قرار مقاطعة قطر وتنظيف الأيدي من الدماء

 

شبكة النبأ: القرار الثلاثي، السعودي – الإماراتي - البحريني بسحب السفراء من الدوحة، أظهر أسباباً، وأخفى أخرى ربما تحمل في طياتها ملامح اللاعب الخليجي الأقوى والأكثر تأثيراً في المنطقة، في ضوء التنافس القديم – الجديد على الزعامة والنفوذ بين السعودية تحديداً وقطر، فقد جاء التعليل بأن الاخيرة لم تلتزم بالتعهد الخطي الذي وقّعه أميرها الشيخ تميم آل ثاني في الرياض في 23 تشرين الثاني الماضي بوساطة أمير الكويت صباح الأحمد الصباح. وتضمن التعهد، التوقف عن دعم الإخوان المسلمين، وعدم إيواء قيادتهم المصرية والسعودية، والتوقف عن دعم الحوثيين في اليمن، وعدم القيام بأي عمل يسيء إلى استقرار السعودية والبحرين والإمارات من خلال دعم أفراد محسوبين على تيار الإخوان، أو جماعات معارضة تسعى للتغيير في هذه الدول.

ويبد ان هذا القرار جاء تنفيذاً لتهديدات أطلقها وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل في الكويت في شباط الماضي، خلال اجتماع وزراء خارجية مجلس التعاون، حيث لفت المراقبون التوتر الشديد وحدّة نبرة كلام الفيصل أمام أمير قطر وهو يتهمها بأنها تهدّد أمن السعودية ومصر بدعم "الإخوان"، وأنها تحوّلت الى مأوى لكل من يريد القيام بأعمال تضر بالاستقرار في مصر والدول الخليجية، وأعلن انه سيتخذ "تدابير عقابية" في حال عدم التزام قطر بالتعهد، من بينها: سحب السفراء، وإغلاق الحدود البرية، ومنع الطائرات القطرية من استخدام المجال الجوي السعودي، وحتى، إلغاء عضوية قطر من مجلس التعاون الخليجي، ومن الجامعة العربية بالاتفاق مع مصر..!.

مراقبون ومتابعون لمسيرة التنافس المحموم بين الدوحة والرياض، يؤشرون على عدة معطيات سبقت هذا القرار الثلاثي الاخير، لها ابعاد داخلية وخارجية:

الامر الاول: يتعلق بالداخل السعودي.. فقد بدأت السعودية خطوات عملية لتنظيف يدها من آثار الدماء والجرائم الإرهابية – التكفيرية التي وقعت على مدى السنوات الماضية، من العراق مروراً بسوريا ولبنان، والتبرؤ من كل مواطن سعودي غادر المملكة وانضم الى الجماعات الارهابية، وقد أعطى "أمراً ملكياً" مهلة اضافية لمن يقاتل الى جانب الجماعات الارهابية في سوريا، خمسة عشر يوماً، للعودة الى البلاد والاستفادة من "العفو الملكي" او الاعتقال.. كما اعلنت وزارة الداخلية ولأول مرة، عن ادراج الاخوان المسلمين وتنظيم "داعش" وحزب الله السعودي، وتنظيم "القاعدة"، ضمن المنظمات الارهابية، بما يعني ان الرياض تحاول أن تظهر للعالم على أنها لن تكون بعد اليوم البلد المنتج للانتحاريين ولن تنساب ملايين الدولارات الى الجماعات الارهابية بشكل غير مباشر. وهذا ما يؤهلها لأدوار، تعتقد انها بناءة على الصعيد الاقليمي والدولي.

