القمة العربية في الكويت... حافلة بالخلافات فارغة من النتائج

باسم حسين الزيدي

 

شبكة النبأ: في كل عام قبل انعقاد القمة العربية بأيام، تليها بضع ايام اخرى، يتبرى المحللون والمتابعون للشأن العربي، من خلال التحليل والمقارنة والمتابعة، بين المتشائم والمتفائل، ويتصدر كل هذا الخليط السياسي وسائل الاعلام، ثم سرعان ما تنطفئ شمعة جامعة العرب ويخيم السكون على القاعة الكبرى، ويعود المشاركون الى بلدانهم، بينما تبقى قراراتهم اما طي الكتمان او التجاهل.

بهذا المشهد المتذبذب وصف الكثير من المراقبين والسياسيين ما يجري قبل وبعد انعقاد القمة العربية بدورتها الحالية في الكويت، برغم الخلافات التي خيمت عليها، بين الدول العربية نفسها، والتي من المفترض ان تكون الجامعة العربية منطلقاً جامعاً ووسيطاً قوي لحل هذه الخلافات، اضافت الى التحديات الاقليمية، التي استبعدت القضية الفلسطينية "الكلاسيكية" عن الاضواء هذه المرة لتحتل الازمة السورية مكانها.

فيما كان منبر الجامعة العربية، هذه المرة، اداة لتصريحات مبطنة انطوت على اتهامات متبادلة بين الدول العربية التي جلست على طاولة واحدة، في قضايا شائكة تعلقت بالإرهاب والتدخل في الشؤون الداخلية والصراع الايديولوجي والسياسي...الخ.

وقد ادلى الجميع بدلوه، من دون ان يكون للجامعة العربية او للقمة العربية حضوراً واضحاً في حل الخلافات او توضيح التحديات التي تناولها الجميع رمزاً وليس تفصيلاً، فيما اشار الخبراء والمحللين، الى ان الكويت ترغب في امرار القمة الحالية بسلام، ومن دون اثارة المزيد من المشاكل العربية، في وصف أقرب ان يكون الى العمل الروتيني منه الى العمل الحقيقي.   

أخطار كبيرة

فقد حذرت الكويت من أخطار كبيرة تحدق بالعالم العربي وحثت القادة العرب على وضع نهاية للنزاعات المتعددة التي تزيد من تعقيد أزمات مثل الحرب الاهلية في سوريا والاضطرابات السياسية في مصر، ودعا أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح الدول العربية إلى تسوية الخلافات التي قال إنها تعرقل العمل العربي المشترك.

وقال الشيخ صباح في كلمته في افتتاح القمة العربية المنعقدة بالكويت "الأخطار كبيرة من حولنا ولن نتمكن من الانطلاق بعملنا العربي المشترك إلى المستوى الطموح دون وحدتنا ونبذ خلافاتنا"، ولم يذكر الشيخ صباح دولة بعينها لكنه كان يشير فيما يبدو إلى نزاعات متدهورة بين دول عربية على الدور السياسي للإسلاميين في المنطقة وما تراه عدة دول في منطقة الخليج تدخلا في شؤونها من جانب ايران.

ومن المتوقع أن توافق القمة التي يحضرها أعضاء جامعة الدول العربية الاثنين والعشرين على مزيد من العمل الانساني لإغاثة ضحايا الحرب الأهلية الجارية في سوريا التي دخلت عامها الرابع وفرضت ضغوطا هائلة على دول الجوار التي تستضيف اللاجئين السوريين، وقال أمير الكويت "إننا مدعوون اليوم إلى البحث في الأسس التي ينطلق منها عملنا العربي المشترك وإيجاد السبل الكفيلة بتعزيزه وتوطيد دعائمه من خلال النأي به عن أجواء الخلاف والاختلاف والتركيز على عوامل الجمع في هذا العمل".

