السعودية وكوابيس نار الإرهاب التي أوقدتها

 

شبكة النبأ: اتخذت السعودية مؤخراً حزمة من القرارات ذات الطابع السياسي، في محاولة منها لمنع وصول الإرهاب والتطرف الى داخل أراضي المملكة، بعد التحذيرات التي صدرت من عدة دول ومؤسسات وخبراء، والتي رشحت السعودية كواحدة من الدول التي قد تتعرض في أي وقت لهجمات إرهابية عنيفة تشمل المملكة ومصالحها.

كما حذر الخبراء، ايضاً، ان استمرار السعودية على نهجها الحالي في دعم العديد من الفصائل الجهادية ذات الفكر المتطرف والنهج التكفيري في سوريا ولبنان والعراق، أضاف الى الترويج للجهاد والقتال في سوريا عبر مؤسسات خيرية ودينية تنتشر في العديد من الدول العربية والاوربية، سيؤدي في نهاية المطاف الى تدمير منطقة الشرق الأوسط التي لم تعد تحتمل المزيد من التطرف الفكري والطائفي.

من هذا السياق باشرت المنظومة القضائية والأمنية في السعودية بجملة من الخطوات الاستباقية استعداداً للأسواء، سيما وان أزمتها مع قطر، التي تدعم هي الأخرى العديد من الفصائل الجهادية المقاتلة في سوريا وغيرها من البلدان، كما يشير المحللون، قد يفتح جبهات عديدة لتصفية الحسابات بين الدولتين الخليجيتين عن طريق تلك الحركات.

ويبدو ان الخطوات الأولى لا تخلو من تصفية بعض الحسابات الداخلية، فقانون الإرهاب الجديد، يحتوي على العديد من الفقرات التي تمكن الأجهزة الأمنية والقضائية اعتبار أي جهة او منظمة إرهابية حتى لو كانت أهدافها المطالبة بالحريات او الحقوق، فيما جاء ادرجت بعض المنظمات والحركات تحت بند الإرهاب، من باب المجاملات السياسية، كما أشار بعض الخبراء والمتابعون.

السعودية والارهاب

فقد أعلنت السعودية الإخوان المسلمين جماعة إرهابية في خطوة يمكن ان تزيد الضغط على قطر التي سبب دعمها للجماعة خلافا مع دول أخرى في مجلس التعاون الخليجي، وقالت وزارة الداخلية السعودية في بيان نشر في وسائل الإعلام الرسمية إن المملكة أعلنت أيضا جماعتي جبهة النصرة والدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) اللتين تقاتلان في سوريا للإطاحة بالرئيس بشار الأسد جماعتين إرهابيتين.

ومن بين المنظمات التي أعلنتها السعودية إرهابية حزب الله في السعودية وجماعة الحوثي وكذلك كل جماعة أطلقت على نفسها مسمى تنظيم القاعدة، وأضاف البيان بحسب القناة "من يخالف ذلك بأي شكل من الأشكال منذ هذا التاريخ سيتم محاسبته على كافة تجاوزاته السابقة واللاحقة لهذا البيان"، وتابع "كل من شارك في أعمال قتالية خارج المملكة بأي صورة كانت (يمنح) مهلة إضافية مدتها 15 يوما اعتبارا من صدور هذا البيان لمراجعة النفس والعودة عاجلا إلى وطنهم."

وتأتي الخطوة التي اتخذت مؤخراً على ما يبدو تنفيذا لمرسوم ملكي صدر الشهر الماضي قالت فيه الرياض إن أي مواطن سعودي تثبت مشاركته في صراعات في الخارج سيعاقب بالسجن لمدة تتراوح بين ثلاثة أعوام و20 عاما، وتسعى السلطات في المملكة إلى إثناء السعوديين عن الانضمام لمقاتلي المعارضة السورية للحيلولة دون تحولهم إلى مصدر تهديد أمني لدى عودتهم إلى البلاد كما حدث بعد حربي أفغانستان والعراق.

وكان أئمة سعوديون قد نددوا في السابق بذهاب مقاتلين سعوديين الى سوريا لكن برغم ذلك تقول وزارة الداخلية السعودية ان نحو 1200 مواطن ذهبوا الى هناك، وتخشى الرياض أن تكون جماعة الاخوان تحاول بناء قاعدة دعم داخل المملكة منذ موجة الانتفاضات التي اجتاحت عددا من الدول العربية، وقالت جماعة الإخوان المسلمين في بيان تلقت رويترز نسخة منه إنها فوجئت بالإجراء السعودي.

