مجلس التعاون الخليجي وجذور الانشطار

 

شبكة النبأ: ما تزال هواجس الانشطار والتفكك تطارد الدول الخليجية الست وتهدد "مجلس التعاون الخليجي" بآخر مسمار في نعشه، بعد ظهور اكثر من محور قوة في هذه البقعة الجغرافية الصغيرة. فهنالك السعودية ومعها البحرين في جبهة، تقابلهما قطر، كما هنالك الكويت وعمان في جبهة اخرى بعيدة عن صراع التنافس والهيمنة. الامر الذي أظهر للعالم، وقبله للشعوب الخليجية حقيقة النوايا الكامنة لدى الزعماء، وأن مفردات مثل "التعاون" و"الاتحاد"، كانت تعبر عن رغبات ومزاجات، اكثر مما كانت تلامس ارض الواقع وتقف على أرضية صلبة من التخطيط والرؤية المستقبلية.

كان المفترض أن يكون تشكيل "مجلس التعاون الخليجي" عام 1981، بهدف تحقيق هدف استراتيجي كبير في المنطقة، وهو الأخذ بزمام المبادرة الامنية والسياسية بعد انشغال الدولتين الكبيرتين في المنطقة؛ إيران والعراق، بالحرب الضروس، على أن تكون الدول الخليجية الست، هي البديل عنهما في توفير الامن والاستقرار في المنطقة سياسياً واقتصادياً، وكان تاريخ التأسيس، بعد مرور حوالي عام على اندلاع الحرب، والتأكد الخليجي من أن الحرب لن تنتهي خلال أيام وأسابيع كما توقعوا، هو الذي شجعهم على هذه الخطوة، وجعلهم يظهرون أمام العالم كبديل أفضل.

وحسب متابعين للشأن الخليجي، فان هذه الدول وتحديداً تلك التي وقفت بقوة خلف نظام صدام في حربه ضد إيران، لم تكن لتساعده على تحقيق النصر، من خلال سيل المعونات والمساعدات، إنما لإدامة حرب الاستنزاف بما يجعل البلدان يفتقدان عناصر القوة الى فترة طويلة، بيد أن أول مفاجأة جاءت من شخص صدام، عندما بدأ تحركاته الاستفزازية في مطلع الثمانينات بمحاولاته إشراك الخليجيين معه في الحرب، وكان الهدف الاول؛ الكويت، نظراً لموقعها الجغرافي المؤثر جداً في مجرى الحرب في القاطع الجنوبي. ثم جاءت المفاجأة والضربة الثانية، من الاخير ايضاً عندما أعلن عن امتلاكه اسلحة الدمار الشامل، بعد انتهاء الحرب، ومعرفة الخليجيين بان العراق، ربما خرج من الحرب ضعيفاً اقتصادياً، إلا انه تغوّل عسكرياً الى حد الانفجار، وذلك بسبب نفس تلك المعونات والمساعدات الى جانب الدعم المعنوي الكبير، على انه هو الاقوى في المنطقة. وبسبب عوامل إقليمية ودولية عديدة، حدث الانفجار للتضخم العسكري العراقي – الصدامي، في الكويت باحتلالها ودخول الدول الخليجية في مرحلة جديدة من البحث عن القوة الحقيقية بعيداً عن سباق الهيمنة القديم بين ايران والعراق.

استمرت الرؤية المحدودة والتعامل العاطفي مع القضايا والاحداث، لتلازم قرارات وسياسات حكام الخليج، فقد تصوروا أن الامن يمكن شراؤه كما السيارات والطائرات والأبراج الشاهقة والتكنولوجيا وغيرها، مع الاعتقاد بأن "عراق صدام" منهك من آثار الحرب، ويعيش تحت وطأة الحصار والعقوبات الدولية، فيما ايران مشغولة بإزالة آثار الحرب عن اقتصادها المنهك، بيد أن هذا التصور لم يصمد امام طموحات كبيرة نائمة في طهران، بإعادة الكرّة في الخليج والمنطقة، من خلال مشروعها النووي. لتثبت للخليجيين صحة نظريتها القديمة بتوفير الأمن بإمكانات محلية، وعدم الاعتماد على القدرات الخارجية وتحديداً الولايات المتحدة.