ودعا ولي العهد السعودي الأمير سلمان بن عبد العزيز آل سعود الذي تساند بلاده المقاتلين الساعين للإطاحة بحكم الرئيس السوري بشار الأسد إلى تغيير ميزان القوى على الأرض في الصراع السوري وأبدى اندهاشه لعدم منح وفد الائتلاف المعارض مقعد سوريا في القمة العربية، وقال الأمير سلمان "إن الخروج من المأزق السوري يتطلب تحقيق تغيير ميزان القوى على الأرض ومنح الائتلاف الوطني لقوى المعارضة السورية ما يستحقون من دعم ومساندة".

وأضاف "إننا نستغرب كيف لا نرى وفد الائتلاف يحتل مكانه الطبيعي في مقعد سوريا، خاصة وقد منح هذا الحق في قمة الدوحة من قبل القمة العربية"، ووصف الأمير سلمان الأزمة في سوريا بأنها وصلت إلى حد الكارثة، ودعا أحمد الجربا رئيس الائتلاف الوطني السوري المعارض القمة العربية إلى تسليم مقعد سوريا في جامعة الدول العربية وسفاراتها في العواصم العربية للائتلاف المعارض.

وقال الجربا في كلمته أمام القمة العربية "إن إبقاء مقعد سوريا بينكم فارغا يبعث برسالة بالغة الوضوح إلى الأسد الذي يترجمها على قاعدة اقتل اقتل والمقعد ينتظرك بعد أن تحسم حربك" في إشارة إلى الرئيس السوري بشار الأسد، وأضاف الجربا "الواقع بات يفرض أن تسلم السفارات السورية في العواصم العربية إلى الائتلاف الوطني بعد أن فقد النظام شرعيته ولم يعد للسوريين من يرعى مصالحهم في العواصم العربية"، وشكل شغل مقعد سوريا في القمة العربية إحدى المشكلات الكبرى في الأعمال التحضيرية للقمة العربية المنعقدة حاليا في الكويت.

وتأتي قمة الكويت في أعقاب خلاف غير مسبوق بين الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي جراء دعم قطر لجماعة الاخوان المسلمين المصرية وخلاف بين العراق والسعودية بسبب العنف في محافظة الأنبار العراقية، لكن من غير المرجح أن تركز القمة العربية على النزاع بين دول الخليج العربية، وتميل دول الخليج إلى إبعاد خلافاتها عن المناقشات العامة وهو ما أضفى حساسية خاصة على قرار السعودية ودولة الامارات العربية المتحدة والبحرين سحب سفرائها من قطر في وقت سابق من الشهر.

وعرضت الكويت التي احتفظت بسفيرها في الدوحة الوساطة في النزاع وهي تأمل في إنجاح القمة التي تستضيفها دون حدوث مزيد من الانقسامات، وقبيل افتتاح القمة وقف أمير الكويت وقد ارتسمت على وجهه ابتسامة عريضة وهو يتوسط ولي عهد السعودية وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد بن خليفة آل ثاني وأمسك بيد كل منهما في مسعى لإبراز روح التضامن والمصالحة، وصرح مسؤول كويتي بأن جدول أعمال القمة العربية لن يتضمن النزاع بين قطر وجيرانها.

وسئل خالد الجار الله وكيل وزارة الخارجية الكويتي عما إذا كان هذا الخلاف سيثار في القمة فقال للصحفيين إن المصالحة الخليجية والقضايا الخليجية هي قضايا تبحث داخل البيت الخليجي، ودعا وزير خارجية لبنان جبران باسيل الدول العربية إلى دعم الجيش اللبناني لمواجهة تداعيات الحرب الأهلية السورية التي قال إنها تهدد بتمزيق البلاد، وستبحث القمة أيضا تحديات اقليمية أخرى مثل ايران التي شهدت تحسن علاقاتها مع القوى الغربية منذ انتخاب الرئيس حسن روحاني.

