بلاد الياسمين وضآلة الديمقراطية المأمولة

 

شبكة النبأ: قبل ثلاث سنوات ونيف انطلقت شرارة ما عرف بـ ثورات الربيع العربي من تونس التي أطاحت بنظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي بثورة شعبية كبيرة استلهمتها الكثير من البلدان العربية ولاسيما بلدان شمال إفريقيا، لا تزال هذه الدولة العربية تعاني من مشاكل عديدة على المستويات كافة، أبرزها شيوع الفوضى السياسية والعنف، بسبب انقسام قادتها الجدد وصعود التنظيمات المتشددة، مما يثير قلق التونسيين ويعكر صفو مستقبل بلاد ثورة الياسمين، لاسيما وانها مقبلة على انتخابات تشريعية ورئاسية خلال هذا العام.

بينما يعزو بعض المراقبين أن هذه الفوضى السياسية تنامت بسبب الصراعات المتواصلة بين الأحزاب والكتل السياسية المختلفة، التي تسعى الى تأمين مصالحها الخاصة، ناهيك عن الجدلية حول قضية اغتيال المعارض شكري بلعيد التي لا تزال حتى اللحظة تثير الخلافات بشأن التحقيق فيها، ويرى هؤلاء المراقبين ان هذه الخلافات والمشاكل أسهمت بحدوث الكثير من الأزمات الأمنية والاقتصادية التي أثرت بشكل سلبي على جميع مناحي الحياة.

فيما يرى أغلب المحللين ان المرحلة القادمة التي ستشهد انتخابات مهمة وحساسة، ربما ستكون أكثر تعقيدا واشد خطورة بسبب غياب الاتفاق بين الإطراف المتصارعة، أمر قد يسهم بتغير خارطة البلاد وقد يدفعها نحــــو الفوضى والعنف والاقتتال، خصوصا مع وجود أطراف متشددة تسعى الى مصادرة منجزات الثورة التونسية من خلال استخدام أساليب العنف والترهيب التي تهدف الى إقصاء وتهيش قوى المعارضة.

وعليه ففي الوقت الحالي تحتاج بلاد الياسمين حلول ومعالجات اكثر فعالية على المستوى السياسية والاقتصادية والاجتماعية كي تنعم بالاستقرار وتمنع الإخطار المحدقة بها على الأصعدة كافة من تبديد منجزات الثورة.

إسلاميو تونس

وفيما يخص آخر التطورات في الساحة التونسية فقد بدأت الحكومة التونسية حملة لمتابعة المساجد سعيا لمحاصرة المتشددين الاسلاميين الذين يسيطرون على عدد منها منذ الانتفاضة التي اطاحت بالنظام السابق قبل ثلاث سنوات. وأعلنت وزارة الشؤون الدينية في وقت سابق عن قرارها "غلق المساجد بعد صلاة العشاء وفتحها نصف ساعة قبل صلاة الفجر على ان تغلق بعد ذلك وتفتح من جديد قبل صلاة الظهر." وفسرت الوزارة القرار الجديد " بالحرص على مزيد أحكام سير المساجد ومنعا لاستغلال بيوت الله لغايات تتنافى وحرمة هذه الاماكن".

وهذه المرة الاولى التي تعلن فيها تونس عن قرارها غلق المساجد خارج اوقات الصلاة منذ ثلاث سنوات. وخلال حكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي كانت المساجد تغلق ايضا مباشرة بعد الصلاة ويمنع فيها اي انشطة دينية اخرى. ولكن منذ الثورة اصبحت المساجد لاتخضع للمتابعة حتى ان المعارضة قالت ان اغلب المساجد اصبحت مصدرا للتحريض ضد خصوم الاسلاميين وتبث خطابات عنف وفتاوي قتل سياسيين.

واحكم متشددون اسلاميون السيطرة على منابر مئات المساجد في تونس. ولكن الحكومة قالت انها تسعى جاهدة لاستعادة السيطرة عليها وتعيين ائمة معتدلين. وفي الاشهر الاخيرة اقتحمت قوات الشرطة عدة مساجد واعتقلت متشددين. وقال رئيس الوزراء التونسي ان المتشددين يسيطرون الان على 150 مسجدا وان الحكومة تسعى لاستعادة السيطرة عليها وتطبيق القانون بصرامة ضد المخالفين. واضاف ان الحكومة تتطلع لتحييد المساجد عن الخطاب السياسي لتهيئة ظروف ملائمة قبل الانتخابات المقرر ان تجرى هذا العام.

