الفقيه الشيرازي: شخصية القيم الإنسانية الراقية

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: يؤكد علماء النفس، أن سمة الإقناع والتأثير في الآخر، لا يمكن أن تتوافر لكل من يشاء، أو يطمح لتحقيق هذا الهدف، فهذا الامر يستدعي جملة من القيم الانسانية الراقية، لابد من توافرها في شخصية الانسان، حتى يكون قادرا على التأثير في غيره، والسبب يكمن في أن الكائن البشري بحد ذاته، يتميز بتركيبة نفسية معقدة، تتحسس أو ترفض بالسليقة أو بالفطرة، كل ما يحاول أن يتدخل في قناعتها او خياراتها وأهوائها، لذلك يجد الخطيب والمفكر أو من يهدف الى إصلاح الناس، مصاعب كثيرة تقف بالضد من طموحه هذا، وقد يُصاب بعضهم بالخيبة والقنوط نتيجة لعدم قدرته على التأثير والتغيير، ولكن بالمقابل يحتفظ لنا التاريخ بشخصيات فذة، لا يمكن أن تنساها الذاكرة الانسانية، لما قدمته من فضائل كبيرة جعلتها خالدة في القلوب والاذهان.

من هذه الشخصيات الفذة في التأثير والتغيير، (الفقيه الشيرازي)، سماحة آية الله، السيد محمد رضا الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، فقد انطوت شخصيته على كل عناصر التميّز، والقدرة على التأثير في الآخر، وهي سمة وميزة وسمت وميّزت جميع الافكار والمجالات التي طرحها وعالجها الفقيه الشيرازي، في مجموعة الخطب والمحاضرات القيّمة التي تناولت حاجات المسلمين، وبحثت في كل ما يهم الانسانية ويُسهم في تغييرها.

لقد كانت (ولا تزال) إطلالة الفقيه الشيرازي، من شاشة التلفاز في محاضراته، ذات تأثير متكامل في العقول والقلوب، وكان المشاهد والمستمع يستقبل بشغف جميع الافكار الواردة في احاديث الفقيه الشيرازي، لاسباب عديدة، تتقدمها السمات الايجابية لهذا الفكر، وطريقة الطرح، بما في ذلك السلاسة في ربط الافكار وطرحها، فضلا عن هدوء النفس وقسمات الوجه، وهدوء اللغة في توصيل الخطاب والقيم التي ينطوي عليها، وهالة الايمان التي تؤطر شخصية الفقيه الشيرازي، كل هذه الامور تشترك مع بعضها، فيستقبل الانسان هذه الافكار عن قناعة وايمان، وقد سمعنا او عشنا الحالات الكثيرة التي أكدت هذا التأثير العميق والمميز لشخصية الفقيه الشيرازي في قرائه، أو مستمعيه أو من يحضرون خطبه ومحاضراته، التي واظب عليها سماحته، سنوات طويلة متواصلة، قدم خلالها عصارة فكره في مجالات الحياة كافة، فكانت خير دليل لمن يبحث عن الاطمئنان النفسي، والايمان، والتواصل في حياة مكللة بالهدوء والعزيمة والتعاون مع الآخرين على تذليل مصاعب الحياة ومشاقها.

لقد تميزت شخصية الفقيه الشيرازي بالعمق والبساطة في الوقت نفسه، كذلك هناك سماحة الوجه، وهدوء النفس، ونور الايمان، والامل بهداية الانسان الى الصواب دائما، وكان بياض القلب من اهم السمات والصفات الكبيرة التي تميّز بها الفقيه الشيرازي، فانعكست على مجمل حياته، وعلى تفاصيلها الدقيقة ايضا، فكانت شخصيته تجعل من يستمع له مواظبا على السمع، منسجما مع الكلام والافكار، مقتنعا بما يتلقى من نفحات وشذرات ايمانية فكرية، تسعى لإصلاح النفس وهي تشق طريقها الطويل في مشوار الحياة الشائك.

ومن السمات والصفات الاساسية التي ميّزت شخصية السيد الشهيد الفقيه الشيرازي، التواضع، والعيش في اجواء التنظيم والدقة والبساطة، والترفع عن صغائر الامور، فقد كان الفقيه الشيرازي يحترم الوقت، ويتعامل معه لحظة بلحظة، ويستثمره بما يخدم المسلمين والانسانية جمعاء، وقد أثر الفقيه الشيرازي في جميع الناس الذين يحيطون به عن قرب، أو أولئك الذين واظبوا على حضور مجالسه الكريمة، وكان تأثير شخصيته يشترك مع قوة تأثير أفكاره وطروحاته القيّمة، فيتحقق ذلك التأثير المزدوج، للفكر والشخصية في وقت واحد.

أما العلم، فقد تعامل الفقيه الشيرازي معه يتأطّر بقدسية تامة، نعم كان السيد الشهيد، يحترم العلم بطريقة لافتة، لذلك منح هذا الجانب كل ما يستحق من الوقت والجهد والتفرد، فكان يخصص وقتا مهما لمواكبة المستجدات العالمية في مجالات العلم كافة، وكانت النتائج كبيرة متميزة كما يدل عليها الواقع، وقد حصلنا على مؤلفات متميزة، حملت منظومة من القيم العظيمة القادرة على تغيير حيوات الناس نحو الأحسن دائما، وقد تصدّت مؤسسة الفقيه الشيرازي الثقافية، لمهمة نشر محاضرات وخطب وأفكار الفقيه الشيرازي التي توزعت على حقول تربوية وعلمية وعقائدية وفقهية عميقة ومتنوعة.

وهكذا تبقى شخصية الفقيه الشيرازي، وسيرته، وما تركه للمسلمين وللانسانية، من إرث فكري متميز، تبقى هذه الشخصية الفذة، قادرة على التأثير والتغيير، لسبب بسيط جدا، أن الافكار والقيم الراقية التي نادى بها وعمل من اجلها، وقدم نفسه قربانا لها، تقف الى جانب الانسان اولا واخيرا، وهذه الصفة، أو هذا القاسم المشترك يلتقي فيه الخالدون الافذاذ، أولئك الذين حجزوا مكانتهم الكبيرة، في الذاكرة الانسانية الى الأبد.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 5/نيسان/2014 - 3/جمادي الآخر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م