الذهب الأسود في العراق.. خلف قضبان الصراعات

 

شبكة النبأ: يشهد القطاع النفطي العراقي تطوراً ملحوظاً في زيادة عدد المشاريع النفطية المنفذة التي اسهمت بارتفاع صادرات النفط الى مستويات قياسية، بعدما اصبح ثاني اكبر دولة مصدرة للنفط، حيث تشير الكثير من التقارير وتوقعات المحللين الاقتصاديين الى ان العراق سيتصدر قوى النفط العظمى القادرة على التأثير على الاسواق العالمية، وهو ما اعتبره الكثير تقدم ومهم وإنجاز نوعي قد يزعج بعض الاطراف المنافسة من لدن الدول الاقليمية النفطية، التي تخشى من عودة العراق كقوة مؤثرة في المنطقة والعالم، الذي بات بمثابة الشريان الاقتصادي الاوحد للعراقيين، الا ان تصاعد الخلافات وتكرار التجاذبات السياسية والتوترات الامنية المتواصلة، فقد تسبب هذه الخلافات والاضطراب بشأن أزمة النفط الحالية، نذير خطر محتدم يشير بعواقب وخيمة على صعيد الاقتصاد العراقي، اذا ما تحسنت الأوضاع السياسية بين الخصوم، فمازالت الخلافات السياسية والوضع الأمني ومشكلة الحكومة مع إقليم كردستان بمثابة (قلم الازمات) يرسم علامات الاستفهام حول الطموحات النفطية للعراق، ففي ظل السباق والنزاع على نفط العراق المستمر، تتجدد بدورها مخاوف العراقيين على نفطهم من الضياع، فضلا وجود ثغرات في الدستور وغياب قانون النفط والغاز، لذا يرى بعض الخبراء في هذا الشأن يجب الجهات المسؤولة اتخاذ خطط بديلة في سبيل تعميق وادامة الخلافات والمشاكل السياسية والامنية, ومنها مشكلة الخلاف السياسي بين الحكومة المركزية وحكومة إقليم كردستان بخصوص الواردات والحصص النفطية في البلاد والتي ستكون بحسب البعض ورقة اساسية قد تستخدم الحد من طموحات العراق النفطية.

فيما يرى العديد من المختصين بأنه ينبغي على العراق بذل الجهد الاكبر في العقد الحالي من خلال الاستثمارات الاقتصادية العالمية في هذا المجال، لكي يواصل الذهب الاسود العراقي مسيرته نحو مستقبل اكثر ازدهارا.

وفي هذا الشأن فقد صرح حسين الشهرستاني نائب رئيس الوزراء العراقي لشؤون الطاقة بأن صادرات النفط العراقي سجلت أعلى مستوى على الإطلاق عند 2.8 مليون برميل يوميا خلال شهر فبراير شباط الماضي. ومن المرجح ان تقود الزيادة لاستعادة بعض الثقة في عودة انتاج النفط العراقي لمستوياته السابقة بعد أن عانى من عقوبات وحروب سنوات طويلة.

وتباطأت الجهود التي انطلقت في 2010 لهذا الغرض في العام الماضي بسبب مشاكل فنية وأمنية. ومن شأن زيادة كبيرة للانتاج ان تؤثر على الاسعار العالمية للنفط. وزادت الصادرات من 2.228 مليون برميل يوميا في يناير كانون الثاني بفضل استكمال أعمال التوسع في مرفأ البصرة الجنوبي الذي يصدر منه معظم الخام العراقي.

وقال الشهرستاني خلال افتتاح وحدات جديدة في مصفاة البصرة إن مشروعات التطوير والانتاج التي جرى تنفيذها مكنت بلاده من انتاج 3.5 مليون برميل يوميا وتصدير 2.8 مليون برميل يوميا ووصف الرقم الأخير بالمستوى التاريخي.

أسرع مصدّر للنفط

في السياق ذاته يستعيد العراق موقعه كأسرع مصدري النفط نموا في العالم وهو ما يعوض المستهلكين عن توقف بعض الإمدادات الليبية وقد يجدد الصراع على الحصص الانتاجية داخل أوبك في المستقبل. وبالرغم من تصاعد العنف بسبب تداعيات الحرب الدائرة في سوريا فمن المرجح أن يسجل العراق، ثاني أكبر منتج في أوبك إحدى أكبر القفزات السنوية في تاريخ إنتاجه النفطي إذ تعمل بي.بي وإكسون موبيل وشركات أخرى على تطوير حقوله الجنوبية التي لم تصل إليها الاضطرابات.

