إسرائيل وإيران.. عداء دائم بين المماطلة السياسية والأجندات المفتوحة

 

شبكة النبأ: رسائل الاستفزاز والتهديد المتبادلة بين إسرائيل وإيران، لا تزال تشكل مصدر قلق للكثير من دول العالم التي تخشى من وقوع حرب خطيرة وشاملة قد تحرق الجميع بسبب حالة العداء الدائم والتشكيك المستمر بين الجانبين، مواجهة التهديدات ازدادت حدتها بشكل كبير في الفترة الأخيرة على خلفية البرنامج النووي الإيراني. الذي يشهد اليوم تقدم ملموس بسبب السياسة الجديدة للرئيس الإيراني حسن روحاني مع المجتمع الدولي والساعي إلى إيجاد حلول دبلوماسية للخروج من هذه الأزمة كما يقول بعض المراقبين. الذين أكدوا على ان تلك التطورات والتحركات المهمة كانت سببا مباشرا في إزعاج إسرائيل التي تسعى الى استخدام الخيار العسكري من اجل أضعاف قدرات إيران.

وبحسب بعض الخبراء، فان إسرائيل وبعد ان شعرت بان الأمور تتغير لصالح إيران بسبب سياستها الجديدة والمختلفة، فقد سعت الى تغير خططها السابقة واعتماد خطط جديدة لأجل تعميق حالة الخوف لدى المجتمع الدولي، فسيناريو سفينة السلاح "كلوس سي" ربما يكون مقدمة لإعادة أجواء التوتر والتشكيل السابقة، هذا بالإضافة إلى ان هذا الانتصار العسكري والاستخباري سيكون دعم مهم لإثبات صحة رسالته إسرائيل وإظهار خداع إيران الساعية الى دعم الجماعات المسلحة في فلسطين وغيرها من الدول الأخرى.

هذا ولم يستبعد بعض المحللين ان يكون هذا السيناريو ورقة ضغط جديدة على إيران في سبيل تغير موازين القوى وذلك من خلال إجبارها على الرضوخ لقرارات جديدة تدعوها الى التخلي عن بعض حلفائها الأقوياء الذين يشكلون خطرا مباشرا على امن وسياسة إسرائيل، وهو أمر مستحيل في مثل هكذا توترات وتحولات مهمة تشهدها المنطقة.

من جانب آخر شكك البعض بهذا السيناريو المفبرك واعتبروه مسرحية فاشلة لعدة أسباب منها: ان إيران لا يمكن ان تقوم بمثل هكذا مغامرة في هذا الوقت الحساس، وبمثل هكذا أسلوب مكشوف قد يدعم إسرائيل وغيرها، خصوصا وأنها تخوض أكثر من معركة وباتجاهات مختلفة، هذا بالإضافة مشاكلها وأزماتها الداخلية والخارجية الأخرى التي قد تكون سببا في إشغالها عن مثل هكذا أمور.

تنسيق أميركي إسرائيلي

قال الجيش الإسرائيلي إن البحرية الإسرائيلية احتجزت سفينة في البحر الأحمر تحمل عشرات الصواريخ المتطورة المصنوعة في سوريا كانت في طريقها من إيران إلى جماعات فلسطينية في قطاع غزة.

وقال المتحدث العسكري الإسرائيلي اللفتنانت كولونيل بيتر ليرنر إن القوات الإسرائيلية صعدت إلى سفينة الشحن (كلوس-سي) التي ترفع علم بنما أثناء إبحارها في المياه الدولية دون مقاومة من الطاقم المؤلف من 17 فردا "في عملية معقدة وسرية". وقال ليرنر إن القوات عثرت في السفينة على عشرات الصواريخ طراز إم302 التي يمكنها أن تصل إلى عمق اسرائيل إذا أطلقت من غزة مما يزيد من قوة النيران لحركة حماس التي تدير قطاع غزة وفصائل مسلحة أخرى. واضاف "الصاروخ إم302 في أكثر صوره تطورا يمكنه إصابة أهداف على بعد أكثر من مئة ميل وإذا كانت هذه الصواريخ قد وصلت غزة لكان ذلك يعني في نهاية المطاف وضع ملايين الاسرائيليين تحت التهديد."

ونفت حماس صحة البيان الاسرائيلي ووصفته بأنه مزحة سخيفة. وقال طاهر النونو مستشار رئيس وزراء حكومة حماس اسماعيل هنية ان هذه كذبة اسرائيلية جديدة تهدف إلى تبرير حصار غزة وإطالة أمده. ولم يرد تعقيب فوري من سوريا أو من إيران. وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية جين ساكي إن الولايات المتحدة ساعدت إسرائيل بتزويدها بالمعلومات عن السفينة. وأضافت "فور علم البيت الابيض بالتحرك الوشيك للسفينة المشتبه بها اصدر توجيهات لوزارة الدفاع بمراقبتها."

