الهواتف الذكية: مخاطر بلا حدود

 

شبكة النبأ: يوم بعد آخر، تتسارع وتيرة انتاج الهواتف الذكية، وتطرح الشركات المنتجة انواعا متطورة جدا من هذه الاجهزة، وتشتد المنافسة بين المصنّعين، في مجال تقديم النموذج الاكثر ذكاءً والاسهل استخداما، فيما تؤكد الوقائع، أن المراهقين والشباب هم الشريحة الاكثر تعرضا لمخاطر اجهزة النقال او (الموبايل)، او الهاتف الجوال، كما تم تعريبه، وتأتي خطورة هذه الاجهزة من الخيارات الواسعة التي تتيحها للشاب والمراهق، لاسيما أننا كعراقيين عانينا من العزل الالكتروني، لعقود متواصلة، بسبب سياسات النظام السابق، التي منعت تداول وانتشار وسائل الاتصال بين افراد المجتمع.

وبعد التغييرات السياسية الدراماتيكية التي حدثت في نيسان 2003، تحطمت اسوار العزل الالكتروني، ووجد الشعب العراقي نفسه وجها لوجه أزاء عوالم افتراضية يجهلها تماما، فدخل شبكة الانترنيت الأخطبوطية بجهل تام لها، حاملا معه جوع يمتد سنوات طويلة، لأن الشعوب الأخرى سبقت العراق في التعامل الحر مع معظم وسائل الاتصال، لذا فقد فوجئ الشاب العراقي بهذا العالم الغريب عليه، وبدأ أجهزة النقال تتدفق على السوق العراقية بأنواع عجيبة غريبة، فيما اقبل الناس جميعا، لاسيما شريحة الشباب والمراهقين، أقدموا بلهفة كبيرة على شراء هذه الاجهزة كي يتصلوا بالمجتمعات الاخرى، او التواصل فيما بينهم، مع رفع الحدود والضوابط بطريقة شبة تامة.

لقد أصبح العالم مكشوفا للشباب وللعراقيين بعد سنوات من المنع والحجز القسري، فدخلوا هذا العالم من اوسع ابوابه، مثل شخص جائع أو ظامئ ليجد امامه الماء والغذاء بصورة مفاجئة، انه حتما سيتناول الطعام والماء بلهفة ومن دون مراعاة لأضرار التخمة التي سيعاني منها كثيرا، وهذا ما حدث تماما فيما يتعلق مع وسائل الاتصال لاسيما الهواتف الذكية التي اقبل عليها الشباب بلهفة عارمة، فسقط الكثير منهم في المحذور، وتجاوز الكثير منهم حدود التعامل الصحيح مع هذه الاجهزة التي تحمل معها الخير والشر، والصحيح والخاطئ في وقت واحد.

لقد باتت الهواتف الذكية اليوم تشكل خطرا داهما على المراهقين والشباب، كونهم يتعرضون لفراغ كبير، لذلك هم يجدون في الهاتف الذكي ملاذا لهم وتعويضا عن الواقع المرير الذي يعرضهم لآفة الفراغ القاتلة، فيلجأ الكثير من المراهقين والشباب لسد فراغهم عبر الهواتف الذكية!، واذا عرفنا ان هذه الهواتف تقدم خيارات الشر والخير للمراهق والشاب، فإننا سوف نعي حجم المخاطر التي يتعرض لها شبابنا، خاصة أن أبواب الاسواق العراقية بمختلف احجامها مفتوحة على مصاريعها لكل من هب ودب من التجار، الذين لا تحكمهم سوى قضية الربح المادي، أما الضمير والتفكير بمصالح الشعب والدولة، فهذا للاسف لا يعنيهم بشيء، فقد ادخل بعض هؤلاء التجار سلعا ما انزل الله بها من سلطان، ولان الشعب العراقي جائع للتسوق ويرغب ان يعوض سنوات الحرمان التي مرت به، فإن الاقبال على هذه السلع لاسيما الهواتف الذكية اصبح حالة شائعة بين الجميع وخاصة الشباب.

لذلك لابد أن نبحث في بعض الحلول التي تعمل على الحد من هذا الانحدار السريع للشباب والمراهقين، وقد عرفنا المخاطر الكبيرة التي تنطوي عليها هذه الاجهزة، مع ما تقدمه للشاب من خيارات واسعة لتدمير الذات، كالمواقع الاباحية وسواها مما يدخل في جانب التخريب الاخلاقي والقيَمي والثقافي ايضا، وقد يقترح احدهم منع الشباب من التعامل مع هذا النوع من الاجهزة، او عزل الشباب، لكن اتخاذ مثل هذه الخطوة لا يمثل الحل السليم، فالممنوع مرغوب دائما، فضلا عن عدم صحة عزل الشاب عن العالم، لهذا لا يصح أن يمنع الاب ولده من استخدام الهاتف الجوال للتواصل او الاتصال، لان هذا الاسلوب سوف يعيدنا الى سنوات الحرمان السابقة، لهذا فإن الحل يكمن في المراقبة والمتابعة والتوجيه التربوي السليم والمتواصل على مدار الساعة.

لا تنحصر مسؤولية توجيه الشباب والمراهقين على الاباء والامهات والمحيط العائلي فقط، بل تتعدى ذلك الى المحيط المدرس، فالمدرسة مسؤولة عن تربية الطلاب على الطرق السليمة للتعامل مع الهواتف الذكية، وهي مسؤولية النخب كافة، كي توضح للشباب مساوئ ومحاسن هذه الاجهزة وكيفية التعامل معها، لذلك فإن منع الشباب العراقي من التعامل مع الاجهزة المتطورة ليس هو الحل، بل الحل يكمن في تعليمهم على الاستخدام الامثل لوسائل الاتصال كافة، فضلا عن امتصاص ساعات الفراغ التي يعاني منها الشباب والمراهقون، عبر القضاء على البطالة وتوفير ساحات الرياضة، وقاعة العروض المسرحية واقامة الدورات التربوية والتعليمية من لدن الجهات الرسمية ومنظمات المجتمع المدني، فحقيقة معالجة المخاطر التي يتعرض لها الشباب، تتمثل في التصدي الجماعي لمساوئ هذه الاجهزة، مع الاستخدام الايجابي لها، وليس منعها.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 15/آذار/2014 - 12/جمادي الأولى/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م