وبعد إزالة كثير من الاختناقات في قنوات التصدير في مرافئ البصرة الجنوبية، التي يصدر العراق منها الغالبية العظمى من إنتاجه، من المتوقع أن تواصل بغداد التصدير بالوتيرة التي سجلتها في فبراير شباط بزيادة 500 ألف برميل يوميا عن الشهر السابق او ربما تتجاوزها. وقال مسؤول كبير بشركة نفط كبرى تعمل في العراق "العراق يبذل قصارى جهده لتصدير أكبر كمية ممكنة والأمور تتحسن."

وبعد أن شهد العراق تباطؤا في العام الماضي يتوقع كثير من العاملين في القطاع النفطي تسجيل زيادة كبيرة في 2014 في البلد الذي يملك خامس أكبر احتياطيات نفطية في العالم. وقال مسؤول بشركة نفط غربية أخرى تعمل في العراق "نعتقد أن المتوسط هذا العام سيكون حوالي 2.9 مليون برميل يوميا لذلك قد نسجل في النصف الثاني من العام أكثر من ذلك المستوى بقليل."

وإذا استطاعت بغداد الحفاظ على الصادرات عند مستوى 2.8 مليون برميل يوميا فقد تتضخم إيراداتها إلى أكثر من 100 مليار دولار عند سعر للنفط قدره 100 دولار للبرميل. ومع متوسط للصادرات يقل قليلا عن 2.4 مليون برميل يوميا العام الماضي جنى العراق 89 مليار دولار. ولم يؤثر ارتفاع الصادرات العراقية على أسعار النفط حتى الآن بل انه يلقى ترحيبا من دول أخرى أعضاء في منظمة البلدان المصدرة للبترول (اوبك) لأنه يعوض عن إمدادات متوقفة من ليبيا وانخفاض في الصادرات الإيرانية بسبب العقوبات الغربية.

وقال مندوب دولة خليجية في أوبك "مادام سعر برنت 100-110 دولارات فلا مشكلة لدى أوبك وسترحب بالإمدادات الزائدة من العراق .. نفطهم مطلوب." واتفق معه مندوب آخر لكنه أشار إلى أن هذه النظرة قد تتغير إذا تعافى الإنتاج في دول أخرى. وقال "حين يستقر الوضع في ليبيا ويصل الإنتاج إلى 1.5 مليون برميل يوميا ويعود الخام الإيراني سيكون لذلك تأثير على الأسعار لكن ليس في الوقت الراهن."

وتعمل شركات نفط عالمية كبرى على تطوير الحقول الجنوبية العملاقة في العراق "وهي الرميلة الذي تشرف على تطويره بي.بي وغرب القرنة1 الذي تديره إكسون والزبير الذي تطوره إيني" منذ أن وقعت سلسلة عقود خدمات مع بغداد في 2010. وبفضل تلك المشروعات التي دخلت عامها الخامس وضع العراق مستوى مستهدفا للصادرات عند 3.4 مليون برميل يوميا لعام 2014 تشمل 400 ألف برميل يوميا من منطقة كردستان وهو ما يعني أن الإنتاج الإجمالي أربعة ملايين برميل يوميا شاملا النفط الذي يستهلك محليا.

ومازال خبراء النفط يعتبرون ذلك المستوى متفائلا. لكن العراق يعاود النمو بفضل زيادة طاقة التصدير في البصرة وارتفاع الإنتاج في حقل مجنون الذي تديره شل وحقل حلفايه الذي تديره بتروتشاينا في جنوب البلاد. وحين يبدأ تشغيل حقل غرب القرنة-2 الذي تديره شركة لوك أويل قريبا فمن المتوقع أن تواصل الإمدادات الارتفاع. ويعتبر الحقل ثاني أكبر مكمن غير مستغل في العالم. وتباطأ النمو النفطي في العراق العام الماضي بسبب مشكلات فنية وأمنية فضلا عن الخلاف بين بغداد والإقليم الكردي شبه المستقل في الشمال. وقد يستمر تأثير تلك العوامل على وتيرة النمو.

وتوقف الأكراد الذين يتنازعون مع الحكومة المركزية في بغداد على حقوق استغلال النفط عن تصدير الخام عبر الشبكة الوطنية قبل أكثر من عام. ويتعرض خط الأنابيب الذي يمتد من الحقول العراقية الشمالية إلى تركيا لهجمات تخريبية متكررة وهو ما يعطل الصادرات. ولم يؤثر العنف المتصاعد على العمليات في الجنوب لكن الشركات الغربية العاملة هناك تقول إن تدهور الوضع الأمني والانتخابات المقرر إجراؤها في نهاية ابريل نيسان ربما انها تبطيء الموافقة على عقود مهمة. وسقط في العراق العام الماضي أكبر عدد من القتلى المدنيين منذ بدء انحسار العنف الطائفي في 2008 إذ بلغ العدد حوالي ثمانية آلاف قتيل. وقالت الأمم المتحدة إن أكثر من 700 شخص قتلوا جراء أعمال العنف في العراق في فبراير شباط.

