبالنسبة لبوتين تمثل أزمة القرم اختبارا للأفكار التي طرحها في استراتيجيته للسياسة الخارجية التي نشرت قبل عامين في إطار سعيه للفوز بالرئاسة لفترة ثالثة مدتها ست سنوات، فقد قال آنذاك إنه يريد علاقات تجارية أقوى مع الصين "لدفع الرياح الصينية في أشرعة اقتصادنا". لكنه قال أيضا إن على روسيا أن تكون جزءا من العالم الأكبر وان روسيا لا تريد عزل نفسها عن الآخرين ولا يسعها ذلك، وبعد عامين اقترب بوتين من تحقيق هدفه الأول لكن لم يتضح بعد رأي مواطنيه فيما حققه حتى الآن من هدفه الثاني.

ما الذي تعرفه واشنطن عن ثروة بوتين النفطية؟

وربما كان أكثر ما يثير الدهشة في عقوبات واشنطن على رجال الأعمال الروس الموالين للرئيس فلاديمير بوتين جملة واحدة تتضمن اتهاما مدويا.. أن بوتين نفسه يتربح من شركة جنفور التي تحتل المركز الرابع بين شركات تجارة النفط في العالم.

فمن بين الأفراد الذين فرضت الولايات المتحدة عقوبات عليهم في إطار حملتها للضغط على روسيا في الأزمة الأوكرانية رجل الأعمال جينادي تيمشينكو وهو من قدامى معارف بوتين وأحد الشركاء في شركة جنفور التي تتخذ من جنيف مقرا لها وتتعامل في نحو ثلاثة في المئة من تجارة النفط العالمية.

وفي إعلان العقوبات أضافت وزارة الخزانة الامريكية جملة واحدة استهدفت أكثر الموضوعات التي واجهها بوتين سخونة في 13 عاما قضاها في الكرملين على رأس الحكم في روسيا، فقد قال بيان الوزارة "ترتبط أنشطة تيمشينكو في قطاع الطاقة ارتباطا مباشرا ببوتين. فبوتين له استثمارات في جنفور وربما يكون بوسعه الاستفادة من أموال جنفور"، وامتنعت الوزارة عن التعقيب على ما لديها من معلومات عن استثمارات بوتين في الشركة.

وعلى الفور أثار البيان ردا سريعا وغاضبا من الشركة التي وصفت البيان بانه شائن وكاذب بشكل صارخ، وقالت الشركة "تنفي جنفور نفيا قاطعا أن فلاديمير بوتين له الان أو كان له في الماضي أي ملكية في الشركة أو أنه مستفيد من نشاطنا سواء بشكل مباشر أو غير مباشر"، وقالت الشركة مرارا إن لكل من تيمشينكو وتوربيون تورنكفيست الرئيس التنفيذي للشركة حصة متساوية تبلغ نحو 45 في المئة وأن العشرة في المئة الباقية مملوكة للعاملين، كما نفى تيمشينكو مرارا أن بوتين ساعده في إنشاء امبراطورية أعماله لكن التكهنات استمرت في هذا الصدد بسبب العلاقة القديمة الوثيقة التي تربط بينهما.

ووصف ديمتري بسكوف المتحدث باسم بوتين العقوبات بأنها "غير مقبولة" وقال إن الكرملين يدرس أثر إدراج تيمشينكو على قائمة العقوبات، ولم يعقب على الادعاء بأن لبوتين استثمارات في جنفور، وقال مسؤول بوزارة الخزانة الامريكية إن صفة تيمشينكو لن تؤثر في الشركة لأنه يملك أقل من 50 في المئة منها.

