خطوات قبل صناديق الاقتراع

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

محمد علي جواد تقي

 

شبكة النبأ: ان يتوجه الناس الى صناديق الاقتراع لانتخاب نائب لهم في مجلس المحافظة بهدف تشكيل مجلس محافظة وحكومة محلية، او نائب لهم في مجلس النواب للحكومة الاتحادية، يُعد تأكيد من الجماهير على وجود صلة وعلاقة مزدوجة وتكاملية بينها وبين المسؤول الذي سيجني الاصوات من الصندوق ويتوجه بها الى حيث مسؤوليته في الدولة.

هذه العملية، يؤكد عليها الاسلام وينظم لها مبادئ وضوابط في مقدمتها "الشورى"، وتحمل المسؤولية من الناخب أولاً، ثم من المرشح والمنتَخَب. ولعل الحديث النبوي الشهير يكون شعاراً لمن يروم ممارسة العملية الديمقراطية بشكلها الصحيح: "كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته". وهذه المسؤولية لن تجد مصاديقها على الأرض مالم تتوفر شروطها الانسانية متمثلة بصفات اخلاقية وفضائل، في مقدمتها الصدق والأمانة والوفاء بالوعد وغيرها.. وبكلمة؛ فان هذه العلاقة في نظرة الاسلام، تكون ذات قدسية خاصة. وبعد قرون طويلة من الزمن جاء مفكرو الغرب ليضعوا لانفسهم أطر ومبادئ اخرى تفيدهم في تنظيم العلاقة بين الحاكم والمحكوم، فكانت نظرية "العقد الاجتماعي" للمفكر "جون لوك"، وهي تحمل فكرة اتفاق شريحة واسعة من المجتمع على نمط من الحكم ثم اختيار الشخص الذي يمارس هذا الحكم.

وفي ظل الاوضاع السياسية والاجتماعية المتدهورة في بلادنا، وفي مقدمتها العراق، حيث بدأ الناس، يشعرون بصعوبة بالغة في ممارسة الديمقراطية التي قرأوا عنها وسمعوا بها في العالم، رغم حاجتهم الملحّة لها، حيث أمضوا عقوداً طويلة من الزمن بين قبضة الديكتاتوريات العسكرية والفردية والحزبية، مما يحملهم اليوم للبحث عن المبادئ الصحيحة لهذه الديمقراطية، والمعايير التي على أساسها يضع صوته ورأيه في صندوق الاقتراع بحيث لا يشعر بالندم في المستقبل.

ويعد العراق الأول بين البلدان العربية، جرب الديمقراطية والانتخابات الحرّة منذ عام 2003، وهو الاول ايضاً في التعرّض لإخفاقات التجربة، لأسباب عديدة لسنا بصدد الخوض فيها، لان الدورة الثالثة للانتخابات البرلمانية على الابواب، وقد سبقت بعض الكتل السياسية غيرها في أمر الدعاية الانتخابية وطرح اسمائها وانجازاتها داعية الجماهير العراقية الى صناديق الاقتراع في نهاية شهر نيسان القادم. 

بيد أن هناك تململ واضح وواسع في الشارع العراقي من هذه التجربة (الديمقراطية)، لانها أثبتت انها حققت نجاحات كبيرة ومكاسب باهرة للمسؤول الذي فاز بأصوات الجماهير، وليست الجماهير نفسها..! مع ذلك فان هذا لايعني نهاية الطريق، فالشعب – أي شعب- يبقى مسؤولاً ومطالباً باختيار المسؤولين الذين يمثلونه في نظام الحكم، وهو ما يؤكده العلماء والفقهاء وفي مقدمتهم سماحة المرجع الديني الكبير آية الله العظمى السيد صادق الشيرازي – دام ظله- كما قدم من قبله سماحة الإمام الراحل السيد محمد الشيرازي – قدس سره- افكاراً مضيئة ومتكاملة من شأنها ان تجعل عملية الانتخاب خطوة لبناء النظام السياسي الناجح القائم على المشورة والقيم والمبادئ والعلاقة المسؤولة بين الحاكم والمحكوم. وعلى خطاه، يمضي سماحة المرجع الشيرازي في تسليط الضوء على الزوايا المظلمة في هذه التجربة حتى لايبقى عذراً او حجة لدى الناس وايضاً من يروم ترشيح نفسه لتحمل المسؤولية، فقد أكد اكثر من مرة على أهمية المشاركة الجادة في الانتخابات، وأن يختار الناخبون " اللوائح الإسلامية والوطنية الحقيقية..".

