سوريا بعد ثلاث سنوات... تتدحرج الى المجهول

في أكثر الصراعات العالمية إرباكاً وتعقيداً!

 

شبكة النبأ: سوريا اليوم تدخل في قلب الاحداث العالمية المهمة بامتياز، بعد ثلاث سنوات من الصراع الأعقد في تاريخ بلدان الشرق الأوسط الحديث، سيما وان تداعيات الازمة السورية بدأت تعصف في دول الشرق والغرب، فيما يحاول الجميع فض الصراع المتصاعد والخروج بخسائر اقل من المتوقع لها، فيما لو استمر الإرهاب والتطرف والقتل والتهجير والطائفية، على نفس الوتيرة المتنامية في الوقت الراهن.

فقد اختلف المحللون والمتابعون بشأن المشهد السوري، حيث رجح البعض ان ينتهي حكم الأسد بسقوط النظام وتمكن المعارضة من السيطرة العسكرية، الا ان اخرون لا يرون ان هذا الامر يمكن حسمه بسهولة، خصوصاً وان قوات الأسد باتت أفضل في وضعها العسكري والسياسي عن بداية اندلاع الازمة، إضافة الى مكاسبه المتتالية في استعادة الأراضي التي سقطت منه سابقاً.

من جانبهم توقع خبراء من الولايات المتحدة الامريكية، ان الحرب في سوريا قد تستمر لعقد او أكثر من الزمن، في ظل الأوضاع الحالية والنزاع المسلح بين الطرفين، إضافة الى الدعم الذي يلاقيه المتحاربين من قبل الدول والجماعات الداعمة لكل طرف.

ولا يمكن تجاهل الجماعات والمنظمات المتطرفة التي دخلت في خط المواجهة وقلبت الكثير من الموازين، بعد ان تحولت سوريا الى وجه اساسية للجهاد العالمي.

ويبدو ان الوضع في سوريا أصبح أكثر ارباكاً وتعقيداً عن السابق، كما زاد من حماسة المتطرفين مع دخولهم على خط المواجهة فيه، للحصول على امارة إسلامية مزعومة، فيما تنادي المعارضة بسقوط نظام الأسد، والأخير يستعد للقضاء على المعارضة والجهاديين في ان معاً ويصفهم بمزيج من الإرهاب والتطرف الذي يستهدف سوريا.

وتدخل الازمة السورية عامها الرابع وقد غرقت البلاد في أزمة انسانية غير مسبوقة ودمار هائل، مع تواصل المعارك بين المعارضة المنقسمة، ونظام الرئيس بشار الاسد الذي يحاول استعادة السيطرة على الميدان، ولا يلوح في الافق اي حل قريب للازمة التي تحولت الى نزاع دام، لا سيما وسط تباين كبير بين روسيا والولايات المتحدة، الجهتين الراعيتين لمفاوضات السلام في جنيف، اضيف اليه في الاسابيع الماضية الخلاف حول الازمة في اوكرانيا.

ويقول توما بييريه، الخبير في الشؤون السورية والاستاذ في جامعة ادنبره، انه "من دون تدخل غربي، ستستمر الحرب سنوات إضافية، وهذا التدخل غير مرجح طالما ان الرئيس باراك اوباما في البيت الأبيض، يمكن للأمور ان تتغير بعد 2016" مع انتهاء ولايته، وبعد اربعة اعوام على النزاع الذي ادى الى مقتل اكثر من 140 الف شخص وحول نصف سكان البلاد لاجئين في دول اخرى او نازحين داخل سوريا، لا يبدو اي من الطرفين المتنازعين قادرا على حسم المعركة، وبدأت الازمة منتصف آذار/مارس 2011 بتظاهرات احتجاجية ضد النظام، تحولت بعد اشهر الى نزاع دام اتسع بشكل كبير منذ شباط/فبراير 2012، لا سيما مع بدء المعارك في حمص (وسط).

