انعقدَ في بغدادَ يومي 12-13 آذار 2014، (مُؤتمرُ بغدادَ الدُّوليّ
الأَول لمكافَحَةِ الإِرهاب). وتفاعلاً مع هذا الحَدثِ المُهم، الّذي
كانَ ينبغي أَنْ يُعقدَ، في وقتٍ مبكّرٍ قبلَ الآن، ولكنْ (ليسَ كلُّ
ما يتمنى المرءُ يُدركُه...). فربّما الانقسَامات والأَزمات
السّياسيّة، الّتي تَعصفُ بالعراق، شتَّتْ الأَفكارَ وبعثرتْ الجهود،
لعقْدِ مثل هذا المُؤتمر، في وَقتٍ سابق.
لابدَّ أَنْ نُثَبِّتَ أَولاً؛ بأَنَّ التَّصدي للارهاب، مُهمَّةٌ
وطنيَّةٌ صِرفَةٌ، وإِنّها ليستْ مناورةً سياسيّةً. وإِنْ كانَ هدفُ
السّياسيّ الوَطنيّ بالأَساسِ، تحقيقَ الوحدَةِ الوَطنيَّةِ، والأَمنِ
الاجتمَاعي، وتأْمينِ الخَدماتِ والرَّفاهِ للمجتمعِ...الخ، مِن
المُنجزاتِ العمليّةِ على أَرضِ الواقع. لكنْ لنُغادِرَ هذه النُّقطَةَ،
لوجودِ قناعاتٍ راسِخَةٍ مَدعومَةٍ بالحَقائقِ، أَنَّ بعضَ السياسيينَ
العراقيينَ، هُمْ أَصلاً مشاريعٌ لدُولٍ إقليميَّةٍ، زُرِعتْ داخلَ
الكيانِ السّياسيّ العراقيّ، لغاياتٍ إِقليميةٍ ليْستْ غائبةً عنّا
جميعاً.
انعقدَ هذا المُؤتمرُ، وحقَّقَ حضوراً قويّاً، على المستويينِ
العَالميّ والإقليمي. بعدَ مقاطعةٍ تامَّةٍ لهذا المؤتمرِ، من قِبَلِ
السَعوديّةِ وقَطَر. الدَّولتانِ اللتَّانِ اتهَمهُما السيّدُ المالكي
علناً، بأَنَّهُما دولتانِ داعمتانِ للارهابِ في العراق. وبذلكَ وَضعتْ
هاتانِ الدَّولتانِ نفسيهِما، في دائرةِ الشُبهاتِ المُباشرةِ، أَمامَ
أَنظَارِ المُجتمعِ الدُّوليّ.
وتعبيراً عن الموقفِ السَعوديّ والقَطَريّ، المُجافي لانعقادِ هذا
المؤتمرِ في بغداد. تَحرَّكَتْ الخارجيَّةُ الإماراتيَّةُ (وعلى ما
يبدو، بتوجيهٍ مِن السَعوديَّةِ)، حركةً غير متوقعَة، إِذْ سلّمتْ
الخارجيَّةُ الإماراتيَّةُ، احتجاجَها للسَّفيرِ العراقيّ في الاماراتِ،
على اتّهامِ السيّدِ المالكي للسَعوديَّةِ بدَعمها للارهاب. علماً أَنَّ
الامارات العربيّة، شاركتْ في مُؤتمرِ بغدادَ، بمستوى وكيلِ وزارةِ
الخارجيَّة.
وقدّْ ذكرتْ المصادِرُ الإعلاميَّةُ المسؤولةُ، عن تغطيَةِ هذا
المُؤتمر، أَنَّ أكثرَ من خمسينَ دَولَةٍ، والعديدِ من المُنظماتِ
الدّوليّةِ، ومؤسّساتٍ بحثيَّةٍ، قدّْ دُعيت لحضورِ هذا المُؤتمر.
