رجال الكنيسة والغرق في مستنقع الفضائح

من آفة الفساد المالي الى التحرش الجنسي

 

شبكة النبأ: لم يستطع الفاتيكان الذي يعتبر اعلى سلطة دينية للمسيح في العالم، السيطرة على فضائح الفساد المالي والتحرش الجنسي، التي نخرت الكنيسة وهزت ثقة اتباع الديانة المسيحية بالرهبان ورجال الدين، إضافة الى الهجوم والنقد الكبير الذي وجه الى البابا والمنظومة المؤسساتية من قبل الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية والصحف الغربية.

وقد حاول البابا الجديد الحد من الفساد وانتشار الفضائح الجنسية من خلال اللجان والعقوبات والتبشير بمرحلة قادمة جديدة، الا ان المتابعون لا يعولون كثيراً على هذه الإجراءات كونها جاءت متأخرة، إضافة الى عدم كفايتها في مواجهة الازمة الكبيرة التي يعاني منها الفاتيكان والكنيسة.

فقد كشف الفاتيكان تشكيل لجنة من الخبراء لحماية الاطفال في مؤسسات الكنيسة، وأعلن الكرسي الرسولي في بيان اسماء الاعضاء الثمانية الاول في هذه اللجنة التي شككت في انشائها الهيئات التي تعنى بضحايا الكهنة المتحرشين جنسيا بالأطفال، ومن بين هؤلاء الخبراء، رئيس اساقفة بوسطن المونسنيور شون باتريك اوملي، ورئيسة الوزراء البولندية السابقة هانا سوشوكا والأيرلندية ماري كولينز الضحية السابقة، واللاهوتي الارجنتيني اومبرتو ميغيل يانيز المقرب من البابا.

ويقول الفاتيكان ان اعضاء آخرين من مناطق اخرى من العالم سينضمون الى هؤلاء الاعضاء الثمانية، واوضح البيان ان "المهمة الاساسية لهؤلاء الاشخاص الثمانية هو اعداد النظام الداخلي للجنة وتحديد صلاحياتها ومهماتها"، وفي مقابلة مع صحيفة كورييري ديلا سيرا، رد البابا فرنسيس في بداية اذار/مارس على تقرير للأمم المتحدة تضمن انتقادات حادة، ودافع عن الجهود التي تبذلها الكنيسة من اجل التصدي للتحرش بالأطفال.

وفي هذه المقابلة الطويلة مع الصحيفة الايطالية قبل ايام من الذكرى الاولى لانتخابه في 13 اذار/مارس، اكد البابا ان الكنيسة هي "على الارجح المؤسسة العامة الوحيدة التي تعاملت بمسؤولية وشفافية" مع هذه الافة، وقال ان "معظم" هذه الجرائم يحصل في اطار العائلة والاقارب، وكانت الهيئة الاميركية للضحايا السابقين للكهنة المتحرشين بالأطفال انتقدت "عقلية متحجرة ودفاعية"، آخذة على البابا فرنسيس انه "لم يفعل شيئا، حرفيا لم يفعل شيئا" لحماية الاطفال.

وقد اعتدى جنسيا على الاف من هؤلاء، كهنة في عدد كبير من البلدان وخصوصا ايرلندا والولايات المتحدة، وحصل القسم الاكبر من تلك التعديات بين 1960 و1990، وشوهت هذه الفضيحة صورة الكنيسة في العالم، واخذ تقرير للجنة الطفل في الامم المتحدة مطلع شباط/فبراير على الفاتيكان تغاضيه عن اصدار قرار بإلزامية التبليغ امام القضاء وابقاء التحقيقات الكنسية سرية.

وقد بدت الكنيسة الكاثوليكية في حالة دفاع عن النفس في مواجهة الانتقادات الحادة التي وجهتها لها الامم المتحدة التي اتهمتها بحماية رجال الدين الذين يتحرشون جنسيا بالأطفال، ونقلت صحيفة "لا ريبوبليكا" عن كاردينال قوله "انها صفعة"، بعد نشر تقرير لجنة حقوق الطفل في الامم المتحدة الذي افاد بان الفاتيكان اعتمد ممارسات "ادت الى استمرار التجاوزات على القاصرين وافلات المسؤولين عنها من العقاب".