وفي وقت سابق قرر قاض تونسي سجن خميس الماجري وهو داعية اسلامي تتهمه النيابة العمومية بانه اعتلى منابر مساجد دون ترخيص. وتقول الاحزاب العلمانية في تونس ان المتشددين فرضوا سيطرتهم ويبثون خطابات تحريض بسبب تساهل الحكومة التي قادتها حركة النهضة الاسلامية قبل ان تتخلى عن الحكم لحكومة مستقلة في يناير كانون الثاني. وتنفي حركة النهضة هذه الاتهامات وتقول ان الحكومة التي قادتها لاحقت المتشددين.

وتتصدى قوات الأمن التونسية منذ اشهر لمتشددين من جماعة أنصار الشريعة المحظورة وهي من الجماعات المتشددة التي ظهرت بعد سقوط بن علي وألقي اللوم على انصار الشريعة في التحريض على اقتحام السفارة الأمريكية في تونس في 14 سبتمبر أيلول عام 2012 واغتيال زعيمين من المعارضة العلمانية وأدرجتها واشنطن على قائمة التنظيمات الإرهابية التي تربطها صلات بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.

من جانب اخر تظاهر عشرات الأشخاص أمام مقر الحكومة في العاصمة تونس، للمطالبة بالإفراج عن قيادي في مجموعة متهمة بانها "ميليشيا" مرتبطة بحزب حركة النهضة الاسلامي. وكانت الشرطة أوقفت في مدينة الكرم شمال العاصمة تونس، عماد دغيج رئيس فرع "الرابطة الوطنية لحماية الثورة" التي تقول المعارضة انها "ميليشيات إجرامية مأجورة" وانها "تابعة" لحركة النهضة، في حين تنفي الحركة ذلك.

وجاء الايقاف إثر نشر دغيج تسجيل فيديو على الانترنت تهجم فيه على نقابات أمن ووصف المنتمين اليها بأنهم "جراثيم ومجرمو وزارة الداخلية". كما نعتهم بـ"عصابة الحجّامة (الحلاقة)" في اشارة الى ليلى الطرابلسي زوجة الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، التي تقول وسائل اعلام محلية انها كانت تمارس مهنة الحلاقة قبل زواجها من بن علي. وقال دغيج في التسجيل متوجها بالكلام الى نقابات أمن "نحن لا نستسلم(..) ولن نموت إلا بعد القضاء عليكم". بحسب فرانس برس.

وردد المتظاهرون الذين فرقتهم الشرطة "وزارة الداخلية وزارة إرهابية" ونددوا بما اعتبروه عودة "بوليس بن علي". وحاول هؤلاء، وبينهم والدة عماد دغيج، التجمع أمام مقر الحكومة لكن عددا كبيرا من عناصر الامن حالوا دون ذلك وأوقفوا نحو 10 منهم. ودعت حركة النهضة في بيان الى "إطلاق سراح الشباب الموقوفين" و"القطع مع الممارسات الامنية القمعية التي قامت ضدها ثورة الحرية والكرامة" نهاية 2010 وبداية 2011. وقالت ان هؤلاء تظاهروا "تنديدا بالانتهاكات (الامنية) التي رافقت عملية ايقاف الناشط عماد دغيج". وقالت وزارة الداخلية في بيان ان ايقاف دغيج تمّ "في كنف احترام القانون وحقوق الانسان".

جريمة سياسية

على صعيد متصل طالب كل من حزب واسرة المعارض اليساري التونسي شكري بلعيد الذي قُتل قبل عام، السلطات التونسية بالكشف عن الجهة التي أمرت باغتياله، وذلك غداة إعلان وزارة الداخلية مقتل كمال القضقاضي المتهم الرئيسي في الجريمة، في تبادل اطلاق نار بين قوات الامن ومجموعة "ارهابية" قرب العاصمة تونس.