وحسب خبراء في الشأن الخليجي، فان هذا التطور، ربما يكون احد عوامل الاندفاع الخليجي للظهور على المسرح السياسي اقليمياً ودولياً، ومحاولة الالتفاف على مشروع الهيمنة الايراني في المنطقة، وكان هذا خطأ جديد وفادح، عندما دخلت العواصم الخليجية في لعبة الصراعات الطائفية في كل من العراق وسوريا ولبنان، ظنّاً منها بامكانية تكرار تجربة النجاح في باكستان وافغانستان، ولم تأخذ بنظر الاعتبار الخلفيات التاريخية والمصالح الاقليمية والدولية الملتقية في نقاط والمفترقة في اخرى، كما ظنّت ايضاً انها بوقوفها امام الظهور السياسي المتفوق للشيعة في العراق ولبنان، تواكب السياسات الامريكية بل وحتى الاسرائيلية في المنطقة، وهي غافلة عن المبدأ المعروف، ان "لا صديق دائم ولا عدو دائم، إنما المصالح دائمة". وبذلك تلقت التدخلات الخليجية في إثارة السنّة في العراق، الى ضربة قاصمة بهروب "طارق الهاشمي" رجل الرياض في العراق، وهو يجر خلفه سلسلة من الاتهامات بالقتل والإرهاب، وكان الحال نفسه في لبنان، كما فشلت في طبع الحرب في سوريا، بالطابع الطائفي، وأن هنالك اقلية علوية تحكم اكثرية سنية، وذهبت مليارات الدولارات أدراج الرياح، وما نشهده من معطيات، إنما هي بالحقيقة إفرازات الوضع الداخلي وخلفياته التاريخية والاجتماعية، فيما بقي الدور الاخير للاموال الخليجية في إظهار الجانب السلبي لهذا الوضع من حالة تطرّف في المواقف وتكريس حالة العنف والدموية في الخطاب السياسي، وهذا تجسد من خلال الجماعات الارهابية والتكفيرية في العراق وسوريا ولبنان.

وهنالك من المراقبين من يشير الى أنه حتى التطورات السياسية في مصر، لا يجب ان تسجل كانتصار للسعودية في ظل تنافسها مع قطر على النفوذ في هذا البلد ذو الموقع الاستراتيجي، لأن صعود نجم "السيسي" وخذلان "مرسي" ومعه جماعة الاخوان المسلمون، جاء على خلفية صراع قديم بين المؤسسة العسكرية والاحزاب السياسية في مصر، وفي مقدمتها الاخوان، فاذا كان فشل الاخوان في ادارة البلاد، كان بسبب نهج وافكار الجماعة، فان صعود "السيسي" والعسكر بشكل عام، فهو يمثل استحقاق اقتصادي واجتماعي في مصر، قبل ان يكون أي شيء آخر، فإضافة الى تحكّمها بالأجهزة الامنية، فانها تتحكم بقدر كبير في حركة الاقتصاد المصري.

من هنا يتضح للجميع ان فشل قطر في الترويج لمشروع "الاسلام السياسي" واستنساخ التجربة التركية، وفشل السعودية في الترويج لمشروع "الاسلام المتطرّف" واستنساخ تجربة طالبان بشكل معدّل ومحسن، هو الذي صبّ الزيت على نار الخلافات الخليجية – الخليجية التي كانت لفترة طويلة تحت الرماد.

وقد لفت المراقبون عدم وجود نقطة بيضاء واحدة للعواصم الخليجية تباهي بها العالم في مجال تحقيق الامن والاستقرار في منطقة الشرق الاوسط برمتها، من باكستان وأفغانستان، مروراً بالعراق والبحرين، وحتى لبنان ومصر وحتى اليمن. ففي كل بقعة من هذه البقاع الملتهبة بالأزمات الداخلية، كان ثمة دور خليجي في إشعال الفتن الطائفية او التدخل لغير صالح الشعوب، مما يسهم في ازمات سياسية. وربما يكون قرار سحب السفراء الثلاثة لكل من السعودية والبحرين والامارات، من قطر، محاولة للهروب من الفشل على الساحة الاقليمية وإلقاء تهمة التأزيم في المنطقة على قطر. وما يعزز هذا الاعتقاد، وجود محور ثالث المكون الخليجي الصغير، فقد باتت الكويت وسلطنة عمان تقفان على الحياد في التنافس المحموم على الهيمنة في المنطقة. بيد ان من المستبعد ان يكون للدولتان القدرة على تسوية كل الخلافات والمشاحنات بين قطر من جهة والمحور السعودي من جهة اخرى، حتى مع استضافة الكويت للقمة العربية القادمة.

هذا الاخفاق والمآل الخليجي ربما يكون سبباً في تعجيل "الربيع السياسي" في هذه المنطقة، فالفشل على الصعيد الخارجي والتقاطع في المصالح على الصعيد الداخلي، يمثل فرصة للتغيير – ربما يكون جذرياً- في بعض الدول، لاسيما التي تنتظر هذا التغيير على صفيح ساخن، مثل البحرين السعودية. وهنالك احتمال آخر بأن تتجه هذه الخلافات نفسها لأن يكون لها دور في تحقيق هذا التغيير وفق مخططات وأجندات دولية وإقليمية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 23/آذار/2014 - 20/جمادي الأولى/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م