فاطمة بنت أسد.. المهاجرة لله البارة بالرسول

محمد الصفار

 

شبكة النبأ: لقد خص الله هذه المرأة العظيمة بخواص لم تتوفر عند غيرها من النساء قبلها ولا بعدها، فقد أكرمها الله وعظمها فخصها بوضع جنينها في الكعبة الشريفة، فكانت هذه الولادة هي الوحيدة في هذا المكان المقدس، كما خص الله سبحانه وتعالى هذه المرأة أن تكون أم رسول الله (ص) بعد أمه آمنة بنت وهب كما كان (ص) يسميها وقد تواتر عنه (ص) قوله عند وفاتها (رض): (إنها كانت من أحسن خلق الله بي بعد أبي طالب، إن هذه المرأة كانت أمي بعد أمي التي ولدتني)، فكانت تفضله (ص) على سائر أولادها في البر، كما كانت هذه المرأة هي أول من هاجرت من مكة الى المدينة، وهي أول امرأة بايعت رسول الله (ص) بمكة بعد أم المؤمنين خديجة بنت خويلد (رض).

هي السيدة الهاشمية الجليلة فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف، أمها السيدة فاطمة بنت هرم بن رواحة بن حجر بن عبد بن معيص بن عامر بن لوي، تزوجها ابن عمها أبو طالب بن عبد المطلب بن هاشم فولدت له من الأولاد طالب، وعقيل، وجعفر، وعلي، ومن البنات جمانة، وفاختة (أم هاني) فكان هذا البيت هو حصن الإسلام، وحاضنة الرسول، والذائد عنه، والمضحي في سبيل إعلاء كلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله.

كان هذا البيت هو أول بيت يدخله الإسلام بدأ بعلي ثم جعفر، وفي الحقيقة إن هذا البيت كان مؤمناً بالرسول منذ اللحظة الأولى للبعثة الشريفة غير أن ما يميز علياً في السابقة كونه ربيب النبي وملازماً له في كل مراحل حياته الشريفة فكان أمير المؤمنين (ع) هو أول من آمن بالرسول، وأول من صدق به وآزره ونصره.

روى ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة (ج13 ص269): (إن أبا طالب فقد النبي (ص) يوماً وكان يخاف عليه من قريش أن يغتالوه فخرج ومعه ابنه جعفر يطلبان النبي فوجداه في بعض شعاب مكة يصلي وعلي عن يمينه فلما رآهما أبو طالب قال لجعفر تقدم وصل جناح ابن عمك فقام جعفر عن يسار محمد(ص) فلما صاروا ثلاثة تقدم رسول الله وتأخر الأخوان فبكى أبو طالب وقال:

إن علياً وجعفراً ثقتي*****عند ملم الخطوب والنوبِ

لا تخذلا وانصرا ابن عمكم*****أخي لأمي من بينهم وأبي

والله لا أخذل النبي ولا*****يخذله من بني ذو حسبِ

أجل لقد فدى هذا البيت رسول الله (ص) ونصره وآزره فوجد رسول الله في هذا البيت ما فقده من رفق الأبوة، وحنان الأمومة، ومؤازرة الأخوة فوجد في فاطمة بنت أسد حنان الأم الذي فقده. فكان (ص) يجلها ويزورها ويقيل في بيتها ويحترمها احتراماً عظيماً ويدلنا صنيع النبي (ص) عند وفاتها على مدى إجلاله وتعظيمه لها كما ورد في المستدرك على الصحيحين (ج 3ص108) عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) قوله:

(لما ماتت فاطمة بنت أسد بن هاشم كفنها رسول الله (ص) في قميصه وصلى عليها وكبر عليها سبعين تكبيرة ونزل في قبرها فجعل يومي في نواحي القبر كأنه يوسعه ويسوي عليها وخرج من قبرها وعيناه تذرفان وحثا في قبرها فلما ذهب قال له عمر بن الخطاب: (يا رسول الله رأيتك فعلت على هذه المرأة شيئاً لم تفعله على أحد) فقال (ص): (يا عمر إن هذه المرأة كانت أمي بعد أمي التي ولدتني إن أبا طالب كان يصنع الصنيع وتكون له المأدبة وكان يجمعنا على طعامه فكانت هذه المرأة تفضل منه كله نصيباً فأعود فيه وإن جبريل عليه السلام أخبرني عن ربي عز وجل أنها من أهل الجنة وأخبرني جبريل عليه السلام أن الله تعالى أمر سبعين ألفاً من الملائكة يصلون عليها).

ويسأل عمار بن ياسر النبي (ص) كما جاء في البحار (ج9ص17) بقوله يا رسول الله لقد صليت عليها صلاة لم تصل على أحد قبلها مثل تلك الصلاة؟

فيجيبه النبي (ص): (يا أبا اليقظان وأهل ذلك هي مني لقد كان لها من أبي طالب ولد كثير ولقد كان خيرهم كثيراً وكان خيرنا قليلا فكانت تشبعني وتجيعهم وتكسوني وتعريهم وتدهنني وتشعثهم).

وورد في أسد الغابة (ج5 ص517) عنه (ص) قوله:

(إنه لم يكن بعد أبي طالب أبر بي منها إنما ألبستها من حلل الجنة واضطجعت في قبرها ليهون عليها عذاب القبر)

وجاء في مقتل الخوارزمي (ج 1ص33) قوله (ص):

(رحمك الله يا أمي كنت أمي بعد أمي تجوعين وتشبعيني وتعرين وتكسيني وتمنعين نفسك طيب الطعام وتطعميني تريدين بذلك وجه الله عز وجل والدار الآخرة).