وأضافت إنها "ليؤلمها أن يصدر هذا التصرف عن المملكة التي هي أول من خبر الجماعة ومواقفها الناصعة في الحفاظ على مصالح الشعوب ووحدة الدول والمساهمة الفعالة في بناء المجتمعات والأوطان ونشر الفكر الإسلامي الصحيح"، وفي خطوة لم يسبق لها مثيل أعلنت السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين سحب سفرائها من الدوحة وقالت إن قطر لم تلتزم باتفاق دول مجلس التعاون الخليجي القاضي بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى.

وتشعر السعودية والامارات بالغضب لدعم قطر جماعات إسلامية في مصر وسوريا ودول أخرى، وهناك استياء أيضا تجاه الدوحة لاستضافتها الشيخ يوسف القرضاوي الذي يوجه انتقادات للسعودية، وتذيع قناة الجزيرة التي تملكها قطر خطبا وتصريحات للقرضاوي بشكل منتظم، ويحظر بيان وزارة الداخلية السعودية "حضور مؤتمرات أو ندوات أو تجمعات في الداخل أو الخارج تستهدف الأمن والاستقرار وإثارة الفتنه في المجتمع.

ويحظر أيضا "التعرض بالإساءة للدول الأخرى وقادتها، التحريض او استعداء دول أو هيئات أو منظمات دولية ضد المملكة"، وفازت جماعة الإخوان في مصر بكل الانتخابات التي جرت بعد الإطاحة بالرئيس الأسبق حسني مبارك عام 2011 لكنها اضطرت للعودة الى العمل السري منذ عزل الجيش الرئيس السابق محمد مرسي المنتمي للجماعة بعد احتجاجات حاشدة على حكمه، وأعلنت الحكومة المصرية الإخوان جماعة إرهابية في ديسمبر كانون الأول بعد أن اتهمها بشن هجوم انتحاري استهدف مديرية أمن الدقهلية بدلتا النيل أسفر عن سقوط 16 قتيلا، ونددت جماعة الاخوان بالهجوم ونفت مرارا اللجوء للعنف. بحسب رويترز.

وفي القاهرة قال المتحدث باسم وزارة الخارجية بدر عبد العاطي إن بلاده ترحب بالخطوة السعودية باعتبار الإخوان المسلمين جماعة إرهابية، وقال "نشيد به (البيان السعودي)، نرحب به، إنه في الاتجاه الصحيح"، وتقول السلطات السعودية إن حزب الله الذي ينشط في المنطقة الشرقية تربطه صلات بإيران وجماعة حزب الله اللبنانية.

فيما ذكرت وكالة الأنباء السعودية أن محكمة بالمملكة حكمت بإعدام ثلاثة رجال وسجن اثنين آخرين لمدة تصل إلى 17 عاما لضلوعهم في سلسلة هجمات كان من بينها تفجير مجمع سكني يقيم به أجانب عام 2003، وقالت الوكالة إن متهما وصفته المحكمة "بالمدعى عليه الأول" أدين بالضلوع في تفجير مجمع المحيا السكني الذي كان يعيش به أجانب في العاصمة الرياض، وكان التفجير من بين سلسلة هجمات شنها تنظيم القاعدة في المملكة.

وواجهت السعودية موجة من أعمال العنف نفذها متشددون بين عامي 2003 و2006 حيث استهدفت القاعدة مجمعات سكنية للعاملين الأجانب ومنشآت حكومية سعودية مما أسفر عن مقتل العشرات، وردت السعودية باعتقال آلاف المشتبه بأنهم متشددون وأطلقت حملة إعلامية لمحاربة هذا الفكر بدعم رجال دين وزعماء قبائل يتمتعون بالنفوذ.

