الاسلام السياسي في العراق.. الشعارات والتجربة

في ملتقى النبأ الاسبوعي

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: وهم "عودة الاسلام" هي النتيجة التي يتوصل اليها اوليفيه روا في كتابه "الاسلام السياسي" الصادر العام 1996 عن دار الساقي.. المؤلف لا يطلق على  الحركات والاحزاب التي توظف الاسلام في دعواتها تسمية "الاسلامية" انه يطلق عليها "الاسلاموية" للدلالة على تقاطعها مع الكثير من تعاليم الاسلام.

يعتقد المؤلف، ان تلك الاحزاب والحركات ما عادت تقدم نموذجا لمجتمع اخر، او لغد مشرق. وهكذا فان كل انتصار للاسلاموية اليوم في بلد مسلم سيكون سرابا خادعا، بحيث انه لن يغير شيئا الا العادات والقانون. لقد استحالت الاسلاموية الى سلفية جديدة لا يشغلها شاغل سوى اقامة القانون الاسلامي، اي تطبيق "الشريعة"، دون ان تخترع اشكالا سياسية جديدة الامر الذي يحكم عليها بالا تكون اكثر من واجهة لمنطق سياسي يفلت منها، في حين تتوزعها هي كافة الانقسامات والتشرذمات التقليدية.

مصطلح الإسلام السياسي، استغرق سبع سنوات منذ تحولاته من الاسلام الاصولي، مرورا بالإسلاميين المتطرفين، واستقراره اخيرا على التسمية الحالية.

بدأ ذلك من خلال المؤتمر العالمي والذي انعقد في واشنطن من العام 1994 تحت مسمى "خطر الاسلام الاصولي على شمال افريقيا" وكان يتعلق وقتها بالسودان، التي اعتبرت بوابة لتصدير الثورة الايرانية الى افريقيا.

في سنوات لاحقة، ومع تطور الاحداث في الجزائر، تم استبدال هذا المصطلح بمصطلح "الإسلاميون المتطرفون" لتستقر بعد تفجيرات برجي مركز التجارة الدولية بمنهاتن ومقر وزارة الدفاع الأمريكية"البنتاجون" في 11 سبتمبر 2001 على  تسمية "الإسلام السياسي".

كيف ينظر الى احزاب الاسلام السياسي في العراق بعد تجربة استمرت لأكثر من عشر سنوات منذ العام 2003 وحتى مستقبل قريب؟.

في السنوات الماضية وفرت الأجواء التي أعقبت العام 2003، فرصا كبيرة، وغطاء واسعا لاستخدام الدين والخطاب الديني الى اقصى حدوده الممكنة، مع اتخاذ المنافس السياسي الاخر "علماني – ليبرالي – ديمقراطي" عدوا متوهما لجماعات الإسلام السياسي، واصبح هذا العدو بمرور الوقت هدفا وضحية.

النشاط السياسي الشيعي، الذي كان ينشد قيام دولة إسلامية، يعود الى الاربعينات من القرن الماضي، عبر تأسيس جمعية مثلت الشباب المسلم.

الحزب الإسلامي العراقي يمثل بدوره احد اعمدة الإسلام السياسي السني، وهو حزب تأسس عام 1960 ويمثل امتدادا لتجربة الأخوان المسلمين وتولى رئاسته عند تأسيسه عبد الرزاق السامرائي، وتولى إياد السامرائي رئاسته عند إعادة تأسيسه في لندن عام 1990، وبعد غزو العراق عام 2003 والاطاحة بالنظام البعثي شارك الحزب في مجلس الحكم وفي الحكومة العراقية المؤقتة، لكنه اختار الانسحاب ومقاطعة الانتخابات العراقية بعد أحداث الفلوجة عام 2003.

تطورت ظاهرة الإسلام السياسي في العراق، بعد قيام الثورة الإيرانية، ثم اندلاع الحرب بين العراق وايران، التي وفرت الكثير من الكوادر والاتباع المسلحين، الذين وصلوا ايران نتيجة عمليات التهجير ضدهم.

في العام 1982 تأسس في ايران "المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق"، وشكل ذراعا عسكريا له عرف باسم "قوات بدر". وفي ايران أيضا، أعاد حزب "الدعوة الإسلامية" بناء نفسه، بعد تعرضه لخسائر فادحة في مواجهته للسلطات العراقية، وما أصابه من انشقاقات في قياداته وقواعده، ليعود بعد العام 2003 إلى العراق فاقدا الكثير من أعضائه.