وقال حزب "الوطنيين الديمقراطيين الموحّد" (يسار) الذي كان بلعيد يتولى امانته العامة في بيان "ان جريمة اغتيال الشهيد شكري بلعيد هي جريمة سياسية، والقضقاضي ومن معه هم مجرّد أدوات تنفيذ، ولذلك فإن كشف الحقيقة كاملة يستوجب الوصول إلى الاطراف السياسية التي خططت وموّلت وأعطت الاذن بالتنفيذ، وتسترت وبرمجت طمس معالم الجريمة". واعلن وزير الداخلية التونسي لطفي بن جدو ان قوات الامن قتلت سبعة "إرهابيين" بينهم كمال القضقاضي (35 عاما) ، كانوا متحصنين في منزل بمنطقة رواد من ولاية أريانة (شمال شرق)، بعدما تبادلت معهم إطلاق النار.

وقُتل عنصر من جهاز الحرس الوطني خلال تبادل اطلاق النار الذي استمر لأكثر من 20 ساعة، وفق وزارة الداخلية. وطالب حزب شكري بلعيد ، في البيان، وزارة الداخلية "بتقديم معطيات دقيقة وعلى رأسها التثبت بشكل نهائي من هويّة الإرهابيين الذين تمّ قتلهم والذين كنّا نريد القبض عليهم أحياء". ونشرت وزارة الداخلية اسماء سبعة أشخاص قالت انهم "عناصر المجموعة الإرهابية التي تم القضاء عليها وبينهم القضقاضي.

من ناحيته قال عبد المجيد، شقيق شكري بلعيد، ان "مقتل القضقاضي لم يفرحنا إطلاقا (..) وهو لا يخدم إلاّ (مصلحة) لطفي بن جدو (وزير الداخلية) وحكومته". وكان بن جدو ان مقتل القضقاضي هو "أجمل هدية" يمكن أن تقدمها وزارة الداخلية لعائلة شكري بلعيد في الذكرى الاولى لاغتياله. وأضاف عبد المجيد بلعيد "عائلة الشهيد شكري بلعيد تقول لوزير الداخلية: نحن نردّ إليك هديتك"، معتبرا أن "قتل انسان ليس هدية.. وجثة انسان (مقتول) ليست هدية".

ولفت الى ان عائلة بلعيد كانت تتمنى لو تم توقيف كمال القضقاضي حيا حتى يعترف بالجهة التي كلفته بتنفيذ عملية الاغتيال. وكان وزير الداخلية قال ان "الارهابيين" السبعة كانوا يرتدون احزمة ناسفة وان قوات الامن اضطرت الى القضاء عليهم. وتظاهر عشرات من انصار "الجبهة الشعبية" (ائتلاف لأكثر من 10 احزاب يسارية) التي كان شكري بلعيد أحد قيادييها، قرب وزارة الداخلية للمطالبة بالكشف عن "حقيقة" اغتيال بلعيد.

وردد المتظاهرون شعارات معادية لوزير الداخلية لطفي بن جدو ولحركة النهضة الاسلامية التي تخلت مؤخرا عن الحكم طوعا لإخراج البلاد من ازمة سياسية حادة فجّرها في 2013 اغتيال شكري بلعيد (قبل عام) والنائب محمد البراهمي (قبل ستة اشهر) القياديين في "الجبهة الشعبية". وهتف المتظاهرون "يا بن جدو يا عميل.. استقيل.. استقيل" و"مسرحية.. مسرحية.. للعصابة النهضوية".

وكانت عائلة شكري بلعيد اتهمت حركة النهضة الاسلامية بقتله على خلفية انتقاده اللاذع للحركة ورموزها، في حين وصفت الحركة هذه الاتهمات بأنها "مجانية" و"كاذبة". وقالت متظاهرة تدعى نائلة سعيدان "لقد قتلوا القضقاضي لتُقبَر معه الحقيقة، القضقاضي كان وسيلة للتنفيذ، لكن من أمر بالاغتيال؟".

