البابا القطري والوسطية

علي حسين كبايسي

 

وإِنـي وَإِن كنت الْأَخير زِمـانه***لَآَت بما لـم تَسْتـطـعـه الأوَائـــل

تيمنا بهذا البيت الشعري ابتدع لنا البابا القطري ما عجز عنه الأوائل، إنها الوسطية إكسير العصر لما تحمله من وصفات سحرية في حل مشاكل العالم، فلا جاذبية نيوتن، ولا نسبية أينشتاين، ولا دياليكتيك هيغل تقرن بها، فكانت مدعاة لكثرت الحساد والمنتقدين.

وكيل الله في الأرض وصاحب القداسة وقطب الأقطاب يُنتقد أليس هذا تجديف يستوجب الإعدام!!.

 أقسم بسقوط نظام بلاد الشام وعودة اليزيد الملعون، وتربع آل أمية على عرش الشام ونحن في الانتظار!!، هل تثبت الأيام أن علمه إن هو إلا وحي يوحى، وليس من وحي الشيطان؟!!.

الوسطية بوتقة بصقاته التي حيث وقعت حل البلاء والهلاك، أحرقت سيده الأول، وألبست مريديه ثوب الشيطان.

الوسطية من حيث الطرح الفكري بسيطة إلى حد الساذجة تختصر الحلول في المعادلة التالية: و= ( أ + ب ) \ 2، فمثلا على الرجل أن لايتزوج لا المرأة السمينة ولا النحيفة ويشق طريق الوسطية فتبقى نساء العالم بلا زواج !!.

ما انتبه صاحب الوسطية أن الوسطية تدور في فلك العدل الآلهي، والسؤال الذي يطرح نفسه هل العدل يتحقق بالتساوي فقط؟، أي: تساوي معاملي أ و ب، فالعدل هو التوازان، وعنده مجموع القوى تنعدم، والإخلال بالتوازن يستوجب الفساد، فالطبيعة مثلا تحكمها نواميس تحقق التوازن لولا تدخل البشر.

 التوازن لا يتحقق بالمعادلة السابقة إلا في حالة خاصة، فالأعم منها المعادلة و= ( ك1 أ + ك2 ب ) \ ( ك1+ ك2 )، أي العدل يتحقق بالترجيح مثلا في قوله تعالى: " يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ "، أي: ك1=2 و ك2 =1 لتتحقق عدالة السماء.

قصة الأشعري مع أستاذه أبا علي الجبائي تحكي " أن ثلاثة إخوة: أحدهم كان مؤمنا برا تقيا، والثاني كان كافرا فاسقا شقيا، والثالث كان صغيرا، فماتوا فكيف حالهم، فقال الجبائي: أما الزاهد ففي الدرجات، وأما الكافر ففي الدركات، وأما الصغير فمن أهل السلامة، فقال الأشعري: إن أراد الصغير أن يذهب إلى درجات الزاهد هل يؤذن له فقال الجبائي: لا، لأنه يقال له: إن أخاك إنما وصل إلى هذه الدرجات بسبب طاعاته الكثيرة، وليس لك تلك الطاعات، فقال الأشعري: فإن قال ذلك الصغير: التقصير ليس مني، فإنك ما أبقيتني ولا أقدرتني على الطاعة، فقال الجبائي: يقول الباري جل وعلا: كنت أعلم أنك لو بقيت لعصيت وصرت مستحقا للعذاب الأليم، فراعيت مصلحتك، فقال الأشعري: فلو قال الأخ الكافر: يا إله العالمين، كما علمت حاله فقد علمت حالي، فلم راعيت مصلحته دوني فقال الجبائي للأشعري: انك لمجنون فقال لا بل وقف حمار الشيخ في العقبة فانقطع الجبائي "، عجز الجبائي عن الجواب، فهل أجاب الأشعري؟؟، وهذا ما يؤكد الجبرية عند الأشاعرة وسقوط العدل، فلا معنى للوسطية التي يدعي بها البابا القطري.

تحقيق العدالة يتطلب عدة أوجه أحيانا التساوي وأحيانا الترجيح، وأحيانا بالقابلية والاستعداد فالفيوضات الآلهية تتنزل من السماء بالتساوي "أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رَّابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاء حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ "، وكل إنسان يأخذ منها وفق استعداده " كُلاًّ نُّمِدُّ هَـؤُلاء وَهَـؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ مَحْظُوراً "، وهذا ما يجيب على ما أستشكله شيخ الأشاعرة.

جعل البابا القطري من الآية القرآنية " وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً " شعارا لنظريته، وما تساءل من الذي سيشهد على الناس يوم القيامة؟!! هل هو وقبيله؟!! استبيحت بفتاويه دماء الأبرياء وهتكت الأعراض، ولسانه لا ينفك عن الكذب والتدليس، ساقط من رأسه إلى أخمس قدميه في المذهبية البغيضة التي تأكل الأخضر و اليابس، هل يمكن له أن يكون شاهدا يوم يقوم الناس لرب العالمين؟؟!.

هل ستكون داعش وأخواتها عشاق تيمورلنك في بناء الأهرام من جماجم رؤوس البشر شهداء على الناس؟!، ويختم البابا القطري على صدقية شهادتهم، فصكوكه شغالة دنيا وآخرة، والحسرة على أتباع أهل البيت عليهم السلام ومحبيهم إن

كان هؤلاء شهداءا عليهم !!!!، إن كان أحباب أهل البيت عليهم السلام مخلدين في النار !!، فلماذا التنكيل بهم في الدنيا، فهل تصل الصادية إلى ملاحقتهم دنيا وآخرة؟!!.

سيدنا المسيح عليه السلام يشهد على قومه على مسافات متساوية رغم التباين الزماني والمكاني فهو فوق الزمكنة لولايته التكوينية،" مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ"، فهو يعلم ما يأكلون وما يدخرون، وما توسوس به صدورهم " وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللّهِ وَأُبْرِئُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِـي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ"، وبغيابه تأتي الوصاية إلى أن يأتي الرسول الأعظم محمد ( ص ) ثم تأتي الوصاية متمثلة في الأئمة عليهم السلام و تختتم بصاحب الزمان وارث علم رسول الله ( ص )، ويوم القيامة يشهد الخاتم على الكل ويختم كل الشهادات وهذا هو العدل الإلهي " فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَـؤُلاء شَهِيداً"، ولم أجد لشهادة القرضاوي في القرآن مكانا.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 26/آذار/2014 - 23/جمادي الأولى/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م