وأشارت ساكي الى أن خيارات الولايات المتحدة للتعامل مع السفينة كانت تتضمن التحرك من جانب واحد عند الضرورة لكن بعد تبادل معلومات المخابرات اختارت اسرائيل أن تقود العملية. وعرض التلفزيون الاسرائيلي لقطات تظهر قائد البحرية الإسرائيلية الأميرال رام روثبيرج وهو يفحص صاروخا على سطح السفينة وإلى جواره أكياس اسمنت كتب عليها بالانجليزية "صنع في إيران".

وقال ليرنر إن الصواريخ نقلت جوا من سوريا إلى إيران ومن هناك شحنت أولا الى العراق ثم باتجاه السودان. ولو كانت وصلت إلى الساحل الافريقي فربما كانت ستهرب برا عبر مصر إلى غزة. وقال المحلل العسكري نيك جينزن جونز مدير وحدة خدمات ابحاث التسليح ومقره استراليا إن معظم التقارير أشارت إلى أن الصواريخ المصنعة في سوريا يتراوح مداها بين 90 و 100 كيلومتر. وأضاف "العديد من التقديرات الاسرائيلية شككت في قدرات هذه الصواريخ ... لقد استخدم حزب الله (اللبناني) تلك الصواريخ ومن المعتقد أن حماس تحاول تخزين نظم صواريخ أبعد مدى."

وقال نتنياهو "في نفس الوقت الذي تتحدث فيه (ايران) إلى القوى العالمية وفي نفس الوقت الذي تبتسم فيه طهران وتقول كل أنواع الكلمات المعسولة فان هذه الدولة نفسها ترسل أسلحة فتاكة إلى منظمات ارهابية وتفعل ذلك في شبكة من العمليات السرية في أنحاء العالم." وقال وزير الخارجية الاسرائيلي أفيجدور ليبرمان إن اسرائيل حصلت على إذن من بنما للصعود إلى السفينة. وأضاف في مؤتمر في تل أبيب "طبقنا القانون الدولي حرفيا. كانت السفينة تبحر رافعة علم بنما والشركة مسجلة في جزر مارشال وكان القبطان من تركيا والطاقم من عدة دول." وقال نتنياهو إنه غير راض عن أن القوى العالمية التي تتفاوض على تقييد البرنامج النووي الايراني ستسمح لطهران بالاحتفاظ ببعض الجوانب التكنولوجية التي تتيح امكانية صنع قنابل. بحسب رويترز.

وقال ليرنر إن ايران هي التي نظمت عملية شحن الصواريخ التي قال ان الاعداد لها بدأ قبل أشهر. وذكر المتحدث العسكري الاسرائيلي أن أفراد الطاقم من جنسيات مختلفة ولم تظهر على الفور أدلة على أنهم كانوا على علم بطبيعة الشحنة التي تحملها السفينة. ووفقا لبيانات تتبع مسار السفينة كانت كلوس سي في ميناء بندر عباس في ايران وقبل ذلك في بورسعيد بمصر في يناير كانون الثاني.

المفاوضات النووية

الى جانب ذلك قال وزير الخارجية الامريكي جون كيري إن الولايات المتحدة عليها إلتزام بأن تواصل المفاوضات النووية مع ايران قبل ان تفكر في الذهاب الي الحرب ضد طهران لإرغامها على التخلي عن انشطتها النووية. واضاف كيري "نحن اتخذنا المبادرة ونقود المسعى في محاولة لأن نقرر قبل ان نذهب الي الحرب ما اذا كان يوجد فعلا حل سلمي".

وفي نوفمبر تشرين الثاني توصلت ايران الي اتفاق مبدئي تاريخي مع القوى العالمية الست بما فيها الولايات المتحدة لوقف انشطتها النووية الاكثر حساسية وفازت في المقابل ببعض التخفيف للعقوبات الاقتصادية الغربية المفروضة عليها. ومثل الرؤساء الامريكيين السابقين قال الرئيس باراك اوباما ان جميع الخيارات تبقى على الطاولة فيما يتعلق ببرنامج ايران النووي مستخدما لغة دبلوماسية تشير الي احتمال عمل عسكري.

