مسارات الحرية ومسؤولية النخبة المثقفة

محمد علي جواد تقي

 

شبكة النبأ: كما من حق الانسان الفرد، تحقيق حريته في العمل والسكن والتعبير عن الرأي والعقيدة، وايضاً في الانتماء والاقتناع، فان من حق المجتمع معرفة مسارات هذه الحرية التي توصله الى مراقي التطور والنمو في الاصعدة كافة، فربما يتفق معظم المفكرين والمثقفين على أن الحرية ليست دائماً تكون في صالح الفرد او المجتمع، اذ لابد من أطر وضوابط تحول دون تقاطع وتضارب بين حرية الفرد ومصالح المجتمع، او ما يعرف بالمصلحة العامة او الذوق العام.

السؤال هنا؛ على من تقع مسؤولية تحديد تلكم الأطر والضوابط؟

هل الأحزاب السياسي الطامحة للحكم؟ أم السلطة السياسية الحاكمة؟

من الافضل غظ النظر عن هذا وذاك، لان النظرة السوداوية في بلادنا أزاء الاحزاب والحكام ترسخه في الاذهان، فما اكثر الشعارات المرفوعة، وما أقل التطبيق على ارض الواقع، إن لم نقل بالتعارض والتناقض بين القول والعمل.

يبقى "الاعلام" بمختلف وسائله وتوجهاته، صاحب الصولة والجولة في الساحة الثقافية، بما يمتلك من اساليب التأثير والاقناع والترويج. مدعوماً بالتقنية الحديثة لوسائل الاعلام والاتصال، التي باتت اليوم تقدم خدمة كبيرة واستثنائية من حيث سرعة وصول المعلومة والفكرة ليس فقط الى الغرف المغلقة، بل الى الجيوب الصغيرة، من خلال الهاتف النقال.

وحتى لا نجانب الحقيقة نقول: ان وسائل الاعلام ومعها مواقع النت ومن يقف خلفهما من مؤسسات ثقافية ومدارس فكرية، تخوض من فترة طويلة في مشروع التأطير وصنع القوالب الجاهزة، ولعل ابرز منتوج ثقافي من هذا المشروع هو الترويج للحرية الجنسية، طبعاً؛ ليس بالطريقة المباشرة والمفضوحة كما كان في العقود الماضية، انما من خلال وضع أطر فكرية وثقافية لهذا النوع من الحرية، من قبيل "حقوق الانسان" و"حرية المرأة" واشباه ذلك، وليس أدلّ على ذلك، الترويج للمثلية الجنسية في البلاد العربية، والحديث عنها في بعض القنوات الفضائية على أنها امر واقع لابد من الاعتراف به، بدعوى انه جزء من الحرية الفردية التي لا تلحق الأذى بأحد ولا تضر بالمجتمع!.

الى هذا المآل الخطير اشار سماحة الامام الراحل السيد محمد الشيرازي – قدس سره- في كتابه "نحو يقظة اسلامية"، حيث يدعو لمواجهة "الدعايات الزائفة لمختلف الانحرافات العقائدية والخلقية والسلوكية، فاللازم اهتمام المسلمين بتطويقها بمختلف الوسائل، مثل اصدار المجلات والصحف وتحذير الناس من الاستماع للبرامج الضارة..". وقد أكد سماحته في هذا السياق، على دور العمل المنظم الذي من شأنه تحقيق النجاح في عملية صيانة الحرية من الضياع والانحراف.

وفي ميدان السباق والتنافس على النفوذ والتأثير، نجد ان معظم – إن لم نقل جميعها- المؤسسات الاعلامية في بلادنا ضمن كيان النقابة او الاتحاد او الصحيفة او المجلة أو الموقع على الانترنت والاصدارات الدراساتية وغيرها، "تدّعي وصلاً بليلى.."!. وانها الأولى بحمل لواء حرية الرأي والتعبير والعقيدة للجميع، والترويج للحرية كمفهوم وحق بين اوساط المجتمع، وهي قادرة بالفعل والقوة على ترك بصماتها في هذا المجال من خلال عقد الندوات والمهرجانات والفعاليات الثقافية المختلفة. والاشكالية التي ستواجه المخاطب او المجتمع بشكل عام، هي وجود الاختلاف في التوجهات الفكرية والثقافية لهذه المؤسسات، الى حد القطيعة والتعارض.

فالمجتمع العراقي – مثلاً- يريد ان يعرف بالضبط حدود حريته، وكيف تكون مفيدة وبناءة لحاضره ومستقبله؟ واين تكمن هذه الحرية وكيف يمارسها..؟.

من البديهي ان تكون طريقة التعامل مع الحرية، بل وفهم معنى الحرية، مرتبطاً بالاطار الذي يحمل هذه الطريقة والفهم الخاص للحرية. فهنالك الحرية في الانتماء والاقتناع التي تتجاوز حقوق الأبوين وكيان الأسرة، كما هنالك حرية ربما تصطدم مع القيم الاخلاقية والدينية، بشكل او بآخر.

من هنا؛ يمكن القول ان نجاح الجهود الاعلامية ومدى تأثيرها في ايجاد بوصلة هادية للحرية، من رهون بتحديد النظرة العامة لهذه الحرية بما يتناسب وهوية المجتمع وتاريخه وانتماءه، وهذا يعني اننا نحقق للمجمع والشعب الحرية الحقيقية التي تعكس واقعه لا الواقع الذي يعيشه الشخص الكاتب او المنظّر او حتى المفكر مهما كانت طروحاته المدعومة بأدلة علمية .

وأجدني ملزماً بالاستعانة بمثال بارز وحيّ من ايران في اول تجربة خاضتها بما يسمى "الاصلاحات" في عهد الرئيس الاسبق محمد خاتمي، فقد اكد مراقبون ومثقفون في ايران على أن اقلاماً واصوات هادرة داعية الى الحرية والتعددية ونبذ الديكتاتورية وغير ذلك، أوجدت عاصفة هوجاء ضربت النسيج الاجتماعي بدلاً من ان تضيئ للذهنية الايرانية التي اعتادت طوال عقود من الزمن على حكم الفرد الواحد او تقديس القائد الرمز، ففي وقت كان المجتمع آنذاك، يعيش مشاكل وازمات نفسية واجتماعية، كانت الصحافة الاصلاحية تدعو لحل المشاكل السياسية لديها مع النظام الحاكم، فاخذت شريحة الشباب من هذه المطالبة او النافذة نحو الحرية، ما يحل مشاكله وازماته فكانت الحرية في عينيه هي الحرية الجنسية، وربما تكون نوايا الشريحة المثقفة غير هذا المسار، إلا ان عدم التطابق بين الواقع والطموح، وبين النظرية والتطبيق العملي هو الذي ربما يؤدي الى نتائج عكسية وخطيرة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 5/آذار/2014 - 2/جمادي الأولى/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م