قيم التقدم: التوكّل

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: ثمة قيَم عندما تلتقي مع بعضها، يكون تأثيرها أقوى وأسرع وأدق، في الوسط المستهدَف، فمثلا هناك سلسة قيم أطلق عليها الامام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، بالتاءات الثلاث: (التوكل/ التوسّل/ التعقّل)، وقدم في مؤلفات عديدة أفكارا ذات قيمة تربوية وأخلاقية وفكرية كبيرة، في هذا المجال، منها ما ورد في كتاب (ممارسة التغيير لانقاذ المسلمين) حول قيمة التوكل، إذ ورد فيه قول الامام الشيرازي: مطلوب من (ممارسي التغيير التوكل على الله سبحانه وتعالى في امورهم كافة صغيرها وكبيرها، حقيرها وجليلها، فمن يتوكل على الله فإنه يكفيه ما أهمه، وفي القرآن الحكيم: ومن يتَّقِ الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل لكل شيء قدرا).

إن هذه القيم الثلاث لها تأثيرها المعروف في الانسان، عندما تعمل منفردة، ولكنها عندما تتعاضد وتلتقي مع بعضها في قضية ما، فإنها ستكون ذات تأثير مباشر وفعال ومضاعف ايضا، من حيث النتائج المرتقبَة، ولذلك يتم طرحها كسلسلة تترابط مع بعضها، من اجل إحداث النتائج المأمولة على مستوى الفكر والفعل أو كلاهما معا.

بالنسبة لقيمة التوكل، ينطبق عليها توصيف الاستعداد التام لانجاز هدف تم تحديده، ويشمل الاستعداد، خطوات الانجاز كافة، ومنها التخطيط وتوفير كل عوامل التنفيذ، أو ما تيسَّر منها، ثم نقطة الشروع والانطلاق لتحقيق الهدف المطلوب، إذ يتوكل الانسان على الله تعالى ويبدأ بتنفيذ ما خطط له، بمعنى أن قيمة التوكل تشمل جميع عناصر الاستعداد المطلوبة، وهي تضاعف القوة المعنوية النفسية للانسان عندما ينطلق باتجاه تحقيق غاية معينة.

يمكننا أن نفهم الفارق بين الاعتماد على قيمة التوكل من عدمه، من خلال المقارنة بين من يعتمدها في تحقيق اهدافه، وبين الانسان الذي قد لا يحسب حسابا لهذه القيمة!، ولا شك أن الفارق هنا يصب بالدرجة الاولى في الجانب الذي يتعلق بإرادة الانسان، فعندما يضع حسابا لقيمة التوكل، هذا يعني أنه يريد أن يشعر بقوة معنوية إرادية مضاعفة من اجل الانجاز، في حين أن من لا يضع في حسابه قيمة التوكل، يعتمد على قدراته الذاتية، وهي لا شك تبقى ناقصة اذا لم يدعمها الجانب الروحي والمعنوي.

بكلمة أوضح، أن من يعتمد قيمة التوكّل سيكون أكثر استقرارا وأقوى إرادة، من الاخر الذي لا ترد في باله وافكاره هذه القيمة، لأسباب ليس هناك مجالا للخوض فيها، وقد أكد العلماء المختصون بعلم النفس، أهمية الاستعداد النفسي والمعنوي في اطلاق أي مشروع مهما كان نوعه وفي اي مجال كان، وكلما تضخّمت النتائج والتوقعات من هذا المشروع او ذاك، كلما كانت الحاجة للاستعداد النفسي والمعنوي اكبر، هذا لا يلغي بطبيعة الحال أهمية الاستعداد المادي للانجاز، ولكن هناك تأثير كبير لقيمة التوكل في جانب النتائج المتوخاة، كما ونوعا، سرعة ودقة، وهو امر اثبتته تجارب عملية كثيرة.

من هنا يُستحسَن أن يتم العمل على نشر هذه القيمة، بين النشء الجديد، من خلال المحيط التربوي الاول (العائلة)، ثم المحيط التربوي التعليمي الثاني (المدرسة)، أملا في بناء شخصية متميزة بالاستقرار والتوازن، كونها تنتهي بنا الى مجتمع مستقر منتج متوازن، يعتمد قيمة التوكّل من اجل الانجاز الامثل، وهو اسلوب معاصر دعت اليه مدارس اجتماعية حديثة، تركّز على الجانب الروحي، ليس من باب الذهاب الى الخارق، وما شابه، وليس تنكيلا بمنزلة المادي، بل هي دعوة جادة تهدف الى اعتماد قيمة التوكل، في كل الانشطة الفردية والجماعية، لما لهذه القيمة من إسهام فعال في تحقيق نتائج متقدمة وناجحة دائما، كما تشير الى ذلك التجارب المأخوذة من عمق الواقع الراهن.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 2/نيسان/2014 - 30/جمادي الأولى/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م