وفي وقت سابق أعلن مصطفى بن عمر مدير الامن العمومي في وزارة الداخلية ان القضقاضي اغتال بلعيد على خلفية انتقاد الاخير مشروع "المحجبات الصغيرات" الذي اطلقه في تونس الداعية الكويتي نبيل العوضي. وقال ان القضقاضي الذي ينتمي الى جماعة "انصار الشريعة بتونس" التي تقول السلطات انها مرتبطة بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي، استصدر "فتوى" اغتيال بلعيد من زعيم الجماعة سيف الله بن حسين الملقب بـ"أبو عياض" الهارب في ليبيا وفق وزارة الداخلية.

وانتقد شكري بلعيد خلال مشاركته في برنامج على قناة تونسية خاصة ، زيارة الداعية العوضي لتونس لإطلاق "مشروع المحجبات الصغيرات" في البلاد التي تحظى فيها المرأة بحقوق فريدة في العالم العربي. وطالب بلعيد،حينها، السلطات بمنع "الدجالين" من دخول تونس التي قال انها تتعرض الى "الغزو الوهابي الآتي من (منطقة) البترودولار" في إشارة الى دول الخليج العربية. وفي 2013، صنفت تونس والولايات المتحدة الاميركية جماعة "أنصار الشريعة بتونس" تنظيما "ارهابيا" وأصدرتا بطاقة جلب دولية ضد "أبو عياض".

من جهة اخرى اعلنت وزارة الداخلية التونسية ان قوات الامن تمكنت من توقيف احد المشتبه بهم في اغتيال النائب المعارض (قومي عربي) في المجلس التاسيسي محمد البراهمي في 25 تموز/يوليو 2013. وجاء هذا الاعلان الداخلية مقتل المتهم بقتل المعارض اليساري (ماركسي عربي) شكري بلعيد.

وقال محمد علي العروي المتحدث باسم وزارة الداخلية ان قوات الامن "حاصرت منزلا في اريانة (شمال العاصمة) حيث تحصنت مجموعة ارهابية. وبعد تبادل كثيف لاطلاق النار تم توقيف اربعة عناصر احدهم في حالة حرجة". واوضح المتحدث ان "بين الموقوفين حمد المالكي المكنى الصومالي وهو احد العناصر الضالعة في اغتيال الشهيد محمد البراهمي" موضحا ان الصومالي جار للبراهمي. وتابع ان "وزارة الداخلية تؤكد ان العملية كانت ناجحة" وتم حجز اسلحة. بحسب فرانس برس.

واوضحت الوزارة في بيان ان الموقوفين الثلاثة الاخرين هم بلال العمدوني ومنير الجماعي (مصاب اصابة خطرة) وعاكر زديري (مصاب في الساق). وقال عدنان نجل محمد البراهمي ان القبض على الصومالي حيا "بعث الارتياح في نفوسنا لانه سيتيح كشف الحقيقة كاملة عن اغتيال والدي وخصوصا معرفة مدبري هذه الجريمة". واكد "ان المشتبه به الموقوف جارنا منذ عشر سنوات".

إقالة 18 والي

في السياق ذاته استبدلت الحكومة الجديدة في تونس18 من أصل 24 واليا (محافظا) عينتهم الحكومة المستقيلة التي كانت تقودها حركة النهضة الاسلامية، في إجراء طالبت به المعارضة لضمان "حياد الادارة" خلال الانتخابات العامة القادمة. ويأتي هذا الإجراء تطبيقا لأحد بنود "خارطة الطريق" التي طرحتها 4 منظمات اهلية نافذة بينها المركزية النقابية، لإخراج البلاد من ازمة سياسية حادة اندلعت سنة 2013 إثر اغتيال معارضيْن وقتل أكثر من 20 من عناصر الامن والجيش في هجمات نسبتها السلطات الى جماعات "تكفيرية" مسلحة.

وبموجب خارطة الطريق تخلت حركة النهضة عن السلطة التي وصلت اليها نهاية 2011 إثر الانتخابات، وتركت مكانها لحكومة مستقلين برئاسة مهدي جمعة، يفترض ان تقود البلاد حتى اجراء الانتخابات عامة مقررة قبل نهاية 2014. ونشرت وزارة الداخلية على صفختها الرسمية في فيسبوك قائمة بأسماء الولايات التي تم تغيير حكامها وهي تونس ومنوبة وباجة والكاف وسليانة وزغوان ونابل وبن عروس (شمال)، والمنستير والقيروان والقصرين وسوسة (وسط)، وقفصة وقبلي وتوزر وتطاوين وصفاقس ومدنين (جنوب). بحسب فرانس برس.

