هل يتجه النظام العالمي الجديد الى الحوكمة؟

في ملتقى النبأ الأسبوعي

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: في تعريف الحوكمة، انها (النشاط الذي تقوم به الإدارة. وهي تتعلق بالقرارات التي تحدد التوقعات، أو منح السلطة، أو التحقق من الأداء).

والحوكمة هي الممارسة الحركية لسلطة الإدارة والسياسة، بالرغم أن الحكومة هي الأداة (بشكل إجمالي) التي تقوم بهذه الممارسة. كما يستخدم تجريديا مصطلح الحكومة كمرادف لمصطلح الحوكمة، كما هو الحال في الشعار الكندي، "السلام والنظام والحكومة الجيدة".

ولعل الغرض الأخلاقي والطبيعي للحوكمة هو التأكد – ونيابة عن أولئك المحكومين – من وجود نمط جيد مجدي، وتجنب النمط السيئ غير المرغوب فيه. والهدف المثالي للحوكمة هو التأكد من النمط المثالي الجيد مع عدم وجود النمط السيء.

 يرتكز مفهوم الحوكمة الرشيدة إلى ثماني خصائص رئيسية وهي:

* المشاركة.

* التوافق.

* المحاسبية.

* الشفافية.

* الاستجابة.

* الفاعلية والكفاءة.

* حكم القانون.

* المساواة والشمول.

حول تلك القضايا كان ملتقى النبأ الاسبوعي، حيث طرح مرتضى معاش مفهوم الحوكمة للنقاش مع عدد من الحضور، ورأى ان العالم في خطواته الواسعة والسريعة نحو التقدم والتطور، بدأت تقل فيه البدائية والغرائزية، وان العالم باجمعه يتجه الى (مجتمعات المعرفة)، وانه يتجه نحو نظم اكثر قانونية، مجتمع قائم على العدالة وحكم القانون، وليس كما هو الان، في الكثير من البقاع، تتحكم فيه العصابات، والمافيات، والبنوك، والانظمة الشمولية، التي تجعل هذا العالم لاوجود للقيم الانسانية فيه.

هذه الأيام توجد مجموعات عالمية كبيرة، تؤمن بالتغيير، وهم الذين يطمحون الى (حوكمة العالم)، مقابل اصحاب نظرية المؤامرة الذين يعتقدون ان تلك الحوكمة هي استمرار لهيمنة الغرب على مقدرات العالم..

ما الذي قاد الى تلك التوجهات؟ يتساءل معاش، ويجيب:

التطور الهائل في وسائل الاتصالات، بروز التواصل الاجتماعي كقوة كبيرة مساهمة في التغيير، الاتجاه العالمي نحو مجتمعات المعرفة، صعود الكثيرين من المثقفين كحكام وقادة دول في اوربا، وقد قدم أولئك الحكام في تلك الدول صورة جديدة للحاكم والمسؤول، وهي انه يجب عليه ان يكون صاحب سياسة ورسالة وليس صاحب سلطة، يضاف الى ذلك، صعود افكار ومفاهيم جديدة تتعلق بما يمكن تسميته (حوكمة الثروات الإستراتجية) في جميع انحاء العالم، ترافق ذلك كله مع ترسيخ وجه مغاير للنظام العالمي الجديد، الذي عمل على (ضبط العصابات) والمجموعات المتحكمة برؤوس الأموال الضخمة وتداولها، التي حدثت بعد الازمة المالية العالمية، التي تسبب بها المضاربون الكبار في البورصات والشركات والبنوك. وهي الازمة التي فجرها شباب في البورصة تراوحت أعمارهم بين 28 – 32 سنة.

ويضيف معاش الى تلك الأسباب، ما يراه قد سرّع في طرح تلك المبادرة، وهي بروز (العولمة المتوحشة)، والتي يمكن أن تفتح المجال للقوى المالية بالتهام العالم، قابلها جماعات ضغط انسانية طالبت بعولمة أخلاقية، قادها ما يعرف باليسار الغربي، الذي اخذ على عاتقه التنظير لعولمة أخلاقية وإنسانية. وهناك أيضا كما يرى معاش، التحديات الخطيرة التي يواجهها العالم، من قبيل التغير المناخي، وقوع النفط ومصادره بيد الفاسدين، مع وجود اشخاص في العالم كثيرا ما يساهمون في خلق الفوضى.

الحوكمة كما يعتقد مرتضى معاش، ستكون سلاحا بيد العالم الطامح للتغيير، وضبط إيقاع الحركة، وسيكون لهذه الحوكمة تطبيقاتها السياسية، مثلما هي في الأصل لها تطبيقاتها الاقتصادية والقانونية.