وفي الوقت نفسه أعلنت جنفور إن تيمشينكو باع حصته لتورنكفيست أي قبل بوم من فرض العقوبات وأصبح يملك 87 في المئة بينما يملك العاملون 13 في المئة، ومع ذلك فإن مبعث القلق المتزايد بين المحللين هو أن الاتهام الموجه لبوتين والضربة المباشرة التي تلقاها أقرب حلفائه قد يؤديان إلى رد أكبر من موسكو بل وربما تشهر امدادات الطاقة كسلاح في وجه الغرب، وقال بوتين هذا الشهر إنه يعتقد أن الغرب "عبر الخط" في أوكرانيا بعد أن أظهرت تسجيلات صوتية مسربة أن دبلوماسيين أمريكيين بحثوا كيفية الاطاحة بالرئيس الاوكراني فيكتور يانوكوفيتش الذي كان الكرملين يدعمه وأنه يجب أن يشكل ساسة يدعمهم الغرب الحكومة الجديدة، وردت روسيا بفرض عقوبات على عدد من الساسة الامريكيين لكن محللين قالوا إن من المرجح فرض مزيد من العقوبات الروسية بعد الاتهامات الامريكية لبوتين بالتربح.

وتزود روسيا أوروبا بثلث احتياجاتها من الغاز وبما بين الخمس والربع من احتياجاتها من النفط، وسبق أن أوقفت روسيا مرتين امداداتها من الغاز لاوكرانيا وأوروبا في أعقاب خلافات مع كييف حول الأسعار.

وتتجاوز صياغة البيان الامريكي كل ما قيل من قبل عن بوتين الذي يواجه اتهامات منذ سنوات خاصة من خصومه السياسيين أنه ساعد تيمشينكو على إنشاء امبراطورية جنفور، ولم يقدم أحد دليلا على صحة هذا الادعاء ولم تنشر أي وسيلة إعلام أي تقرير عن أدلة على امتلاك بوتين حصة في الشركة، وكان بوتين يعمل في مكتب رئيس البلدية في أوائل التسعينات عندما قام تيمشينكو وأصدقاؤه بفصل وحدة تجارة النفط عن مصفاة كيريشي النفطية على حد قول بوتين نفسه. بحسب رويترز.

ومنذ ذلك الحين شهدت جنفور نموا كبيرا وبلغ حجم تعاملاتها 93 مليار دولار عام 2012 بالمقارنة مع خمسة مليارات عام 2004. وتعاملت الشركة في كميات كبيرة من النفط من شركات حكومية روسية مثل روسنفت في نهاية العقد الماضي لكنها تنازلت عن بعض مراكزها الرئيسية وأصبحت تركز الان على تداول النفط في أوروبا وآسيا.

وذكرت برقية من برقيات ويكيليكس المسربة عام 2010 أن السفير الامريكي السابق في موسكو جون بيرل قال إن "هناك شائعات أن هيكل ملكية الشركة الذي تكتنفه السرية يشمل رئيس الوزراء بوتين"، وكانت أول مرة تناول فيها بوتين الموضوع مباشرة عام 2011.

فقد قال لمجموعة من الكتاب الروس "أؤكد لكم أنني أعلم أن الكثير بكتب عن ذلك دون أي مشاركة من جانبي... وأنا أعرف المواطن تيمشينكو منذ مدة طويلة جدا منذ عملي في سان بطرسبرج"، وأضاف "وأنا لم أتدخل قط في أي شيء له صلة بأعماله ومصالحه. وآمل ألا يدس أنفه في أعمالي أيضا"، وقال بوتين مرارا إنه يقرأ التقارير الصحفية عن ثروته الهائلة بل وإنه أغنى رجل في العالم لكنه نفى صحة هذه التقارير ووصفها بأنها هراء.

وردا على البيان الصادر من واشنطن قالت جنفور إن هيكل ملكيتها تأكد خلال اصدار لسندات قيمتها 500 مليون دولار عام 2013 شارك بنك جولدمان ساكس في إدارته، وقال المتحدث إن بوسع البنك أن يشهد أن جونفور قبلت مستوى متقدما من الفحوص رغم أن ذلك لم يكن مطلوبا في منشورها عن إصدار السندات وأن هذا المستوى لا يطلب في العادة إلا في الولايات المتحدة وذلك لاظهار الثقة في أعمالها، وقال بنك جولدمان ساكس أنه لا يستطيع التعقيب على الفور على هذا الموضوع.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 5/نيسان/2014 - 3/جمادي الآخر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م