وبلغ إنتاج النفط العراقي العام الماضي حوالي ثلاثة ملايين برميل يوميا بزيادة طفيفة عن 2012. وسمح التباطؤ في العراق وانخفاض الإنتاج الليبي والعقوبات المفروضة على إيران لدول أخرى في أوبك لاسيما السعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة بتفادي تخفيضات كبيرة في الإنتاج. وبفضل أسعار النفط المرتفعة تمكنت أوبك على مدى سنوات من إرجاء مسائل صعبة تتعلق بكيفية تقسيم الإنتاج بين الدول الاعضاء. بحسب رويترز.

ومن المتوقع أن تتغير نظرة المسؤولين المتساهلة مع النمو العراقي حين تعود ليبيا وإيران إلى سابق عهدهما. وقال مصدر في أوبك "الإنتاج العراقي لم يسجل نموا يذكر العام الماضي لكن يبدو أنهم يحققون تقدما هذا العام." "مع تزايد الإنتاج العراقي ستظهر مسائل تتعلق بمن قد يتعين عليه ان يخفض الإنتاج."

انبوب لنقل النفط

الى جانب ذلك أبلغ وزير النقل العراقي هادي العامري رئيس الوزراء الاردني عبد الله النسور موافقة حكومة بلاده رسميا على مد انبوب لنقل النفط الخام العراقي من البصرة، جنوب العراق، الى مرافئ التصدير في ميناء العقبة، اقصى جنوب المملكة على ساحل البحر الأحمر، بحسب ما افاد مصدر رسمي أردني.

وبحسب وكالة الانباء الاردنية الرسمية التي اوردت النبأ فقد "ابلغ وزير النقل العراقي رئيس الوزراء رسميا بموافقة مجلس الوزراء العراقي على مد انبوب النفط بين العراق والاردن". واوضح العامري ان "الخط سيتم تنفيذه من قبل شركات كبرى متخصصة في هذا المجال". من جهته، اكد النسور "حرص الاردن على تعزيز علاقاته مع العراق في شتى المجالات خدمة لمصالح البلدين والشعبين الشقيقين"، مشيرا الى ان "الاردن لا يتدخل في الشأن الداخلي للعراق واهتمامه بان يبقى العراق مستقرا وموحدا".

وكان البلدان وقعا في التاسع من نيسان/ابريل 2013 اتفاقية اطارا لمد الانبوب الذي يبلغ طوله 1700 كلم وتقدر كلفته بنحو 18 مليار دولار وبسعة مليون برميل يوميا. وسينقل الانبوب النفط الخام من حقل الرميلة العملاق في البصرة (545 كلم جنوب بغداد) الى مرافئ التصدير في ميناء العقبة (325 كلم جنوب عمان). ويأمل المسؤولون العراقيون في ان يبلغ الانتاج النفطي تسعة ملايين برميل في اليوم بحلول 2017، مقابل 2 الى 2,5 مليون برميل في اليوم كمعدل حالي، وهو هدف متفائل جدا بحسب صندوق النقد الدولي ووكالة الطاقة الدولية.

ويأمل العراق الذي يملك ثالث احتياطي نفطي في العالم يقدر بنحو 143 مليار برميل بعد السعودية وايران، في ان يؤدي بناء هذا الانبوب الى زيادة صادراته النفطية وتنويع منافذه، فيما تأمل المملكة التي تستورد 98 بالمئة من احتياجاتها من الطاقة من الخارج، في ان يؤدي مد هذا الانبوب الى تأمين احتياجاتها من النفط الخام والبالغة حوالى 150 الف برميل يوميا. بحسب فرانس برس.

ويعاني الاردن من ظروف اقتصادية صعبة وشح الموارد الطبيعية ودين عام تجاوز 23 مليار دولار وعجز في موازنة العام الحالي قدر بنحو ملياري دولار واعباء فاقمها وجود نحو نصف مليون لاجئ سوري في المملكة. وكان الاردن الذي يقيم على اراضيه مئات الالاف من العراقيين، الشريك التجاري الاول للعراق قبل الاجتياح الاميركي لهذا البلد في العام 2003، ومن اهم المصدرين في اطار برنامج "النفط مقابل الغذاء والدواء" الذي طبق من 1996 حتى 2003. وكان العراق يزود الاردن بكميات من النفط باسعار تفضيلية واخرى مجانية في عهد صدام حسين. ومنذ الغزو الاميركي للعراق، رفع الاردن اسعار المشتقات النفطية اكثر من مرة.

