أخلاقيات التغيير.. العدل

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: شغلت مقولة العدل الإنسان منذ بدأ يعي ما يدور حوله ويطرح الأسئلة على نفسه بحثا عن اجابات عليها. وقدم لها الفلاسفة منذ فجر الفلسفة عدة تعريفات، تبعا لتعدد الفلسفات ومناهج المعرفة التي استندوا اليها..

عرّف السفسطائيون العدل بأنه (منفعة الأقوى)، وعرفه سقراط بأنه (إعطاء كل شخص حقه) وعرفه أرسطو بأنه (ممارسة الفضيلة والسلوك المستقيم في علاقتنا مع الآخرين)، وعرفه هوبز بانه (طاعة القوي القادر على ان يجعل نفسه مطاعاً)، وعرفه هنري برجسون بأنه (ما يثير في الذهن أفكار المساواة والنسبة والتعويض). وعرفته الفلسفة الوضعية بانه (طاعة الأفراد لقوانين السلطة)، وعرفته فلسفه القانون الطبيعي (بانه جزء متأصل في طبيعة الإنسان، يتم اكتشافه بالعقل، ومن ثم تطبيقه بواسطة القوانين الوضعية المتسقه مع قواعد القانون الطبيعي). أما الفلسفة النفعية فعرفته بانه  (القوانين التي تهدف إلى منفعة الناس وخيرهم).

في اللغة العربية يعني العدل كما في لسان العرب، ما قام في النفوس أ نّه مستقيم، وهو ضدّ الجور. والعدل في أسماء اللّه تعالى يعني الحكم بالحق. والعدل في الناس يعني المرضي قوله وحُكمه.

في كتابه (حلية الصالحين) والذي خصصه المرجع الديني السيد صادق الشيرازي (دام ظله) لشرح مضامين دعاء مكارم الاخلاق للامام زين العابدين (عليه السلام) يتطرق الى مقطع من الدعاء، في قوله (عليه السلام):

(وحلني بحلية الصالحين والبسني زينة المتقين). والحلية، كما يشرح المرجع الشيرازي، هي كل ما يتحلى بها لإظهار جمال الشيء. ويتساءل: ما هي حلية الصالحين؟، وما هو لباس المتقين؟.

انه (التقوى نفسها). وهو لباس (يستر الشهوات والقبائح في نفس الانسان، والتي تمثل مركز المشكلات له).

كثير من الناس، لا يعمل على الابتعاد عن هذا المركز، لاسباب عديدة ومتنوعة، لهذا تراه وكأنه يبحث عن المشاكل بدل الهروب منها، لما توسوس له نفسه الامارة بالسوء، وهو دائما مايكون في دائرة الخطر والسقوط، في اتباعه لشهواته، واظهار القبيح الذي استفحل في نفسه.

وقليل من الناس، هم الذين يحاولون ان يبتعدوا عن مركز المشاكل، ومحاولاتهم لا تتوقف، فهي مستمرة، طالما هم على قيد الحياة، ويعلمون ان طرقها تؤدي الى الاخرة التي يطمحون للفوز بها.

هذا الانسان، الذي يرتدي لباس التقوى، (انسان كبقية الناس، له شهوات، الا انه يعيش في عملية تجاذب دائم بينها وبين عقله، بيد ان غيره تكون شهواته وقبائحه ظاهرة، والسوء باد في عينيه وعلى لسانه وعمله، اما المتقي فشهواته وسوءاته مستورة، قد سترها بلباس متين ورصين ليس رثا ولا وسخا ولا ممزقا بل كله زينة وتقوى).

انه اذن صراع لا ينتهي، بين الشهوات التي تعترض طريقه، وبين عقله، الذي يؤشر اليه افضل الطرق للوصول.

في تتمة الدعاء، يستطرد الامام السجاد (عليه السلام) لبيان مفردات حلية الصالحين وزينة المتقين فيعدد مجموعة من الصفات، يرى المرجع الشيرازي (دام ظله) ان (كلا منها ينطوي على عالم من المعاني).

بسط العدل، احدى تلك الصفات، والبسط في اللغة مقابل القبض، والعدل كما ذكرنا سابقا هو ما كان ضد الجور.

يقول السيد المرجع، (وقد حسّن الشارع كل انواع البسط  في الفضائل والقيم ومدحها، ولذلك نرى الامام هنا مع البسط كل البسط، لان العدل ليس فيه افراط بل كله ممدوح ماجور فعله، ومن ثم فعلى الانسان ان يسعى لبسط العدل ونشره مهما وسعه).

والعدل يعني وضع الشيء في موضعه، فالله سبحانه وتعالى قد سن العدل في الامور التكوينية والتشريعية على حد سواء، وما من شيء قد قام في السموات والارضين الا بعدل بارئه سبحانه وتعالى.

ليس العدل المقصود هنا هو العدل الالهي، بل المطلوب هو عدل الانسان مع الاخرين.

فـ (على المؤمنين ان يبسطوا العدل، وان يبدأوا بانفسهم حتى يصلوا بعدلهم الى من سواهم قولا وعملا).

روي عن الامام امير المؤمنين (عليه السلام) انه قال: (سياسة العدل ثلاث: رقة في حزم، واستقصاء في عدل، وإفضال في قصد). وفي حديث اخر: (العدل اساس به قوام العالم).

من خلال هذا الفهم للعدل، يمكن ذكر عدد من انواعه:

عدل الإنسان مع الله عز وجل، ويتلخص  في الإيمان به، وتوحيده، والإخلاص له، والتوله بحبه والتشرف بعبادته، والدأب على طاعته، ومجافاة عصيانه، اي الابتعاد عن مركز المشاكل (الشهوات والقبائح).

عدل الإنسان مع المجتمع، وذلك برعاية حقوق أفراده، وكف الأذى والإساءة عنهم، وسياستهم بكرم الأخلاق، وحسن المداراة وحب الخير لهم، والعطف على بؤسائهم ومعوزيهم، ونحو ذلك من محققات العدل الاجتماعي.

عدل الحكام، وحيث كان الحكام ساسة الرعية، وولاة أمر الأمة، فهم أجدر الناس بالعدل، وأولاهم بالتحلي به، وكان عدلهم أسمى مفاهيم العدل، وأروعها مجالا وبهاءً، وأبلغها أثرا في حياة الناس.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 9/آذار/2014 - 6/جمادي الأولى/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م