والضربة بالنسبة الى الكنيسة الكاثوليكية اكثر قسوة، خصوصا بعد ان بدأت تكسب مجددا الود بما في ذلك في الاوساط العلمانية، منذ انتخاب البابا فرنسيس الذي يتواصل بسهولة اكبر من سلفه الخجول البابا بنديكتوس السادس عشر، واعاد تقرير الامم المتحدة الى الواجهة هذا "العار" بحسب العبارة المستخدمة من البابا فرنسيس وسلفه، بعد ان تعرض عشرات الاف الاطفال للتحرش الجنسي على ايدي اعضاء في سلك الكهنوت في العالم اجمع لعقود. وما زاد من خطورة هذه الجريمة الصمت المطبق بشأنها بعد ان اتهم هرم الكنيسة الكاثوليكية بحماية المسؤولين حفاظا على سمعتها.

وقال لويجي اكاتولي في صحيفة ال كورييريه ديلا سيرا انه مذ ذاك "شهد العقد الاخير تغيرا في النهج"، وخلال عامي 2011-2012 "تم ارغام 400 كاهن على التخلي عن الحياة الكهنوتية"، وفي عهد البابا بنديكتوس السادس عشر تمت التوصية بالتعاون مع السلطات المدنية بعد ان اضطر عدة اساقفة للاستقالة لاتهامهم بتغطية جرائم التحرش الجنسي بالأطفال، وذكر جاني ريوتا كاتب الافتتاحيات في لاريبوبليكا "لكن الامم المتحدة المعروفة ببطء تحركها لم تلحظ المناخ الجديد في الكنيسة مع انتخاب البابا فرنسيس".

وقال ماركو بوليتي الخبير في شؤون الفاتيكان "يبدو ان هناك فقرات في التقرير صيغت في 2010"، واضاف لكن تقرير الامم المتحدة يبقى "ثمينا لأنه يسلط الضوء على كل ما زال يطرح مشكلة اليوم"، وان كلف الفاتيكان المؤتمرات الاسقفية بتطبيق المعايير الجديدة ووضع هيكليات للوقاية، لم تتحرك كل الجهات خصوصا في دول الجنوب، وقال بوليتي ان على الفاتيكان "المضي حتى النهاية" من خلال جعل احالة المسؤولين عن هذه الجرائم على القضاء المدني الزامية، كما طالبت الامم المتحدة "لان صمت أسقف غير مقبول اذا كان التحرش الجنسي بأطفال جريمة".

فيما صدر حكم في الولايات المتحدة بالسجن 58 عاما على مبشر سابق اعترف بالتقاط صور فاضحة لأطفال اثناء العمل مع قبيلة في منطقة الأمازون في البرازيل، وكان وارن سكوت كينيل قد أقر في سبتمبر ايلول الماضي بالذنب في اتهامين بإنتاج صور إباحية لأطفال بين عامي 2008 و2011، وأشارت القاضية آن كوناواي لدى النطق بالحكم ان المتهم خان الثقة والامانة أثناء عمله كمبشر.

واعترف كينيل وهو من نيوجيرزي بأنه صادق اطفالا من القبيلة ثم ارتكب انتهاكات جنسية بحقهم خلال عمله معهم في مهمة كلفته بها إرسالية (نيو ترايبز ميشين) ومقرها فلوريدا، وعثر المحققون على 940 صورة فاضحة على قرص صلب خارجي في أمتعته حين تم توقيفه وتفتيشه في مايو ايار في مطار اورلاندو الدولي، وقال الادعاء إنه عرف نفسه في احدى الصور بأنه الرجل الذي يمارس فعلا جنسيا مع فتاة دون سن البلوغ، وقال شين فولدن المسؤول عن مكتب تامبا في وزارة الأمن الداخلي في بيان "يمثل كينيل أسوأ أنواع المجرمين، مجرم يفترس اطفالا أبرياء".

سرقة الكنيسة

فيما ناشدت الكنيسة الكاثوليكية لصوصا إعادة صندوق يحوي أثرا مقدسا للبابا الراحل يوحنا بولس الثاني بعد اختفائه في حادثة وصفتها الكنيسة بأنها "سرقة خسيسة تنطوي على تدنيس لمقدسات"، وسرق الصندوق الذهبي من كنيسة سان بيترو ديلا لينكا الصغيرة الواقعة في منطقة جبلية شرقي روما حيث كان البابا في ايامه الاكثر شبابا يذهب اليها سرا هربا من ضغوط الفاتيكان للتنزه والتزلج.