ولسنوات طويلة ظل الصراع الاسرائيلي الفلسطيني يهيمن على القمم العربية وكان لأغلب الدول العربية موقف مشترك من هذه القضية، لكن انتفاضات الربيع العربي التي بدأت عام 2011 أدت إلى استقطاب حاد في المنطقة، وأدت الحرب السورية إلى إثارة توترات بين السنة لاسيما في منطقة الخليج والشيعة في العراق ولبنان وايران نظرا لأن الرئيس السوري ينتمي للطائفة العلوية الشيعية.

وقال نبيل العربي الأمين العام لجامعة الدول العربية من قبل إن القمة قد تتأثر بالخلافات وأن ثمة حاجة ماسة لتنقية الأجواء، وقال وزير الخارجية المصري نبيل فهمي إنه سيكون من الصعب إنجاز مصالحة في القمة، وقال فهمي في مؤتمر صحفي "لا أتوقع أن نخرج من قمة الكويت والأطراف مقتنعة أن الأمور تمت تسويتها لأن الجرح عميق"، وأضاف أنه "وحتى إذا توصلنا إلى صيغة وهذا مستبعد، نحتاج جميعا إلى فترة لكي نقيم ترجمة هذه الصيغة إلى التزام حقيقي بمواقف وخطوات تنفيذية تعكس تغييرا في السياسات".

وقالت ابتسام الكتبي استاذ العلوم السياسية في جامعة الإمارات في دولة الإمارات العربية المتحدة انه لا توجد قمة بدون خلافات لكن قمة هذا العام ستكون حافلة بالخلافات الحادة التي تمثل عبئا اضافيا على كاهل البلد المضيف، وأضافت أنه سيكون من الصعب التركيز على الخروج بقرارات مناسبة ناهيك عن الاتفاق على اي شيء.

وقال وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري ان اجتماع وزراء الخارجية العرب الذي عقد تمهيدا للقمة لم يشهد اي توتر، وأضاف للصحفيين في الكويت إن البلد المضيف ساهم في الحقيقة في تلطيف أجواء العلاقات ولم يحدث اي توتر بين أعضاء الوفود الحاضرين، وقال زيباري إن الاجتماع لم يناقش قرار السعودية والامارات والبحرين في وقت سابق هذا الشهر بسحب سفرائها من قطر. بحسب رويترز.

وتشعر معظم دول الخليج بالقلق من النفوذ الإيراني بين الشيعة في البحرين وفي المنطقة الشرقية بالسعودية وفي الكويت والعراق وتريد أن تبعث القمة برسالة قوية لطهران بالكف عن التدخل في شؤون تلك الدول، وتنفي إيران أي تدخل، وتشعر هذه الدول أيضا بالقلق من أن تعيد الولايات المتحدة حليفتهم الرئيسية العلاقات الكاملة مع طهران بعد قطعها لمدة ثلاثة عقود، وقالت الكتبي إن دول الخليج ترى أن التحدي الرئيسي يتمثل في الأهداف السياسية لإيران في المنطقة خاصة وأنها تتنامى وتحاول إيجاد ثغرات تنفذ منها لاختراق الجدار العربي.

ومن المرجح أن يلقي الوضع السياسي المضطرب في مصر بظلاله على القمة، وتواجه القاهرة مشاكل داخلية منذ عزل الجيش المصري الرئيس محمد مرسي المنتمي لجماعة الاخوان المسلمين العام الماضي بعد مظاهرات حاشدة تطالب بتنحيه، وأدت التطورات السياسية في مصر إلى تفاقم الخلافات بين قطر التي تدعم الاخوان المسلمين والسعودية والإمارات اللتين تعتبران أن الجماعة تمثل تهديدا سياسيا كبيرا، وقال كريستيان أولرخسن الخبير في شؤون الخليج بمؤسسة بيكر ومقرها الولايات المتحدة "أعتقد أن الكويتيين سيحرصون على أن تمر القمة العربية بسلام وبدون أي حرج كبير"، وأضاف "سيحرص الأمير والمسؤولون على منع أي تصعيد للخلاف الدبلوماسي مع قطر وقد يستغل القمة لتكثيف الجهود والتوسط لإيجاد حل".