وبينما دأب مسؤولون امريكيون على الابقاء على هذا التهديد فإن تعليقات كيري يبدو انها تشير الي ان إدارة اوباما ستدرس بجدية توجيه ضربة عسكرية لايران إذا فشلت المحادثات الدبلوماسية. وقال كيري الذي شارك في حرب فيتنام عندما كان ضابطا شابا بالبحرية الامريكية "تعلمت من تجربتي في فيتنام انه قبل ان ترسل الشبان الي الحرب فإن عليك ان تبحث عما إذا كان هناك بديل أفضل."

واضاف قائلا "هذا التزام علينا كقادة بأن نستنفد كافة الحلول المتاحة قبل ان نطلب من الناس ان يضحوا بأرواحهم وذلك هو ما نفعله مع ايران." وقال كيري ان ايران أوفت حتى الان بتعهداتها بمقتضى اتفاق الرابع والشعرين من نوفمبر تشرين الثاني بأن قامت بين اشياء اخرى بخفض مخزونها من اليورانيوم المخصب بنسبة 20 بالمئة وعدم تخصيب اليورانيوم فوق نسبة نقاء 5 بالمئة وعدم تركيب المزيد من اجهز الطرد المركزي. بحسب رويترز.

واضاف "في المجمل فانني اعتقد انهم فعلوا كل شيء طلب منهم ان يفعلوه فيما يتعلق بالتخفيضات." وقال كيري "لا يوجد تحد فيما يتعلق بأجهزة الطرد المركزي.. فهم لم يضعوا اي جهاز (اضافي) وهم خفضوا نسبة العشرين بالمئة... هم منهمكون في عمل كل الاشياء المطلوبة منهم."

من جهة اخرى اكد رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو ان ايران هي المستفيد الوحيد من المفاوضات مع الدول الكبرى حول برنامجها النووي. وقال نتانياهو في بيان اصدره مكتبه "حتى الان، الطرف الوحيد الذي استفاد من هذه المفاوضات هو ايران. في الواقع، لم يعط (الايرانيون) شيئا لكنهم حصلوا على الكثير".

واضاف رئيس الوزراء ان "ايران تواصل سلوكها العدائي عبر تسليح مجموعات ارهابية ودعم المجزرة التي يرتكبها نظام بشار الاسد في سوريا بحق شعبه والدعوة الى تدمير اسرائيل والقيام بانشطة تخريبية في كل انحاء العالم بما فيها اميركا الجنوبية". وهاجم نتانياهو مرارا الولايات المتحدة والمجتمع الدولي بعد قرار الرفع الجزئي للعقوبات المفروضة على طهران املا بالتوصل الى اتفاق نهائي معها.

تهديد للدول الأوروبية

من جانبها قالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إن ألمانيا لا تعتبر إيران تهديدا محتملا لإسرائيل وحسب وإنما للدول الأوروبية أيضا. ولكنها لم تصل إلى حد الموافقة على طلب نتينياهو بأن تتخلى إيران عن كل المشروعات النووية الحساسة بموجب أي إتفاق يتم التوصل اليه من خلال التفاوض مع القوى الكبرى وأكدت اعتراض برلين على المستوطنات الاسرائيلية في الاراضي المحتلة حيث يريد الفلسطينيون اقامة دولتهم.

وألمانيا أهم حليف لاسرائيل في أوروبا حيث تشعر حكومة نتنياهو بقلق من فقدها التأييد في ضوء محادثات السلام المضطربة مع الفلسطينيين. وقالت ميركل "لا ننظر للتهديد على أنه لدولة إسرائيل ولكن تهديدا عاما لأوروبا أيضا" مضيفة أن ألمانيا ستتابع المحادثات النووية مع إيران بشأن أنشطتها النووية.

وإعترف نتنياهو أن القوى الكبرى "تحدثت عن امكانية (استمرار) القيام ببعض التخصيب" في إيران في إطار اتفاق نهائي. وقال "أعتقد أنه خطأ. "كل الزعماء الذين تحدثت معهم في الشرق الاوسط وافقوا على هذا الموقف سواء قالوا ذلك علانية أم لا. لماذا؟ لانه إذا كانت إيران تريد فعلا الطاقة النووية المدنية فحسب فانها حينئذ لا تحتاج لاي تخصيب . وهي لا تحتاج لاجهزة طرد مركزي."

وسئلت عما اذا كانت توافق على ذلك فردت بشكل حذر . وقالت"من الواضح ان هناك اختلافا في الرأي هنا فيما يتعلق بهذه المفاوضات وماإذا كان يجب ان تحدث. انطلقنا في الطريق للتخصيب المنخفض ولكن التخصيب يحدث وأعتقد ان بامكاننا النجاح." بحسب رويترز.