وقال جوزيف بيتروتشي كبير اساقفة مدينة لاكويلا في رسالة إلى سكان المنطقة الكاثوليك "اناشد اولئك الذين فعلوا هذا العمل المستنكر، اعيدو (الصندوق)"، ويوجد بالكثير من الكنائس الكاثوليكية صناديق تكون في العادة صغيرة ومزخرفة تحوي الاثار المقدسة ومنها في بعض الحالات اجزاء من اجساد شخصيات دينية موقرة، وابلغ مكتب المونسينور سولومير اودير المدقق في تطويب البابا يوحنا قديسا إن الصندوق الذي سرق يحوي قطعة قماش اخذت على الارجح من رداء كان يرتديه البابا في الثالث عشر من مايو أيار 1981 عندما تعرض لإطلاق النار في محاولة اغتيال.

ولايزال عشرات من رجال الشرطة يستعينون بكلاب بوليسية يجوبون المنطقة النائية التي يكسوها الجليد بحثا عن قرائن، وابلغت فرانكا كوريري الموظفة بالكنيسة انها اكتشفت واقعة السرقة صباح عندما وجدت قضبان احد النوافذ مقطوعة بواسطة منشار، ووجدت الشرطة الصندوق الذهبي وصليبا فقط مفقودين رغم انه كان بإمكان اللصوص سرقة اشياء اخرى اثناء عملية السطو التي حدثت ليلا في المنطقة المنعزلة. بحسب رويترز.

وقادهم هذا إلى الاعتقاد بان السرقة ربما كانت بتكليف او ان اللصوص ربما يريدون فدية، وأحب البابا يوحنا -الذي توفي في 2005 بعد 27 عاما قضاها في البابوية- الجبال في منطقة ابروزو لأنها كانت تذكره بالجبال في بلده الاصلي بولندا.

مذكرات البابا الراحل

من جانبه قضى البابا الراحل يوحنا بولس الثاني عشرات السنوات من عمره وهو يسائل نفسه عما اذا كان أهلا للمنصب الذي شغله على رأس الكنيسة الكاثوليكية وفقا لما جاء في مذكراته التي نشرت مؤخراً رغم توصيته بحرقها، ومن المقرر ان يعلن البابا الراحل الذي رأس الكنيسة الكاثوليكية من عام 1978 الى عام 2005 قديسا في ابريل نيسان القادم وهو مازال بالنسبة لعدد كبير من أتباع الكنيسة نموذجا للتقوى والالتزام.

وتعطي مذكراته لمحة عن حياته الروحية وتكشف عن رجل لم يهدأ باله رغم مكانته الروحية الكبيرة على رأس الفاتيكان وفي قلوب كثيرين من أتباعه، لقد عذبه كثيرا الشعور بأنه لم يفعل الكفاية في خدمة الرب، ونشرت مذكراته التي كتبها بخط اليد بعنوان "يوحنا بولس الثاني: بين يدي الله، مذكرات شخصية 1962-2003" وهي في واقع الامر تأملات أكثر منها مذكرات يومية.

ورغم ان البابا الراحل لعب دورا نشطا في الحياة العامة في الحقبة السوفيتية في بولندا وعلى رأس الفاتيكان لم يتحدث الرجل الذي ولد باسم كارول ووجتيلا في جنوب بولندا عام 1920 في مذكراته الا نادرا عن الاحداث العامة، وفي احدى تأملاته التي كتبها عام 1981 حين كان الكردينال ووجتيلا تحدث عن نقاش ديني مع رجال دين آخرين وتساءل قائلا "كلمة الرب. هل أحب كلمة الرب؟ هل أعيش بها؟ هل أستحقها بكامل ارادتي؟ ساعدني يا ربي كي أعيش بكلمتك، هل أخدم الروح القدس التي تعيش في الكنيسة؟"

وكتب البابا تأملاته متنقلا بين اللاتينية والبولندية ويقول "تضحية خالصة مقدسة خالية من الدنس، لهذا هو (الرب) طلب من قساوسته ان يكونوا على قلب رجل واحد وطالبهم بطهارة القساوسة، يا سيدي المسيح أعني"، وقبل وفاته عام 2005 سلم البابا يوحنا بولس الثاني تأملاته الى الاسقف ستانيسلو دجيويتش سكرتيره الشخصي وأوصاه بحرقها، ودجيويتش الان كردينال في مدينة كراكاو بجنوب إيطاليا، وقال في المقدمة التي كتبها لمذكرات البابا الراحل انه لم يحرقها لان بها مفتاحا لفهم الحياة الروحية الخاصة للبابا يوحنا بولس.