لوضعِ رُؤيةٍ شاملَةٍ لمُحاصرَةِ الإرهابِ، ومنعِ انتشارِهِ في العراقِ
والمِنطقَةِ والعَالم.
إِنَّ هذا الطّرحَ الشُموليّ، لمكافحَةِ الإرهابِ عالمياً، يُعدُّ
سابقةً تاريخيَّةً قدَّمها العراقُ، في مجالِ مكافحَةِ آفةِ الإرهابِ،
الّتي عانى مِنها الشَّعبُ العراقيّ كثيراً، وعلى مدَى أَكثرِ من عشرِ
سنوات. إِنَّ هذا المُؤتمرَ هو بمثابةِ خطوةٍ أُولى، في مجالِ
التَّخطيطِ الاستراتيجيّ لمواجهَةِ هدفٍ مُحدَّدٍ، هو مكافحة الإرهابِ
تحديداً.
إِنَّ حجمَ المُؤتمرِ الكبيرِ، المتمَثِّل بالحُضورِ الدُّوليّ
والإقليميّ والمُنظَماتيّ، كانَ ينبغي أَنْ يكونَ فرصَةٌ مؤاتيَةٌ،
ليُقدَّمَ العراقُ نفسَهُ للعالَمِ وللدُّولِ المشاركةِ، في المُؤتمرِ
(على أَقلِّ تقديرٍ)، بأَنَّهُ كيانٌ يَمتلِكُ رُؤيَةً سياسيَّةً
وطنيَّةً مُوحَّدَةً، تَعملُ باصرارٍ لدَرءِ الاخطارِ عَن الشَّعبِ
العراقيّ. لكنْ ما حصَلَ، أَنْ غابَ عَن حضورِ المُؤتمرِ، السيّدُ
رئيسُ مجلسِ النُّوابِ العراقيّ، الّذي يَمنحُهُ مَنصِبَهُ الرَّسمي،
عنوانَ المُمَثّل لكلِّ العراقيين.
كما لمْ يَشهدْ المُؤتمرُ حضورَ الشَّريكِ الاتحاديّ الأَوحَدِ في
الوطن، وفي العمليَّةِ السّياسيةِ أيضاً، المُتَمثّلِ في الجَّبهةِ
الكرديَّةِ، بمختلفِ مُكوناتِها. فلمْ يَحضرْ المُؤتمرُ رئيسَ إِقليمِ
كُردستانَ، ولا رئيسَ حكومتِهِ او بَرلمانِهِ. وربما اكتفى السيّدُ
رئيسُ الإقليمِ، بمشاركةِ السيّدِ وزيرِ الخارجيَّةِ، هوشيَار زيبَاري،
وإِنْ كانَ حضورُ السيّد زيباري، لا يُغني عن حضورِ ممثلينَ، عن
حكومَةِ الإقليمِ أو مؤسّساتِها الرَّئيسةِ، لأَنَّ السيّدَ زيبَاري
حضرَ ليَقومَ بواجبِهِ، كوزيرٍ للخارجيَّةِ في الحكومَةِ المركزيَّةِ،
وعبرَ هذه الوزارةِ، تَمَّ الاتّصالُ بالجهاتِ المَدعوَّةِ للمُؤتمر.
إِنَّ كُلَّ الجهودِ الخَيّرةِ المبذولَةِ لمُكافحةِ الإرهابِ، على
المستوى الدُّوليّ، لا تكونُ متكاملةً مالمْ يَنسجم التَّنسيّقُ
الدّاخلي، مع التَّنسيقِ الخارجيّ. هذا الشَّرخُ في الجسْمِ السّياسيّ
الدّاخليّ للعراقِ، سيَبقى مَصدراً يُضعِفُ، أو يُعرقِلُ كُلَّ
الجُهودِ الاستراتيجيَّةِ الكبيرةِ المبذولةِ، في مجالِ مكافحةِ
الإرهابِ.
(وربَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ)، فقدّْ كشفَتْ صورَةُ التأَزُمِ
السّياسيّ الدّاخليّ، للقَاصِي والدَّاني، بأَنَّ هناكَ تَقاطعاتٍ على
مُستوى، تَدميرِ أَيَّةِ مُحاولَةٍ لانهاءِ مِلَفِّ الإرهابِ،
والانتقالِ بالعراقِ، الى مُستوى أَعلى في مكافحَةِ الفَسادِ. ومن ثمَّ
الانتقالُ بمستوى راقي، مِن العَملِ الدِّيمقراطيّ لبناءِ العراقِ، على
أُسُسٍ وطنيَّةٍ سليمَةٍ، يشاركُ بها الجميعُ للنهوضِ بالواقعِ
العراقيّ، الّذي عانى وسيُعاني الكثيرَ مِن الإخفاقاتِ والوَهَنِ، وعلى
مستوى الكثيرِ مِن الأَصعدَةِ، الّتي تَهمُّ حياةَ الانسانِ العراقيّ،
بكل تَشعباتِها وتَفاصيلِها، مالمْ يتمُّ تحديدُ وحدَةَ الرُّؤيَةِ،
للمشروعِ الوطنيّ العراقي.
ومِن خِلالِ قراءَةِ أَحداثِ، جلستي المُؤتمرِ على مدَى اليَومينِ
الماضيَيَنِ، فقَدّ نجَحَ مُؤتَمرُ بغدادَ الدُّوليّ الأَولِ لمكافحَةِ
الإرهابِ، بتحقيقِ النَّتائجِ التَّالية:-
1. رسمُ معالمُ خطّةٍ عالميَّةِ جديدةٍ، لمكافحةِ الإرهاب، تَبدأُ
بها مُنظمَةُ الأممِ المُتَّحدَةِ. لأَنَّ مِن أَولوياتِ مسؤوليَتِها،
تحقيقَ الأَمنِ والسلمِ العالميين. وإِدارةُ أَزمةُ الإرهابِ
العالميَّةِ، لابدَّ أَنْ تأْخُذَ دَورَها القَانونيّ، ووضعِها
الدُّوليّ لتضعَ صيغٍ قانونيّةِ، من خلالِ تشريعاتٍ دوليَّةٍ صارمَةٍ،
تَفرضُ عقوباتٍ دوليَّةٍ على كلِّ دولَةٍ تَدعمُ الإرهاب.
2. اشتراكُ ممثلينَ عَن الدُّوَلِ الكُبرى في المُؤتمرِ، معَ رئيسِ
جهازِ الشُرطَةِ الجنائيَّةِ الدُّوليَّةِ (الانتربول)، أَعطى زخماً
قَوياً ليكونَ هذا المُؤتمرُ، حُجَّةً على الجميع، ولو على المُستَوى
البْروتُوكُوليّ، كمرحلةٍ أَولى للانتقالِ فيما بعد، الى مستوى
الالزامِ القَانونيّ، لجميعِ الدُّوَلِ المُشاركةِ بهذا المُؤتمرِ،
بشرطِ أَنْ تَتُمَّ مُتابعةُ مُعطيات هذا المُؤتمرِ، دولياً، وبشكلٍ
مُستمرٍّ حتّى تُجنى ثِمارُ هذا الجُهدِ الكَبير.
3. أصبحتْ بغدادُ تحتضنُ، الأمانَةَ العَامَّةَ لمكافَحةِ الإرهابِ،
وهذهِ المَسؤوليَّةُ غايَةٌ في الأهمّيةِ، لأَنَّ العراقَ سيَصبحُ
المُحركَ الرَّئيس، لهذا المِلَفِّ الدُّوَليّ، وسيَضعُ المعطياتِ
الدّوليَّةِ، أَمامَ أَنظارهِ بشَكلٍ مُباشرٍ، لغرضِ مُتابعةِ هذا
المِلَفِّ بصورةٍ مباشرةٍ.