وفي هجوم عام 2003 فجر انتحاريون يشتبه بأنهم من القاعدة وكانوا يرتدون زي الشرطة السعودية سيارتهم الملغومة في مجمع بالرياض معظم سكانه من المغتربين العرب فقتلوا 11 شخصا وأصابوا 122 بينهم 36 طفلا، وذكرت الوكالة السعودية أن الاتهامات في القضية تشمل أيضا الانتماء إلى خلية لها صلات بالقاعدة وإطلاق النار على رجال الشرطة ووضع مواد ناسفة في سيارات لاستخدامها في هجمات "إرهابية" وحيازة أسلحة من بينها قذائف صاروخية وصواريخ سام 7، وعلى الرغم من الادانة اللذين صدر حكمان بسجنهما فإنه سيتم الإفراج عن أحدهما بعد أن قضى فترة في السجن على ذمة القضية وذلك لأسباب صحية.

الإصلاحات الخجولة

من جانب اخر قالت المملكة العربية السعودية إنها ستنشئ مراكز لتدريب القضاة -رغم معارضة المحافظين الدينيين- في خطوة قد تعجل بإجراء إصلاحات قضائية في المملكة، ويرى محللون أن إدخال تغييرات على النظام القضائي السعودي أمر جوهري من أجل تنفيذ إصلاحات اجتماعية واقتصادية أوسع نطاقا بهدف التوفيق بين التقاليد المحافظة للمملكة ومطالب الشبان والاقتصاد الحديث.

لكن بعض علماء الدين في المملكة يعارضون اجراء أي تغيير في السلطة القضائية المستمدة من الشريعة الإسلامية، ونقلت وكالة الأنباء السعودية عن بيان للحكومة قوله إن مراكز التدريب التي ستديرها وزارة العدل ستركز على "رفع كفاية وتأهيل" القضاة والمسؤولين الاخرين، ويشرف القضاة السعوديون وهم من علماء الدين على كل الأمور من القضايا الاقتصادية والجنائية وحتى السياسية استنادا الى الفقه الإسلامي، ويتعلم القضاة الذين درسوا في معاهد دينية تديرها الدولة كيفية تفسير النصوص القضائية التي تعود لقرون مضت وتطبيقها في المحاكم على النحو الذي يرونه مناسبا.

وغالبا ما تنتقد جماعات حقوق الانسان هذا النظام القانوني وتقول إنه يتيح للقضاة تطبيق القواعد بشكل غير متسق ودون الاجراءات القانونية الواجبة كما تنتقده المؤسسات التجارية قائلة انه يضعف من اجواء الاستثمار في المملكة، وقال المحامي البارز ماجد قاروب إن كل القضاة ومساعدي القضاة وعلماء الدين وأمناء المحاكم في حاجة إلى تدريب مكثف مع تحديث مهاراتهم.

وحاول بعض المحافظين دينيا في أجهزة القضاء ووزارة العدل إعاقة التدريب واصلاحات اخرى تشمل إنشاء محاكم متخصصة للأفرع القانونية المختلفة وان تمارس النساء مهنة المحاماة، وعارضوا أيضا الحكم الذي أصدره المجلس الأعلى للقضاء هذا الشهر بإلزام المحاكم باعتماد الهوية الوطنية للمرأة للتعريف بها وعدم مطالبتها بإحضار ذكر من أقاربها يثبت شخصيتها كما كان معمولا به سابقا.

وفي وقت سابق هذا العام ذكرت صحيفة الجزيرة المحلية ان 200 قاض كتبوا رسالة للعاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز ينتقدون فيها الإصلاحات، وفي نوفمبر تشرين الثاني 2012 انتقدت مجموعة اخرى من القضاة الاصلاحات في رسالة مفتوحة للملك واعتبروها مستسقاة من أفكار غربية، وعين وزير العدل محمد العيسى في عام 2009 للإسراع بالإصلاحات، واختير ايضا رئيسا للمجلس الأعلى للقضاء في عام 2012 وهو الهيئة التي تشرف على اداء القضاة والتعيينات القضائية الجديدة.

وعين العاهل السعودي 183 قاضيا جديدا العام الماضي ووافق على ايجاد خمسة آلاف منصب جديد للقضاة للمساعدة في تسريع عمل النظام القانوني الذي اشتهر بالبطء، وينظر إلى التغيير على انه مهم للمستثمرين الذين يعتمدون بشكل كبير الان على مجالس التحكيم المماثلة لتلك المستخدمة في النزاعات التجارية في بعض الدول الغربية.