الامر الثاني: قرب الاعلان عن موعد اجراء الانتخابات الرئاسية في مصر، والحرص على تكريس صورة وزير الدفاع، عبد الفتاح السيسي، على أنه الشخص الأكفأ والأجدر لمستقبل مصر، وانه الأوفر حظاً بالفوز بالانتخابات الرئاسية. ويشير مراقبون الى التزامن الحاصل في قطع العلاقات مع قطر ومع "الاخوان" ما يؤكد مدى الاهتمام السعودي بأن تكون الطريق الى الرئاسة المصرية من دون تنافس او حتى ازعاج من الاخوان، ميدانياً وما يقومون به من حراك عنيف في الشارع، واعلامياً من خلال الخطابات التي يزودها بهم "القرضاوي" من منبره الدائم "قطر". لاسيما وان الاخيرة قد وصفت الاطاحة بالرئيس محمد مرسي في تموز الماضي، بمثابة "انقلاب على الشرعية". بما يعني سد الطريق نهائياً أمام أي دور قطري – اخواني في مصر، فقد ساعدت قطر في عهد أميرها السابق حمد بن خليفة آل ثاني، الاخوان على الوصول الى كرسي الحكم في مصر، في ضوء الدعم والمساندة التي قدمتها للجماعات السياسية التي استفادت مما يسمى "الربيع العربي" لتحقيق التغيير السياسي في بلادها، مثل تونس وليبيا وسوريا.

قطر من جانبها، لم تشأ التعامل بالمثل مع أشقائها الثلاث، فجاء الموقف الحذر متمثلاً بالبيان الصادر عن مجلس الوزراء القطري الذي وضع الخلاف في إطاره المحدد. وجاء إنه "لا علاقة للخطوة التي أقدم عليها الأشقاء في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين بمصالح الشعوب الخليجية وأمنها واستقرارها، بل باختلاف في المواقف حول قضايا واقعة خارج دول مجلس التعاون"، وهي اشارة واضحة الى المصالح السعودية في مصر وسوريا، ويرى المراقبون في هذا الموقف المميز النأي عن حالة التنافس المحموم مع كل من السعودية والامارات والتحرك نحو تحالفات جديدة في المنطقة تنال من التطاول السعودي بشكل خاص، مع علم الدوحة أنها لن تعود ثانية الى مصر، في ظل الأوضاع الراهنة، إلا ان بامكانها ان تترك بصماتها على التشكّل الجديد في المحيط الخليجي.

بعض المراقبين يشيرون الى احتمال تحرك الدوحة صوب طهران الساعية الى بسط نفوذها وهيمنتها على الشرق الاوسط برمته، والظهور بمظهر البلد المقتدر نووياً في المنطقة والقادر على تحدي الغرب وامريكا. وربما تكون للمفهوم السياسي الايراني بخصوص الامن تحديداً، وهو الاعتماد على القدرات الذاتية لتحقيق الامن وعدم الاعتماد على الغرب وامريكا، ما يروق للدوحة التي ترى انها تتعرض لحالة من التحجيم والتطويع من الآخرين الذين لا يرغبون برؤيتها دولة ناهضة وقوية ومؤثرة، وهذا تحديداً ما يبحث عنه الايرانيون في شريك لهم داخل مجلس التعاون الخليجي.

من جهتها العواصم الغربية وتحديداً واشنطن، تترقب نتائج هذا الصراع الخليجي – الخليجي، فاذا ترشح السيسي للرئاسة واصبح رئيساً للجمهورية، فان السعودية ومعها الامارات سيظهران للعالم بأنهما راعيان للأمن والاستقرار في بلد يحتل موقعهاً استراتيجيا في المنطقة والعالم، وربما يشاركان الحكم الجديد في الضرب بيد من حديد على المعارضين وفي مقدمتهم جماعة الاخوان، وبالتالي ستحقق السعودية هدفها وأملها الوحيد بتحسين صورتها الملوثة بالدماء امام العالم، وتتمكن من قول شيء جديد في مشاريع التغيير في المنطقة وفي مقدمتها الوضع السوري الذي يتأرجح بين تقدم قوات النظام في مناطق مختلفة، وبين التذبذب والهشاشة في المواقف العسكرية والسياسية للمعارضة على الأرض.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 10/آذار/2014 - 7/جمادي الأولى/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م