وجاء في الإصابة(ج4 ص369) عنه(ص) قوله: (لم نلق بعد أبي طالب أبر بي منها).        

كما واعدها(ص) بأعلى مراتب الجنة كما ورد في البحار(ج9 ص17) عنه (ص) قوله:

(إن الملائكة قد ملأت الأفق وفتح لها باب من الجنة ومهد لها مهاد الجنة وبعث إليها بريحان من رياحين الجنة فهي في روح وريحان وجنة نعيم وقبرها روضة من رياض الجنة)

وقد وردت الكثير من هذه الأحاديث بألفاظ مختلفة وبمضمون واحد في الكثير من المصادر.

لقد كانت فاطمة بنت أسد شريكة أبي طالب في رعاية رسول الله وكانت تقدمه على أولادها وحسبها فخراً أن تكون أماً لأمير المؤمنين وأن تكون أول وآخر أنثى تضع مولودها في الكعبة الشريفة كما نصت على ذلك جميع مصادر المسلمين وأجمع عليه المؤالف والمخالف وقد جمع العلامة المحقق الشيخ محمد علي الأوردبادي في كتابه (علي وليد الكعبة) أكثر من مئة مصدر نقلت هذا الحديث وبمضمون واحد ونذكر هنا فقط المصادر السنية التي نقلت هذا الحديث لإجماع المصادر الشيعية واتفاقها عليه وهذه المصادر هي:

تذكرة الخواص لسبط بن الجوزي ص12

تلخيص المستدرك على الصحيحين لمحمد بن أحمد الذهبي ج3ص483

الخرائج والجرائح لقطب الدين الراوندي ص146

الفصول المهمة لعلي بن الصباغ المالكي ص12

كفاية الطالب لمحمد بن يوسف الكنجي الشافعي ص261

المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري ج3ص483

مطالب السؤول لمحمد بن طلحة الشافعي ص11

نور الأبصار للشبلنجي المصري ص85

وملخص حديث ولادة فاطمة بنت أسد لأمير المؤمنين في الكعبة هو:

(قال يزيد بن قعنب: كنت جالساً والعباس بن عبد المطلب وفريق من بني عبد العزى بإزاء بيت الله الحرام إذ أقبلت فاطمة بنت أسد وكانت حاملاً لتسعة أشهر وقد أخذها الطلق فقالت:

يا رب إني مؤمنة بك وبما جاء من عندك من رسل وكتب وإني مصدقة بكلام جدي إبراهيم الخليل وإنه بنى البيت العتيق فبحق الذي بنى هذا البيت والمولود الذي في بطني إلا ما يسرت علي ولادتي.

قال يزيد بن قعنب: فرأيت البيت قد انشق عن ظهره ودخلت فاطمة فيه وغابت عن أبصارنا وعاد إلى حاله فرمنا أن ينفتح لنا قفل الباب فلم ينفتح فعلمنا أن ذلك من أمر الله تعالى ثم خرجت في اليوم الرابع وعلى يدها غلام ثم قالت:

إني فضلت على من تقدمني من النساء لأن آسية بنت مزاحم قد عبدت الله سراً في موضع لا يحب الله أن يعبد فيه إلا اضطراراً وإن مريم بنت عمران هزت النخلة اليابسة حتى أكلت منها رطباً جنياً وإني دخلت بيت الله الحرام فأكلت من ثمار الجنة وأرزاقها فلما أردت أن أخرج هتف بي هاتف وقال:

يا فاطمة سميه علياً فهو علي والله العلي الأعلى يقول شققت اسمه من إسمي وأدبته بأدبي وأوقفته على غامض علمي وهو الذي يكسر الأصنام في بيتي وهو الذي يؤذن فوق ظهر بيتي ويقدسني ويمجدني فطوبى لمن أحبه وأطاعه وويل لمن أبغضه وعصاه).

وكما كان لهذا المرأة العظيمة جانباً عظيماً وشأناً كبيراً في رعاية رسول الله فقد كان لها جانباً عظيماً أيضاً في مؤازرته في دعوته فقد جاء البرهان في تفسير القرآن (ج4 ص327) عن الإمام جعفر الصادق (ع) قوله:

(أن فاطمة بنت أسد كانت حادية عشرة في السابقة الى الإسلام وكانت بدرية ولما نزلت هذه الآية (يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك..) كانت فاطمة أول امرأة بايعت رسول الله(ص)).

وكانت أول مهاجرة من مكة الى المدينة مع الفواطم فاطمة بنت الزبير بن عبد المطلب وفاطمة بنت رسول الله كما كان ابنها جعفر بن أبي طالب قائد المهاجرين الى الحبشة، وقائد معركة مؤتة التي استشهد فيها، أما ابنها علي فلولاه لما قام الإسلام، فهذه المرأة نذرت نفسها وأولادها لله ولرسوله حتى فاضت روحها الطاهرة الى بارئها راضية مرضية وقد شكر الله لها سعيها في سبيله فأعد لها مقاماً في الجنة كما شكر رسول الله برها فكفنها في قميصه واضطجع في قبرها وواعدها الجنة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 17/آذار/2014 - 14/جمادي الأولى/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م