وقال فواز العلمي وهو نائب سابق لوزير التجارة والصناعة ساعد في مفاوضات انضمام المملكة لمنظمة التجارة العالمية إن اطار العمل القانوني احدى القضايا الأساسية للاستثمارات الدولية لكنه يتسم بقدر من الغموض حاليا فالناس لا تعرف على وجه التحديد ما الذي يحدث، وأضاف ان النظام القانوني في حاجة إلى المزيد من الشفافية والقدرة على الاستنباط والاجراءات القانونية الواجبة لجذب الاستثمارات الاجنبية.

وأجرت السعودية إصلاحات اقتصادية بهدف تنويع اقتصادها وتقليل الاعتماد على صادرات الطاقة من خلال تشجيع القطاع الاقتصادي، وقال جوزيف كشيشيان الباحث الكبير بمركز الملك فيصل للأبحاث والدراسات الاسلامية في الرياض "(الاصلاحات) حزمة كاملة، لا يمكن تطبيق اصلاحات في المجالين الاقتصادي والاجتماعي وتجاهل القضائي.

الازمة السورية

الى ذلك اتهمت السعودية روسيا "بإبقاء الازمة السورية مشتعلة للعام الثالث على التوالي"، وذلك بعدما حذرت موسكو الرياض السعودية من امداد المعارضين السوريين بصواريخ مضادة للطائرات تحمل على الكتف، وقال ناطق باسم وزارة الخارجية السعودية في تصريحات بثتها وكالة الانباء السعودية الرسمية ان "ما يثير الاستغراب والدهشة هو استمرار مناصرة روسيا للنظام السوري المجرم بل والتصدي لكل الحلول السياسية التي سعى إلى الاضطلاع بها مجلس الأمن" الدولي.

واشار الناطق الى "استمرار هذا الدعم حتى في ظل محاولات النظام إفشال الحل السياسي (لمؤتمر جنيف) وتحريفه عن مساره وأهدافه الرامية إلى تشكيل هيئة انتقالية للحكم تنهي الأزمة السورية"، وتابع ان "هذا الدعم المستمر كان ولا يزال احد الاسباب الرئيسية لتشجيع نظام دمشق في التمادي في غيه وطغيانه وابقاء الازمة السورية مشتعلة للعام الثالث على التوالي دون بارقة امل لحلها، او انهاء احد اكبر الأزمات والمعاناة الإنسانية في تاريخنا المعاصر".

ولم يأت الناطق على ذكر مسألة تسليم اسلحة باكستانية الى المعارضين السوريين لكنه عبر عن "استغرابه لوم المملكة على وقوفها إلى جانب الشعب السوري ضد العدوان البشع الذي يتعرض له على يد النظام السوري الجائر"، وحذرت روسيا السعودية من امداد المعارضين السوريين بصواريخ مضادة للطائرات تحمل على الكتف، وقالت ان مثل هذه الخطوة ستعرض الامن في ارجاء منطقة الشرق الاوسط وغيرها من المناطق للخطر.

وقالت وزارة الخارجية الروسية في بيان انها تشعر ب"قلق بالغ" من الانباء بان السعودية تعتزم شراء صواريخ ارض جو تحمل على الكتف وانظمة صواريخ مضادة للدبابات مصنوعة في باكستان لتسليح معارضين سوريين متمركزين في الأردن، وكانت مصادر قريبة من الملف ذكرت ان السعودية تجري محادثات مع باكستان لتزويد مقاتلي المعارضة بأسلحة مضادة للطائرات والدروع بما يسمح بقلب التوازنات على ارض المعركة، بحسب ما افادت مصادر قريبة من هذا الملف. بحسب رويترز.

وقالت المصادر ان السعودية ستحصل على هذه الاسلحة من باكستان التي تصنع نموذجها الخاص من الصواريخ المضادة للطيران المحمولة على الكتف (مانباد) والمعرفة باسم "انزا"، اضافة الى الصواريخ المضادة للدروع، وذكرت هذه المصادر ان رئيس الاركان الباكستاني الجنرال راحيل شريف زار مطلع شباط/فبراير السعودية حيث التقى ولي العهد الامير سلمان بن عبد العزيز، ونفى وزير الخارجية الباكستاني سرتاج عزيز معلومات مفادها ان اسلام اباد قد تزود المعارضة السورية بالأسلحة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 13/آذار/2014 - 10/جمادي الأولى/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م