وتنص خارطة الطريق على "تشكيل هيئة عليا مهمّتها مراجعة كلّ التعيينات في أجهزة الدولة والإدارة محلّيا وجهويا ومركزيا وعلى المستوى الدبلوماسي". وتتهم المعارضة حركة النهضة بإغراق الادارة التونسية بآلاف من الموالين لها خلال العامين اللذين أمضتهما في السلطة. وأعلنت وسائل إعلام محلية مؤخرا ان الحكومة المستقيلة عينت خلال 2012 و2013 أكثر من 6 آلاف شخص قالت انهم موالون لحركة النهضة، بمختلف إدارات الدولة. وفي 2012 قال الرئيس التونسي محمد المنصف المرزوقي في خطاب "إخواننا في (حركة) النهضة يسعون للسيطرة على مفاصل الدولة الإدارية والسياسية عبر تسمية أنصارهم (سواء) توفرت (فيهم) الكفاءة أم لم تتوفر".

احتفال رمزي

من جهة اخرى شارك قادة دول ومسؤولون أجانب في تونس في احتفال رمزي أقامته رئاسة الجمهورية التونسية بمناسبة المصادقة على الدستور الجديد لهذا البلد الذي انطلقت منه قبل 3 سنوات شرارة ثورات "الربيع العربي". وحضر الاحتفال الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند الذي اعتبر ان الدستور التونسي "يمكن أن يكون مثالا ومرجعا لدول عديدة" ،إضافة إلى قادة دول ورؤساء حكومات وبرلمانات من افريقيا واوروبا.

وأقيم الحفل في قاعة الجلسات العامة في المجلس الوطني التأسيسي (البرلمان المؤقت) الذي تولى صياغة الدستور. وفي 26 كانون الثاني/يناير 2014 صادق المجلس الوطني التاسيسي المنبثق عن انتخابات 23 تشرين الاول/اكتوبر 2011 على نص الدستور الحديد، وفي اليوم التالي وقع رؤساء الجمهورية والحكومة والمجلس التأسيسي على الدستور.

وسيحل الدستور الجديد محل دستور البلاد الصادر عام 1959 والذي تم تعليق العمل به إثر الاطاحة في 14 كانون الثاني/يناير 2011 بنظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي الذي هرب الى السعودية. واعتبر الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند ان الدستور التونسي الجديد "يؤكد.. ان الاسلام يتماشى تماما مع الديموقراطية"، وأنه "يمكن أن يكون مثالا ومرجعا لدول عديدة". ونوه هولاند في خطاب بالدور الذي لعبته اربع منظمات اهلية، بينها المركزية النقابية القوية، لاخراج تونس من ازمة سياسية حادة اندلعت في 2013.

وكانت الازمة التي اصابت الحياة السياسية في تونس بالشلل التام، اندلعت اثر اغتيال النائب المعارض محمد البراهمي وقتل ثمانية عناصر من الجيش في عمليات نسبتها وزارة الداخلية الى جماعة سلفية "ارهابية". وطرحت المركزية النقابية "خارطة طريق" قدمت بموجبها الحكومة التي كانت تقودها حركة النهضة الاسلامية استقالتها وحلت محلها حكومة غير حزبية برئاسة مهدي ويفترض ان تقود حكومة جمعة البلاد حتى اجراء انتخابات عامة.

وقال فرنسوا هولاند مخاطبا القادة ونواب البرلمان التونسيين "فرنسا ستكون إلى جانبكم بالكامل". وكان هولاند زار تونس في تموز/يوليو 2013 ووجّه من منبر المجلس الوطني التاسيسي الذي صاغ الدستور "رسالة تشجيع" الى هذا البلد الذي كان حينها يتخبط في الازمة السياسية. من ناحيته قال رئيس البرلمان الألماني (البوندستاغ) نوربرت لامرت مخاطبا القادة والبرلمانيين التونسيين "أصدرتم نصا رائعا وعليكم الآن ان تنقلوا هذا النص الرائع الى واقع رائع". وأضاف "إذا استطاعت تونس إظهار ان الديمقراطية والاسلام يستطيعان التعايش معا، فسوف يكتسب الطريق التونسي اهمية تاريخية وكونية".