وأضافت في إشارة على ما يبدو الى نظام متصور من التخصيب المنخفض وتعزيز عمليات التفتيش النووي. "بامكاننا توقع اقامة درع من نوع ما من أجل التأكد ألا تحقق إيران قدرة (عسكرية) نووية في المستقبل القريب. "السؤال هو ماإذا كنا سنستطيع تحقيق نتيجة افضل من الوضع الراهن. قررنا ان الاشتراك في المفاوضات افضل لاننا نرى ان هذا افضل من الوضع الراهن." وأبدى نتيناهو وميركل اعتراضهما على دعوات لمقاطعة المنتجات الاسرائيلية تضامنا مع الفلسطينيين وقالا إن مثل هذه الاجراءات تعرقل عملية إحلال السلام.

ايران ومحرقة اليهود

على صعيد متصل ذكرت وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية الإيرانية أن شخصيات إسلامية محافظة في البرلمان الإيراني استدعت وزير الخارجية محمد جواد ظريف بشأن تصريحات علنية تندد بجرائم النازي ضد اليهود. وأثار ظريف الذي يشغل أيضا منصب كبير المفاوضين النوويين الإيرانيين ضجة في أوساط المحافظين في إيران عندما وصف المحرقة "بالمأساة المروعة".

اعتبر وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف ان المحرقة النازية بحق اليهود كانت "مأساة وحشية مشؤومة ينبغي الا تتكرر ابدا". وقال ظريف لقناة التلفزيون الالمانية فينيكس بعد مشاركته في مؤتمر الامن في ميونيخ (جنوب) "ليس لدينا شيء ضد اليهود (ونكن) اكبر احترام لهم داخل ايران وفي الخارج. لا نشعر باننا مهددون من احد".

وبحسب مقتطفات من المقابلة بثتها قناة فينيكس، اكد ظريف ايضا ان "حقوق الشعب الفلسطيني منتهكة منذ ستين عاما" من جانب اسرائيل التي تستخدم "تكتيك التمويه". وتطرق الوزير الايراني الى موضوع المفاوضات الصعبة حول البرنامج النووي الايراني، موضحا ان طهران تريد "كسر الحلقة المفرغة واستخدام كل السبل لارساء الثقة". لكنه تدارك "لن نقبل بان يتحكم فينا" الاخرون.

ومن المقرر أن يمثل أمام جلسة مغلقة للبرلمان استجابة لعريضة وقعها 54 نائبا. وإنكار المحرقة مسألة متداولة في الكلمات العامة في إيران منذ الثورة الإسلامية عام 1979. وذهب الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد لأبعد من ذلك بوصف جرائم النازي ضد اليهود بأنها "خرافة". بحسب رويترز.

وأضرت آراء أحمدي نجاد بصورة إيران الدولية وساعدت في إعطاء دفعة للجهود الدولية الرامية للحد من برنامجها النووي الذي يشتبه الغرب أنه يستهدف الحصول على سلاح نووي لكن طهران تقول إنه سلمي تماما. ويحاول الرئيس الإصلاحي الجديد حسن روحاني إصلاح الصورة بتبني نبرة أكثر تصالحية وبالانخراط في مفاوضات مع القوى العالمية لتسوية الخلاف النووي. وفي انفصال حاد عن سلفه وصف روحاني نفسه المحرقة بأنها أمر مستهجن في مقابلة مع تلفزيون أمريكي.

من جانب اخر اعرب الرئيس الاسرائيلي شيمون بيريز عن استعداده للقاء الرئيس الايراني حسن روحاني بينما تعتبر الجمهورية الاسلامية العدو اللدود للدولة العبرية، بحسب بيان صادر عن مكتبه. ونقل البيان عن الرئيس الاسرائيلي الذي يشغل منصبا فخريا، رده على سؤال في منتدى اقتصادي عقد في تل ابيب حول امكانية لقاء الرئيس الايراني الذي اجاب عليه ب "لم لا؟ ليس لدي اعداء وهذا الامر ليس متعلقا بشخص بل بسياسة. الهدف هو تحويل الاعداء الى اصدقاء".

ونقلت وسائل الاعلام عن بيريز قوله ايضا "كان هناك وقت لم نلتق فيه على سبيل المثال بياسر عرفات (الزعيم التاريخي للفلسطينيين)" حتى قيام منظمة التحرير الفلسطينية بالاعتراف باسرائيل. واضاف البيان "يجب ان نركز كافة جهودنا لضمان الا تصبح ايران تهديدا نوويا على العالم".

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 12/آذار/2014 - 9/جمادي الأولى/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م