ما الذي يمكن لأمريكا ان تستفيد منه على الصعيد الداخلي من هذه الحوكمة؟

يرى معاش، اننا لو وضعنا انفسنا بدل أمريكا وفكرنا بطريقتها، او كما يفكر العقل الأمريكي، فان امريكا ستكون اكثر شفافية، وستنكشف عملياتها القذرة التي تقوم بها في الكثير من دول العالم، والتي تؤثر على صورتها على المدى البعيد، وتآكل في رصيدها السياسي والاقتصادي، بما تثيره من اضطرابات، ويضرب مثلا على ذلك بقضية (سنودن) الذي وجه ضربة قوية الى وكالة الامن القومي التي وغيرها من الوكالات الأمنية والاستخبارية، قد تغولت على حساب الكثير من القوانين والتشريعات الامريكية.. وتحولت بعض المؤسسات الامريكية الى وحش يتحكم به اشخاص لمصالحهم الخاصة وهي ما تعرف بمجموعات المصالح، فالكونغرس الأمريكي فيه مجموعات خاصة مثل اللوبي اليهودي والتي تسيطر عليه وتوجهه الى الكثير من السياسات التي تخدم مصلحة إسرائيل على حساب مصالح أمريكا.

في معرض حديثه عن الرأسمالية يرى معاش انها ليست واحدة في العالم، فهناك اكثر من رأسمالية، ورأى ان الراسمالية الامريكية تجدد نفسها، وتتقدم الى الامام من خلال التحسين المستمر في منتوجاتها، شعار تلك الرأسمالية ان المنتوج يجب ان يكون دائما في المقدمة. وعند طرح كل منتوج هناك منتوج جديد اخر ينتظر طرحه. وهي تؤمن أن النظام الكوني قائم على التنافس الايجابي..

يختم معاش، وهو يستذكر احد كتب الامام السيد محمد الحسيني الشيرازي (قدس سره) والذي يحمل عنوان (الغرب يتغير)، وكيف ان الامام الراحل كان يرى ان الغرب دائما ما يجدد نفسه ويتغير، مستفيدا من الحريات الواسعة لافراد مجتمعاته.

في تعليقه على الفكرة يطرح احمد جويد مدير مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات، تساؤلا مفاده، هل يتجه العالم الى الاستقرار والهدوء؟. ويجيب بان هناك الان مجموعة من القادة تتجه الى الاستقرار والانضباط في العالم، بعد أن قاده قادة اخرون في فترات سابقة الى صراعات مدمرة، نتيجة لعدم وجود قوانين تسيطر على القوى وتخضع لها.

يرى جويد، ان الحوكمة مفهوم اقتصادي سياسي، تخضع فيه الاقتصاديات العالمية الكبرى والمؤسسات الاقتصادية الى قوانين تسيرها وتحكمها ضمن قواعد واطر محددة.

 في مداخلته، يطرح الدكتور علي ياسين التدريسي في جامعة كربلاء، تساؤلا مفاده: هل هذه الادارة المتسقة كما تبشر بها الحوكمة، تتم بمعزل عن ارادة السلطة السياسية ام بموافقتها؟، ولماذا، يضيف ياسين، ظهرت الحركة المبشرة بالحوكمة في امريكا؟.

يعتقد علي ياسين، انه لا يمكن تطبيق الحوكمة بحذافيرها، وان مجتمعات المعرفة التي تبشر بها الكثير من الفلسفات، تقود الى انقراض البشر وتهدد وجود الانسان نفسه. واننا في طريقنا الى (نهاية التاريخ)، الذي بشر به فوكوياما في كتابه (نهاية التاريخ والانسان الأخير) ويرى ياسين في معرض تقييمه للعولمة والرأسمالية، ان الطبيعة تنتقم لنفسها، مذكرا بالآية القرآنية (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون). يختم ياسين مداخلته، بان الحوكمة بما تعنيه من رقابة وشفافية، قد تحدث عنها الامام علي (عليه السلام) من خلال ما يعرف بالرقابة الداخلية التي يمارسها الانسان على نفسه، (أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك).

في مشاركته يعود بنا باسم الزيدي الباحث في مركز المستقبل للدراسات والبحوث، الى السنوات الأولى للمهاجرين الأمريكيين، وكيف فكر أولئك بالعزلة عن العالم، وعدم التعاطي مع مشكلاته، على اعتبار ان عالمهم الجديد هذا، يجب ان يكون بمعزل عن عالم قديم رفضوه وهربوا منه.

لكن أمريكا، وبعد الحربين العالميتين الأولى والثانية، عادت الى مفهوم (عقيدة المسؤولية) التي طرحها الإباء المؤسسون لامريكا، من خلال الاستفادة منها، لتحقيق مصالح امتهم، عبر أدوات تختلف باختلاف الأوقات والضرورات، ويبقى الهدف واحدا، وهو حماية مصالح أمريكا.

يعتقد الزيدي ان عقيدة المسؤولية اقتضت من أمريكا، وحفاظا على مصالحها، الترويج لمفهوم الشراكة مع الاخرين، من خلال ماطرحه اوباما عبر سياسة (القيادة من الخلف) بعد ان كانت تلك السياسة تعمل من خلال (مدفع بوش).

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 1/نيسان/2014 - 29/جمادي الأولى/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م