سلطة الرصاص تنسف الكلمة

ماذا بعد مقتل الدكتور محمد بديوي؟

كمال عبيد

 

شبكة النبأ: أصبحت جرائم العنف والانتهاكات السافرة بحق أبناء العراق مشهدا شبه يومي يتكرر دون معالجات فعالة تحد من نزيف الدم المستمر والانتهاكات الصارخة لتقليل ظاهرة العنف ضد الكفاءات العراقية أمثال الاعلامي الراحل هادي المهدي والمدرب محمد عباس واليوم مقتل الدكتور الإعلامي العراقي محمد بديوي الشمري، حتى صار موت المدنيين في حالة ارتفاع حسب الإحصاءات التي تقوم بها منظمات رسمية وغير رسمية في ظل تكرار الانتكاسات الأمنية على نحو مضطرد وتزايد جرائم العنف التعسفية، لتكشف هذه المآسي واقعاً قاسياً ووضعا حياتيا وأمنيا يزداد سوءا مسببا معاناة مستمرة لكل العراقيين.

فلا تزال ظاهرة انتهاكات الحقوق حاضرة على نطاق واسع من خلال الممارسات الإجرامية التي تصل الى حد القتل من دون داعٍ والعنف غير المبرر والقمع المتواصل لأسباب واهية، وقد جسد مشهد العنف والغطرسة في قضية مقتل الصحافي بديوي مؤخرا، أسوء الانتهاكات الصارخة بحق الكرامة الإنسانية، واثارت قضية مقتل هذا الصحفي سخطا شعبيا ضد قوات البشمركة في بغداد، ما اعتبروه "استهتارا" من قوة غير نظامية وطالبوا بطردها من بغداد، وقد عبرت منظمات حكومية وغير حكومية معنية بحقوق الإنسان عن قلقها من العنف الدموي الذي يستهدف الصحفيين في العراق.

ويرى أحد المراقبين أن هذا الحادث الإجرامي وغيره من الحوادث التي تتكرر باستمرار تأتي بسبب جهل الكثير من منتسبي قوى الامن والأجهزة الحكومية وباقي افراد الحمايات الخاصة بواجباتهم المحددة، فهم يشعرون دائما انهم فوق القانون، وبسبب هذا الفهم الخاطئ قد يقدم البعض منهم على ارتكاب أفعال شنيعة لها سمات إجرامية بحق عامة الناس، واضاف المراقب نفسه: اتمنى ان يعاد النظر بسلوك البعض ممن تعهدوا بأن يكونوا أداة لتطبيق وفرض القانون، بينما مطلوب أن يكونوا تحت المراقبة المستمرة من قبل جهات رقابية متخصصة من اجل تحقيق العدل في مجتمعنا الذي عانى الكثير من الالم والحرمان.

بينما يرى مراقبون آخرون أن استهداف الصحافة والكلمة الاعلامية في العراق بهذه الطريقة البشعة يعزز ما طالب به الاعلاميون من مطالب مشروعة بتوفير الحماية لهم من خلال اقرار القوانيين المعطلة والتي تحفظ حقوقهم وكرامتهم المهنية، وتضع حدا لاستهدافهم، فضلا عن اهمية ردع العناصر الامنية التي لا تعي واجبها بشكل صحيح، أو انها بحاجة لمعرفة حقوق الانسان والتدريب على التعامل الانساني مع الجميع.

ويرى مراقب اعلامي آخر قائلا: على الحكومة ان تضع ضوابط جديدة لحمل السلاح .. وان تعجل سريعا بملف اخذ القصاص من مرتكبي جريمة استشهاد زميلنا د. محمد وان يعرض ذلك على الرأي العام عبر وسائل الاعلام بكل مفاصل المأساة. وذلك لكي تكون درسا للجميع، وكي يتعض منها من لا يريد أن يقع في مثل هذا الخطأ القاتل.