ونوه بـ"توافق" المعارضة العلمانية وحركة النهضة الاسلامية صاحبة اغلبية المقاعد في المجلس التأسيسي (90 من إجمالي 217) حول الدستور الجديد، رغم التجاذبات السياسية الكبيرة بينهما قبل التصديق عليه. وقال "أعبّر عن إعجابي البالغ بالوصول الى توافق، من دونه ما كان للدستور ان يكتب، ومن دونه لا يمكن ان تستمر أي ديمقراطية". ولفت الرئيس اللبناني ميشال سليمان الى ان "مسار" عملية الانتقال السياسي في تونس "تميّز فعلا باعتماد معايير ديموقراطية، حصنت العملية (الانتقالية) برمتها".

وذكر في هذا السياق بأن "الدستور (التونسي) الجديد، هو ثمرة مجلس وطني تأسيسي، انتخب بإشراف هيئة مستقلة للانتخابات، وعلى أساس قانون انتخاب اعتمد النظام النسبي، وقد سمح (ذلك) بتظهير تنوع مكونات المجتمع التونسي" مشيرا الى ان هذه العوامل ساهمت في "إضفاء درجة عالية من الصدقية على المسار الانتقالي".

وقال ان الدساتير الجديدة اليوم "يجب ان تخفف من غلو التعصب والتطرف" على غرار الدستور التونسي الذي يقول في فصله السادس "تلتزم الدولة بنشر قيم الاعتدال والتسامح (..) كما تلتزم يمنع دعوات التكفير والتحريض على الكراهية والعنف، وبالتصدي لها". ووصف عبد الملك سلال الوزير الأول في الحكومة الجزائرية الدستور التونسي بأنه "إنجاز عظيم" و"مفخرة للشعب التونسي" و"خطوة عملاقة في الاتجاه الصحيح". وقال "إدراكا منها لوحدة المصير، فإن الجزائر ستقف معكم..وتعمل معكم على إنجاح عملية التحول الديموقراطي..الجزائر معكم في السراء والضراء". بحسب فرانس برس.

من جهته قال نوري علي أبوسهمين رئيس المؤتمر الوطني العام (البرلمان) في ليبيا "أشقاؤنا في تونس اجتازوا العملية الديموقراطية الانتقالية بنجاح بالمصادقة على دستور يحقق آمال الشعب التونسي". وقال "ستشهد بلادي قريبا مثل هذه المرحلة التاريخية". وأبلغ برلمانيون تونسيون الصحافيين ان الوفد الاميركي غادر قاعة الاحتفال اثر القاء علي لاريجاني رئيس مجلس الشورى الايراني خطابا اتهم فيه الولايات المتحدة واسرائيل بمحاولة جعل ثورات الربيع العربي "عقيمة". وقال لاريجاني، وفق الترجمة العربية لخطابه الذي ألقاه باللغة الفارسية "علينا ان نراقب الدول التي تحصل فيها ثورات، وقطع يد الدول المستكبرة". وأضاف "أيادي اميركا واسرائيل حاولت جعل هذه الثورات عقيمة، وتحريفها لكي تستفيد اسرائيل". وتابع "الحل هو المقاومة والوحدة بين الأمّة الاسلامية".

الانتخابات القادمة

في السياق ذاته قال رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس إن الانتخابات الرئاسية والبرلمانية يجب ان تجرى في 2014 رغم التأخير في اصدار القانون الانتخابي وبعض الصعوبات الاخرى متعهدا بأن تكون الانتخابات شفافة ومطابقة للمعايير الدولية. وقبل شهرين تخلت حركة النهضة الاسلامية عن السلطة لحكومة مستقلة ستقود البلاد الى انتخابات لم يحدد حتى الآن موعدها.