ومنذ ربيع العام 2013، وبعد سلسلة من التراجعات امام هجمات مقاتلي المعارضة، انتقل النظام السوري الى الهجوم، بعدما تلقى دعما حاسما من عناصر من حزب الله اللبناني ومقاتلين عراقيين مدربين على يد الحرس الثوري الإيراني، واكتسب النظام ثقة اضافية بعد ابتعاد شبح الضربة العسكرية التي هددت بها واشنطن اثر الهجوم الكيميائي الذي ادى الى مقتل المئات قرب دمشق في 21 آب/اغسطس، والذي اتهمت المعارضة والدول الغربية الرئيس الاسد بالوقوف خلفه.

وتقضي استراتيجية النظام بالاحتفاظ بسيطرته على "المناطق ذات الاهمية" في البلاد، لا سيما المناطق الساحلية حيث الثقل العلوي والموانئ التجارية، اضافة الى المدن الكبرى والطرق الرئيسية، وتسيطر المعارضة المسلحة على مناطق واسعة لا سيما في الشمال والشرق والارياف، في حين لا زال النظام يسيطر على مراكز المحافظات باستثناء الرقة (شمال)، ومناطق في الوسط والغرب، وتقدم النظام في الاسابيع الماضية على ثلاثة محاور اساسية: جنوب دمشق حيث عقد مصالحات مع مقاتلي المعارضة بعد حصار خانق على المناطق التي يسيطرون عليها، وفي منطقة القلمون الاستراتيجية شمال دمشق قرب الحدود مع لبنان حيث يتقدم لفرض طوق كامل على مدينة يبرود آخر معاقل المعارضة، وعلى اطراف مدينة حلب (شمال).

في الوقت نفسه، تخوض تشكيلات اساسية في المعارضة المسلحة منذ مطلع كانون الثاني/يناير معارك مع جهاديي الدولة الاسلامية في العراق والشام، الذين يتهمونهم بممارسات "مسيئة للثورة" وتطبيق معايير اسلامية صارمة، وشاركت جبهة النصرة التي تعد ذراع القاعدة في سوريا، الى جانب المعارضة في بعض هذه المعارك، ويقدر الخبراء ان النظام غير قادر على استعادة سيطرته الكاملة على الميدان، مشيرين الى وجود ما بين 100 ألف و150 الف مقاتل معارض، بينهم 10 آلاف الى 20 ألفا من المقاتلين الاجانب الموزعين على اكثر من الفي مجموعة مقاتلة، وابرز هذه التشكيلات "الجبهة الاسلامية" التي تشكلت منذ اشهر، وتضم ابرز الكتائب الاسلامية.

وتشير التقديرات الى ان عديد القوات النظامية قبل النزاع كان يقارب 300 الف عنصر، يضاف اليهم آلاف المسلحين الموالين، وبحسب ارقام المرصد السوري لحقوق الانسان، لقي نحو 50 الف جندي ومسلح موال، مصرعهم خلال الاعوام الثلاثة الماضية، ويقول فولكر بيرتيس، مدير المعهد الالماني للسياسة الخارجية وشؤون الامن، ان "اي طرف ليس في صدد الربح، يمكن للرئيس الاسد ربما الاحتفاظ بالسيطرة على الجزء الاكبر من الميدان وتطبيق سياسة الارض المحروقة في المناطق الخارجة عن سيطرته، الا انه لن يكون قادرا على اعادة كامل اراضي البلاد تحت سلطته". بحسب فرانس برس.

ويضيف مؤلف كتاب "سوريا من دون بشار"، ان تفكك سوريا "ليس احتمالا لكنه امر واقع، وفي حال توقفت الحرب غدا، ستتطلب عودة الامور الى طبيعتها اكثر من عقد من الزمن"، ويرى الخبير في الجغرافيا السورية فابريس بالانش انه "في ظل عدم وجود انتصار لطرف على الآخر، ثمة انقسام بحكم الامر الواقع في سوريا، بين المنطقة الكردية في شمال شرق البلاد، ومناطق سيطرة المعارضة في الشمال، والمناطق الواقعة تحت سيطرة النظام في الوسط"، ويضيف "في الواقع ليس ثمة سيناريو جيد لسوريا، يمكن للرئيس الاسد استعادة السيطرة بطريقة بطيئة، لكن الثمن سيكون هائلا، البلاد في حاجة الى وقت طويل للعودة الى وضع طبيعي، لان اعادة الاعمار ستضاف الى المشاكل البنيوية التي سبقت اندلاع الازمة".