أحزاب الإسلام السياسي وبعد العام 2003 شاركت في السلطة بعد انتقالها من خانة المعارضة، وتوفرت لها الكثير من الفرص، لتطبيق شعاراتها التي كانت ترفعها.. الا ان ما حدث كان بعيدا جدا عن تلك الشعارات، وبالتالي فقدت التعاطف والمصداقية التي كانت لديها وهي في المعارضة ودول المهجر.

ما الذي قاد الى هذه النتائج الموجودة على ارض الواقع العراقي، فهناك الكثير من النفور وعدم التقبل لخطابات تلك الأحزاب الإسلامية، التي ما برحت تلعب على العامل الديني، وبصورة اكثر تحديدا العامل الطائفي، الذي لا يؤسس لمشروع دولة، وليس لديه برامج للتنمية أو التعايش والتعددية.

حول هذا الموضوع كان ملتقى النبأ الأسبوعي.

البداية كانت من الدكتور علي ياسين التدريسي في جامعة كربلاء المقدسة الذي انطلق من سؤال جوهري في تجربة الإسلام السياسي في العراق بعد توليه السلطة، وكان سؤاله هو اين يكمن الخلل في فشل تلك التجربة؟.

يرى علي ياسين، ان أحزاب الإسلام السياسي، في استخدامها للدين كشعار عريض، فإنها تقوم بمحاولة توظيف ما يسميها "اللحظة الإسلامية" من خلال استعادة النموذج الإسلامي الأول، واسقاطه على الحاضر، وهم في محاولتهم تلك، يتناسون الظروف والازمان والتطورات الحديثة، في السياسة والاجتماع والاقتصاد، وغير ذلك.

الإسلام السياسي المعاصر، في استلهامه للنموذج الأول، ومحاولة استعادته، يبتعد كثيرا عن روح الإسلام، غير القابلة للاستعادة، بسبب الكثير من التأويلات التي طمست النصوص الأولى، وأصبحت متسيدة عليها.

يستعيد علي ياسين النموذج الذي قدمه سيد قطب لمحاولة الاستعادة تلك، والذي قاد الى الصدام مع مجتمعه، مجتمع كافر بكل قياسات الاستعادة، وأعطى لفهمه الديني حقا الهيا بالأفضلية على اديان الاخرين او مذاهبهم، مثلما فعل اليهود تحت مقولة "شعب الله المختار". الإسلام المؤول من قبل سيد قطب، والحركات الإسلامية التي بنت على فكره، هو تأويل مغرق في الغاء الاخر واستباحة دمه.

يطرح علي ياسين سؤالا اخر: كيف يمكن لنا قياس مصداقية المفاهيم، أو بعبارة أخرى، كيف يمكن تحويل المفاهيم الى واقع؟.

في رؤيته لتجربة الإسلام السياسي في العراق، يرى ياسين، انها مارست عملية التمترس بالعاطفة الدينية، وتخندقت خلفها. وهو يعتقد أيضا، ان المجتمع العراقي، وبحكم سرعة استجابته وتأثره بالعاطفة الدينية، ساعد تلك الحركات والأحزاب، على الايغال في هذا التخندق، مستشهدا برأي علي الوردي في تفسيره لمثل هذا التأثر.

في معالجته لكل احباطات الاسلام السياسي يقترح علي ياسين اللجوء الى الليبرالية وتمظهراتها لإذابة جميع الفوارق بين أبناء المجتمع العراقي.

المداخلة الأولى، كانت من قبل مرتضى معاش، رئيس مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام، والذي تحدث في البداية عن تجربة الاخوان المسلمين في مصر وغيرها من بلدان، مستشهدا باراء الباحث رفعت السعيد وكتاباته حول تلك الجماعة، والذي وجه نقدا شديدا لتوجهاتهم المستعارة من تجارب قومية كثيرة ظهرت قبل تشكيل تلك الجماعة، واستعارتها كمناهج عمل.

وهي نفس الاستعارة التي قامت بها بعض الاحزاب الاسلامية في العراق، حيث يعتقد معاش، ان أحزاب الإسلام السياسي تستخدم الدين لأغراض خاصة، وهي لا تفرق بين شكل الدين ومضمونه، ولا بين  مظهره وجوهره. وهي كثيرا ما تميل الى استيراد المظهر والشكل على حساب الجوهر والمضمون النبيل للاسلام.