من جانب اخر يشكل النزاع السوري الذي دخل عامه الرابع مرة جديدة الملف الرئيسي على مائدة القمة العربية في الكويت في ظل استمرار العنف وغياب اي افق للحل، فيما ليس من المتوقع ان تتطرق القمة الى مسالة الخلافات العربية والخليجية، واكد مسؤولون ان الخلافات بين قطر من جهة والسعودية والامارات والبحرين ومصر من جهة اخرى ليست على جدول اعمال القمة وذلك لتجنب الملفات المتفجرة على ما يبدو.

وبعد ان جلست المعارضة السورية في القمة العربية الماضية في الدوحة على مقعد دمشق، سيظل المقعد شاغرا، الامر الذي علله الامين العام للجامعة العربية نبيل العربي بعدم استكمال الائتلاف الوطني السوري المعارض الخطوات التنفيذية للحصول على المقعد، بالرغم من اعتبار القمة العام الماضي، من دون اجماع، بان الائتلاف هو الممثل الشرعي الوحيد للسوريين، وعلقت الجامعة العربية عضوية دمشق منذ تشرين الثاني/نوفمبر 2011.

وقال الابراهيمي في الكويت ان العودة الى الحوار بين النظام السوري والمعارضة في جنيف امر مستبعد حاليا، واضاف الابراهيمي للصحافيين ان "العودة الى جنيف في الوقت الحاضر ليست واردة لان شروطها غير متوافرة"، واجاب ردا على سؤال عما اذا كان سيزور سوريا قريبا "خلاص كفاية"، يذكر ان الجلسة الثانية من المفاوضات في جنيف للتوصل الى حل سياسي للنزاع انتهت الى الفشل في 15 شباط/فبراير الماضي، كما لم يتم تحديد اي موعد لاستئناف المفاوضات.

من جهته، قال الجربا في بيان وزعه في اعقاب لقاء مع الابراهيمي في الكويت ان "النظام السوري وراء افشال مؤتمر جنيف"، واعتبر الجربا ان اعلان النظام السوري ترشح الرئيس بشار الاسد لولاية اخرى يشكل "اهانة لكل الشعب السوري، بل تفخيخا للعملية السياسية برمتها ودخولا في مرحلة من العنف المستمر"، وجدد الجربا في بيانه الدعوة الى تقديم الاسلحة للمعارضة بما "يوازن القوى على الارض" ويدفع باتجاه حل سلمي، ودعا خصوصا الى تزويد الجيش السوري الحر بمضادات الطائرات.

وقد أسفر النزاع السوري منذ اندلاعه في اذار/مارس 2011 وحتى الآن عن 140 الف قتيل فضلا عن ملايين النازحين واللاجئين، ومن المتوقع ان تطالب القمة العربية مجلس الامن مجددا الى التحرك لوضع حد للنزاع، ويدعو مشروع القرار حول الوضع في سوريا، مجلس الامن الى تحمل مسؤولياته بعد فشل مؤتمر جنيف بين النظام السوري والمعارضة، ويجدد مشروع القرار التأكيد على كون الائتلاف السوري المعارض الممثل الشرعي الوحيد للسوريين.

وقد اقر وزراء الخارجية العرب جميع مشاريع القرارات ومن بينها مشروع لإعطاء السلطة الفلسطينية مئة مليون دولار شهريا، كما اقر وزراء الخارجية العرب شرعة المحكمة العربية لحقوق الانسان التي سيكون مركزها في البحرين، وتم الاتفاق ايضا على ان تعقد القمة المقبلة في القاهرة، وذلك للتأكيد على عودة الدور المصري القيادي في العالم العربي.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 27/آذار/2014 - 24/جمادي الأولى/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م