والهيئة العليا المستقلة للانتخابات تكونت قبل شهرين لقيادة تونس لثاني انتخابات حرة تشهدها البلاد بعد الانتفاضة التي أطاحت بالرئيس السابق زين العابدين بن علي قبل ثلاث سنوات. وستكون الانتخابات المقبلة أهم امتحان لإكمال الانتقال الديمقراطي في تونس التي ينظر اليها على انها نموذج في المنطقة المضطربة.

وقال شفيق صرصار رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في مؤتمر صحفي "الإنتخابات الثانية ستكون أصعب لأن معايير المحاسبة ستكون أكثر صرامة ولكن لدينا حرص أن ننجح وأن تكون المنظومة الانتخابية دقيقة مثل الساعة السويسرية ومطابقة للمعايير الدولية." وأضاف صرصار ان الهيئة تواجه صعوبات من بينها افتقارها لمقر رئيسي ومقرات فرعية رغم الوعود الحكومية إضافة الى تأخر صدور القانون الانتخابي.

ولكن على الرغم من ذلك قال إن الانتخابات يجب أن تجرى في موعدها في 2014 مهما كانت الصعوبات. وبعد تأخير استمر اسابيع من المقرر أن يناقش المجلس التأسيسي القانون الانتخابي الذي سينظم سير الانتخابات ومن شأنه أن يسرع في تحديد موعد نهائي لها. ولكن صرصار قال إن الهيئة لم تقف مكتوفة الأيدي بل بدأت خطة تهدف لتوعية التونسيين بالمشاركة في الانتخابات.

وقال عضو الهيئة رياض بوحوشي إن الناخبين سيمكنهم لأول مرة تسجيل أنفسهم في سجل الانتخابات عبر الانترنت وعبر تطبيقات بالهواتف الجوالة. وأضاف ان الهيئة تسعى الى تسجيل أكثر من 4.2 مليون ناخب وستقوم بحملة توعية داخل المناطق النائية لتفسير العملية الانتخابية. وذكر صرصار ان عدة دول ستقدم المساعدة الفنية لتونس خلال الانتخابات المقبلة. وفي وقت سابق تعهد الاتحاد الاوروبي بتقديم المساعدة لتونس لاجراء انتخابات شفافة ودعم الديمقراطية الناشئة. بحسب رويترز.

وحتى الان لازال غير معروف إن كانت الانتخابات التشريعية والرئاسية ستجرى في نفس الوقت أو في موعدين مختلفين لكن صرصار قال ان الهيئة يمكنها أن تنجز الانتخابات في نفس اليوم. وفي الانتخابات الماضية التي اجريت في اكتوبر تشرين الاول 2011 حققت النهضة فوزا مكنها من شغل أكثر من 40 بالمئة من المقاعد بالمجلس التأسيسي الذي صدق على دستور جديد للبلاد.

إقصاء حركة النهضة

على صعيد متصل قال الباجي قائد السبسي رئيس حزب نداء تونس العلماني الذي ساهم في الضغط على الحكام الإسلاميين للاستقالة من الحكومة إن حزبه لا يريد إقصاء حركة النهضة الإسلامية بل إنه مستعد للحكم معها إذا فاز حزباهما في الإنتخابات المقبلة. وبعد ثلاث سنوات من الإطاحة بالرئيس السابق زين العابدين بن علي تستعد تونس التي أطلقت شرارة إنتفاضات الربيع العربي لأن تنظم هذا العام ثاني إنتخابات حرة لإكمال الانتقال الديمقراطي الذي يشيد به الغرب على أنه نموذج في المنطقة المضطربة.

وهذا العام تخلت حركة النهضة الاسلامية عن الحكم بموجب إتفاق مع المعارضة العلمانية إثر احتجاجات قوية بعد أزمة سياسية إستمرت عدة أشهر عقب إغتيال معارضين بارزين العام الماضي. وقال السبسي إن نداء تونس حزب واقعي وهو مستعد للتعامل مع النهضة في الحكم إذا أفرزت الانتخابات فوزا نسبيا لحزبه وللنهضة. ومضى زعيم نداء تونس (86 عاما) يقول "إذا جرت إنتخابات سنراقب نتائجها. إذا حصلت النهضة على نتيجة مهمة فهذا واقع يجب التعامل معه..نحن ديمقراطيون لا نقصي أحدا.. هم حاولوا أن يقصوننا ولكنهم فشلوا".