ويرى معاش، ان شعار "لاحكم الا لله" هو مجرد شعار لا يستوحي الروح الحقيقية للاسلام، والذي يراها تنسجم مع جوهر الديمقراطية، وبما تمثله من قيم "العدالة – المساواة – حرية التعبير".

يتساءل معاش، اين هو زهد القادة؟. وبعض الأحزاب، ترفع شعار "اسلام علي بن ابي طالب"عليه السلام" لكنها تطبق "اسلام معاوية".

في معرض رده على ملاحظات الدكتور علي ياسين، يرى معاش، ان مفهوم الفرقة الناجية قد تم استغلاله استغلالا خاطئا، واصبح يتقاطع مع الآية القرآنية المباركة "كنتم خير امة"، التي جوهرها هو التفوق في التقوى والقيم الإنسانية، والتي نراها أيضا واضحة في سورة الحجرات "ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم"، واصبح الإسلام السياسي يحاول تطبيق شعاراته من خلال العنف "المقدس" وتطبيق الإسلام الشكلي بالقوة.

ويقيم معاش تفريقا بين نموذجين من الإسلاميين هما "المخلص والانتهازي" ويرى ان الانتهازيين هم الذين يكونون في مستنقع المفاسد، وتكمن مشكلة المخلص أحيانا، انه يؤيد ويشجع الانتهازي على محاربة الاخرين.

انهما نموذجان موجودان، كما كان في زمن الامام علي عليه السلام، والنماذج الثلاثة الذين وقفوا ضده وهم "المارقون – القاسطون – الناكثون".

ما يعانيه الإسلام السياسي، حسب رؤية معاش، هو الخلل في الفهم، فهم ان الدين فوق السياسة، ولا يمكن اخضاعه لصراعات السياسة ودسائسها، وخلل اخر ينبع من فهم القوانين، والتي يرى انها في الإسلام، شرعت للردع، لان الأهم هو جوهر تلك القوانين لا نصوصها.

وفي معرض رده على الدكتور علي ياسين، حول الليبرالية وكونها نموذجا نحتاج اليه في مجتمعاتنا، يرى معاش، ان الليبرالية دين شمولي اخر، حاله حال ما تبشر به بعض الأحزاب الإسلامية، فالليبرالية الاجتماعية مثلا والتي أساسها الفلسفة الوجودية لسارتر، تمارس نفس الدور للدكتاتورية والشمولية، دون الاخذ بنظر الاعتبار مطابقة ما تدعو اليه، والقضايا الفطرية الإنسانية، مثال ذلك "حرية الإجهاض – حرية الزواج المثلي"، انها دين اخر، يضيف معاش.

يستمر في تحليله، وهذه المرة يشرح العلاقة بين الدين والتدين، ويرى انه لا يمكننا الفصل بين الاثنين، لان التدين سلوك يعكس الدين وثقافة الانسان الذي يتدين به.

ويفرق معاش بين التدين "المتشدد أو الخشن" الذي يقود الى الغلو والعنف، ويراه رد فعل لواقع معين، ينوء به انسان جاهل. وهناك التدين "الناعم أو اللين"، الذي بشر به الأنبياء ومارسه الائمة "عليهم السلام" في حياتهم وسلوكهم مع الاخرين.

 في معالجته للواقع الذي افرزته تجربة الإسلام السياسي في العراق، يستشهد معاش بمقولة للامام علي "عليه السلام" وهي "خير البلاد ما حملك"، و(خير هذا الحمل" هو احترام البلد لابنائه، ويعتقد معاش، ان الإسلام قابل للتطبيق، لكن ذلك يحتاج الى همة وجهد في فهمه الصحيح. ويمكن ذلك من خلال إعادة برمجة الانسان، والدفع به الى الشعور بالمسؤولية، مع صناعة "النموذج الصالح".

يختم معاش مداخلته بالتركيز على نقطتين جوهريتين يرى اننا بحاجة اليهما، مثلما فعل الغرب في تشريعاته وهما:

يجب ان تكون الحريات مقدسة، والقبول بالتنوع مهما كانت أطيافه الموجودة في المجتمع.

كانت هناك عدد من المداخلات الأخرى التي اشترك فيها احمد جويد مدير مركز ادم للدفاع عن الحقوق والحريات، وباسم الزيدي الباحث في مركز المستقبل للدراسات والبحوث، والإعلامي محمد امين، وكذلك حيدر الجراح.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 10/آذار/2014 - 7/جمادي الأولى/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م