راهبة في "ذي فويس"

بدورها تحولت راهبة كاثوليكية ايطالية الى نجمة على وسائل الاعلام بعد مشاركتها في النسخة الايطالية من برنامج "ذي فويس" وادائها اغنية لاليشيا كيز بطريقة نالت استحسانا كبيرا من جميع اعضاء لجنة البرنامج، وشاركت الاخت كريستينا سكوتشا المتحدرة من جزيرة صقلية والبالغة 25 عاما في الحلقة الثانية من نسخة 2014 لبرنامج "ذي فويس" في مرحلة العروض التي تعتمد على الصوت فقط والتي يؤدي فيها المشتركون الاغنيات التي يختارونها امام اعضاء اللجنة الذين يديرون لهم ظهورهم.

واختار الاعضاء الاربعة في اللجنة الاستدارة للتعبير عن اعجابهم بصوت المشتركة ما اهلها الانتقال الى المرحلة المقبلة، وأول هؤلاء كان مغني الراب الايطالي "جي اكس" الذي ابدى حماسة كبيرة واظهر "تأثرا وصل الى حد البكاء"، واشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بتعليقات بشأن اطلالة هذه الراهبة التي ادت اغنية "نو وان" لاليشيا كيز مرتدية الزي الديني للراهبات واجابت بعفوية وطرافة على اسئلة اللجنة، حتى ان "وزير ثقافة" الفاتيكان الكاردينال جانفرانكو رافازي كتب على حسابه على تويتر احد الاقوال المنسوبة للقديس بطرس "ليكن كل واحد بحسب ما أخذ موهبة يخدم بها بعضكم بعضا" ومنهيا تغريدته بالوسم الذي انتشر للأخت كريستينا.

وخلال الحلقة، قالت الاخت كريستينا "لدي موهبة اعطيكم اياها"، وذلك ردا على سؤال عضو لجنة حكم البرنامج المقدمة والمغنية رافاييلا كارا عما اذا كانت "راهبة حقيقية"، وردا على سؤال اخر عن "رأي الفاتيكان" بمشاركتها في برنامج غنائي، اجابت الراهبة الايطالية بعفوية "انتظر اتصالا من البابا فرنسيس"، واصطحبت الاخت كريستينا لتشجيعها في كواليس البرنامج ثلاث راهبات اخريات، وصرحت لأعضاء اللجنة "لقد قالوا لنا ان نخرج (من اديرتنا)، ان نقول ان الله لا يقصينا عن اي شيء، بل على العكس يدفعنا الى العطاء".

وقال مغني الراب "جاي اكس" الذي اختارت الراهبة الانضمام الى فريقه "لو استمعت اليك ترنمين في القداس عندما كنت يافعا، لكنت اليوم بابا"، واعدا الراهبة بانه لن يذهب الى حد الطلب منها اداء اغنيات لفرق الروك مثل ايرون مايدن وميتاليكا او اغنيات فيلم "سيستر اكت"، واهتمت وسائل الاعلام الايطالية بسيرة هذه الراهبة الشابة: فمنذ طفولتها، ابدت كريستينا شغفا كبيرا بالغناء وارتادت اكاديمية الفنون المسرحية في كاتانا، ومع مجموعة من اترابها، كانت تقيم حفلات غنائية في الساحات العامة وتشارك في حفلات زفاف. بحسب فرانس برس.

وفي 2007، تسجلت الاخت كريستينا في مدرسة فنية اخرى تقودها ممثلة سابقة اعتنقت الكاثوليكية، وبعد مشاركتها في مسرحية غنائية بعنوان "سور روزا" (الاخت روزا) اتخذت قرارا بالانتقال الى الحياة الرهبانية، وقالت هذه الراهبة لصحيفة لاستامبا الايطالية "لقد تزوجت يسوع، لكن الموسيقى شغف ويمكنني تشاركه، وهي تسمح لي بالتكلم عن الله باجمل طريقة اعرفها"، وقد حقق الفيديو الرسمي لمشاركة الاخت كريستينا في الحلقة الثانية من برنامج "ذي فويس" بنسخته الايطالية للعام 2014 ما يزيد عن 10 ملايين و500 الف مشاهدة بعد يومين فقط على تنزيله على موقع يوتيوب.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 24/آذار/2014 - 21/جمادي الأولى/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م