4. نُقطَةٌ مُهمَّةٌ تحققتْ في هذا المؤتمرِ، تَضمَّنَتْ:
أ. إمكانيَّةُ تَبادُل الخِبراتِ الفَنيَّةِ، في مجالِ مراقَبَةِ
تَحركاتِ الإرهابِ دولياً، لغرضِ تحديدِ ومُحاصرَةِ تَحرُكاتِهِ على
المُستوى الدُّوليّ.
ب. تبادُلُ المعلوماتِ عَن الإرهابِ، وتَفعيلِ العَملِ
الاستِخبَاريّ الدُّوَليّ المشترك، للقضاءِ على الإرهابِ، في أَيّ مكانٍ
مِن أَمكنَةِ الدُّوَلِ المُشاركَةِ في المُؤتمر.
ج. مُراقبَةُ عمليّاتِ غسيْلِ الأَموالِ دولياً، والّتي عَن
طَريقِها يَتِمُّ تَمويلُ الإرهابِ في العالم.
د. مراقبةُ تسليحِ الإرهابِ، والجِهاتِ الّتي تقومُ بتزويدِهِ
بالمعلومَاتِ الاستِخبَاريَّة.
ه. مراقبةُ مُختلفِ وسائلِ الاعلامِ الدَّاعِمَةِ للارهاب،
وتَقويضُ التَّوجُهاتِ الفِكريَّةِ والتَّربويَّةِ والثَّقافيَّةِ
الدَّاعمَةِ للارهاب.
و. الإقرارُ على تسليمِ المطلوبينَ للقانونِ، بيّن الدُّوَلِ
الموقعةِ، على وثيقَةِ المُؤتمر.
ز. التَّعاوِنُ فيما بيّن دُّوَلِ المؤتمرِ، في مجالِ إِلقاءِ
القَبْضِّ، على الإرهابيينَ المطلوبينَ، لدَوْلَةٍ مِن دُوَلِ هذا
المُؤتمر، والموجُودينَ على أَراضي دَولَةٍ أخرى مِن الدُّوَلِ
المُوقِعَةِ على وثِيقَةِ المُؤتمر.
ح. رفعُ وثيقة البَيانِ الخِتَاميّ، لمقرَراتِ المُؤتمرِ، الى
الأَمانَةِ العّامَّةِ لمُنظمةِ الأممِ المُتَّحدَةِ، لاعتمادِها
كوثِيقَةٍ دُوليَّةٍ، تكونُ مُقدِمَةً لسَنِّ اوتفعيلِ، قوانينَ
دوليّةٍ مُلزمَةِ التَّنفيّذِ، مِن قِبَلِ المُجتمعِ الدُّوَلي.
إِذا تظافرتْ تلكَ الجُهودُ الدُّوليَّةِ، بهذهِ الصورَةِ الّتي
قَدَّمها المُؤتمرُ، ووِجِدَتْ الإرادَةُ السّياسِيَّةُ القَويَّةُ،
لتَنفيْذِ مُقرراتِ هذا المُؤتمر، فإِنَّ تَغيُّراتٍ كبيرةٌ ستحدثُ في
المنطقة. وسيتِمُّ محاصَرةُ الدُّوَلِ الداعِمَةِ للارهاب، وسَيُمهِدُ
ذلك الى حدوثِ، اهتزازاتٍ سِياسِّيةٍ قَويَّةٍ في الدُّوَلِ
الدَّاعِمَةِ للارهاب. قَدّْ تكونُ سبَباً في تَغيّيرِ الخَارطَةِ
السِياسيَّةِ للمنطِقَةِ، وحيّنها وربّما، ستُرتَّبُ أَوضاعُ المنطقةِ،
بِشكلٍ أَفضَلَ منَ الآن.
* كاتِبٌ وبَاحِثٌ عِرَاقي
Mjsunbah1@gmail.com |