من هنا يحدد سماحته خطوات لابد منها لإنجاح العملية الديمقراطية برمتها في العراق، وليس فقط الانتخابات وحسب:

أولاً: التزكية

ويعبر عنها سماحته بـ" ثقة المؤمنين". وهي فقرة نجدها رائجة في بعض تعاملاتنا التي يدخل فيها عنصر المال او الوظيفة، فيتعين على المستفيد أن يأتي بتزكية أو "كفالة" من جهة معينة او شخص معين، يكون ذو مقبولية عامة، فاذا كان هذا الشرط ضروري وغير قابل للتأجيل، وهي قضية شخصية، فكيف الحال اذا كانت تتعلق بمصير شعب بكامله؟.

ثانياً: العقيدة والإيمان

وهي تمثل هوية الانسان وتحدد مساره في الحياة، فالذي يروم تمثيل شريحة واسعة من الناس من الطبيعي ان ينظر الى هويتهم وانتمائهم، ليكون النموذج الافضل والاكمل في العقيدة والايمان، وهذا هو الذي يضمن له عدم التضارب والتقاطع مع عقائد الناس وهويتهم الدينية، فاذا كان المرشح ثابت العقيدة، قوي الايمان، لايشوب تفكيره رؤى وتصورات خارج النصوص الدينية، او ذات مصادر اجنبية دخيلة، سيكون بإمكانه التعبير عن عقيدة الناس وايمانهم، واذا حصل العكس سيشعر الناس بالغربة اتجاه هذا المرشح او تلك الكتلة السياسية الرامية الى تسنّم مسؤولية ما في الدولة.

ثالثاً: الرقابة الجماهيرية

وهي تمثل بالحقيقة، إضاءة والتفاتة هامة من سماحته لإنجاح العملية الانتخابية، ففي الوقت الحاضر لدينا رقابة سياسية من لدن الكيانات المرشحة، كما لدينا رقابة قانونية مستندة الى الدستور وتنفذها الاجهزة الحكومية، بيد ان الجماهير المتوجهة الى صناديق الاقتراع المعنية بالدرجة الاولى بهذه الانتخابات ينبغي ان يكون لها وجود رقابي الى جانب الآخرين. وهذا ما يشير اليه سماحته بأن يكون هنالك "إشراف من ممثلين لكلّ قطاعات الشعب حتى لا يكون هناك أي نوع من التزوير وتكون حرّة بمعنى الكلمة، وتكون الفرصة متاحة لكلّ صاحب كفاءة من جميع شرائح الشعب في إمكان ترشيح نفسه ولا تعيقه عوائق مدبّرة خلف الكواليس أو مفروضة من قوى خارجية".

أما عن آلية الرقابة الجماهيرية، فهي يمكن ان تنظم ضمن قوانين خاصة بداية الأمر، ثم يتم تشكيل لجان وهيئات تضم وجهاء معروفين في المجتمع او من الطبقة المثقفة التي تحظى باحترام وثقة عامة الناس، ويكون لها حضور رقابي في جميع الدوائر الانتخابية، بحيث يعرف الناخب ان بالقرب منه من يتابع قضيته ويدافع عن حقه او يرفع بعض الاشكاليات الفنية او المنهجية او غيرها، كما تفعل الكيانات السياسية التي تحرص على الحضور في الدوائر الانتخابية لمراقبة عملية الاقتراع والفرز وغيرها لعدم حصول عمليات تزوير او أي نوع من الخلل المقصود وغير المقصود بما يؤثر على النتائج والارقام التي تكون دائماً مصيرية وحاسمة.

صحيح أن المهم والضروري الذهاب الى صناديق الاقتراع والمشاركة في انتخاب الممثل عن الشعب لتولي مسؤولياته الحكومية والرسمية، بيد أن الصحيح ايضاً ان يكون الطريق الى هذه الصناديق مضيئاً وواضح المعالم بما يحقق المصداقية للعملية الانتخابية وللتجربة الديمقراطية برمتها.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 13/آذار/2014 - 10/جمادي الأولى/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م