وحول التساؤل عن الدوافع التي تقف وراء هذا النوع من الجرائم، اجاب أحد الاعلاميين في حديثه لـ "شبكة النبأ المعلوماتية" قائلا: أرى أن السبب الاساس لمثل هذه الحوادث، افتقار العناصر الامنية الى ثقافة تؤهلهم لفهم حقوق الانسان واهمتها، فضلا عن حرمة الانسان وكرامته الانسانية، فهذا الامر لا يتعلق فقط بالتربية العائلية او المجتمعية، وانما هو جانب مهني يجب أن يتدرب عليه العنصر الامني ويدخل دورات تؤله ثقافيا كي يكون عنصر امر يحمي الناس ولا يقتلهم.

وعن الكيفية التي يمكن ان يخرج المجتمع العراقي من  دوامة العنف وسط اعتداءات سافرة باتت تشكل هاجسا مرعبا لكل العراقيين وخاصة ما يتعرض له  أصحاب كلمة الحق. أجاب الاعلامي نفسه: عندما يتم بناء دولة مؤسسات قوية ويتم احترام القانون من لدن الجميع وأولهم كبار القوم، فعد ذاك سوف تتوافر بوادر امل في امكانية القضاء على العنف، ولكن يحتاج الامر الى جملة من الاجراءات المتزامنة في الانجاز، بمعنى على الحكومة والمجتمع ومؤسسات الامن والتعليم والتربية والمنظمات المتنوعة ان تقوم بواجبها التعليمي التربوي الاخلاقي التثقيفي، لنبذ العنف والتطرف والقبول بالاخر واحترام الراي والتعدد والاختلاف وما شابه.

مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات

في سياق متصل أدان مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات، مقتل الإعلامي العراقي محمد بديوي الشمري على يد احد ضباط الفوج الرئاسي بمنطقة الجادرية وسط بغداد يوم السبت (22-3-2014) مطالباً بإجراء تحقيق مهني عادل حول الحادث.

وجاء في بيان صادر عن المركز "يدين مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات بشدة الحادث المروع الذي أودى بحياة الإعلامي محمد بديوي على يد احد ضباط الفوج الرئاسي بمنطقة الجادرية وسط بغداد"، ويرى فيه انتهاكاً سافراً جديداً يضاف إلى جملة من الانتهاكات التي يتعرض لها الصحفيون في العراق.

مشيرا إلى أن المركز "يطالب بإجراء تحقيق مهني وشفاف وعدم إخضاع القضية الجنائية للمساومات السياسية، من اجل الوقوف على ملابسات الجريمة وتسليم الجناة إلى القضاء لينالوا جزاءهم العادل"، كما يحذر من نقل أوراق التحقيق إلى إقليم كوردستان لان الجاني يجب أن يحاكم وفقا للاختصاص المكاني لوقوع الجريمة.

واعتبر البيان "أن الاعتداء على حق أي إنسان في الحياة يمثل اعتداءً على أمن المجتمع، وخصوصا حين يكون الاعتداء من طرف سلطة يفترض أن تكون راعية للأمن والسلم الأهليين"، وحمل البيان الأجهزة الأمنية مسؤولية الحفاظ على أروح العاملين في الحقل الإعلامي والصحفي.

وطالب بـ" تطبيق القانون على الجاني دون أي اعتبارات أخرى حتى يكون المجتمع أكثر ثقةً بمؤسسات الدولة وفي مقدمتها مؤسسة القضاء"، وشدد على "ضرورة احترام الحقوق والحريات وأرواح الناس، ونقل المربعات الأمنية بعيدا عن المناطق السكنية" لما تسببه من مضايقات ومخاطر للسكان المدنيين.

ومركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات، إحدى منظمات المجتمع المدني التي تهتم بتكريس ثقافة احترام الحقوق والحريات وكان للمركز العديد من النشاطات في مجال النشر وتنظيم الندوات والحلقات النقاشية تابع فيها قضايا مهمة.