ويرى ان "اعادة تثبيت النظام سلطته ستترافق مع قمع يجعل مئات الآلاف من الذين غادروا البلاد، غير راغبين بالعودة اليها"، مبديا شكوكه في "تلقي سوريا تدفقا من رؤوس الاموال كالتي دخلت لبنان بعد حرب العام 2006 (مع اسرائيل)، كما انها لا تملك كميات نفط ضخمة كالعراق"، والتي ساعدت هذا البلد المجاور على توفير استثمارات ومداخيل بعد الحرب الاميركية في العام 2003.

الى ذلك نقلت صحيفة جارديان البريطانية عن نائب رئيس الوزراء السوري قدري جميل قوله انه لا القوات الحكومية ولا قوات المعارضة قادرة الآن على تحقيق نصر ناجز في الحرب الاهلية السورية، وقال جميل للصحيفة في مقابلة نشرتها في موقعها على الانترنت "لا المعارضة المسلحة ولا النظام قادر على هزيمة الطرف الاخر"، وأضاف "هذا التوازن التام للقوى لن يتغير لبعض الوقت"، وأدى استخدام أسلحة كيماوية في 21 اغسطس اب الى دفع الولايات المتحدة الى الاعداد لتوجيه ضربة عسكرية للأسد إذ يتهمه الغرب بالمسؤولية عن الهجوم الذي تقول الولايات المتحدة انه اودى بحياة 1429 شخصا.

ونقلت صحيفة جارديان عن جميل قوله ان الاقتصاد السوري خسر خلال الحرب قرابة 100 مليار دولار وهو ما يعادل الانتاج العادي في سنتين، وسئل جميل في المقابلة ما الاقتراحات التي قد تقدمها الحكومة السورية في مؤتمر للسلام تسعى القوى العالمية لعقده فقال "وضع حد للتدخل الخارجي ووقف اطلاق النار وبدء عملية سياسية سلمية بطريقة تتيح للشعب السوري التمتع بتقرير مصيره دون تدخل خارجي وبطريقة ديمقراطية"، وجميل شيوعي مخضرم ونال الدكتوراه من جامعة موسكو ويشغل منصب نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية ووزير التجارة الدولية وحماية المستهلك.

فيما قال أكبر قائد اسرائيلي على الجبهة السورية ان الرئيس السوري بشار الاسد يمكنه ان يتشبث بالسلطة سنوات عديدة رغم انه فقد السيطرة على أجزاء من اراضي بلاده، وتعكس تصريحات الميجر جنرال يائير جولان في صحيفة يديعوت أحرونوت الجدل الدائر في اسرائيل بشأن مصير الاسد في ضوء الحرب الاهلية المستمرة منذ عامين ونصف العام بعد اتفاق امريكي روسي لإجباره على التخلي عن أسلحته الكيماوية، وقال جولان "سوف يبقى لسنوات، لا أري أي قوة تطيح به غدا - رغم انه يستحق ان يرحل عن هذا العالم وكلما كان ذلك أسرع كلما كان أفضل."

وفي تصريحات منفصلة تمثل ابتعادا عن موقف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو غير الحاسم بشأن الحرب الاهلية التي تدور في دولة سوريا المجاورة قال السفير الاسرائيلي لدى واشنطن مايكل أورين ان اسرائيل "أرادت دائما رحيل بشار الاسد" من أجل كسر تحالف سوريا مع ايران وحزب الله اللبناني، ولم يذكر السفير ما اذا كانت اسرائيل تشجع على الاطاحة بالاسد أو كيف تفعل ذلك، وتوقع جولان الذي يرأس القيادة العسكرية الشمالية بأن يتجاوز الاسد المأزق العسكري الراهن مع قوات المعارضة، وتقول اسرائيل ان الاسد فقد السيطرة على نحو 60 في المئة من أراضي بلاده لكن يمكنه ان يتصدى لقوات المعارضة بفضل تفوق جيشه الذي يمتلك أسلحة روسية.