خطط إستراتيجية

من جهة اخرى اعلنت شركة توتال النفطية الفرنسية العملاقة انها تنوي بناء مجمع بتروكيميائي "عملاق" في العراق، وذلك في اطار استراتيجيتها لتطوير انشطتها على صعيد التكرير الكيميائي في الاسواق المزدهرة في الشرق الاوسط. وقد وقع المدير العام لفرع التكرير الكيميائي في توتال باتريك بويان في تشرين الثاني/نوفمبر 2013 رسالة نيات مع نائب وزير الصناعة والمناجم في العراق محمد عبدالله محمد زين، حول اعداد دراسة وبناء مجمع بتروكيميائي في منطقة البصرة جنوب العراق.

وقالت متحدثة باسم المجموعة النفطية "هذا اتفاق بين وزارة الصناعة والمناجم العراقية وتوتال لاعداد دراسة جدوى تمهيدية حول مجمع بتروكيميائي عملاق في العراق". واضافت "تجرى في هذه المرحلة مناقشات استكشافية ستتأكد في الاشهر المقبلة"، لكنها لم تحدد قيمة الاستثمار المطروح.

وتأمل توتال في ان تعزز انشطتها على صعيد التكرير الكيميائي في الاسواق المزدهرة في اسيا والشرق الاوسط الموجودة فيها منذ فترة طويلة، فيما هذا الفرع بالكاد موجود في اوروبا، بسبب صعوبات مستمرة على صعيد التكرير المتأثر بالمنافسة الدولية. واعتبر باتريك بويان ان توتال و"نظرا الى ماضيها وحاضرها في العراق، من الطبيعي ان تهتم بتنمية موارد الغاز في البلاد". وتستثمر المجموعة اليوم 15% من رؤوس اموالها في منطقة آسيا- الشرق الاوسط، وتأمل في زيادة هذه الحصة الى 30% قبل 2017. بحسب فرانس برس

على صعيد متصل قال مسؤول عراقي كبير إن الحكومة وافقت على عقدين رئيسيين بنحو مليار دولار لحقل الزبير النفطي الذي تديره شركة ايني في الوقت الذي تعمل فيه بغداد على تسريع عملية التطوير. وكانت الشركة الإيطالية قالت في وقت سابق إنها مستعدة لمغادرة العراق في حالة عدم توقيع عقود معينة خلال الأسابيع القليلة المقبلة حيث تنذر الإجراءات شديدة التعقيد في البلاد بإبعاد المستثمرين. وقال المسؤول العراقي "نحترم ايني ونأخذ آراءها بجدية. ونريد منها البقاء في العراق." وأضاف "نبذل كل ما في وسعنا للموافقة على عقود عالية التكلفة في أقرب وقت ممكن. وإذا تأجلت فسيؤثر ذلك على الإنتاجية والربحية."

انسحاب سونانجول الأنجولية

الى جانب ذلك قالت مسؤولة تنفيذية كبيرة في شركة النفط الوطنية الأنجولية سونانجول إن الشركة قررت الانسحاب من العراق بسبب مشكلات أمنية بمنطقة تدير حقلين نفطيين فيها. وكانت سونانجول فازت في 2009 بحق إدارة حقلي القيارة والنجمة النفطيين بمحافظة نينوى في شمال غرب العراق حيث ينشط مسلحون.

وقالت أنابيلا فونسيكا العضو بمجلس إدارة سونانجول والمسؤولة عن الاستثمارات الدولية في مؤتمر صحفي "نعمل في العراق كشركة مشغلة في منطقة يحتدم فيها الصراع. لم نتمكن العام الماضي من تنفيذ أي أعمال نظرا للأوضاع الأمنية ... لذا قررنا المغادرة." وأضافت أن الشركة أعلنت حالة القوة القاهرة العام الماضي وهو ما قبلته الحكومة العراقية في ظل ارتفاع نفقات سونانجول بينما عجزت عن تطوير الحقلين. بحسب رويترز.

وتقدر الاحتياطيات النفطية في حقل القيارة بنحو 800 مليون برميل وفي حقل النجمة بحوالي 900 مليون برميل وتبلغ حصة سونانجول 75 بالمئة في الحقلين. وقالت فونسيكا إنه يجري حاليا تدقيق فني ومالي مستقل حتى تستطيع سونانجول إنهاء عملياتها دون انتهاك أي التزامات تعاقدية من جانبها تجاه الحكومة العراقية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 10/آذار/2014 - 7/جمادي الأولى/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م