تشييع مهيب

من جهتها أكدت السلطة القضائية الاتحادية توقيف الضابط المتهم بحادثة قتل الصحفي، وقال القاضي عبد الستار بيرقدار المتحدث الرسمي باسم السلطة القضائية الاتحادية إنه "تقرر توقيف الضابط المتهم بقضية مقتل الصحفي السيد محمد بديوي الشمري على ذمة التحقيق في جهاز مكافحة الإرهاب وبأمر من قاضي التحقيق".

الى ذلك شيع الاف العراقيين الصحافي محمد بديوي الشمري الذي قتل على يد ضابط في حماية الرئاسة، فيما تسلمت قوة عراقية حماية المقر بدل البشمركة الكردية التي تسببت بازمة سياسية.

وشيع الصحافي العراقي صباح الاحد الى مثواه الاخير في بلدة العزيزية مسقط راسه، واحتشد الاف من سكان البلدة امام دار الضحية وحملوا جثمانه الذي لف بالعلم العراقي وساروا به لمسافة خمسة كليومترات قبل ان نقله الى مثواه الاخير في مدينة النجف.

وبالتزامن مع ذلك، اجري في بغداد تشييعين رمزيين احدهما في الجامعة المستنصرية حيث كان الصحافي وهو استاذ جامعي يدرس، واخرى في المكان الذي قتل فيه عند حاجز التفتيش الذي قتل فيه. بحسب فران برس.

وقال مؤيد اللامي نقيب الصحافيين "نقف اليوم هذه الوقفة العفوية للتعبير عن الحزن والانزعاج، والخوف لاسيما ان من قتل الصحافي بدم بارد هو ضابط يحمل سلاح"، وطالب اساتذة وطلاب الجامعة في لافتات رفعوها الى طرد قوات البشمركة من بغداد، وتسليم زمام السلطات الامنية الى القوات العراقية.

وبعد حادث قتل الصحافي رفض قادة البشمركة تسليم الضابط الى القضاء العراقي لعدة ساعات، ما اثار غضبا عارما استدعى تدخل رئيس الوزراء نوري المالكي للاشراف على اعتقاله شخصيا، وقال احد الاساتذة "نطالب رئيس الوزراء باخراج قوات البشمركة من بغداد، وكل قوة اخرى غير نظامية"، وكان مصدر في وزارة الداخلية قال لفرانس برس رافضا كشف هويته السبت ان "الاعلامي محمد بديوي قتل على يد ضابط برتبة نقيب في قوة حماية المجمع الرئاسي في الجادرية بعد مشادة كلامية بينهما".

وادانت كتلة التحالف الكردستاني جريمة قتل الصحفي برصاص ضابط من البشمركة في اللواء الرئاسي، وقال رئيس كتلة التحالف الكردستاني فؤاد معصوم في بيان "يستنكر التحالف الكردستاني بشدة اطلاق النار على الصحفي محمد بديوي الشمري ما أدى إلى استشهاده، ونرى ان اطلاق النار بهذه الصورة يشكل خرقاً للقانون ولضوابط العمل العسكري، كما أنه عمل طائش لا ينبغي بأي حال من الأحوال تحويله إلى قضية تسيء إلى الأخوة العربية الكردية"، واضاف "أننا نأسف اشد الأسف لمحاولة البعض ركوب موجة السخط على هذا العمل الإجرامي الفردي للتسلق إلى مواقع قيادية طالما طمعوا فيها، وتحويله نحو اثارة العداء ضد الكرد وكردستان".

وكان بديوي وهو حاصل على دكتوراه في الاعلام استاذا في كلية الاعلام في الجامعة المستنصرية في بغداد. وكان يشغل منذ 2006 منصب مدير تحرير الاذاعة التي تبث من بغداد منذ العام 2003، وهو متزوج واب لطفلين.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 25/آذار/2014 - 22/جمادي الأولى/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م