سيرة واحد أراد أن يكون فكان

ويا ليته ما كان

د. إبراهيم أبراش

 

في الصغر، عاديا كان يبدو في ذكائه، وبسيطا كان يبدو في ملبسه.

في المدرسة، من النوابغ لم يكن، وفي الشارع من المشاكسين كان.

كان اقرب إلى التكبر والغرور منه إلى طلب المخالطة والمؤانسة.

ومع ذلك كان بالسلطة منبهرا وبالدسائس ضليعا وبالسياسة مبتليا.

ليس سياسة "القيام على الشيء بما يُصلحه" بل السياسة مصدر الجاه والمال.

انبهر بسير العظماء من الرجال ومن رجال السلطة على وجه الخصوص.

عن ملذات الشباب انسلخ، ليس تعففا بل قِصرَ يد.

مع سير الرجال العظام عاش، حالما بمعاركهم ومغامراتهم، حتى خال نفسه واحدا منهم.

 وتقمص شخصية رجل السلطة فيما هو متاح له من سلطة ولو في بيته ومع رفاق الشارع.

وأصبح طالبا جامعيا، والجامعة حظيرة الأيديولوجيات ومسرح استعراض البطولات.

في الجامعة خالط أهل اليمين وأهل اليسار وما بينهما احتار في أول أمره.

في عمقه كان محافظا ويمينيا وللسلطة والنفوذ كان محبا وميالا.

ولكن كيف الوصول إلى السلطة وهو ليس من ذوي جاه أو نسب أو عِلم متميز؟.

أراد أن يكون …. من الناس الذين فوق، أراد أن يكون وصمم على ذلك.

ولأنه أراد أن يكون، فلم تعوزه الوسيلة ليكون.

وكيف لا يكون ونحن في زمن صناعة القادة، وكالوجبات السريعة يتم صنعهم.

بالحلف ما بين طموحه وانتهازيته وإرادته وإرادة جهات خارجية، وضع قدمه على أول الطريق.

وأصبح معروفا كواحد من المناضلين المتكلمين، عندما كان النضال هو نضال الشعارات الرنانة.

ولفت إليه الأنظار بتصريحاته الاستفزازية ومقابلاته التلفزيونية.

فيما كان لنظره وجهة واحدة، السلطة ولا شيء غير كرسي السلطة.

كان مؤمنا أنه كلما ازداد تطرفا لفظيا ونقدا للسلطة، كلما اقترب من السلطة.

وحيث السلطة كانت سلطة ذكية، تعرف من هم الرجال ومن هم أشباه الرجال.

ولأنها كانت سلطة لا تحكم على الرجال انطلاقا مما يقولون، بل انطلاقا مما يريدون.

ولأنها سلطة تعرف ما يريده كل مدعي السياسة وكل تجار الوطنية.

ولأنه أرِيد للسلطة أن تبدو معبرة عن الإجماع الوطني ومنفتحة على كل التيارات.

فقد عرفت وعرف من ورائها ما الذي يريده صاحبنا الذي خال نفسه أذكى رجل في العالم.

كان يعتقد نفسه ذكيا إلا أن السلطة كانت أذكى منه واللعب مع السلطة وصانعيها محرقة.

ولأن السلطة تريده وتريد أمثاله ليس لكفائتهم بل لأنها سلطة الزمن الرديء.

ولأن الزمن زمن الانفتاح والانحطاط الوطني الذي مبدأه قل ما تريد والسلطة تفعل ما تريد.

ولأن السلطة تريد أن تبدو ديمقراطية ومنفتحة وتلون جلدها لترضي أطراف متناقضة.

فكان له ما أراد أن يكون، وذَكر اسمه أصحابُ المقامات العالية، فتنفس الصعداء.

ولكن السلطة ليست لعبا ولهوا، ليست مالا ونفوذا فقط، بل هي لعبة خطرة وعش دبابير.

أراد صاحبنا أن يُطلِق المبادئ ويتزوج السلطة، أراد أن يُسقط راية ويرفع أخرى.

ولكن السلطة أرادته أن يتزوجها ويبقي على زوجته الأولى ولو شكليا.

ولأنها لم تكن بالزوجة المغيارة ولأن لها حساباتها الخاصة ورؤيتها الخاصة.

أرادته أن يكون رَجل السلطة المتمرد ليحارب رِجال سلطة لا ترضى عنهم السلطة.

كانت سلطة (ديمقراطية) لا تمانع أن يكون منها وينتقدها في نفس الوقت.

وفي البداية لعب الدور بمهارة وذكاء، وكان مستمتعا في لعب الدور.

كان ذكيا في حبك المكائد وإثارة الأزمات وخلق الانشقاقات ومناطحة رؤسائه.

واندمج صاحبنا في لعب الدور، رِجل في السلطة، والأخرى في معارضة السلطة.

ولكن طموحه كان أكبر من أن يقبل بهذا الوضع، كان يريد أن يصل بسرعة.

وأراد أن يكون أكبر وأكبر، أراد أن يكون أقرب ما يكون إلى من بيده الصولجان.

لأن من هم في السلطة ليسوا أفضل منه كما يعتقد، وقد يكون محقا في ذلك.

وكان له ما أراد وأصبح هو بدوره من الناس الذين فوق.

وتصدرت صورته الصفحات الأولى من الجرائد والمجلات.

وطلت طلعته البهية على الناس من شاشات التلفزة.

وجالس الكبار ودخل قصور الملوك والرؤساء وبات يحسب له ألف حساب.

واحتار به ومعه الناس، هل هو رجل السلطة أم رجل الثورة والمعارضة ؟.

ولم يعرفوا أنه مع نفسه، ومع نفسه فقط، وما السلطة والسياسة والوطنية إلا مِطية لتفخيم الأنا.

ولأنه حقق ما يريد فكان لزاما عليه أن يكون عبدا لمن حققوا له ما يريد على أنقاض وطن ارتقى واغتنى، إلا أن مَن صيروه ما تركوه ولدور قادم يهيئوه أراد صاحبنا أن يكون فكان … ويا ليته ما كان …

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 22/آذار/2014 - 19/جمادي الأولى/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م