وأضاف السبسي وهو محام ورئيس وزراء سابق "إذا فزنا أيضا وحققنا أغلبية نسبية وليست مطلقة فنحن مجبرون على التعامل مع نتيجة الانتخابات وإذا كان هناك إسلاميون سنناقش معهم". وقال رئيس نداء تونس إن حزبه لديه فرصة قوية للفوز في الانتخابات المقبلة المقرر اجراؤها هذا العام لكنه لن يقصي الاسلاميين عكس ما قام به حكام مصر الجدد.

وبعد أن أطاح الجيش المصري بالرئيس الاسلامي المنتخب محمد مرسي عقب احتجاجات شعبية حاشدة مطالبة بتنحيته بدأت السلطات الجديدة حملة ملاحقة لجماعة الاخوان التي صنفتها جماعة إرهابية وإعتقلت مئات من أعضائها. ودفع السيناريو المصري الفرقاء السياسيين في تونس الى بدء حوار نهاية العام الماضي. وتم تعيين مهدي جمعة رئيسا لوزراء حكومة مؤقتة ستقود البلاد الى إنتخابات هذا العام.

ولكن السبسي وهو سياسي مخضرم شغل مناصب هامة مع كل الرؤساء السابقين للبلاد يرى أن "نداء تونس يقوده فريق ذكي يتصرف وفقا لصالح تونس ومصلحة تونس لا تقتضي تصفية الحسابات مع الاسلاميين مثلما حاولوا إقصاءنا سابقا وفشلوا". وقال إنه لا يتوقع أن تقود حكومة إسلامية تونس من جديد بعد ما سماه "فشل الاسلاميين في إدارة الدولة والتساهل مع السلفيين والمتشددين مما ساهم في انتشار الارهاب في البلاد". وتابع حديثه "إسلاميو تونس فرطوا في فرصة ثمينة عندما كانوا في الحكم ولا أتوقع اعادة تشكيل حكومة إسلامية هنا بعد أن فشلوا في إدارة الدولة وتساهلوا مع العنف والتشدد الديني".

وأطلق السبسي حزبه الجديد قبل عامين لمنافسة النهضة التي حققت فوزا كاسحا في أول إنتخابات حرة في اكتوبر تشرين الاول 2011. وكشف إنه من المحتمل أن يترشح للانتخابات الرئاسية مضيفا أن نداء تونس له "حظوظ قوية للفوز في الانتخابات المقبلة". وقال "سنحافظ على دولة مدنية وسندعم تحرر المرأة ونحارب تفشي البطالة ونواصل سياسات الانفتاح الاقتصادي والسياسي على أوروبا أول شريك تجاري لتونس".

ويضم نداء تونس الذي تشير إستطلاعات رأي محلية انه أبرز منافس لحزب النهضة القوي رموزا من النظام السابق الذي أطاحت به الثورة من بينهم محمد الغرياني الامين العام لحزب الرئيس السابق الذي كان مسجونا قبل الحكم ببراءته وإطلاق سراحه. والسبسي نفسه شغل منصب رئيس البرلمان لفترة قصيرة في عهد بن علي. ويثير هذا المعطى إنتقادات معارضي نداء تونس بأنه يعيد النظام السابق للساحة السياسية من الباب بعد أن غادرها من الشباك. بحسب رويترز.

ولكن السبسي يرفض هذه الانتقادات ويرى إن ضم الحزب لبعض شخصيات النظام السابق لا يمثل انتكاسة للثورة. ويمضي متحدثا "هذا حكم خاطئ هي ليست إنتكاسة للثورة.. الحزب السابق تم حله من القضاء وبعض المسؤولين حكوموا والبعض الآخر شرفاء. "نحن قلنا إن من لم يتورطوا هم تونسيون ولا يجب إقصاؤهم..المتورطون منهم يجب أن يحاسبوا عبر القضاء فقط بشكل فردي وليس بشكل جماعي". ودعا السبسي إلى أن تكون الانتخابات المقبلة إنتخابات بمقاييس عالمية يحضرها مراقبون دوليون.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 3/نيسان/2014 - 1/جمادي الآخر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م