أخلاقيات التغيير.. إصلاح ذات البين

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: في حركة المجتمعات ومسيرها نحو غاياتها غير المتناهية والمتجددة باستمرار، تحدث نتيجة لهذا المسير الكثير من الاختلافات والتقاطعات بين افراد المجتمع، منها ما تكون دافعا وحافزا للتقدم اكثر الى الامام، ومنها ما تكون معوقا ومانعا لهذا التقدم، حين تتحول تلك الاختلافات الى خلافات تفرق ولا تجمع، وتتحول التقاطعات الى تنافرات تقسم ولا تصل بين افراد المجتمع.

الفرقة والانفصال، الجمع والإصلاح، هي اشد ما يؤكد عليه الامام السجاد (عليه السلام) في دعائه المعروف بمكارم الاخلاق، والذي بذل في شرحه وتفسيره المرجع الديني الكبير اية الله العظمى السيد صادق الشيرازي (دام ظله) جهدا كبيرا جمعه في كتابه (حلية الصالحين).

كل مفردة في الدعاء، هي منهاج عمل لما ينبغي للمسلم ان يقوم به ويسير عليه في حياته مع الاخرين، ولما ينبغي ان يقّوم به نفسه أولا، ليعيش هذا الانسجام بين مظهره وجوهره، بين فكره وسلوكه..

ترد عبارة الامام (عليه السلام) في دعائه ضمن الفقرة التي نصها (وضمّ اهل الفرقة، وإصلاح ذات البين) يشرحها المرجع الشيرازي بقوله: (الفرقة تعني الانفصال، فالناس إذا كانوا مجتمعين على أمر فلا توجد فرقة فيما بينهم، أمّا إذا اعتزل بعضهم بعضاً وصار بعضهم منفصلاً عن بعض فهذا يعني حدوث فرقة بينهم).

ولا يكتفي سماحة المرجع بهذا الشرح وتقديم المعنى للفرقة ويتوقف عند هذا الحد، انه يذهب بعيدا في تفسير معنى الفرقة، وهم تحديدا من يصرون عليها ويجعلونها ديدنهم وطريقتهم في الحياة، (ويطلق أهل الفرقة على من ديدنه الافتراق)، مقابل تلك المجموعة هم اهل الصلاح، المتحلين به، والمتزينين بالتقوى، (أمّا من حليته الصلاح وزينته التقوى) الذين ديدنهم الجمع، والضم للمفترقين، ( حتى يعيدهم إلى صفّ الحقّ).

جمع ما تفرق، وضم ما تشتّت، الى بعضه البعض، لا يكون ناجحا الا بطلب المعونة من الله سبحانه وتعالى، من اجل (ضمّ أُولئك الذين يفصلون أنفسهم عن الآخرين متّبعين أهواءهم).

في الشق الثاني من الدعاء، وهو اصلاح ذات البين، يستمر المرجع الشيرازي في شرحه وتفصيله فممّا يعنيه البين (هو الصلة والحال التي عليها أفراد المجتمع، وهو نقيض الفرقة).

ولا يتوقف اصلاح ذات البين عند حدود الصلة، نقيض الفرقة، انه يتجاوز ذلك الى (صيانة الألفة والمحبّة من خلال إدامتهما ومعالجة أيّ شرخ ممكن حدوثه قبل اتّساعه مهما كان حجمه سواء بين الإخوة، أو الزوج والزوجة، أو الأصدقاء، أو بين الأُستاذ وتلميذه، أو الأب وابنه أو غير ذلك).

جهد الضم والإصلاح، تتعدد مساحته وتتسع بين العام والخاص، لانهما حلقتان مترابطتان ومتداخلتان، واي جهد يبذل فيهما، هو من مصاديق (حلية الصالحين وزينة المتّقين). التي (ينبغي للإنسان المؤمن أن يعنى بها في المجتمع، أن يكون ديدنه الحيلولة دون حدوث الفرقة والاختلاف، كما عليه أن يسعى أيضاً من أجل الإصلاح على صعيد العلاقات الاجتماعية الصغرى كالعلاقات بين الإخوة والأقارب والزملاء).

يطرح المرجع الشيرازي، تساؤلا يراه ضروريا، وهو يمضي في شرحه وتفسيره لمضمون الدعاء، والتساؤل هو: هل الإمام السجّاد سلام الله عليه يدعو للاجتماع وعدم الفرقة دائماً من دون نظر إلى الحقّ والباطل؟، يجيب عن ذلك من خلال تحديد شرط لهذا الجمع والوحدة وهو: (الوحدة في إطار الحقّ والفضيلة لا في إطار الباطل والرذيلة).

صحيح ان الاجتماع في نفسه مطلوب الا انه (ينبغي أن تكون الغاية حقّة. فضمّ أهل الفرقة ممدوح ومطلوب إذا كان إلى جهة الحقّ، لأنّ الاجتماع على الحقّ ضروريّ، ولو حاد فرد واحد عنه فعلى المؤمن أن يسعى لإرجاعه وضمّه ثانية).

يذكّر المرجع الشيرازي، في حديثه عن الجمع والإصلاح، بحديث للإمام الحسن سلام الله عليه في جملة عظيمة تنفعنا في مجال "إصلاح ذات البين"، تكشف عن السبب الذي يؤدي الى الفرقة والتنابذ والتفارق في المجتمع، حيث يقول الامام الحسن (عليه السلام) لجنادة: "واعلم أنّك تطلب الدنيا والموت يطلبك". والتي يعتبرها السيد صادق الشيرازي بمثابة المرقاة والوسيلة في (السعي في طلب الفضائل)، و(لأمن على نفسه الصراع من أجل ركام الدنيا، لأنّه يعلم أنّ كلّ ما يطلبه من الدنيا لا محالة زائل، فإنّ ذكر الموت وحده كفيل بأن يحدّ من شهوات النّفس).

يختم المرجع السيد صادق الشيرازي، شرحه وتفسيره لفقرة الجمع والإصلاح الواردة في الدعاء بحثّ الانسان على وضع الموت امام عينيه، للحد من شهواته لان ذلك كفيل بأن يعمل الانسان على (ضمّ أهل الفرقة وإصلاح ذات البين بنحو أحسن، ولا يكترث للأعذار غير الصحيحة).

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 16/آذار/2014 - 13/جمادي الأولى/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م