وقبل الانتفاضة السورية كانت الاوضاع على الجبهة بين سوريا واسرائيل مستقرة، وفي مواجهة ضربات عسكرية أمريكية محتملة بعد هجوم 21 اغسطس اب بغاز سام قرب دمشق أنحت واشنطن باللوم فيه على الاسد لمحت دمشق الى انها قد تضرب إسرائيل، وقلل جولان من هذا الاحتمال قائلا ان جيش الاسد مني بخسائر في الافراد بلغت 15 الف قتيل وانه أطلق ما بين 40 و50 في المئة من صواريخه بعيدة المدى وان مقاتلي المعارضة سيطروا على بعض بطاريات المدفعية المضادة للطائرات التي لدى قواته.

وقال جولان "يمكنه ان يسبب أضرارا لنا ويمكنه ان يسبب مضايقات كبيرة لنا لكن لا يمكنه اليوم ان يشن هجوما بريا خطيرا ضد دولة اسرائيل"، ووصف السفير أورين في مقابلة مع صحيفة جيروزالم بوست هزيمة الاسد بأنها موضع ترحيب حتى لو كانت بأيدي قوات لها صلة بالقاعدة الأكثر عداء لإسرائيل، وحذر جولان وهو يوافق على هذا الرأي من المبالغة في التهديد الذي يمثله الجهاديون السنة المتطرفون الذين يشكلون نحو عشرة في المئة من المعارضة التي تقاتل الاسد.

وقال جولان مستخدما تعبير اسرائيل في وصف التابعين للقاعدة "الجهاد العالمي عدو سيء لكنه عدو بدائي نسبيا لا يتمتع بتأييد قوة اقليمية"، وأضاف "الجيش السوري مع حزب الله وبالطبع مع قوة اقليمية مثل ايران في الخلفية عدو أخطر بكثير من عناصر الجهاد العالمي"، وخلال العام المنصرم وجهت اسرائيل ضربات داخل سوريا ثلاث مرات على الاقل لمنع ما وصفته مصادر أمنية بأنه نقل اسلحة متقدمة من الاسد الى حزب الله الذي خاضت اسرائيل حربا غير حاسمة معه عام 2006 في لبنان.

من جهته قال الرئيس الأمريكي باراك أوباما إنه يجب في نهاية المطاف أن يحدث تحول سياسي في سوريا يتخلى فيه الرئيس بشار الأسد عن السلطة في أعقاب اتفاق أمريكي روسي يهدف إلى كسب سيطرة دولية على الأسلحة الكيماوية السورية، وقال أوباما لشبكة تلفزيون تيليموندو الناطقة بالإسبانية "لا يغيبن عن الذهن أنه من الصعب للغاية تصور أن تخمد الحرب الأهلية (في سوريا) إذا كان الأسد باقيا في السلطة".

وقال أوباما إنه ما زال يهدف "إلى تحول يخرج فيه (الأسد) من السلطة" على نحو يحمي الأقليات الدينية في سوريا ويضمن ألا تصبح للمتطرفين الإسلاميين اليد الطولى داخل البلاد، واضاف اوباما قوله ان الخطوة الأولى الآن هي "ضمان أن يكون بمقدورنا التعامل مع مسألة الأسلحة الكيماوية"، وقال انه بعد ذلك ستكون الخطوة التالية هي الحوار مع كل الأطراف المعنية بالأزمة السورية والبلدان التي تساند سوريا مثل روسيا لنقول "هيا نضع نهاية لهذا."

بينما اعلن مدير الادارة الرئاسة الروسية ان روسيا قد تغير موقفها حيال سوريا اذا ما تبين لها ان الرئيس بشار الاسد "يخادع"، وقال سيرغي ايفانوف بحسب ما نقلت وسائل الاعلام الروسية خلال مؤتمر في ستوكهولم نظمه المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية "ما اقوله في الوقت الراهن هو امر نظري وافتراضي، لكن اذا تيقنا يوما من ان الاسد يخادع، فقد نغير موقفنا"، واضاف في وقت لاحق في تصريحات اوردتها وكالة الانباء السويدية انه اذا تبين من دون ادنى شك ان احد الاطراف في سوريا كذب عبر نفيه استخدام اسلحة كيميائية، فان "ذلك يمكن ان يجعلنا نغير موقفنا ونستند الى الفصل السابع، لكن كل هذا شيء نظري، حتى الان لا توجد ادلة" على ذلك.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 15/آذار/2014 - 12/جمادي الأولى/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م